الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
573 -
وَقَالَ أَيْضا أهل السّنة مجمعون على الْإِقْرَار بِالصِّفَاتِ الورادة فِي الْكتاب وَالسّنة وَحملهَا على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز إِلَّا أَنهم لم يكيفوا شَيْئا من ذَلِك وَأما الْجَهْمِية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها وَلَا يحمل مِنْهَا شَيْئا على الْحَقِيقَة ويزعمون أَن من أقرّ بهَا مشبه وهم عِنْد من أقرّ بهَا نافون للمعبود // صدق وَالله فَإِن من تَأَول سَائِر الصِّفَات وَحمل مَا ورد مِنْهَا على مجَاز الْكَلَام أَدَّاهُ ذَلِك السَّلب إِلَى تَعْطِيل الرب وَأَن يشابه الْمَعْدُوم كَمَا نقل عَن حَمَّاد بن زيد أَنه قَالَ مثل الْجَهْمِية كقوم قَالُوا فِي دَارنَا نَخْلَة قيل لَهَا سعف قَالُوا لَا قيل فلهَا كرب قَالُوا لَا قيل لَهَا رطب وقنو قَالُوا لَا قيل فلهَا سَاق قَالُوا لَا قيل فَمَا فِي داركم نَخْلَة
قلت كَذَلِك هَؤُلَاءِ النفاة قَالُوا إلهنا الله تَعَالَى وَهُوَ لَا فِي زمَان وَلَا فِي مَكَان وَلَا يرى وَلَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يتَكَلَّم وَلَا يرضى وَلَا يغْضب وَلَا يُرِيد وَلَا
وَلَا وَقَالُوا سُبْحَانَ المنزه عَن الصِّفَات بل نقُول سُبْحَانَ الله الْعلي الْعَظِيم السَّمِيع الْبَصِير المريد الَّذِي كلم مُوسَى تكليماً وَاتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَيرى فِي الْآخِرَة المتصف بِمَا وصف بِهِ نَفسه وَوَصفه بِهِ رسله المنزه عَن سمات المخلوقين وَعَن جحد الجاحدين لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير
وَلَقَد كَانَ أَبُو عمر بن عبد الْبر من بحور الْعلم وَمن أَئِمَّة الْأَثر قل أَن ترى الْعُيُون مثله وَكَانَ عالي الْإِسْنَاد لَقِي أَصْحَاب ابْن الْأَعرَابِي وَإِسْمَاعِيل الصفار وروى المصنفات الْكِبَار واشتهر فَضله فِي الأقطار
مَاتَ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة عَن سِتَّة وَتِسْعين سنة
القَاضِي أَبُو يعلى
574 -
قَالَ عَالم الْعرَاق أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْفراء الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي كتاب إبِْطَال التَّأْوِيل لَهُ لَا يجوز رد هَذِه الْأَخْبَار وَلَا
التشاغل بتأويلها وَالْوَاجِب حملهَا على ظَاهرهَا وَأَنَّهَا صِفَات لله عزوجل لَا تشبه بِسَائِر صِفَات الموصوفين بهَا من الْخلق قَالَ وَيدل على إبِْطَال التَّأْوِيل أَن الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ حملوها على ظَاهرهَا وَلم يتَعَرَّضُوا لتأويلها وَلَا صرفهَا عَن ظَاهرهَا فَلَو كَانَ التَّأْوِيل سائغاً لكانوا إِلَيْهِ أسبق لما فِيهِ من إِزَالَة التَّشْبِيه
يَعْنِي على زعم من قَالَ إِن ظَاهرهَا تَشْبِيه // قلت الْمُتَأَخّرُونَ من أهل النّظر قَالُوا مقَالَة مولدة مَا علمت أحدا سبقهمْ بهَا
قَالُوا هَذِه الصِّفَات تمر كَمَا جَاءَت وَلَا تَأَول مَعَ اعْتِقَاد أَن ظَاهرهَا غير مُرَاد فتفرع من هَذَا أَن الظَّاهِر يَعْنِي بِهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه لَا تَأْوِيل لَهَا غير دلَالَة الْخطاب كَمَا قَالَ السّلف الاسْتوَاء مَعْلُوم
وكما قَالَ سُفْيَان وَغَيره قرَاءَتهَا تَفْسِيرهَا
يَعْنِي أَنَّهَا بَيِّنَة وَاضِحَة فِي اللُّغَة لَا يبتغى بهَا مضائق التَّأْوِيل والتحريف
وَهَذَا هُوَ مَذْهَب السّلف مَعَ اتِّفَاقهم أَيْضا أَنَّهَا لَا تشبه صِفَات الْبشر بِوَجْه إِذْ الْبَارِي لَا مثل لَهُ لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته
الثَّانِي أَن ظَاهرهَا هُوَ الَّذِي يتشكل فِي الخيال من الصّفة كَمَا يتشكل فِي الذِّهْن من وصف الْبشر فَهَذَا غير مُرَاد
فَإِن الله تَعَالَى فَرد صَمد لَيْسَ لَهُ نَظِير وَإِن تعدّدت صِفَاته فَإِنَّهَا حق وَلَكِن مَا لَهَا مثل وَلَا نَظِير فَمن ذَا الَّذِي عاينه ونعته لنا وَمن ذَا الَّذِي يَسْتَطِيع أَن ينعَت لنا كَيفَ يسمع كَلَامه وَالله إِنَّا لعاجزون كالون حائرون باهتون فِي حد الرّوح الَّتِي فِينَا وَكَيف تعرج كل لَيْلَة إِذا توفاها بارئها وَكَيف يرسلها وَكَيف تستقل بعد الْمَوْت وَكَيف حَيَاة الشَّهِيد المرزوق عِنْد ربه بعد قَتله وَكَيف حَيَاة النَّبِيين الْآن وَكَيف شَاهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَخَاهُ مُوسَى يُصَلِّي فِي قَبره قَائِما ثمَّ رَآهُ فِي السَّمَاء السَّادِسَة وحاوره وَأَشَارَ عَلَيْهِ بمراجعة رب الْعَالمين وَطلب التَّخْفِيف مِنْهُ على أمته وَكَيف نَاظر مُوسَى أَبَاهُ آدم وحجه آدم بِالْقدرِ السَّابِق وَبِأَن اللوم بعد التَّوْبَة وقبولها لَا فَائِدَة فِيهِ وَكَذَلِكَ نعجز عَن وصف هيأتنا فِي الْجنَّة وَوصف الْحور الْعين فَكيف بِنَا إِذا انتقلنا إِلَى الْمَلَائِكَة وذواتهم وكيفيتها وَأَن بَعضهم يُمكنهُ أَن يلتقم الدُّنْيَا فِي لقْمَة مَعَ رونقهم وحسنهم وصفاء جوهرهم النوراني
فَالله أَعلَى وَأعظم وَله الْمثل الْأَعْلَى والكمال الْمُطلق وَلَا مثل لَهُ أصلا {آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ}