المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشيخ الأول] : - العمدة من الفوائد والآثار الصحاح في مشيخة شهدة

[شهدة]

الفصل: ‌[الشيخ الأول] :

بسم الله الرحمن الرحيم

[1]

أخبرنا القاضي الإمام العالم أَقْضَى الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّشِيدِ بن علي بُنَيْمَان1 بِالْمَوْصِلِ، قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ سَلْخَ شهر الله رجب من سنة ستمائة، قراءة عليه هو يَسْمَعُ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَتْكُمْ شُهدة بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإِبَرِيُّ.

[الشيخ الأول] :

قَالَتْ: أنا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي الزَّيْنَبي2 بقراءة

[1] خ "2/ 424""59" كتاب بدء الخلق - "6" باب ذكر الملائكة - من طريق الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص عن الأعمش به.

م "4/ 2036""46" كتاب القدر - "1" باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاته وسعادته - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وغيره، عن أبي معاوية ووكيع، عن الأعمش به.

1 انظر ترجمته في التكملة لوفيات النقلة (3/ 117، 118) وفيه: "الهمذاني المقرئ الحداد سبط الحافظ أبي العلاء الهمذاني، بتُسْتَر، ودفن بها، قرأ القرآن الكريم على جده لأمه الحافظ أبي العلاء بهمذان، وسمع بها من أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان، وجده أبي العلاء، وحضر أبا الوقت عبد الأول بن عيسى السِّجْزِي، ودخل بغداد في صباه وتفقه بها بالمدرسة النظامية على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه على أبي الخير أحمد بن إسماعيل القَزْوِيني، وسمع منه، واستملى عليه. وسمع أيضًا من أبي الفرج محمد بن أحمد بن نبهان، وأبي الفتح عبيد الله بن شاتيل، وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزَّاز، وأبي حفص عمر بن أبي بكر بن التبان، وجماعة كبيرة. ومضى إلى الشام، وإلى ديار مصر، وكتب في سفره هذا عن جماعة، وعاد إلى همذان، وتولى القضاء بها من الديوان العزيز -مجده الله تعالى- وقدم بغداد وتولى أيضًا قضاء الجانب الغربي منها، ثم توجه إلى تستر وولي القضاء بها سكنها إلى حين وفاته".

وحدَّث ببغداد، وغيرها.

ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بهمذان، وتوفي سنة 621 في التاسع والعشرين من صفر منها.

2 هو طراد بن محمد بن علي بن حسن بن محمد، قال الذهبي: الإمام الأنبل، مسند العراق، نقيب النقباء، الكاملُ، أبو الفوارس بن أبي الحسن القرشي، الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي.

ولد سنة ثمان وتسعين، وسمع أبا نصر بن حسنُون النَّرْسي، وأبا الحسن بن رِزْقويه، وهلالًا الحفار، وأبا الحسين بن بِشْران، والحسين بن بَرْهان، وأبا الفرج بن المسلمة، وأبا الحسن بن الحمَّامي، وطائفة، وأملى مجالس عدة، وخُرِّج له "العوالي" المشهورة، و"فضائل الصحابة". =

ص: 27

الْبَلْخِيِّ، وَأَجَازَ لِي فِي سَنَةِ تسعين وأربعمائة، وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سنة إحدى عشرة وأربعمائة، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الدَّقَّاقُ إِمْلاءً، نا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثنا الأَعْمَشُ، نا زَيْدُ1 بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه سلم- وهو الصادق المصدوق2:

= حدث عنه ولداه: علي الوزير، ومحمد، وابن ناصر، وعمر بن عبد الله الحربي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة، وكمال بنت أبي محمد السمرقندي، وعمها إسماعيل، وهبة الله بن طاوس، وتَجَنِّي الوهبانية، وأبو الكرام الشَّهْرَزُوري، وعبد الله بن علي الطامَذِي الأصبهاني، وخلق، آخرهم موتًا خطيب الموصل أبو الفضل الطوسي.

قال السمعاني: ساد الدهر رتبة، وعلوًّا، وفضلًا، ورأيًا، وشهامة، ولي نقابة البصرة، ثم بغداد، ومُتِّعَ بسمعه وبصره وقوته، وترسل عن الديوان، فحدث بأصبهان، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم، لم يُرَ ببغداد مثل مجالسه بعد القَطيعي. وقد أملى بمكة سنة تسع وثمانين وبالمدينة، وألحق الصغار بالكبار.

قال أبو علي بن سُكَّرة: كان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة.

وقال السلفي: كان حنفيًّا من جِلَّة الناس وكبرائهم، ثقة، ثبتًا، لم ألحقه.

مات في سلخ شوال، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، ودفن بداره حولًا، ثم نُقل. "سير أعلام النبلاء 19/ 37-39".

وقال السلفي في الوجيز "ص77": ولم أرَ ببغداد من أهل العلم أجل رتبة منه، ولم يكن يتقدم عليه أحد في مجلس الخليفة. وكان جليل القدر والخطر متواضعًا إلى غاية.

1 في الأصل: يزيد، وهو خطأ، والتصحيح من كتب التخريج ومن كتب الرواة.

2 الصادق المصدوق معناه: الصادق في قوله، المصدوق فيما يأتي من الوحي الكريم.

قال في شرح المشكاة: الأولى أن تجعل الجملة اعتراضية لا حالية؛ لتعم الأحوال كلها، وأن يكون من عادته ودأبه ذلك، فما أحسن موقعها! وقال الحافظ في الفتح: الصادق معناه: المخبر بالقول الحق، وتطلق على الفعل، يقال: صدق القتال، وهو صادق فيه، والمصدوق معناه: الذي يُصدق له في القول، يقال: صدقته الحديث، إذا أخبرته به إخبارًا جازمًا، أو معناه: الذي صدقه الله تعالى وعده.

ص: 28

"إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجمع خلقُه فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا -أَوْ قَالَ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً- ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرسِل اللَّهُ عز وجل الملَك، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ".

قَالَ: "فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ، وَأَجَلُهُ، وَعَمَلُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فيُختم لَهُ بِعَمَلِ النَّارِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فيُختم لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ، فيكون من أهلها"1.

1 في الحديث أن الأعمال -حسنها وسيئها- أمارات، وليست بموجبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء، وجرى به القدر في الابتداء، وفيه القسم على الخبر الصدق تأكيدًا في نفس السامع.

وفيه التنبيه على صدق البعث بعد الموت؛ لأن مَن قدر على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم ينفخ فيه الروح، قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابًا، ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها. ولقد كان قادرًا على أن يخلقه دَفْعَةً واحدة؛ ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رفقًا بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تعظم عليها، فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل. وإذا تأمل الإنسان في أصل خلقه من نطفة، وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنسانًا جميل الصورة، مفضلًا بالعقل والفَهْم والنطق كان حقًّا عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه، ويعبده حق عبادته، ويطيعه ولا يعصيه.

وفيه الحث على الاستعاذة من سوء الخاتمة، وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف.

وفيه أن الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال الشخص مفصلة.

وفيه أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى أنه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها يرضاها.

وفيه أن الأقدار غالبة، فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال؛ ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة.

وقال ابن رجب في شرح الجزء الأخير من الحديث:

وقد رُوي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه سلم- من وجوه متعددة، وخرَّجه الطبراني من حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه: "صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة، وصاحب النار مختوم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاوة حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم فتستنقذهم، وقد يسلك بأهل الشقاوة طريق أهل السعادة =

ص: 29

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ أَبِي سُلَيْمَانَ الجهني.

= حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم الشقاة، من كتبه الله سعيدًا في أم الكتاب لم يخرجه من الدنيا حتى يستعمله بعمل يسعده قبل موته ولو بفواق ناقة"، ثم قال: "الأعمال بخواتيمها، الأعمال بخواتيهما".

وخرج البزار في مسنده بهذا المعنى أيضًا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الصحيحين عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة وفاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو من أهل النار"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه فاتبعه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستجعل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة". زاد البخاري رواية: "إنما الأعمال بالخواتيم".

وقوله: "فيما يبدو للناس" إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة.

قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلًا عن الموت يلقن الشهادة "لا إله إلا الله"، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، وكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب؛ فإنها هي التي أوقعته.

وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق، فكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟

وبكى بعض الصحابة عند موته فسئل عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، ولا أدري في أي القبضتين كنت؟ "، فقال بعض السلف: ما أبكى العيون وما أبكاها الكتاب السابق.

وقال سفيان لبعض الصالحين: هل أبكاك قط علم الله فيك؟ فقال له ذلك الرجل: تركني لا أفرح أبدًا. وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أسلَب الإيمان عند الموت.

وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول: يا رب، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدراين منزل مالك؟

وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء:

الأول: خطر يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان.

والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنادى الملَك بالشقاوة والسعادة، ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء.

والثالث: ذكر هول المطلع، فلا يدري أيُبَشَّر برضا الله أم بسخطه.

والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به.

وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى المعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. ومن هنا كان =

ص: 30

[2]

أَخْبَرَنَا طِرَاد، نا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَان السُّكَّرِي المُعَدِّل، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّار قِرَاءَةً في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، أنا أحمد بن منصور، ونا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إني بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حَجْرِي1، ليس لَهُمْ شَيْءٌ إِلا مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ، أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ".

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَنْ عَبْدِ الرزاق.

= الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر، كما تقدم أن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة، وقدكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في دعائه:"يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، ققيل له: يا نبي الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ فقال:"نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقبلها كيف شاء" خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس.

وخرج الإمام أحمد من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فقلت: يا رسول الله، أوإن القلوب لتنقلب؟ قال:"نعم، ما من خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإن شاء الله عز وجل أقامه وإن شاء أزاغه"، فنسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال:"بلى، قولي: اللهم رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، واؤجرني من مضلات الفتن ما أحييتني"، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة.

وخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".

"جامع العلوم والحكم 69-71".

[2]

م "2/ 695""12" كتاب الزكاة - "14" باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مُشْرِكِينَ - من طريق أبي أسامة، عن هشام به.

ومن طريق إسحاق بن إبراهيم وعبد الرزاق عن معمر به.

خ "3/ 428""69" كتاب النفقات - "14" باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وهل على المرأة من شيء - من طريق موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن هشام به.

1 حَجْرِي: أي كنفي وحمايتي.

ص: 31

[3]

أَخْبَرَنَا طَرَّادُ، نا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ1 قَالَ: أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، نا عَلِيُّ بن حرب، نا سفيان ابن عُيَيْنَةَ2، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن جبير بن مُعْطِم، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمحى بِي الكفر، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي أَحْشُرُ النَّاسَ، وأنا العاقب 3 الذي ليس بعده نَبِيٌّ".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ.

[4]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رزق البزاز4 في شهر

[3] خ "2/ 512""61" كتاب المناقب - "7" باب ما جاء في أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم مِنْ طريق إبراهيم من المنذر، عن معن، عن مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ محمد بن جبير به، رقم "3532".

م "4/ 1828""43" كتاب الفضائل - "34" باب في أسماء النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن محمد بن جبير به، رقم "124/ 2354".

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "1/ 351" قال الخطيب البغدادي فيها: "كان ثقة صدوقًا كثير السماع والكتابة، وحسن الاعتقاد جميل المذهب

وهو أول شيخ كتبت عنه".

2 في الأصل: سفيان بن عيينة، عن محمد بن جبير بن مطعم، وسقط بينهما "الزهري"، من الكاتب كما يتبين من كتب التخريج، ومن نسخة "ب".

3 العاقب: قال أبو عبيد: كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب؛ ولذا قيل لولد الرجل بعده: هو عقبه، وكذا آخر كل شيء. ورواه ابن وهب عن مالك قال: معنى العاقب: ختم الله به الأنبياء، وختم بمسجده هذه المساجد؛ يعني: مساجد الأنبياء.

[4]

خ "1/ 209""10" كتاب الأذان - "11" باب أذان الأعمى - من طريق عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب به، وفيه:"ثم قال: كان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت". رقم "617".

م "2/ 766""13" كتاب الصيام - "8" باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام، من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك - من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب به، رقم "37/ 1092".

وفي بعض روايات مسلم: "ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا".

قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهب ابن أم مكتوم للطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر.

4 هو ابن رزقويه الذي سبقت ترجمته في التعليق على الحديث السابق.

ص: 32

رمضان سنة إحدى عشرة وأربعمائة، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، نا جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا آذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.

[5]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا أَبُو الْفَتْحِ هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدَانَ بن

[5] خ "1/ 294""11" وكتاب الجمعة - "32" باب إذا رأى الإمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين - من طريق أبي النعمان، عن حماد بن زيد به. رقم "930".

وفي الباب الذي بعده "33" باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين - من طريق علي بن عبد الله، عن سفيان، عن عمرو به. رقم "931".

م "2/ 596""7" كتاب الجمعة، "14" باب التحية والإمام يخطب - من طريق أبي الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد، عن حماد به. رقم "54/ 875".

كما روى مسلم عن طريق الليث، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أركعت ركعتين؟ " قال: لا. قال: "قم فاركعهما". رقم "58/ 875".

وروى الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح: "أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروانُ يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليُجلسوه، فأبَى حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رحمك الله، إن كادوا ليقعوا بك! إن كادوا ليقعوا بك! فقال: ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر أن رجلًا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فأمره فصلى ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب".

قال ابن أبي عمر: كان سفيان بن عيينة يصلي ركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وكان يأمر به، وكان أبو عبد الرحمن المقري يراه.

قال أبو عيسى: وسمعت ابن أبي عمر يقول: قال سفيان بن عيينة: كان محمد بن عجلان ثقة مأمونًا في الحديث.

قال: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد. =

ص: 33

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاهَوَيْهِ بْنِ مِهْيَارِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ الكَسْكَرِي1، قِرَاءَةً، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ قِرَاءَةً، فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وثلاثين وثلاثمائة، ثنا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لَسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا أَتَى الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَصَلَّيْتَ يَا فُلانُ؟ " قَالَ: لا، قال:"قم فَارْكَعْ".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرٍو.

= قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد الخدري حديث حسن صحيح.

والعمل على هذا عند بعض أهل العلم.

وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وقال بعضهم: إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي.

وهوقول سفيان الثوري، وأهل الكوفة.

والقول الأول أصح.

حدثنا قتيبة، حدثنا العلاء بن خالد القرشي قال: رأيت الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلى ركعتين، ثم جلس.

إنما فعل الحسن اتباعًا للحديث، وهو رَوى عن جابر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. "الترمذي""2/ 385-387".

قال البغوي رحمه الله في فقه هذا الحديث: في الحديث دليل على أن الإمام إذا تكلم في أثناء الخطبة لا يعيدها، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يعيد الخطبة.

وفيه دليل على أن مَن دخل والإمام يخطب لا يجلس حتى يصلي ركعتين، وهو قول كثير من أهل العلم، وإليه ذهب الحسن، وبه قال ابن عيينة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعضهم: يجلس ولا يصلي، وهو قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وفيه: أن التطوع ركعتان ليلًا ونهارًا. "شرح السنة 4/ 266".

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "14/ 75". وقال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا

وسألته عن مولده، فقال: ولد في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة

ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة.

ص: 34

[6]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا هِلالٌ، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث،

[6] خ "2/ 82""34" كتاب البيوع - "19" باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا - عن طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن قتادة به. رقم "2079".

"أطرافه في: 2082، 2108، 2110، 2114".

م "3/ 1164""21" كتاب البيوع - "11" باب الصدق في البيع - من طريق محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمر بن علي، عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن قتادة به. رقم "47/ 1532".

والحديث بظاهره يدل على خيار المجلس.

قال الإمام البغوي مبينًا آراء العلماء في ذلك:

اختلف أهل العلم في ثبوت خيار المكان للمتبايعين؛ فذهب أكثرهم إلى أنهما بالخيار بين فسخ البيع وإمضائه ما لم يتفرقا بالأبدان، يُروى فيه عن ابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وحكيم بن حزام، وهو قول عبد الله بن عمر، وأبي بَرْزَة الأسلمي، وإليه ذهب شريح، وسعيد بن المسيَّب، والحسن البصري، والشعبي، وطاوس، وعطاء بن أبي رباح، وبه قال الزهري والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور.

وقال النخعي: لا يثبت خيار المكان، ويلزم اليبع بنفس التواجب وهو قول مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، وحملوا التفرقَ المذكور في الحديث على التفرق في الرأي والكلام.

والأول أصح؛ لأن العلم قد استقر بين العامة على أن ملك البائع لا يزال إلا بقبول من جهة المشتري، فتأويل الحديث على أمر معلوم عند العامة إخلاء الحديث عن الفائدة، والدليل على أن المراد منه هو التفرق بالأبدان ما رُوي أن ابن عمر كان إذا ابتاع الشيء يعجبه أن يجب له، فارق صاحبه، فمشى قليلًا، ثم رجع فحمل التفرق على التفرق بالأبدان، وراوي الحديث أعلم بالحديث من غيره.

وروي عن أبي الوضيء قال: كنا في غزاة، فباع صاحب لنا فرسًا له من رجل، وباتا ليلة، فلما أردنا الرحيل خاصمه إلى أبي برزة، فقال أبو برزة: لا أراكما تفرقتما، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"البيعان بالخيار مالم يتفرقا".

ورُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". ففيه دليل على أن المراد من التفرق الأبدان، وقوله:"خشية أن يستقيله" أراد: خشية أن يفسخ العقد، فيكون بمنزلة الاستقالة؛ لأن الإقالة لا تعلق لها بمجلس العقد؛ بل يجوز بعد التفرق كما يجوز قبله، وقوله في الحديث:"إلا بيع الخيار" معناه: أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فقول: اخترت، فيكون هذا إلزامًا للبيع منهما، وإن كان المجلس قائمًا، ويسقط خيارهما، وتأوَّله بعضهم على خيار الشرط، وقال: هذا استثناء يرجع إلى مفهوم مدة الخيار، معناه: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا لزم البيع إلا أن يتبايعا بشرط خيار ثلاثة أيام، فيبقى خيار الشرط بعد التفرق، وهذا تأويل بعيد؛ لأن الاستثناء يرجع إلى ما ظهر من الكلام، وظاهر الكلام إثبات الخيار، والاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات. وفي الحديث بيان أن على البائع إذا علم بما باع عيبًا ألا يكتمه. "شرح السنة 8/ 39-41، 45".

ص: 35

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالبَّيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وبيَّنا بُورك لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا مُحق بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ.

[7]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بَرْهَان الغزَّال1 الشَّيْخُ الصَّالِحُ، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ إِمْلاءً، نا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، ثنا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي 2، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"3.

وَلا أَدْرِي أَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ وَغَيْرِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ.

[8]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، ثنا أَبُو الْفَرَجِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بن

[7] خ "2/ 251""52" كتاب الشهادات - "9" باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد - من طريق محمد بن كثير، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم به. رقم "2652". "أطرافه في: 3651، 6429، 6658] .

م "4/ 1963""44" كتاب فضائل الصحابة - "52" باب فضل الصحابة، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم - من طريق الحسن بن علي الحلواني، عن أزهر بن سعد السمان به. رقم "212/ 2533".

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "8/ 82، 83" قال الخطيب: وكان شيخًا ثقة صالحًا كثير البكاء عن الذكر. توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

2 المراد بقرنه صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم الذين يلونهم: يعني أتباعهم، ثم الذين يلونهم: يعني أتباع التابعين، وهذا يقتضي أن الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين.

والقرن مأخوذ من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم، قيل: والقرن ثمانون سنة، أو أربعون، أو مائة، أو غير ذلك.

3 في الأصل: "ثم الذين يلونهم" الثالثة، وهي ليست في "ب" وليست في كتب التخريج.

[8]

م "4/ 2119""49" كتاب التوبة - "8" باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله - من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان بن مسلم به. "50/ 2766". =

ص: 36

الْمُسْلِمَة الْمُعَدِّل1 قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثنتي عشرة وأربعمائة، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يوسف بن خَلادٌ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَوْنًا وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدة حدثاه أَنَّهُمَا شَهِدَا أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا أَدْخَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا".

قَالَ: فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَحَلَفَ لَهُ. فَلَمْ يُحَدِّثْنِي سَعِيدٌ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ، وَلَمْ ينكر على عون قوله.

= قال ابن حجر: "ورواه البخاري في تاريخه عن طريق محمد بن إسحاق بن طلحة التيمي، وعمارة القرشي، وعبد الملك بن عمير، وعمرو بن قيس السكوني - كلهم عن أبي بردة به.

"ثم ذكر علله والاختلاف فيه على أبي بردة، قال: والحديث في الشفاعة وأن قومًا يعذبون، ثم يخرجون أكثر وأبين".

قلت -أي ابن حجر: يجوز تخصيص هذا بحديث الشفاعة، فيحتمل أن الطائفة المعذبة من العصاة لا يحصل لهم هذا النداء ابتداء. والله أعلم. "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع ص287، 288".

وروى القطيعي في جزء الألف دينار "ص144" ما يبين فكاك المؤمن من أمة محمد بغيره من أهل الأديان -روى من طريق بشر "بن موسى الأسدي" عن عبد الرحمن القرى، عن سعيد بن أبي بن أيوب، عن أبي القاسم -رجل من أهل حمص، عن عمرو بن قيس السكوني، عن أبي بردة الأشعري، عن أبيه، عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أمتي مرحومة، مغفور لها، جعل عذابها بينها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة أعطي كل رجل من أمتي رجلًا من أهل الأديان، فقثيل: هذا فداؤك من النار".

أقول: إن كثيرًا من النكبات التي يصاب بها المسلمون من كيد بعض اليهود والنصارى من الأجانب غير المصريين، فلعل الله عز وجل يعوض المسلمين خيرًا في الآخرة بما جاء في هذا الحديث الشريف. والله أعلم.

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "5/ 67، 68" قال الخطيب: كتبت عنه وكان ثقة، وبلغني أنه ولد في آخر ذي القعدة من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

مات سنة خمس عشرة وأربعمائة.

2 "فاستحلفه عمر بن عبد العزيز" إنما استحلفه لزيادة الاستيثاق والطمأنينة، ولما حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين، ولأنه إذا كان عنده فيه شك وخوف غلط، أو نسيان أو اشتباه، أو نحو ذلك، أمسك عن اليمين، فإذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور، وعرف صحة الحديث.

وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي -رحمهما الله- أنهما قالا: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.

ص: 37

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَفَّانَ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ.

[9]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ قِرَاءَةً، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصفَّار، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادي، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رِجَالا، وَلَمْ يعطِ رِجَالا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ فُلانًا، وَتَرَكْتَ فُلانًا، فَلَمْ تُعْطِهِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَوَ مُسْلِمٌ؟ ". فَأَعَدْتُهَا ثَلاثًا، وَهُوَ يَقُولُ:"أَوَ مُسْلِمٌ؟ ". قَالَ: "إِنِّي لأُعْطِي رجالًا وأدع من أهو أَحَبُّ إليَّ مِنْهُمْ 1 مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ"، أو قال:"على مناخرهم"2.

[9] خ "1/ 25""1" كتاب الإيمان - "19" باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل - من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري به. رقم "27". "طرفه: 1478".

م "1/ 132""11" كتاب الإيمان - "66" باب تألف من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع - من طريق ابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري به. رقم "236".

ومن طريق زهير بن حرب، عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن شهاب به. رقم "237".

1 "إني لأعطي رجلًا، وأدع

" إلخ، معناه: أعطي مَن أخاف عليه لضعف إيمانه أن يكفر، وأدع غيره ممن هو أحب إليَّ منه؛ لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه.

2 قال الإمام النووي في فقه هذا الحديث:

وأما فقهه ومعانيه ففيه الفرق بين الإسلام والإيمان، وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل، وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب، خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم: يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يرده إجماع المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم، وفيه الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة المسئول في الأمر الواحد، وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يراه مصلحة، وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقًا بل يتأمله؛ فإن لم تظهر مصلحته لم يعمل به، وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه، وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعَشَرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"أو مسلم؟ " فليس فيه إنكار كونه مؤمنًا؛ بل معناه النهي عن القطع بالإيمان وأن لفظة الإسلام أولى به؛ فإن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد زعم صاحب التحرير أن هذا الحديث إشارة إلى أن الرجل لم يكن مؤمنًا، وليس كما زعم؛ بل فيه إشارة إلى إيمانه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جواب سعد

"شرح النووي على مسلم 1/ 540، 541".

ص: 38

الشَّيْخُ الصَّالِحُ قِرَاءَةً، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ البَخْتَرِي الرَّزَّاز1 إِمْلاءً....

"ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُنْدَارُ قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2 قِرَاءَةً فِي رَبِيعِ الأَوَّلِ سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصفَّار فِي الْمُحَرَّمِ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة قَالا: ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْبَزَّازُ.

"ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ قراءة في سنة تسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المؤدِّب بِقِرَاءَةِ ابْنِ النَّحْوِيِّ فِي سَنَةَ ثمان وعشرين وأربعمائة، أنبا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن بن إسحاق الصواف قراءة في منزله، ثنا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ3، ثنا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ

= وأما النسائي فأخرجه في التفسير "الكبرى 6/ 391، 392 رقم 11311" عن عبيد الله بن سعيد "عن سفيان".

وأما ابن ماجه فأخرجه في الفتن "3953" من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ به.

وخالف هؤلاء مالك بن إسماعيل وعمرو الناقد، فروياه عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسقاط حبيبة.

وطريق مالك خرجها البخاري "7059"، وطريق الناقد خرجها مسلم "2880"، وخالف سفيان بن عيينة جمهور الرواة عن الزهري، فرواه عقيل وابن أبي عتيق وشعيب -وهذه الثلاثة في البخاري- ويونس وصالح -وهاتان في مسلم- ليس في شيء منها ذكر حبيبة "هامش الرباعي ص24، 25".

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "3/ 132"، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وفي المخطوط: "البزاز" وما أثبتناه هو الصواب. انظر: تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء "15/ 385"، وتوضيح المشتبه 4/ 166، 167.

2 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 199""قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات سنة سبع عشرة وأربعمائة".

3 له ترجمة في تاريخ بغداد "7/ 86-88"، وفيه قال الدراقطني:.... ولد سنة 191، ومات سنة 288.

ص: 39

الشَّيْخُ الصَّالِحُ قِرَاءَةً، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ البَخْتَرِي الرَّزَّاز1 إِمْلاءً....

"ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُنْدَارُ قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2 قِرَاءَةً فِي رَبِيعِ الأَوَّلِ سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصفَّار فِي الْمُحَرَّمِ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة قَالا: ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْبَزَّازُ.

"ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ قراءة في سنة تسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المؤدِّب بِقِرَاءَةِ ابْنِ النَّحْوِيِّ فِي سَنَةَ ثمان وعشرين وأربعمائة، أنبا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن بن إسحاق الصواف قراءة في منزله، ثنا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ3، ثنا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ

= وأما النسائي فأخرجه في التفسير "الكبرى 6/ 391، 392 رقم 11311" عن عبيد الله بن سعيد "عن سفيان".

وأما ابن ماجه فأخرجه في الفتن "3953" من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ به.

وخالف هؤلاء مالك بن إسماعيل وعمرو الناقد، فروياه عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسقاط حبيبة.

وطريق مالك خرجها البخاري "7059"، وطريق الناقد خرجها مسلم "2880"، وخالف سفيان بن عيينة جمهور الرواة عن الزهري، فرواه عقيل وابن أبي عتيق وشعيب -وهذه الثلاثة في البخاري- ويونس وصالح -وهاتان في مسلم- ليس في شيء منها ذكر حبيبة "هامش الرباعي ص24، 25".

1 له ترجمة في تاريخ بغداد "3/ 132"، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وفي المخطوط: "البزاز" وما أثبتناه هو الصواب. انظر: تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء "15/ 385"، وتوضيح المشتبه 4/ 166، 167.

2 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 199""قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات سنة سبع عشرة وأربعمائة".

3 له ترجمة في تاريخ بغداد "7/ 86-88"، وفيه قال الدراقطني:.... ولد سنة 191، ومات سنة 288.

ص: 40

الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زينب زوج النبي قالت: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ وهو يقول: "لا إلله إِلا اللَّهُ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ 1، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ 2 مِثْلَ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ حَلَقَةً3. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ 4 قَالَ:"نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"5.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مِنْ عزيز المُدَبَّج6 ومحاسنه، وأربع صَحَابِيَّاتٍ: رَبِيبَتَانِ وَزَوْجَتَانِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِي بَعْضُهُنَّ عَنْ بَعْضٍ7.

[11]

أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ بِانْتِقَاءِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الْبَرَدَانِيُّ رحمهم الله، أنا

1 "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقترب": خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم. والمراد بالشر: ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون المراد بالشر ما أشار إليه في حديث أم سلمة: "ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا أنزل من الخزائن"، فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده، فكثرت الأموال في أيديهم، فوقع التنافس الذي جر إلى الفتن، وكذا التنافس على الإمارة، فإن معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله، وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر.

1 "فتح اليم من ردم يأجوج": المراد بالردم السد الذي بناه ذو القرنين.

3 حلق حلقة: أي حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها.

4 "أنهلك وفينا الصالحون": كأنها أخذت ذلك من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} .

5 قال: "نعم إذا كثر الخبث": فسروه بالزنا أو بأولاد الزنا، وبالفسوق والفجور، وهو أولى؛ لأنه قابله بالصلاح. قال النووي:"ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون".

6 التدبيج: رواية الأقران كل واحد عن صاحبه، وهو واضح في هذا الحديث.

7 قال الإمام النووي: ولا يعلم حديث اجتمع أربع صحابيات بعضهن عن بعض غيره. شرح مسلم "18/ 219".

[11]

خ "1/ 190""9" كتاب مواقيت الصلاة "16" باب فضل صلاة العصر - من طريق الحميدي، عن مروان بن معاوية، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير به.

وفيه: "فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} قال إسماعيل: افعلوا، ولا تفوتنكم. رقم "554".

"أطرافه في: 573، 4851، 7434، 7435، 7436".

م "1/ 439""5" كتاب المساجد ومواضع الصلاة - "37" باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما - من طريق زهير بن حرب، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير به.

وفيه ما في رواية البخاري من الزيادة.

والحديث في جزء الحسن بن عرفة رقم "68"، ص"80".

ص: 41

أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَطَّانُ "ح".

وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أحمد بن محمد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ النَّعَّالي بقراء إِسْمَاعِيلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سنة تسعين وأربعمائة، أنا الشَّيْخَانِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ.

"ح" وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خُشَيْش قِرَاءَةً، وَأَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ1 مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ؛ أَرْبَعَتُهُمْ قَالُوا: أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصفَّار2 قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فِي مَنْزِلِهِ قَطِيعَةَ بَنِي خُزَيْمَةَ سنة أربعين وثلاثمائة مِنْ آخِرِهَا، نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ3 أَبُو عَلِيٍّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله بن الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَلَعَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَا إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عز وجل كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تُضَامُون 4 فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ قَدرتُم أَلا تُغْلَبوا 5 عَنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ.

1 كذا في الأصل، وفي سير أعلام النبلاء "أبو الحسين""15/ 440".

2 له ترجمة في تاريخ بغداد "6/ 302"، وسير أعلام النبلاء "5/ 440"، وفي الثاني قال الدراقطني: كان ثقة متعصبًا للسنة. وقال الذهبي: انتهى إليه علو الإسناد. مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة.

3 انظر ترجمته في مقدمة جزئه، ومصادرها للمحقق الفريوائي "150-257هـ".

4 "لا تضامون": روي: "لا تُضَامُون" أي: لا ينالكم ضيم في رؤيته؛ أي: تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها؛ بل تشتركون في الرؤية، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، وروي:"لا تُضَامُّون" أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض وقت النظر لإشكاله وخفائه، كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه.

5 "فإن قدرتم ألا تغلبوا": بأن تستعدوا لقطع أسباب الغلبة النافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع. وجواب الشرط محذوف تقديره: فافعلوا.

ص: 42