المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تَنْبِيهٌ. اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي: «إِذَا» الْفُجَائِيَّةِ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٢

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: تَنْبِيهٌ. اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي: «إِذَا» الْفُجَائِيَّةِ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ

تَنْبِيهٌ.

اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي: «إِذَا» الْفُجَائِيَّةِ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ حَرْفٌ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْأَخْفَشُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي «الْمُغْنِي» : وَيُرَجِّحُ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ: خَرَجْتُ فَإِذَا إِنَّ زَيْدًا بِالْبَابِ (بِكَسْرِ إِنَّ) ; لِأَنَّ «إِنَّ» - الْمَكْسُورَةَ - لَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ ظَرْفُ مَكَانٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ ظَرْفُ زَمَانٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزَّجَّاجُ. وَالْخَصِيمُ: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، أَيْ: شَدِيدُ الْخُصُومَةِ. وَقِيلَ: الْخَصِيمُ الْمُخَاصِمُ. وَإِتْيَانُ الْفَعِيلِ بِمَعْنَى الْمُفَاعِلِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، كَالْقَعِيدِ بِمَعْنَى الْمُقَاعِدِ، وَالْجَلِيسِ بِمَعْنَى الْمُجَالِسِ، وَالْأَكِيلِ بِمَعْنَى الْمُؤَاكِلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: «مُبِينٌ» [16 \ 4] الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلِ أَبَانَ اللَّازِمَةِ، بِمَعْنَى بَانَ وَظَهَرَ ; أَيْ بَيِّنَ الْخُصُومَةِ. وَمِنْ إِطْلَاقِ أَبَانَ بِمَعْنَى بَانَ قَوْلُ جَرِيرٍ:

إِذَا آبَاؤُنَا وَأَبُوكَ عَدَوَا

أَبَانَ الْمُقْرِفَاتُ مِنَ الْعِرَابِ

أَيْ: ظَهَرَ. وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ:

لَوْ دَبَّ ذَرٌّ فَوْقَ ضَاحِي جِلْدِهَا

لَأَبَانَ مِنْ آثَارِهِنَّ حُدُورُ

يَعْنِي: لَظَهَرَ مِنْ آثَارِهِنَّ وَرَمٌ فِي الْجِلْدِ. وَقِيلَ: مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ: مُبِينٌ خُصُومَتَهُ وَمُظْهِرٌ لَهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ خَلَقَ الْأَنْعَامَ لِبَنِي آدَمَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي «آلِ عِمْرَانَ» : أَنَّ الْقُرْآنَ بَيَّنَ أَنَّ الْأَنْعَامَ هِيَ الْأَزْوَاجُ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي هِيَ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالضَّأْنِ، وَالْمَعْزِ. وَالْمُرَادُ بِالدِّفْءِ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُدَّفَّأُ بِهِ، كَالْمَلْءِ اسْمٌ لِمَا يُمْلَأُ بِهِ، وَهُوَ الدِّفَاءُ مِنَ اللِّبَاسِ الْمَصْنُوعِ مِنْ أَصْوَافِ الْأَنْعَامِ وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا. .

وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [16 \ 80]، وَقِيلَ: الدِّفْءُ نَسْلُهَا. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ; وَالنَّسْلُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَمَنَافِعُ [16 \‌

‌ 5]

، أَيْ: مِنْ نَسْلِهَا وَدَرِّهَا: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.

ص: 332

وَمَنَافِعُ الْأَنْعَامِ الَّتِي بَيَّنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - امْتِنَانَهُ بِهَا عَلَى خَلْقِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، بَيَّنَهَا لَهُمْ أَيْضًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [23 \ 21، 22]، وَقَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ [40 \ 79 - 81]، وَقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ [36 \ 71 - 73]، وَقَوْلِهِ: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [43 \ 12، 13]، وَقَوْلِهِ: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [39 \ 6] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالْأَظْهَرُ فِي إِعْرَابِ: وَالْأَنْعَامَ [16 \ 5]، أَنَّ عَامِلَهُ وَهُوَ: خَلَقَ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِالضَّمِيرِ فَنُصِبَ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وُجُوبًا، يُفَسِّرُهُ:«خَلَقَ» الْمَذْكُورُ، عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ:

فَالسَّابِقُ انْصِبْهُ بِفِعْلٍ أُضْمِرَا

حَتْمًا مُوَافِقٍ لِمَا قَدْ أَظْهَرَ

وَإِنَّمَا كَانَ النَّصْبُ هُنَا أَرْجَحَ مِنَ الرَّفْعِ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولِ فِعْلٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ الْآيَةَ [16 \ 4]، فَيَكُونُ عَطْفُ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ أَوْلَى مِنْ عَطْفِ الِاسْمِيَةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ لَوْ رُفِعَ الِاسْمُ السَّابِقُ ; وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يُخْتَارُ فِيهِ النَّصْبُ:

وَبَعْدَ عَاطِفٍ بِلَا فَصْلٍ عَلَى

مَعْمُولِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلَا

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَنْعَامَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِنْسَانَ، مِنْ قَوْلِهِ خَلَقَ الْإِنْسَانَ [16 \ 4] ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا تَرَى.

وَأَظْهَرُ أَوْجُهِ الْإِعْرَابِ فِي قَوْلِهِ: لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ [16 \ 5] أَنَّ قَوْلَهُ: دِفْءٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَكُمْ فِيهَا، وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ ; اعْتِمَادُهَا عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهَا وَهُوَ الْخَبَرُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ: دِفْءٌ فَاعِلُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ

ص: 333