المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ دَلَالَةَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى أَنَّ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٢

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ دَلَالَةَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى أَنَّ

اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ دَلَالَةَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ لَا إِسْحَاقُ عَلَى وَجْهٍ قَاطِعٍ لِلنِّزَاعِ، وَالْغُلَامُ يُطْلَقُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ وَعَلَى الرَّجُلِ الْبَالِغِ، وَمِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْبَالِغِ قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَ النَّهْرَوَانِ

: أَنَا الْغُلَامُ الْقُرَشِيُّ الْمُؤْتَمَنُ

أَبُو حُسَيْنٍ فَاعْلَمَنْ وَالْحَسَنِ

وَقَوْلُ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيِّ لِحَسَّانَ رضي الله عنهما:

تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنِّي فَإِنَّنِي

غُلَامٌ إِذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرِ

وَقَوْلُ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةِ تَمْدَحُ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ:

إِذَا نَزَلَ الْحَجَّاجُ أَرْضًا مَرِيضَةً

تَتَبَّعَ أَقْصَى دَائِهَا فَشَفَاهَا

شَفَاهَا مِنَ الدَّاءِ الْعُضَالِ الَّذِي بِهَا

غُلَامٌ إِذَا هَزَّ الْقَنَاةَ سَقَاهَا

وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى غُلَامَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ غَلْفَاءَ الْهُجَيْمِيِّ يَصِفُ فَرَسًا:

وَمُرْكِضَةٌ صَرِيحِيٌّ أَبُوهَا

يُهَانُ لَهَا الْغُلَامَةُ وَالْغُلَامُ

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ.

بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِنَّهُ وَقْتَ الْبُشْرَى بِإِسْحَاقَ مَسَّهُ الْكِبَرُ. وَصَرَّحَ فِي هُودٍ بِأَنَّ امْرَأَتَهُ أَيْضًا قَالَتْ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ فِي قَوْلِهِ عَنْهَا: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [11 \ 72] كَمَا صَرَّحَ عَنْهَا هِيَ أَنَّهَا وَقْتَ الْبُشْرَى عَجُوزٌ كَبِيرَةُ السِّنِّ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي هُودٍ: يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ الْآيَةَ [11 \ 72]، وَقَوْلِهِ فِي الذَّارِيَاتِ: فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [51 \ 29] . وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ وَقْتَ هِبَةِ اللَّهِ لَهُ وَلَدَهُ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ كَبِيرُ السِّنِّ أَيْضًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [14 \ 39] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ.

الظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِفْهَامَ نَبِيِّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ [15 \‌

‌ 54]

اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ لَهُ وَقَعَ نَظِيرُهُ لِامْرَأَتِهِ حَيْثُ قَالَتْ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامَ لِعَجَبِهَا مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الْآيَةَ [11 \ 73] وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا وُقُوعُ مِثْلِهِ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [3 \ 38] .

ص: 281

وَقَوْلُهُ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [3 \ 39] عَجِبَ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ الْآيَةَ [3 \ 40] وَقَوْلُهُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وَهِيَ نُونُ الرَّفْعِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ بِكَسْرِ النُّونِ مُخَفَّفَةً وَهِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ مَعَ حَذْفِ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ لِدَلَالَةِ الْكَسْرَةِ عَلَيْهَا، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ مَعَ الْمَدِّ، فَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ لَمْ يَحْذِفْ نُونَ الرَّفْعِ وَلَا الْمَفْعُولَ بِهِ، بَلْ نُونُ الرَّفْعِ مُدْغَمَةٌ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ وَيَاءُ الْمُتَكَلِّمِ هِيَ الْمَفْعُولُ بِهِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ فَنُونُ الرَّفْعِ ثَابِتَةٌ وَالْمَفْعُولُ بِهِ مَحْذُوفٌ عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ.

وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضُرَّ

كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرَ

وَعَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ فَنُونُ الرَّفْعِ مَحْذُوفَةٌ لِاسْتِثْقَالِ اجْتِمَاعِهَا مَعَ نُونِ الْوِقَايَةِ.

تَنْبِيهٌ

حَذْفُ نُونِ الرَّفْعِ لَهُ خَمْسُ حَالَاتٍ ثَلَاثٌ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا حَذْفُهَا، وَوَاحِدَةٌ يَجُوزُ فِيهَا حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا، وَوَاحِدَةٌ يُقْصَرُ فِيهَا حَذْفُهَا عَلَى السَّمَاعِ، أَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْحَذْفُ: فَالْأُولَى مِنْهَا إِذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ عَامِلُ جَزْمٍ، وَالثَّانِيَةُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَامِلُ نَصْبٍ، وَالثَّالِثَةُ إِذَا أُكِّدَ الْفِعْلُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ نَحْوَ لَتُبْلَوُنَّ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْإِثْبَاتُ وَالْحَذْفُ فَهِيَ مَا إِذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ نُونِ الرَّفْعِ نُونُ الْوِقَايَةِ، لِكَوْنِ الْمَفْعُولِ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَجُوزُ الْحَذْفُ وَالْإِثْبَاتُ، وَمِنَ الْحَذْفِ قِرَاءَةُ نَافِعٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَبِمَ تُبَشِّرُونِ بِالْكَسْرِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ [6 \ 80] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [16 \ 27] بِكَسْرِ النُّونِ مَعَ التَّخْفِيفِ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ الْآيَةَ [39 \ 64] بِالْكَسْرِ مَعَ التَّخْفِيفِ أَيْضًا، وَكُلُّهَا قَرَأَهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِالتَّشْدِيدِ لِإِثْبَاتِ نُونِ الرَّفْعِ وَإِدْغَامِهَا فِي نُونِ الْوِقَايَةِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ الْمَقْصُورَةُ عَلَى السَّمَاعِ فَهُوَ حَذْفُهَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:

أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتُ تُدَلِّكِي

وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِيِّ

أَمَّا بَقَاءُ نُونِ الرَّفْعِ مَعَ الْجَازِمِ فِي قَوْلِهِ:

ص: 282

لَوْلَا فَوَارِسُ مِنْ نُعْمٍ وَأُسْرَتِهِمْ

يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالْجَارِ

فَهُوَ نَادِرٌ حَمْلًا لِلَمْ عَلَى أُخْتِهَا لَا النَّافِيَةِ أَوْ مَا النَّافِيَةِ، وَقِيلَ هُوَ لُغَةُ قَوْمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَكَذَلِكَ بَقَاءُ النُّونِ مَعَ حَرْفِ النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ:

أَنْ تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا

مِنِّي السَّلَامَ وَأَلَّا تُشْعِرَا

أَحَدًا فَهُوَ لُغَةُ قَوْمٍ حَمَلُوا أَنِ الْمَصْدَرِيَّةَ عَلَى أُخْتِهَا مَا الْمَصْدَرِيَّةِ فِي عَدَمِ النَّصْبِ بِهَا، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى

مَا أُخْتِهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلًا

وَلَا يُنَافِي كَوْنُ اسْتِفْهَامِ إِبْرَاهِيمَ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ: قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [15 \ 56] . لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِفْهَامَهُ لَيْسَ اسْتِفْهَامَ مُنْكِرٍ وَلَا قَانِطٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.

بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنَّهُ لَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - إِلَّا الضَّالُّونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَبَيِّنٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَالَهُ أَيْضًا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِبَنِيهِ فِي قَوْلِهِ: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [12 \ 87] قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ الْآيَةَ. وَرَوْحُ اللَّهِ رَحْمَتُهُ وَفَرَجُهُ وَتَنْفِيسُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ.

أَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ قَوْمُ لُوطٍ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُوهُ، وَوَجْهُ إِشَارَتِهِ تَعَالَى لِذَلِكَ اسْتِثْنَاءُ لُوطٍ وَأَهْلِهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَا امْرَأَتَهُ الْآيَةَ [15 \ 59 - 60] وَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ قَوْمُ لُوطٍ بِقَوْلِهِ فِي هُودٍ فِي الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا: قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ الْآيَةَ [11 \ 70] وَصَرَّحَ فِي الذَّارِيَاتِ بِأَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لِيُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [51 \ 32 - 33] وَصَرَّحَ فِي الْعَنْكَبُوتِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُمْ مُهْلِكُوهُمْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ، وَمُنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ

ص: 283

رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا الْآيَةَ [29 \ 31 - 32]، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [29 \ 33 - 34] وَقَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [15 \ 59] بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى آلَ لُوطٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ النَّازِلِ بِقَوْمِهِ، وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي هُودٍ فِي قَوْلِهِ: قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ الْآيَةَ [11 \ 81] وَقَوْلِهِ فِي الْعَنْكَبُوتِ: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ الْآيَةَ [29 \ 33] وَقَوْلِهِ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [7 \ 83] وَقَوْلِهِ: فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ الْآيَةَ [26 \ 170 - 171] وَقَوْلِهِ: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [27 \ 57] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنِ اسْتِثْنَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْ أَهْلِهِ النَّاجِينَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ أَوْضَحَهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَبَيَّنَ فِي الذَّارِيَاتِ أَنَّهُ أَنْجَى مَنْ كَانَ فِي قَوْمِ لُوطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ وَهُمْ آلُ لُوطٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [29 \ 35 - 36] .

تَنْبِيهٌ

فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا حَقَّقَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى آلَ لُوطٍ مِنْ إِهْلَاكِ الْمُجْرِمِينَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [15 \ 59] ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ امْرَأَةَ لُوطٍ بِقَوْلِهِ: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ [15 \ 60] وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الْأَوَّلِ

لَيْسَ صَحِيحًا عَلَى إِطْلَاقِهِ. وَأَوْضَحَ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَقْسَامِهَا صَاحِبُ مَرَاقِي

ص: 284