المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشيخ الثامن] : - العمدة من الفوائد والآثار الصحاح في مشيخة شهدة

[شهدة]

الفصل: ‌[الشيخ الثامن] :

[36]

أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أنا دَعْلَجٌ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّايِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْقَبْرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

قَالَ دَعْلَجٌ: هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر.

[36] الموطأ "1/ 166""9" كتاب قصر الصلاة في السفر - "22" باب ما جاء في الصلاة عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فيصلي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. رقم "68".

ص: 78

[الشيخ الثامن] :

[37]

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ

[37] الخطيب في تاريخ بغداد "8/ 428" - من طريق الحسن بن عمر بن بَرْهان الغزال، عن إسماعيل بن محمد الصفار، عن عباس بن عبد الله الترقفي به.

والكامل لابن عدي "1/ 377" - من طريق طريف بن عبد الله، عن علي بن الجعد، عن الربيع بن بدر، عن أبان، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من خلع جلباب الحياء فلا غيبة له".

السنن الكبرى للبيهقي "10/ 210" - من طريق أبي محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري به.

قال: وهذا ليس بقوي.

قال العراقي في تخريج الإحياء "تخريج أحاديث الأحياء 2/ 577، 578": رواه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف. اهـ.

وقال الزبيدي: قلت: ولفظ ابن عدي في الكامل "من خلع"، وأخرجه أيضًا الخرائطي في مساوئ الأخلاق وأبو الشيخ في الثواب والبزار والبيهقي والخطيب وابن عساكر والديلمي والقضاعي وابن النجار والقشيري في الرسالة، كلهم من حديث أنس. وقال البيهقي: في إسناده ضعف وإن صح حمل على فاسق معلن بفسقه. اهـ. قال الذهبي في المهذب: أحد رواته أبو سعد الساعدي مجهول، وفي الميزان ليس بعمدة، ثم أورد له هذا الخبر. اهـ. ورواه الهروي في ذم الكلام وحسنه. وقد رد عليه الحافظ السخاوي في المقاصد، والحاصل أن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة، فطريق أبي الشيخ والبيهقي فيه ابن الجراح عن أبي سعد الساعدي وقد ذكر حاله، وطريق ابن عدي فيه الربيع بن بدر عن أبان، وهذا أضعف من الأول؛ ولكن للحديث شواهد تقويه من غير هذه الطرق؛ فقد أخرج الطبراني وابن عدي في الكامل والقضاعي من =

ص: 78

البُسْرِي1 البُنْدَار بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيِّ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2، قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسَ عشرة وأربعمائة، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وثلثمائة، ثنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِي3، نا رَوَّاد بْنُ الْجَرَّاحِ، أَبُو عَاصِمٍ الْعَسْقَلانِيُّ، نا أَبُو سعد الساعدي،

= حديث جُعْدُبة بن يحيى عن العلاء بن بشر عن ابن عيينة عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعًا ليس لفاسق غيبة. قال الدراقطني وابن عيينة: لم يسمع من بهز، وأورده البيهقي في الشعب ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح ولا يعتمد، وأخرجه أبو يعلى والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والعقيلي وابن عدي وابن حبان والطبراني والبيهقي من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بهذا الإسناد بلفظ: انزعوا عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناس. وهذا أيضًا لا يصح؛ فإن الجارود ممن رمي بالكذب، وقال الدراقطني: هو من وضعه، وقد روى أيضًا من طريق يعمر عن بهز بهذا الإسناد، أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق عبد الوهاب الصغاني عنه، وعبد الوهاب كذاب، وللحديث طرق أخرى عن عمر بن الخطاب.

قال السخاوي: وبالجملة فقد قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث بهز، ولا من حديث غيره، ولا يتابع عليه عن طريق تثبت. وأخرج البيهقي في الشعب بسند جيد عن الحسن أنه قال: ليس في أصحاب البدع غيبة. ومن طريق ابن عيينة أنه قال: ثلاثة ليس لهم غيبة: الإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته. ومن طريق زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة لمن يعلن بالمعاصي. ومن طريق شعبة قال: الشكاية والتحذير ليسا من الغيبة.

والحديث رواه مؤمل بن إهاب -كما في جزئه- عن رواد بن الجراح به.

ثم قال: فلما اختلط رَوَّاد رفع هذا الحديث ودلسوا عليه. "ص99، وانظر تخريجه في 99، 100".

1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "19/ 185".

قال الذهبي: بقية المشايخ، وآخر من حدث عنه عبد الله بن يحيى السكري

وقال: لم يروِ لنا عن السكري سواه.

ولد سنة تسع وأربعمائة أو نحوها، ومات سنة سبع وتسعين وأربعمائة.

2 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "17/ 386، 387" قال الذهبي: الشيخ المعمر الثقة

سمع من إسماعيل الصفار عدة أجزاء انفرد بعلوها

وقال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة.

3 له ترجمة في تاريخ بغداد "12/ 143" قال الخطيب: كان ثقة دينًا، صالحًا عابدًا

ص: 79

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلا غِيبَةَ لَهُ".

حسنٌ عالٍ.

[38]

أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أنا إِسْمَاعِيلُ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ الْبَزَّارُ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أبي شريح العدوي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"1.

[38] خ "4/ 95""78" كتاب الأدب - "31" باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يؤذِ جاره - من طريق عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فليكرم جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

"رقم 6019 - طرفاه في: 6135، 6476".

م "3/ 1352""31" كتاب اللقطة - "3" باب الضيافة ونحوها - من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح العدوي، أنه قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله -صلى الله عليه سلم- فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه". وقال: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". رقم "14/ 48".

1 قدم ابن حجر شرحًا طيبًا لهذا الحديث في فتح الباري، وشرحه كما ورد في الصحيحين، وهو أكمل مما عندنا فقال:

قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" المراد بقوله: الإيمان الكامل، وخصه بالله واليوم الآخر إشارة إلى المبدأ أو المعاد؛ أي: من آمن بالله الذي خلقه وآمن بأنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورات.

قوله في حديث أبي شريح: "جائزته يوم وليلة" قال السهيلي: رُوي جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح، وبالنصب على بدل الاشتمال: أي يكرم جائزته يومًا وليلة. =

ص: 80

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرٍ، وَابْنِ نمير عن سفيان.

= قوله: "والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة" قال ابن بطال: سئل عنه مالك فقال: يكرمه ويتحفه يومًا وليلة وثلاثة ضيافة. قلت: واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو يعد منها؟ فقال أبو عبيد: يتكلف له في اليوم الأول بالبر الإلطاف، وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل، ومنه الحديث الآخر:"أجيزوا الوفد بنحو كا كنت أجيزهم". وقال الخطابي: معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يومًا وليلة، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة.

وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد ومسلم بلفظ: "الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة"، وهذا يدل على المغايرة، ويؤيده ما قال أبو عبيد. وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى، كأنه قيل: كيف يكرمه؟ قال: جائزته، ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة، فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول، ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة، فينبغي أن يحمل على هذا عملًا بالروايتين. انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بقوله:"وجائزته" بيانًا لحالة أخرى؛ وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه، فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها، وتارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلة، ولعل هذا أعدل الأوجه. والله أعلم.

واستدل بجعل ما زاد على الثلاثة صدقة على أن الذي قبلها واجب، فإن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه؛ لأن كثيرًا من الناس خصوصًا الأغنياء يأنفون غالبًا من أكل الصدقة.

واستدل ابن بطال لعدم الوجوب بقوله: "جائزته" قال: والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة. وتعقب بأنه ليس المراد بالجائزة في حديث أبي شريح العطية بالمعنى المصطلح وهي ما يعطاه الشاعر والوافد، فقد ذكر في الأوائل أن أول من سماها جائزة بعض الأمراء من التابعين، وأن المراد بالجائزة في الحديث أنه يعطيه ما يغنيه عن غيره كما تقدم تقريره قبل. قلت: وهو صحيح في المراد من الحديث، وأما تسمية العطية للشاعر ونحوه جائزة فليس بحاديث؛ للحديث الصحيح "أجيزوا الوفد" كما تقدمت الإشارة إليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم للعباس:"ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أجيزك؟ " فذكر حديث صلاة التسبيح، فدل على أن استعمالها كذلك ليس بحادث.

قوله: "فلا يؤذِ جاره" في حديث أبي شريح "فليكرم جاره". وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ: "فليحسن إلى جاره". وقد ورد تفسير الإكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في "كتاب التوبيخ" من حديث معاذ بن جبل، قالوا: يا رسول الله، ما حق الجار على الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته، وإن =

ص: 81

[39]

أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ البُنْدَار قِرَاءَةً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وتسعين "ح".

= استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قِدْرك إلا أن تغرف له، إن اشتريت فاكهة فأهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًّا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده" وألفاظهم متقاربة، والسياق أكثره لعمرو بن شعيب. وفي حديث بهز بن حكيم: "وإن أعوز سترته"، وأسانيدهم واهية؛ ولكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلًا، ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مستحبًّا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق.

قوله: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" بضم الميم ويجوز كسرها، وهذا من جوامع الكلم؛ لأن القول كله إما خير وإما شر إما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها، فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يئول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت. وقد أخرج الطبراني والبيهقي في "الزهد" من حديث أبي أمامة نحو حديث الباب بلفظ:"فليقل خيرًا ليغنم، أو ليسكت عن شر ليسلم".

واشتمل حديث الباب من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية، أما الأولان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة، والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة، وحاصله من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولًا بالخير وسكوتًا عن الشر وفعلًا لما ينفع أو تركًا لما يضر، وفي معنى الأمر بالصمت عدة أحاديث: منها حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو بن العاص: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه".

وللطبراني عن ابن مسعود: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ فذكر فيها:"أن يسلم المسلمون من لسانك". ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر قال: "فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير". وللترمذي من حديث ابن عمر: "من صمت نجا". وله من حديثه: "كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب". وله من حديث سفيان الثقفي: قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف عليَّ؟ قال:"هذا" وأشار إلى لسانه. وللطبراني مثله من حديث الحارث بن هشام. وفي حديث معاذ عند أحمد والترمذي والنسائي: "أخبرني بعمل يدخلني الجنة" فذكر الوصية بطولها وفي آخرها: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا" وأشار إلى لسانه، الحديث. والترمذي من حديث عقبة بن عامر: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال:"أمسك عليك لسانك".

"فتح الباري 10/ 460، 461، 549، 550".

[39]

خ "1/ 98، 99""14" كتاب الوضوء - "75" باب فضل من بات على الوضوء - من طريق محمد بن مقاتل، عن عبد الله، عن سفيان، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب به. وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع =

ص: 82

.....................................................................

= على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به". قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت" قلت: ورسولك. قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت".

رقم "247" - أطرافه في "6311، 7313، 6315، 7488".

م "4/ 2081""48" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - "17" باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع - من طريق عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب به، وهو على نحو ما عند البخاري. رقم "56/ 2710".

قال ابن حجر في شرح هذا الحديث عند البخاري:

قوله: "وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك" كذا لأبي ذر وأبي ولغيرهما "أسلمت نفسي" قيل: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص: أي أسلمت ذاتي وشخصي لك، وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق عن البراء الآتية بعد باب ولفظه:"أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك"، وجمع بينهما أيضًا في رواية العلاء بن المسيب وزاد خصلة رابعة ولفظه:"أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك"، فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا الذات، وبالوجه القصد، وأبدى القرطبي هذا الاحتمالًا بعد جزمه بالأول.

قوله: "أسلمت" أي: استسلمت وانقدت، والمعنى: جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها، وقوله:"وفوضت أمري إليك" أي: توكلت عليك في أمري كله، وقوله:"وألجأت" أي: اعتمدت في أموري عليك لتعينني على ما ينفعني؛ لأن من استند إلى شيء تقوى به واستعان به، وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه، وقوله:"رغبة ورهبة إليك" أي: رغبة في رفدك وثوابك " ورهبة" أي: خوفًا من غضبك ومن عقابك.

قال ابن الجوزي: أسقط "من" مع ذكر الرهبة وأعمل "إلى" مع ذكر الرغبة، وهو على طريق الاكتفاء كقوله الشاعر:"وزجَّجن الحواجب والعيونا" والعيون لا تزجج؛ لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ، وكذا قال الطيبي، ومثل بقوله:"متقلدًا سفيًا ورمحًا". قلت: ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات "من" ولفظه: "رهبة منك ورغبة إليك" أخرجه النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة.

قوله: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز؛ ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازداج، وأن يترك الهمز فيهما، وأن يهمز المهموز ويترك الآخر، فهذه ثلاثة أوجه، =

ص: 83

أخبرنا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خُشَيش1 قِرَاءَةً فِي سنة ثمان

= ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. قال الكرماني: هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في "منك" إن كانا ظرفين فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل، تقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجا منك إلا إليك. وقال الطيبي: في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان، فأشار بقوله:"أسلمت نفسي" إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وبقوله:"وجهت وجهي" إلى أن ذاته مخلصة له بريئة من النفاق، وبقوله:"فوضت أمري" إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره، وبقوله:"ألجأت ظهري" إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب كلها. قال: وقوله: "رغبة ورهبة" منصوبان على المفعول على طريق اللف والنشر أي: فوضت أموري إليك رغبة وألجات ظهري إليك رهبة.

قوله: "آمنت بكتابك الذي أنزلت" يحتمل أن يريد به القرآن، ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل.

قوله: "ونبيك الذي أرسلت" وقع في رواية أبي زيد المروزي "أرسلته" و"أنزلته" بزيادة الضمير فيهما.

قوله: "فإن مت مت على الفطرة" في رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق: "من ليلتك"، وفي رواية المسيب بن رافع:"من قالهن ثم مات تحت ليلته". قال الطيبي: فيه إشارة إلى وقوع ذلك قبل أن ينسلخ النهار من الليل وهو تحته، أو المعني بالتحت: أي مت تحت نازل ينزل عليك في ليلتك.

وكذا معنى "من" في الرواية الأخرى: أي من أجل ما يحدث في ليلتك.

وقوله: "على الفطرة" أي: على الدين القويم ملة إبراهيم؛ فإنه عليه السلام أسلم واستسلم، قال الله تعالى عنه:{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وقال عنه: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} .

وقال ابن بطال وجماعة: المراد بالفطرة هنا دين الإسلام، هو بمعنى الحديث الآخر:"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، قال القرطبي في "المفهم": كذا قال الشيوخ وفيه نظر؛ لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت كمن يقول: لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شيء من هذه الأمور، فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة؟ ويمكن أن يكون الجواب أن كلا منهما وإن مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين. قلت: وقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سعد بن عبيدة في آخره عند أحمد بدل قوله: مات على الفطرة "بني له بيت في الجنة". وهو يؤيد ما ذكره القرطبي، ووقع في آخر الحديث في التوحيد من طريق أبي إسحاق عن البراء:"وإن أصبحت أصبت خيرًا"، وكذا لمسلم والترمذي من طريق ابن عيينة عن أبي إسحاق:"فإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرًا"، وهو عند مسلم من طريق حصين عن سعد بن عبيدة ولفظه:"وإن أصبح أصاب خيرًا" أي: صلاحًا في المال وزيادة في الأعمال.

"فتح 11/ 114، 115".

1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "19/ 240" قال الذهبي: الشيخ الصالح الْمُعَمَّر الصدوق، سمع أبا علي بن شاذان

وسماعه صحيح، وهو من رواة جزء ابن عرفة

وسماعه صحيح. مات في 502، وله تسع وثمانون سنة.

ص: 84

وَتِسْعِينَ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَاد1 قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي، ثنا أَبُو حَنِيفَةَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يُعَلِّمُهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مَنَامِهِ: "اللَّهمُ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، ووجهت وجهي إليك، ووفوضت أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رغبة ورهبة إليك، لا منجا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ".

ثُمَّ قَالَ: "إِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ عَاشَ أَصَابَ خَيْرًا".

[40]

أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ وَمُحَمَّدٌ قَالا: أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النقلِيُّ2، نا حُبَيِّبُ بْنُ حَبِيبٍ، أَخُو حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُعَلِّمُكَ دَعَوَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا أَخَذْتَ مضجعك

" ثم ذكر نَحْوَهُ.

[41]

وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، وَأَبُو سَعْدٍ قَالا: أنا أَبُو عَلِيٍّ، أنا أبو بكر، نا أَحْمَدُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُلاعِبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، ثنا شَرِيكٌ، وَسَلامٌ، وَيَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لرجل وهو يعمله أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مَنَامِهِ

وَذَكَرَهُ.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عن أبي إسحاق.

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "4/ 189، 190". قال الخطيب: الفقيه الحنبلي، وكان صدوقًا عارفًا، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وتُوفي سنة 348.

[40]

انظر الحديث السابق وتخريجه وشرحه.

2 في "ب": النعلي.

[41]

انظر الحديث رقم "39" وتخريجه وشرحه.

ص: 85