الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمات
مقدمة الكتاب
…
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طبيًا طاهرًا مباركًا فيه، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك، تباركتَ تعاليتَ، ذا الجلال والإكرام.
لك الحمد الدائم السرمد، حمدًا لا يحصيه العدد، ولا يقطعه الأبد، كما ينبغي لك أن تحمد، وكما أنت له أهل، وكما هو لك علينا حق.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
وبعد
…
فهذا كتاب "العمدة" في مشخية شُهْدَة بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الديِّنَوَرِي الإِبَرِي، وكما قال الذهبي: الجِهَة، المُعَمَّرة، الكاتبة، مسندة العراق فخر النساء1.
وهذا الكتاب -كما يبدو من قراءته- يهدف إلى أمور هامة، بعضها عام، بعضها خاص:
1-
فهو في حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جملته وتبليغه، تيمنًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"نضر الله امرءًا سمع منا شيئًا، فبلغه كما سمع، فربَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع"2.
1 سير أعلام النبلاء "20/ 542" ترجمة رقم "344"، ومعنى الجهة: سيدة القوم.
2 ت "5/ 34"" 42" كتاب العلم "7" باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع من طريق محمود بن غيلان، عن أبي داود، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
2-
وهو -وهذا خاص- في بيان ما روته هذه المحدِّثة الفضلى عن بعض شيوخها، وهذا ما يسمى "بالمشيخة"، وإذا كانت هذه المشيخات كثيرة للرجال؛ كمشيخة ابن طهمان، ومشيخة ابن الجوزي وغيرهما، فمشيخات النساء المحدِّثات قليلة؛ بل نادرة، وهذا الكتاب منها.
والمشيخات تدل على مدى العناية بحديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم- وهي تدل كذلك على اتصال الأسانيد في كل عصر؛ في الحديث عامة، وفي الكتب خاصة؛ إذ يُنْقَل هذا وذاك جيلًا عن جيل؛ بحيث تستمر هذه الخصيصة للأمة المحمدية؛ اتصال أسانيد علمها وعلمائها.
والمشيخات مظهر من مظاهر هذا الاتصال، وقد قامت صاحبة هذه المشيخة بجهد وافر في هذين المجالين:
فالشيوخ الذين روت عنهم شُهْدَة هم من أصحاب المصنفات، وقد أعطتنا في هذه المشيخة نماذج من حديث هؤلاء الذي أودعوه في كتبهم.
3-
ومن فوائد هذا الكتاب وأهدافه: تقديم الأسانيد العالية، فشهدة قد عُمِّرت حتى قاربت المائة -كما يقول الذهبي وغيره- حتى ألحقت الصغار بالكبار؛ أي: تساوى الصغار مع الكبار في أخذ الأحاديث عن الشيوخ نتيجة لعلو أسانيدها1.
وما من شيخ من الشيوخ الذين أخذت عنهم إلا وعُمِّر في الغالب الأعم، وكانت تبين هذا في إثبات التاريخ الذي أخذه الشيخ عن الآخر، فهذه زيادة توثيق، وهو أيضًا بيان لعلو الإسناد.
ومن أمثلة علو الإسناد في هذه المشيخة أن إسناد شهدة علا حتى تساوى
1 وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 477".
بمسلم -رحمة الله عليه- وهو في القرن الثالث، وهي في القرن السادس. "انظر رقم 43 من هذه المشيخة".
وكانت تبين ذلك أحيانًا وتترك للقارئ -وهو متخصص غالبًا- أن يتنبه إلى ذلك.
والإسناد العالي إذا كان رواته موثَّقين -ورجال شهدة كذلك- فيه شرف الاقتراب من رسول لله صلى الله عليه وسلم وكثير من الفوائد الأخرى التي بينتها كتب علوم الحديث.
4-
ومن أهداف هذه المشيخة وفوائدها: تقديم طائفة من العلم النبوي الشريف، من حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فغالب أحاديث هذا الكتاب صحيحة، وهي إما متفق عليها؛ أخرجها الشيخان أو أخرجها أحدهما، أو هي على شرط أحدهما.
وهي تبين ذلك في آخر كل حديث، وتبين من الفوائد الحديثية التي تكون في الإسناد أو المتن.
ترجمة شُهْدَة:
ويجدر بنا أن نقدم ترجمة لهذه العالمة الفضلى تضفي عليها وعلى كتابها هذا وضوحًا وبيانًا:
هي -كما قال الذهبي- بنت المحدث أبي نصر أحمد بن الفجر الدينوري الإبَرِيّ "نسبة إلى عمل الإبر"1، وهو من مشاهير بغداد ومحدثيها2، وقد قدمنا له ترجمة في التعليق على الحديث رقم "102".
وأبوها له تأثير واضح على شهدة؛ فقد أسمعها الحديث وهي بنت ثماني سنوات، فهي تقول في الحديث رقم "102": إنه أسمعها في سنة تسعين وأربعمائة، وهي قد ولدت ببغداد سنة "482هـ"، فتكون سنها حنيئذ ثماني سنوات؛ بل وقد أجيز لها وهي أقل من هذه السن "انظر رقم 96".
1 سير أعلام النبلاء "20/ 542".
2 الأنساب للسمعاني "1/ 118".
وبفضل دعائه لها، وبركته -كما تقول- وعت في هذه السن، وسجلت كثيرًا من السماعات في مشيختها هذه في تلك السن.
وما زالت تَسْمَعُ وتُسْمِعُ إلى أن توفيت سنة "574"1، وقد قاربت المائة.
سمعت من: أبي الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ البَطِر2 القارئ المحدث "494هـ"، وأبي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بن طلحة النَّعَّالي، وطِرَاد بن محمد الزينبي -وهو أكثير شيوخها رواية في هذه المشيخة وقد ابتدأت به- وغيرهم مثل: أبي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أيوب، وأبي الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بن يوسف، وفخر الإسلام أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحسين الشاشي، وطلحة بن محمد الزينبي، وثابت بن بندار، وجعفر السَّرَّاج، وغيرهم كثيرًا، مما هو ثابت في هذه المشيخة وما ليس فيها، وكل هؤلاء من أكابر علماء عصرها.
وحدث عنها: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر الرهاوي، وابن الأخضر - مُخَرِّج هذه المشيخة- والشيخ الموفق، والشيخ العماد، الشهاب بن راجح، والبهاء بن عبد الرحمن، والفخر الإربِلِي، وتاج الدين عبد الله بن حَمُّويه، وأعز بن العُلَّيْق، وإبراهيم بن الخَيِّر، وبهاء الدين بن الجميزي، ومحمد بن المنِّي، وأبو القاسم بن قميرة، وخلق كثير3، وآخر من رَوى عنها ابن قميرة، وتوفي سنة ستين وخمسمائة؛ أي: بين وفاتيهما ستة وثمانون عامًا4.
1 سير أعلام النبلاء "20/ 543".
2 ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء "19/ 46-48" قال: الشيخ المقرئ الفاضل، مسند العراق، أَبُو الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَطِرِ البغدادي البزاز القارئ، ولقد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
…
قال ابن سُكَّرَة: شيخ مستور ثقة
…
وقال السمعاني: وكان صالحًا صدوقًا، صحيح السماع، وهو آخر من حدث عن ابن البَيَّع وابن رِزْقويه وابن بِشْرَان.
مات سنة "494" وله ست وتسعون سنة.
3 سير أعلام النبلاء "20/ 542" وابن الدبيثي، انظر هامش تكملة الإكمال "84".
4 هامش تكملة الإكمال ص84، 85، وقيل: إن آخر من حدَّث عنها بالإجازة محمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي.
مكانتها:
وأثنَى عليها العلماء كمحدِّثة عالمة، قال ابن نقطة: سماعها صحيح1.
وقال الشيخ الموفق: انتهى إليها إسناد بغداد، وعُمِّرَت حتى ألحقت الصغار بالكبار "أي: بأسانيدها العالية".
وقال ابن الجوزي: عاشت مخالطة العلماء. وقرئ عليها الحديث سنين2.
ولقبها الذهبي "بمسندة العراق"، وابن الدبيثي "بأسند أهل زمانها"، وقال: وكان سماعها صحيحًا.
وقال ابن العماد: "المُسْنِدَة، فخر النساء، كانت ديِّنَة عابدة صالحة، سمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق"3.
ومن مكانتها عند العلماء أنهم اعتمدوا عليها في رواية الكتب؛ ومن ذلك كتاب "الأموال لأبي عُبيد"؛ ففي أوله: "قرئ على الشيخة الصالحة الكاتبة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج عن عمر الإبري الدينوري بمنزلها ببغداد في الحادي عشر من شعبان سنة أربع ستين وخمسمائة، أخبركم النقيب الكامل أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي الزينبي في ثاني ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ وأربعمائة"4.
وهذه هي السنة التي أسمعها أبوها الحديث، وكان عندها ثماني سنوات من عمرها، ثم سُمِعَ منها بعد أربع وسبعين سنة من سماعها له من شيخها طراد، وهذا ما يؤدي إلى العلو في الإسناد، وإلحاق الصغار بالكبار، كما قال العلماء عنها.
كما روت كتبًا لابن أبي الدنيا؛ منها كتاب الشكر له، ففيه: "حدثنا الشيخ الفقيه الإمام الأجل العالم العامل، الصالح المتقن، بقية السلف الصالح،
1 التقييد "ص501".
2 المنتظم "10/ 288".
3 شذارت الذهب "4/ 248".
4 الأموال "ص9".
أبو الحسن علي بن خلف بن معزوز بن فتوح المالكي التلمساني، المعروف بالكومي -أدام الله توفيقه- قراءة مني عليه بمصر
…
قال الكومي: وقرئ على الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بن أبي نصر أَحْمَد بْن الفرج بْن عمر الإبري رضي الله عنها وأنا أسمع أخبركم أبو الحسن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ محمد بن يوسف في رمضان سنة تسعين وأربعمائة
…
"1.
ويلاحظ أنها سمعت هذا الكتاب أيضًا وهي بنت ثماني سنوات تقريبًا، وهي السنة نفسها التي سمعت فيها من أبيها، والتي سمعت فيها كتاب الأموال لأبي عبيد.
وروت أيضًا كتاب الصمت وآداب اللسان له. ففي إسناده: "أخبرنا الشيخ الصالح المُعَمَّر أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقَيِّر البغدادي الحنبلي، قراءة عليه، وأنا أسمع، قيل له: أخبرتكم الشيخة الكاتبة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر أحمد بن أبي الفرج الإبري قراءة عليها وأنت تسمع"2.
ويقول ابن نقطة: ولها رواية في مسند مُسدَّد عن ثابت بن بندار3.
وروت أيضًا مصارع العشاق لابن السراج، وذم المسكر، واليقين، وكتاب محاسبة النفس والإزراء، والفرج بعد الشدة، وكلها لابن أبي الدنيا.
وروت وسمعت من أبي الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الزينبي كتاب الوجد والوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا، وستة مجالس من أمالي أبي جعفر البختري، والجزء الأول من الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان العوالي تخريج أبي الفتح بن أبي الفوارس.
وروت وسمعت من الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي الجزء الثاني والرابع من أمالي الحسين بن إسماعيل المحاملي، والجزء الثالث من كتاب الديباج لإسحاق بن إبراهيم الختلي، والجزء الأول من كتاب الجامع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وروت عن الحسين بن أحمد الباقلاني الجزء الثاني والخامس من
1 كتاب الشكر "ص61، 63، 64".
2 كتاب الصمت، وآداب اللسان "ص171".
3 التقييد "ص501".
منتقى حديث الحسين بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ.
وسمعت من الحسن بن أحمد الدقاق الجزء الأول من غرائب حديث مالك بن أنس. وروت عن جعفر بن أحمد السراج جزءًا من كرامات الأولياء للحسن الخلال، وحضرت على إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري الجزء الثالث والرابع من مشيخة يعقوب بن سفيان.
وروت وسمعت من أبي المعالي ثابت بن بندار البقال جزءًا فيه قراءات النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وقطعة من كتاب الخيل. وسمعت من أبي الخطاب نصر بن أحمد البطرواني الجزء السادس من أمالي المحاملي.
وروت الجزء الرابع من حديث أبي سهل أحمد القطان عن الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن شاذان عن العلاف كتاب التصديق بالنظر إلى الله عز وجل وما أعد لأوليائه لمحمد الآجري، وعن عبد الرحمن بن نجم الحنبلي الجزء الثاني من حديث المحاملي.
وروى عنها ابن الجوزي كتاب التصديق بالنظر إلى الله -عز جل- وما أعد لأوليائه لمحمد الآجري، وسمع منها علي بن هبة الله الشافعي الجزء الأول من غرائب حديث مالك بن أنس، وعبد الله بن عمر بن أبي بكر المقدسي الجزء الخامس من المنتقى من حديث ابن شاذان، والحسن بن عمر بن نصر الجزء الأول والرابع من أمالي المحاملي، وروى عنها عبد الرحمن بن عبد الوهاب الحنبلي الجزء الرابع من أمالي المحاملي. وسمع عليها يونس بن سعيد بن مسافر بن جميل القطان المقري كتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا. ويحيى بن أبي السعود بن القميرة التاجر كتاب الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا. وروى عنها عبد اللطيف بن محمد سبط التعاويذي ستة مجالس من أمالي البختري وضوء الصباح عجيبة بنت الباقداري كتاب الوجد والوجل لابن أبي الدنيا. وسمع منها بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي كتاب ذم المسكر لابن أبي الدنيا، وعثمان بن أبي نصر بن منصور الواعظ المسعودي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي جزءًا من حديث القطان، وأبو بكر عبد الله الرياني المتوفَّى سنة 627هـ.
وروت كتاب المحبة لله سبحانه وتعالى لإبراهيم بن عبد لله بن الجنيد
الختلي، والجزء التاسع من فوائد عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله الدقاق، والجزء الثاني من حديث محمد بن عبد بن خلف الدقاق عن شيوخه، وحديث الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ القطان عن شيوخه.
كما روت مشيخة ابن شاذان الكبرى، وهو الحافظ أبو علي الحسين بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شاذان البزاز، وهي ترويها عن أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني، عن أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن إبراهيم بن شاذان، وقد سجلت منها بعض هذه المرويات في هذا الكتاب "67-70"1.
وكل هذا وغيره يعطينا مدى إسهامها في أداء حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما يعطينا هنا مدى ثقة العلماء بها، وبما عندها من العلم، فنقلوه عنها.
ونلحظ هنا أنها لقبت بالكاتبة، وكما يقول ابن الجوزي: كان لها خط حسن2، وتحلت مع ذلك بالدين والصلاح والأخلاق الفاضلة والأعمال البارَّة الخيِّرة. قال ابن الجوزي: كان لها بِرٌّ وخير3. وقال ابن الدبيثي: امرأة جليلة صالحة، ذات دين وورع وعبادة4.
وظلت كذلك إلا أن توفيت ببغداد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، في ليلة الإثنين رابع عشر المحرم كما أرَّخ ذلك لها تلميذها أبو الفرج بن الجوزي، وقال: وصلى عليها بجامع القصر، وأزيل شباك المقصورة لأجلها، وحضرها خلق كثير، وعامة العلماء، ودفنت بمقبرة باب أبرز5.
والمُحَدِّثة العالمة شهدة وغيرها يعطين مثلًا رائعًا وقدوة حسنة صالحة للسيدات المسلمات؛ كي يسهمن في رواية الحديث النبوي، ونقل العلم الإلهي، مثلهن في ذلك مثل الرجال سواء بسواء؛ كي تستقيم الحياة بما يحملن من هدى
1 أعلام النساء "2/ 309-312".
2 فهرس الفهارس "2/ 626".
3 المنتظم "10/ 288"، ومشيخة ابن الجوزي "202".
4 هامش تكملة الإكمال "ص84".
5 المنتظم "10/ 288"، ومشيخة ابن الجوزي، وفيه "بيرز" بدل "أبرز".
نبوي كريم للنشء والأجيال، فتأثيرهن كبير في هذا الشأن.
تعريف بالكتاب:
والكتاب -كما قلنا- هو في مشيختها، خرَّجه في حياتها تلميذها عبد العزيز بن محمود بن المبارك بن الأخضر أبو محمد الحافظ، وهو من الحفاظ المكثرين الأثبات المأمونين، وهو واسع الرواية، صحيح الأصول، بيَّن ذلك ابن نُقْطَة، ثم قال: منه تعلمنا واستفدنا وما رأينا مثله1.
وكان مولده سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتوفي في سادس شوال من سنة إحدى عشرة وستمائة.
وكان هذا التخريج في حياة شهدة بدليل أن الكتاب سمع عليها ونقله غير ابن الأخضر -كما يتضح من الإسناد- ومن صفحة العنوان: رواية شمس الدين عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّشِيدِ بْنِ علي بن بُنيمان "548-624" فقد قرأه عليها في حياتها، وكما يتضح من السماع بآخر هذه المشيخة.
وتبلغ هذه المشيخة "114" رواية، جُلُّها أحاديث مرفوعة، والقليل منها موقوف على الصحابة، أو بعض التابعين، أو تابعي التابعين.
وتأتي لكل شيخ من شيوخها بروايات تختلف قلة وكثرة من شيخ إلى شيخ، وأكثر الروايات عن طِرَاد الزينبي التي ابتدأت به؛ إذ بلغت الروايات عنه إحدى عشرة رواية.
ومجموع شيوخها هنا "27" شيخًا.
وغالبًا ما تعقب على الحديث بذكر من أخرجه من الصحيحين، أو تبين درجته وعلو إسناده.
والمخطوط الذي اعتمدت عليه في تحقيق الكتاب هو في مكتبة كوبريلي
1 التقييد "ص364".
بتركيا، ويتكون من "36" لوحة ومسطرته "17" سطرًا، وفي كل سطر ثنتا عشرة كلمة تقريبًا، وهو بخط النسخ.
وفي الصفحة الأولى من المخطوط بعد العنوان ما يبين أن هذه النسخة هي ملك لأبي محمد عبد الرحيم بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الزجاج المقري عفيف الدين1، وكانت قراءته لها على أبي مظفر النهراوني بحضور جماعة في يوم الأحد ثالث عشر من جمادى الآخرة من سنة سبع وأربعين وستمائة بمسجد الشيخ بالمأمونية.
هذا يوضح أن هذه النسخة كُتبت في حياة هذا الشيخ أو قبله، وهو عاش ما بين "612-685"، ولا يستبعد أنها كتبت في حياة شهدة نفسها. والله أعلم.
وفي هذا المخطوط ما يدل على صحة نسبته إلى شهدة، فقد روت شهدة معظم نسخة جعفر بن نسطور الرومي في هذه المشيخة "أرقام 96-101". وقال ابن حجر في الإصابة عندما تكلم عن هذه النسخة:"وسمعت من حديثه أيضًا -أي: حديث جعفر بن نسطور- في آخر مشيخة شهدة بنت الإبري""الإصابة 1/ 551". وكذلك ذكرها في لسان الميزان، وساق حديث جعفر الذي يرويه منها.
وقد ذكر الشيخ عبد الحي الكتاني هذا الكتاب وسنده إليه، فقال:"مشيخة شهدة الكاتبة: هي ست الكتبة بنت أحمد، تخريج أبي محمد بن الأخضر، به -أي: بسنده الذي ذكره في أول كتاب فهرس الفهارس- إلى السيوطي، عن البُلْقِيني، عن أبي إسحاق التنوخي، عن المزي، عن ست الأهل بنت علوان، عن البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، عن شهدة بنت أحمد بن عمر. "ح" وبأسانيدنا إلى الحجار، عن أبي الفضل عبد العزيز بن داود الزاهد عنها "فهرس الفهارس 2/ 655".
أقول: أروي عن الشيخ عبد الحي الكتاني هذا الكتاب وغيره بالإجازة عن
1 شذرات الذهب "5/ 391" وفيه: "فقيه حنبلي زاهد، سني، أثري، عارف بمذهب أحمد، ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، وتوفي سنة 685".
شيخي محمد الحافظ بن عبد اللطيف، عنه، وعن غيره عنه. والله الموفق.
عملي في هذا المخطوط:
واتبعتُ في تحقيق هذا المخطوط الخطوات التالية:
1-
نسخت المخطوط ورقَّمت رواياته، وقد بلغت "114" رواية كما ذكرت.
2-
خرجت هذه الروايات بقدر الطاقة، وقد روعي في هذا التخريج أن يتبين منه ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح، وبحمد الله تعالى فإن معظم الأحاديث في البخاري ومسلم أو في أحدهما.
3-
قد تكون الرواية التي ساقتها شهدة مختصرة، فأجتهد في إثباتها كاملة من كتب التخريج، وأثبت ذلك في الهامش بطبيعة الحال.
4-
أُعقِّب بشرح للحديث أو بيان أحكامه بقدر الطاقة تتميمًا لفائدة الكتاب -إن شاء الله تعالى- وذلك من كتب شروح الحديث وغيرها.
هذا وقد ساق الله عز وجل نسخة أخرى لهذه المشيخة؛ ولكنها منقولة عن أصل لا أعرف مصدره وكثيرة الأخطاء وناقصة قليلًا من أولها وكثيرًا من آخرها؛ ولكنها أفادت في التنبيه على بعض ما أبهم في النسخة الأصل، ورمزت لها بـ"ب".
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وأن يغفر زلاتنا، ويقيل عثراتنا، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
القاهرة في: 25 من ربيع أول 1414هـ
12 من سبتمبر 1993م
الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب
أبو شهبة