الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرَاهُمْ، وَأَنَّهَا تَكَادُ تَتَقَطَّعُ مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ عَلَيْهِمْ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ [21 \ 39 - 40]، وَقَوْلِهِ: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [18 \ 53]، وَقَوْلِهِ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [25 \ 12]، وَقَوْلِهِ: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [67 \ 7، 8]، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [2 \ 165] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا رَأَوْا مَعْبُودَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يُشْرِكُونَهَا بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ قَالُوا لِرَبِّهِمْ: «رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ» [16 \
86]
وَأَنَّ مَعْبُودَاتِهِمْ تُكَذِّبُهُمْ فِي ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ! مَا «كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ» [10 \ 28] .
وَأَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [46 \ 5 - 6]، وَقَوْلِهِ: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [19 \ 81 - 82]، وَقَوْلِهِ: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [29 \ 25]، وَقَوْلِهِ: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ [28 \ 64]، وَقَوْلِهِ: فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ [10 \ 28] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ كَذَّبَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ وَنَفُوا أَنَّهُمْ عَبَدُوهُمْ، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ مَا قَالُوا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ دُونِ اللَّهِ! فَالْجَوَابُ: أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ لَهُمْ مُنْصَبٌّ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ، وَأَنَّ عِبَادَتَهُمْ حَقٌّ، وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَأَشْنَعِ الِافْتِرَاءِ. وَلِذَلِكَ هُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَلْقَوْا إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَوْلِ، وَنَطَقُوا فِيهِ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ. وَمُرَادُ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِمْ لِرَبِّهِمْ:«هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا» ، قِيلَ لِيُحَمِّلُوا شُرَكَاءَهُمْ تَبِعَةَ ذَنْبِهِمْ.
وَقِيلَ: لِيَكُونُوا
شُرَكَاءَهُمْ فِي الْعَذَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ [7 \ 38]، وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ جَمِيعًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. . . الْآيَةَ [21 \ 98]، وَأَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى وَعُزَيْرًا بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ. . . الْآيَةَ [21 \ 101] ; لِأَنَّهُمْ مَا عَبَدُوهُمْ بِرِضَاهُمْ. بَلْ لَوْ أَطَاعُوهُمْ لَأَخْلَصُوا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا -.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ، إِلْقَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ السَّلَّمَ: هُوَ انْقِيَادُهُمْ لَهُ، وَخُضُوعُهُمْ ; حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [16 \ 28]، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [37 \ 26]، وَقَوْلِهِ: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [20 \ 111]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ [16 \ 28] .
وَقَوْلِهِ: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [16 \ 87]، أَيْ: غَابَ عَنْهُمْ وَاضْمَحَلَّ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ. مِنْ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ تَشْفَعُ لَهُمْ وَتُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. . . الْآيَةَ [10 \ 18]، وَكَقَوْلِهِ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَضَلَالُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مَذْكُورٌ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [10 \ 30]، وَقَوْلِهِ: فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [28 \ 75] ، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعَانِيَ الضَّلَالِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي اللُّغَةِ بِشَوَاهِدِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ، اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ «صَدَّ» تُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ تُسْتَعْمَلَ مُتَعَدِّيَةً إِلَى الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. . . الْآيَةَ [48 \ 25] ، وَمُضَارِعُ هَذِهِ الْمُتَعَدِّيَةِ «يَصُدُّ» بِالضَّمِّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَمَصْدَرُهَا «الصَّدِّ» عَلَى الْقِيَاسِ أَيْضًا. وَالثَّانِي: أَنْ تُسْتَعْمَلَ «صَدَّ» لَازِمَةً غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَمَصْدَرُ هَذِهِ «الصُّدُودُ» عَلَى الْقِيَاسِ، وَفِي مُضَارِعِهَا الْكَسْرُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالضَّمُّ عَلَى السَّمَاعِ ; وَعَلَيْهِمَا الْقِرَاءَتَانِ السَّبْعِيَّتَانِ فِي قَوْلِهِ: إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ
[43 \ 57] ، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ.
فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ: فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [16 \ 88] ، مُحْتَمَلٌ ; لِأَنْ تَكُونَ «صَدَّ» مُتَعَدِّيَةً، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ ; عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضِرْ
…
كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَابًا أَوْ حُصِرْ
وَمُحْتَمَلٌ لِأَنْ تَكُونَ «صَدَّ» لَازِمَةً غَيْرَ مُتَعَدِّيَةٍ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَلَكِنْ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثُ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ «صَدَّ» مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْمَفْعُولَ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَصَدُّوا النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
الْأُولَى: أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا «صَدَّ» لَازِمَةً، وَأَنَّ مَعْنَاهَا: صُدُودُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ ; لَكَانَ ذَلِكَ تِكْرَارًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ مَعَ قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا [16 \ 88]، بَلْ مَعْنَى الْآيَةِ: كَفَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنِ الدِّينِ فَحَمَلُوهُ عَلَى الْكُفَّارِ أَيْضًا.
الْقَرِينَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ [16 \ 88]، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعَذَابِ لِأَجْلِ إِضْلَالِهِمْ غَيْرَهُمْ. وَالْعَذَابُ الْمَزِيدُ فَوْقَهُ: هُوَ عَذَابُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْمُضِلِّينَ الَّذِينَ أَضَلُّوا غَيْرَهُمْ: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ. . . الْآيَةَ [16 \ 25]، وَقَوْلُهُ: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ. . . الْآيَةَ [29 \ 13] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
الْقَرِينَةُ الثَّالِثَةُ، قَوْلُهُ: بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [16 \ 88] ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُفْسِدُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَوْلِهِ: فَوْقَ الْعَذَابِ [16 \ 88]، أَيْ: الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ بِضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ الْمَزِيدَ: عَقَارِبُ أَنْيَابُهَا كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ، وَحَيَّاتٌ مِثْلُ أَعْنَاقِ الْإِبِلِ، وَأَفَاعِي كَأَنَّهَا الْبَخَاتِيُّ تَضْرِبُهُمْ. أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَجَابُوا بِهِ رَسُولَهُمْ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم شَاهِدًا عَلَيْنَا. وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ
الْأَرْضُ. . . الْآيَةَ [4 \ 41، 42]، وَكَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ [5 \ 109]، وَكَقَوْلِهِ: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [7 \ 6]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأْ عَلَيَّ» ، قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ ! قَالَ:«نَعَمْ ; إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» ، فَقَرَأْتُ «سُورَةَ النِّسَاءِ» ، حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [4 \ 41]، فَقَالَ:«حَسْبُكَ الْآنَ» ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. اه.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَيَوْمَ نَبْعَثُ [16 \ 89] ، مَنْصُوبٌ بِ «اذْكُرْ» مُقَدَّرًا. وَالشَّهِيدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَعِيلَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ: شَاهِدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ. ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ هَذَا الْكِتَابَ الْعَظِيمَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ. وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [6 \ 38]، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ فِيهَا الْقُرْآنُ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. فَلَا بَيَانَ بِالْآيَةِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. وَالسُّنَّةُ كُلُّهَا تَدْخُلُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ ; وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59 \ 7] .
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي «الْإِكْلِيلِ» فِي اسْتِنْبَاطِ التَّنْزِيلِ، قَالَ تَعَالَى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [16 \ 89]، وَقَالَ: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [6 \ 38]، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«سَتَكُونُ فِتَنٌ» ، قِيلَ: وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا؟ قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ» ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَعَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ ; فَإِنَّ فِيهِ خَبَرَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَرَادَ بِهِ أُصُولَ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةً وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، أَوْدَعَ عُلُومَهَا أَرْبَعَةً: التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ، وَالزَّبُورَ، وَالْفُرْقَانَ. ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الثَّلَاثَةِ الْفَرْقَانَ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْقُرْآنِ: الْمُفَصَّلَ، ثُمَّ أَوْدَعَ عُلُومَ الْمُفَصَّلِ: فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ; فَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَهَا كَانَ كَمَنْ عَلِمَ تَفْسِيرَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: جَمِيعُ مَا تَقُولُهُ الْأُمَّةُ شَرْحٌ لِلسُّنَّةِ، وَجَمِيعُ شَرْحِ السُّنَّةِ شَرْحٌ لِلْقُرْآنِ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا سَمِعْتُ حَدِيثًا إِلَّا الْتَمَسْتُ لَهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثٍ أَنْبَأْتُكُمْ بِتَصْدِيقِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا: أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ كُلُّ عِلْمٍ، وَبُيِّنَ لَنَا فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَلَكِنَّ عِلْمَنَا يَقْصُرُ عَمَّا بُيِّنَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ. أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَوْ أَغْفَلَ شَيْئًا لَأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: جَمِيعُ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَا أَحِلُّ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أُحَرِّمُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» ، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا: لَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ فِي الدِّينِ نَازِلَةٌ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى فِيهَا، فَإِنْ قِيلَ: مِنَ الْأَحْكَامِ مَا ثَبَتَ ابْتِدَاءً بِالسُّنَّةِ؟ قُلْنَا: ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ ; لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَوْجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَفَرَضَ عَلَيْنَا الْأَخْذَ بِقَوْلِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً بِمَكَّةَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، أُخْبِرْكُمْ عَنْهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقِيلَ لَهُ: مَا تَقَوُلُ فِي الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الزُّنْبُورَ؟ فَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» [1 \ 1]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59 \ 7] ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«اقْتَدَوْا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ» ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الزُّنْبُورَ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مِنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ؟ ! قَالَ: لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهَا! أَمَا قَرَأْتِ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59 \ 7]،؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ بُرْجَانَ: مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِي الْقُرْآنِ، أَوْ فِيهِ أَصْلُهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، فَهِمَهُ مَنْ فَهِمَ، أَوْ عَمِهَ عَنْهُ مَنْ عَمِهَ، وَكَذَا كُلُّ مَا حَكَمَ أَوْ قَضَى بِهِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنَ الْقُرْآنِ لِمَنْ فَهَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ; حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَنْبَطَ عُمُرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ قَوْلِهِ «فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ» : وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [63 \ 11] ; فَإِنَّهَا رَأْسُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سُورَةٍ، وَعَقَّبَهَا «بِالتَّغَابُنِ» ، لِيُظْهِرَ التَّغَابُنَ فِي فَقْدِهِ.
وَقَالَ الْمُرْسِيُّ: جَمَعَ الْقُرْآنُ عُلُومَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، بِحَيْثُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا حَقِيقَةً إِلَّا الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، خَلَا مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ وَرِثَ عَنْهُ مُعْظَمَ ذَلِكَ سَادَاتُ الصَّحَابَةِ وَأَعْلَامُهُمْ ; مِثْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَمِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى قَالَ: لَوْ ضَاعَ لِي عِقَالُ بَعِيرٍ لَوَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ. ثُمَّ وَرِثَ عَنْهُمُ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، ثُمَّ تَقَاصَرَتِ الْهِمَمُ، وَفَتَرَتِ الْعَزَائِمُ، وَتَضَاءَلَ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَضَعُفُوا عَنْ حَمْلِ مَا حَمَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ عُلُومِهِ وَسَائِرِ فُنُونِهِ ; فَنَوَّعُوا عُلُومَهُ، وَقَامَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ بِفَنٍّ مِنْ فُنُونِهِ.
فَاعْتَنَى قَوْمٌ بِضَبْطِ لُغَاتِهِ، وَتَحْرِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَخَارِجِ حُرُوفِهِ وَعَدَدِهَا، وَعَدِّ كَلِمَاتِهِ وَآيَاتِهِ، وَسُوَرِهِ وَأَجْزَائِهِ، وَأَنْصَافِهِ وَأَرْبَاعِهِ، وَعَدَدِ سَجَدَاتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَصْرِ الْكَلِمَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَالْآيَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ. مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمَعَانِيهِ، وَلَا تَدَبُّرٍ لِمَا أُوُدِعَ فِيهِ. فَسُمُّوا الْقُرَّاءَ.
وَاعْتَنَى النُّحَاةُ بِالْمُعْرَبِ مِنْهُ وَالْمَبْنِيِّ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ، وَالْحُرُوفِ الْعَامِلَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَوْسَعُوا الْكَلَامَ فِي الْأَسْمَاءِ وَتَوَابِعِهَا، وَضُرُوبِ الْأَفْعَالِ، وَاللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي، وَرُسُومِ خَطَّ الْكَلِمَاتِ، وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ; حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ أَعْرَبَ مُشْكَلَهُ. وَبَعْضُهُمْ أَعْرَبَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً.
وَاعْتَنَى الْمُفَسِّرُونَ بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَدُوا مِنْهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، وَلَفْظًا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرِ ; فَأَجْرَوْا الْأَوَّلَ: عَلَى حُكْمِهِ، وَأَوْضَحُوا الْخَفِيَّ مِنْهُ، وَخَاضُوا إِلَى تَرْجِيحِ أَحَدِ مُحْتَمَالَاتِ ذِي الْمَعْنَيَيْنِ أَوِ الْمَعَانِي، وَأَعْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِكْرَهُ، وَقَالَ بِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ.
وَاعْتَنَى الْأُصُولِيُّونَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالشَّوَاهِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ ; مِثْلُ قَوْلِهِ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [21 \ 22] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَدِلَّةً عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ، وَبَقَائِهِ وَقِدَمِهِ، وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ ; وَسَمَّوْا هَذَا الْعِلْمَ بِ «، أُصُولِ الدِّينِ» .
وَتَأَمَّلَتْ طَائِفَةٌ مَعَانِيَ خِطَابِهِ ; فَرَأَتْ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَمِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْخُصُوصَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ أَحْكَامَ اللُّغَةِ مِنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَتَكَلَّمُوا فِي التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ، وَالنَّصِّ وَالظَّاهِرِ، وَالْمُجْمَلِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّسْخِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ، وَاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَالِاسْتِقَرَاءِ ; وَسَمَّوْا هَذَا الْفَنَّ «أُصُولَ الْفِقْهِ» .
وَأَحْكَمَتْ طَائِفَةٌ صَحِيحَ النَّظَرِ، وَصَادِقَ الْفِكْرِ فِيمَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، فَأَسَّسُوا أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ، وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا حَسَنًا ; وَسَمَّوْهُ بِ «عِلْمِ الْفُرُوعِ» وَبِ «، الْفِقْهِ أَيْضًا» .
وَتَلَمَّحَتْ طَائِفَةٌ مَا فِيهِ مِنْ قَصَصِ الْقُرُونِ السَّابِقَةِ، وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَنَقَلُوا أَخْبَارَهُمْ، وَدَوَّنُوا آثَارَهُمْ وَوَقَائِعَهُمْ. حَتَّى ذَكَرُوا بَدْءَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ الْأَشْيَاءِ ; وَسَمَّوْا ذَلِكَ بِ «التَّارِيخِ وَالْقَصَصِ» .
وَتَنَبَّهَ آخَرُونَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ، وَالْمَوَاعِظِ الَّتِي تُقَلْقِلُ قُلُوبَ الرِّجَالِ، وَتَكَادُ تُدَكْدِكُ الْجِبَالَ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِمَّا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ، وَذِكْرِ الْمَوْتِ وَالْمَعَادِ، وَالنَّشْرِ وَالْحَشْرِ، وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فُصُولًا مِنَ الْمَوَاعِظِ، وَأُصُولًا مِنَ الزَّوَاجِرِ. فَسُمُّوا بِذَلِكَ «الْخُطَبَاءَ وَالْوُعَّاظَ» .
وَاسْتَنْبَطَ قَوْمٌ مِمَّا فِيهِ مِنْ أُصُولِ التَّعْبِيرِ ; مِثْلَ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: مِنَ الْبَقَرَاتِ السِّمَانِ، وَفِي مَنَامَيْ صَاحِبَيِ السِّجْنِ، وَفِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ سَاجِدَاتٍ، وَسَمَّوْهُ «تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا» ; وَاسْتَنْبَطُوا تَفْسِيرَ كُلِّ رُؤْيَا مِنَ الْكِتَابِ، فَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ إِخْرَاجُهَا
مِنْهُ، فَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ شَارِحَةُ الْكِتَابِ، فَإِنْ عَسُرَ فَمِنَ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ. ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى اصْطِلَاحِ الْعَوَامِّ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ، وَعُرْفِ عَادَاتِهِمُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [7 \ 199] .
وَأَخَذَ قَوْمٌ مِمَّا فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ مِنْ ذِكْرِ السِّهَامِ وَأَرْبَابِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ «عِلْمَ الْفَرَائِضِ» ، وَاسْتَنْبَطُوا مِنْهَا مِنْ ذِكْرِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ وَالسُّدُسِ وَالثُّمُنِ «حِسَابَ الْفَرَائِضِ» ، وَمَسَائِلَ الْعَوْلِ ; وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ أَحْكَامَ الْوَصَايَا.
وَنَظَرَ قَوْمٌ إِلَى مَا فِيهِ الْآيَاتُ الدَّالَّاتُ عَلَى الْحِكَمِ الْبَاهِرَةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِ، وَالنُّجُومِ وَالْبُرُوجِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَاسْتَخْرَجُوا «عِلْمَ الْمَوَاقِيتِ» .
وَنَظَرَ الْكُتَّابُ وَالشُّعَرَاءُ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ جَزَالَةِ اللَّفْظِ وَبَدِيعِ النَّظْمِ، وَحُسْنِ السِّيَاقِ وَالْمَبَادِئِ، وَالْمَقَاطِيعِ وَالْمَخَالِصِ وَالتَّلْوِينِ فِي الْخِطَابِ، وَالْإِطْنَابِ وَالْإِيجَازِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ; فَاسْتَنْبَطُوا مِنْهُ «عِلْمَ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ» .
وَنَظَرَ فِيهِ أَرْبَابُ الْإِشَارَاتِ وَأَصْحَابُ الْحَقِيقَةِ ; فَلَاحَ لَهُمْ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَعَانٍ وَدَقَائِقُ، جَعَلُوا لَهَا أَعْلَامًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، مِثْلَ الْغِنَاءِ وَالْبَقَاءِ، وَالْحُضُورِ وَالْخَوْفِ وَالْهَيْبَةِ، وَالْأُنْسِ وَالْوَحْشَةِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
هَذِهِ الْفُنُونُ الَّتِي أَخَذَتْهَا الْمِلَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنْهُ.
وَقَدِ احْتَوَى عَلَى عُلُومٍ أُخَرَ مِنْ عُلُومِ الْأَوَائِلِ، مِثْلَ: الطِّبِّ، وَالْجَدَلِ، وَالْهَيْئَةِ، وَالْهَنْدَسَةِ وَالْجَبْرِ، وَالْمُقَابَلَةِ وَالنَّجَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
أَمَّا الطِّبُّ: فَمَدَارُهُ عَلَى حِفْظِ نِظَامِ الصِّحَّةِ، وَاسْتِحْكَامِ الْقُوَّةِ ; وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ تَبَعًا لِلْكَيْفِيَّاتِ الْمُتَضَادَّةِ، وَقَدْ جَمَعَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [25 \ 67] .
وَعَرَّفَنَا فِيهِ بِمَا يُعِيدُ نِظَامَ الصِّحَّةِ بَعْدَ اخْتِلَالِهِ، وَحُدُوثِ الشِّفَاءِ لِلْبَدَنِ بَعْدَ اعْتِلَالِهِ فِي قَوْلِهِ: شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [16 \ 69] .
ثُمَّ زَادَ عَلَى طِبِّ الْأَجْسَادِ بِطِبِّ الْقُلُوبِ، وَشِفَاءِ الصُّدُورِ.
وَأَمَّا الْهَيْئَةُ: فَفِي تَضَاعِيفِ سُورَهِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَثَّ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْهَنْدَسَةُ: فَفِي قَوْلِهِ: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [77 \ 30، 31] ، فَإِنَّ فِيهِ قَاعِدَةً هَنْدَسِيَّةً، وَهُوَ أَنَّ الشَّكْلَ الْمُثَلَّثَ لَا ظِلَّ لَهُ.
وَأَمَّا الْجَدَلُ: فَقَدْ حَوَتْ آيَاتُهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ، وَالْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ، وَالْمُعَارَضَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَمُنَاظَرَةُ إِبْرَاهِيمَ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ عَظِيمٌ.
وَأَمَّا الْجَبْرُ وَالْمُقَابَلَةُ: فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَائِلَ السُّورِ ذُكِرَ عَدَدٌ وَأَعْوَامٌ وَأَيَّامٌ لِتَوَارِيخِ أُمَمٍ سَالِفَةٍ، وَإِنَّ فِيهَا تَارِيخَ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَتَارِيخَ مُدَّةِ الدُّنْيَا، وَمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، مَضْرُوبًا بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ.
وَأَمَّا النَّجَامَةُ: فَفِي قَوْلِهِ: أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ [46 \ 4] ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ.
وَفِيهِ مِنْ أُصُولِ الصَّنَائِعِ، وَأَسْمَاءِ الْآلَاتِ الَّتِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إِلَيْهَا، فَمِنَ الصَّنَائِعِ الْخِيَاطَةُ فِي قَوْلِهِ: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ. . . الْآيَةَ [7 \ 22، 20 \ 121]، وَالْحِدَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [18 \ 96]، وَقَوْلِهِ: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ الْآيَةَ [34 \ 10] ، وَالْبِنَاءُ فِي آيَاتٍ، وَالنِّجَارَةُ، أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ [23 \ 27]، وَالْغَزْلُ: نَقَضَتْ غَزْلَهَا [16 \ 92]، وَالنَّسْجُ: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا [29 \ 41]، وَالْفِلَاحَةُ: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ [56 \ 63] ، فِي آيَاتٍ أُخَرَ، وَالصَّيْدُ فِي آيَاتٍ، وَالْغَوْصُ:، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ [38 \ 37] ، وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً [16 \ 14] ، وَالصِّيَاغَةُ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا. . . الْآيَةَ [7 \ 148]، وَالزُّجَاجَةُ: صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ [37 \ 44] ، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ [24 \ 35] ، وَالْفِخَارَةُ فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ [28 \ 38] ، وَالْمِلَاحَةُ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [18 \ 79] ، وَالْكِتَابَةُ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [96 \ 4] ، فِي آيَاتٍ أُخَرَ، وَالْخَبْزُ وَالطَّحْنُ:، أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ [12 \ 36] ، وَالطَّبْخُ، بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [11 \ 69] ، وَالْغَسْلُ وَالْقِصَارَةُ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [74 \ 4] ، قَالَ الْحَوَارِيُّونَ [3 \ 52][5 \ 112][61 \ 14] ، وَهُمُ الْقَصَّارُونَ، وَالْجِزَارَةُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [5 \ 3] ، وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالصَّبْغُ، صِبْغَةَ اللَّهِ. . . الْآيَةَ [2 \ 138] ، جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ. . . الْآيَةَ [35 \ 27] ، وَالْحِجَارَةُ، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا [26 \ 149] ، وَالْكِيَالَةُ
وَالْوَزْنُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالرَّمْيُ: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ [8 \ 17] ، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [8 \ 60] .
وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَلَاتِ، وَضُرُوبِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ وَالْمَنْكُوحَاتِ، وَجَمِيعِ مَا وَقَعَ وَيَقَعُ فِي الْكَائِنَاتِ مَا يُحَقِّقُ مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [6 \ 38] ، انْتَهَى كَلَامُ الْمُرْسِيِّ مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَاتٍ.
قُلْتُ: قَدِ اشْتَمَلَ كِتَابُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أَنْوَاعُ الْعُلُومِ فَلَيْسَ مِنْهَا بَابٌ وَلَا مَسْأَلَةٌ هِيَ أَصْلٌ، إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَفِيهِ عِلْمُ عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَبَدْءُ الْخَلْقِ، وَأَسْمَاءُ مَشَاهِيرِ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعُيُونُ أَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ; كَقِصَّةِ آدَمَ مَعَ إِبْلِيسَ فِي إِخْرَاجِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِي الْوَلَدِ الَّذِي سَمَّاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وَرَفْعُ إِدْرِيسَ وَإِغْرَاقُ قَوْمِ نُوحٍ، وَقِصَّةُ عَادٍ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَثَمُودَ، وَالنَّاقَةَ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَإِنَّهُ أُرْسِلَ مَرَّتَيْنِ، وَقَوْمِ تُبَّعٍ، وَيُونُسَ، وَإِلْيَاسَ، وَأَصْحَابِ الرَّسِّ، وَقِصَّةِ مُوسَى فِي وِلَادَتِهِ وَفِي إِلْقَائِهِ فِي الْيَمِّ، وَقَتْلِهِ الْقِبْطِيَّ، وَمَسِيرِهِ إِلَى مَدْيَنَ وَتَزَوُّجِهِ ابْنَةَ شُعَيْبٍ، وَكَلَامِهِ تَعَالَى بِجَانِبِ الطُّورِ، وَبَعْثِهِ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَخُرُوجِهِ وَإِغْرَاقِ عَدُوِّهِ، وَقِصَّةُ الْعَجَلِ، وَالْقَوْمِ الَّذِينَ خَرَجَ بِهِمْ وَأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ، وَقِصَّةُ الْقِتَالِ وَذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَقِصَّتُهُ فِي قِتَالِ الْجَبَّارِينَ، وَقِصَّتُهُ مَعَ الْخِضْرِ وَالْقَوْمِ الَّذِينَ سَارُوا فِي سِرْبٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الصِّينِ، وَقِصَّةُ طَالُوتَ وَدَاوُدَ مَعَ جَالُوتَ وَقَتْلِهِ، وَقِصَّةُ سُلَيْمَانَ وَخَبَرِهِ مَعَ مَلِكَةِ سَبَإٍ وَفِتْنَتِهِ، وَقِصَّةُ الْقَوْمِ الَّذِينَ خَرَجُوا فِرَارًا مِنَ الطَّاعُونِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ، وَقِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ فِي مُجَادَلَتِهِ قَوْمَهُ، وَمُنَاظَرَتِهِ النُّمْرُوذَ، وَوَضْعِهِ إِسْمَاعِيلَ مَعَ أُمِّهِ بِمَكَّةَ، وَبِنَائِهِ الْبَيْتَ، وَقِصَّةُ الذَّبِيحِ، وَقِصَّةُ يُوسُفَ وَمَا أَبْسَطَهَا، وَقِصَّةُ مَرْيَمَ وَوِلَادَتِهَا عِيسَى وَإِرْسَالِهِ وَرَفْعِهِ، وَقِصَّةُ زَكَرِيَّا وَابْنِهِ يَحْيَى، وَأَيُّوبَ وَذِي الْكِفْلِ، وَقِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَسِيرِهِ إِلَى مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَمَغْرِبِهَا وَبِنَائِهِ السَّدَّ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ، وَقِصَّةُ بُخْتُنَصَّرَ، وَقِصَّةُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الْجَنَّةُ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا لِيُصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَقِصَّةُ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَقِصَّةُ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَقِصَّةُ الْجَبَّارِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ.
وَفِيهِ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، وَبِشَارَةُ عِيسَى وَبَعْثُهُ وَهِجْرَتُهُ. وَمِنْ غَزَوَاتِهِ: غَزْوَةُ بَدْرٍ فِي (سُورَةِ الْأَنْفَالِ) ، وَأُحُدٍ فِي (آلِ عِمْرَانَ) ، وَبَدْرٍ الصُّغْرَى فِيهَا، وَالْخَنْدَقُ فِي (الْأَحْزَابِ) ، وَالنَّضِيرِ فِي (الْحَشْرِ) ، وَالْحُدَيْبِيَةِ فِي (الْفَتْحِ) ، وَتَبُوكَ فِي
(بَرَاءَةَ) ، وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي (الْمَائِدَةِ) ، وَنِكَاحُهُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَتَحْرِيمُ سِرِّيَّتِهِ، وَتَظَاهُرُ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ، وَقِصَّةُ الْإِفْكِ، وَقِصَّةُ الْإِسْرَاءِ، وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَسِحْرُ الْيَهُودِ إِيَّاهُ.
وَفِيهِ بَدْءُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ إِلَى مَوْتِهِ، وَكَيْفِيَّةُ الْمَوْتِ، وَقَبْضُ الرُّوحِ وَمَا يُفْعَلُ بِهَا بَعْدَ صُعُودِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَفَتْحُ الْبَابِ لِلْمُؤْمِنَةِ وَإِلْقَاءُ الْكَافِرَةِ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ وَالسُّؤَالُ فِيهِ، وَمَقَرُّ الْأَرْوَاحِ، وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ الْكُبْرَى الْعَشْرَةُ، وَهِيَ:
نُزُولُ عِيسَى، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَالدَّابَّةُ، وَالدُّخَانُ، وَرَفْعُ الْقُرْآنِ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَإِغْلَاقُ بَابِ التَّوْبَةِ، وَالْخَسْفُ.
وَأَحْوَالُ الْبَعْثِ: مِنْ نَفْخَةِ الصُّورِ، وَالْفَزَعِ، وَالصَّعْقِ، وَالْقِيَامِ، وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَأَهْوَالِ الْمَوْقِفِ، وَشِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ، وَظِلِّ الْعَرْشِ، وَالصِّرَاطِ، وَالْمِيزَانِ، وَالْحَوْضِ، وَالْحِسَابِ لِقَوْمٍ، وَنَجَاةِ آخَرِينَ مِنْهُ، وَشَهَادَةِ الْأَعْضَاءِ، وَإِيتَاءِ الْكُتُبِ بِالْأَيْمَانِ وَالشَّمَائِلِ وَخَلْفَ الظُّهُورِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَالْجَنَّةِ وَأَبْوَابِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالْحُلِيِّ وَالْأَلْوَانِ، وَالدَّرَجَاتِ، وَرُؤْيَتِهِ تَعَالَى، وَالنَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَأَنْوَاعِ الْعُقَابِ، وَأَلْوَانِ الْعَذَابِ، وَالزَّقُّومِ وَالْحَمِيمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ بُسِطَ جَاءَ فِي مُجَلَّدَاتٍ.
وَفِي الْقُرْآنِ جَمِيعُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ. وَفِيهِ مِنْ أَسْمَائِهِ مُطْلَقًا أَلْفُ اسْمٍ، وَفِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جُمْلَةٌ.
وَفِيهِ شُعَبُ الْإِيمَانِ الْبِضْعُ وَالسَّبْعُونَ.
وَفِيهِ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ الثَّلَاثُمِائَةِ وَخَمْسَ عَشْرَةَ.
وَفِيهِ أَنْوَاعُ الْكَبَائِرِ وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّغَائِرِ.
وَفِيهِ تَصْدِيقُ كُلِّ حَدِيثٍ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ. اه كَلَامُ السُّيُوطِيِّ فِي (الْإِكْلِيلِ) .
وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ بِرُمَّتِهِ مَعَ طُولِهِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ إِيضَاحِ: أَنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ أَشْيَاءُ جَدِيرَةٌ بِالِانْتِقَادِ تَرَكْنَا مُنَاقَشَتَهَا خَوْفَ الْإِطَالَةِ الْمُمِلَّةِ، مَعَ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [16 \ 89]، وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُنْكَرٌ وَاقِعٌ حَالًا ; عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ
وَمَصْدَرٌ مُنْكَرٌ حَالًا يَقَعْ
…
بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةٍ زَيْدٌ طَلَعْ
تَنْبِيهٌ.
أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ التِّبْيَانَ مَصْدَرٌ، وَلَمْ يُسْمَعْ كَسْرُ تَاءِ التِّفْعَالِ مَصْدَرًا إِلَّا فِي التِّبْيَانِ وَالتِّلْقَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: التِّبْيَانُ اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي (الْبَحْرِ) : وَالظَّاهِرُ أَنَّ «تِبْيَانًا» مَصْدَرٌ جَاءَ عَلَى تِفْعَالٍ، وَإِنْ كَانَ بَابُ الْمَصَادِرِ يَجِيءُ عَلَى تَفْعَالٍ (بِالْفَتْحِ) كَالتَّرْدَادِ وَالتَّطْوَافِ. وَنَظِيرُ تِبْيَانٍ فِي كَسْرِ تَائِهِ: تِلْقَاءُ، وَقَدْ جَوَّزَ الزَّجَّاجُ فَتْحَهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:«تِبْيَانًا» اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ ; وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ النُّحَاةِ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ الْكُوفِيِّينَ، وَالْمُبَرِّدُ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَمْ يَجِئْ عَلَى تِفْعَالٍ مِنَ الْمَصَادِرِ إِلَّا ضَرْبَانِ:
تِبْيَانٌ وَتِلْقَاءٌ. اه وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هُدًى وَرَحْمَةٌ وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَيُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ خِطَابِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ - أَيْ: مَفْهُومِ مُخَالَفَتِهَا -: أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ. وَهَذَا الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ صَرَّحَ بِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [41 \ 44]، وَقَوْلِهِ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [17 \ 82]، وَقَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا -: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [9 \ 124 - 125]، وَقَوْلِهِ: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [5 \ 64] ، فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ يَأْمُرُ خَلْقَهُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَأَنَّهُ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ; لِأَجْلِ أَنْ يَتَّعِظُوا بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَيَمْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَيَجْتَنِبُوا نَهْيَهُ. وَحُذِفَ مَفْعُولُ «يَأْمُرُ» ، «وَيَنْهَى» ; لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالْعَدْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [5 \ 8]، وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [4 \ 58] .
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِالْإِحْسَانِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [2 \ 195]، وَقَوْلُهُ: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [17 \ 23]، وَقَوْلُهُ: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ [28 \ 77]، وَقَوْلُهُ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [2 \ 83]، وَقَوْلُهُ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [9 \ 91] .
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أَمَرَ فِيهَا بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [30 \ 38]، وَقَوْلُهُ: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [17 \ 26]، وَقَوْلُهُ: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى الْآيَةَ [2 \ 177]، وَقَوْلُهُ: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [90 \ 14، 15] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي نَهَى فِيهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ وَالْبَغْيِ قَوْلُهُ: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. . . الْآيَةَ [6 \ 151]، وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. . . الْآيَةَ [7 \ 33]، وَقَوْلُهُ: وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ [6 \ 120] ، وَالْمُنْكَرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا.
وَمِنَ الْآيَاتِ الَّتِي جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ وَالتَّفَضُّلِ بِالْإِحْسَانِ، قَوْلُهُ: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [16 \ 126] ، فَهَذَا عَدْلٌ، ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [16 \ 126]، وَقَوْلُهُ:، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [42 \ 40]، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [42 \ 40] .
وَقَوْلُهُ: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [5 \ 45] ، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [5 \ 45] ، وَقَوْلُهُ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا
عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. . . الْآيَةَ [42 \ 43]، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [42 \ 43]، وَقَوْلُهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [4 \ 148]، فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ دَعَا إِلَى الْإِحْسَانِ بِقَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [4 \ 149] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدْلَ فِي اللُّغَةِ: الْقِسْطُ وَالْإِنْصَافُ، وَعَدَمُ الْجَوْرِ. وَأَصْلُهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ ; أَيْ: الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ. فَمَنْ جَانَبَ الْإِفْرَاطَ وَالتَّفْرِيطَ فَقَدْ عَدَلَ. وَالْإِحْسَانُ مَصْدَرُ أَحْسَنَ، وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيَةً بِالْحَرْفِ نَحْوَ: أَحْسِنْ إِلَى وَالِدَيْكَ ; وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ الْآيَةَ [12 \ 100]، وَتُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيَةً بِنَفْسِهَا. كَقَوْلِكَ: أَحْسَنَ الْعَامِلُ عَمَلَهُ، أَيْ: أَجَادَهُ وَجَاءَ بِهِ حَسَنًا. وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ بِمَعْنَيَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; لِأَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ لِوَجْهِ اللَّهِ عَمَلٌ أَحْسَنَ فِيهِ صَاحِبُهُ. وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِحْسَانَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ بِقَوْلِهِ:«أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ ذَلِكَ فِي (سُورَةِ هُودٍ) .
فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ رَاجِعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَا ذَكَرْنَا ; كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْعَدْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْإِحْسَانُ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ ; لِأَنَّ عِبَادَةَ الْخَالِقِ دُونَ الْمَخْلُوقِ هِيَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَالْقِسْطِ، وَتَجَنُّبُ التَّفْرِيطِ وَالْإِفْرَاطِ. وَمَنْ أَدَّى فَرَائِضَ اللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَقَدْ أَحْسَنَ ; وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلِ الَّذِي حَلَفَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ:«أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» ، وَكَقَوْلِ سُفْيَانَ: الْعَدْلُ: اسْتِوَاءُ الْعَلَانِيَةِ وَالسَّرِيرَةِ. وَالْإِحْسَانُ: أَنْ تَكُونَ السَّرِيرَةُ أَفْضَلَ مِنَ الْعَلَانِيَةِ. وَكَقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: الْعَدْلُ: الْإِنْصَافُ. وَالْإِحْسَانُ: التَّفَضُّلُ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [16 \ 90]، الْوَعْظُ:: الْكَلَامُ الَّذِي تَلِينُ لَهُ الْقُلُوبُ.
تَنْبِيهٌ.
فَإِنْ قِيلَ: يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الْوَعْظِ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ; كَقَوْلِهِ هُنَا: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [16 \ 90]، مَعَ أَنَّهُ مَا ذَكَرَ إِلَّا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ. . . الْآيَةَ [16 \ 90]، وَكَقَوْلِهِ فِي (سُورَةِ الْبَقَرَةِ) بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [2 \ 232]، وَقَوْلِهِ (فِي الطَّلَاقِ) فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا: ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقَوْلِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ مِثْلِ قَذْفِ عَائِشَةَ: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا. . . الْآيَةَ [24 \ 17]، مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ النَّاسِ: أَنَّ الْوَعْظَ يَكُونُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، لَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ ضَابِطَ الْوَعْظِ: هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي تَلِينُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَأَعْظَمُ مَا تَلِينُ لَهُ قُلُوبُ الْعُقَلَاءِ أَوَامِرُ رَبِّهِمْ وَنَوَاهِيهِ ; فَإِنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا الْأَمْرَ خَافُوا مِنْ سُخْطِ اللَّهِ فِي عَدَمِ امْتِثَالِهِ، وَطَمِعُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ فِي امْتِثَالِهِ. وَإِذَا سَمِعُوا النَّهْيَ خَافُوا مِنْ سُخْطِ اللَّهِ فِي عَدَمِ اجْتِنَابِهِ، وَطَمِعُوا فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الثَّوَابِ فِي اجْتِنَابِهِ ; فَحَدَاهُمْ حَادِي الْخَوْفِ وَالطَّمَعِ إِلَى الِامْتِثَالِ، فَلَانَتْ قُلُوبُهُمْ لِلطَّاعَةِ خَوْفًا وَطَمَعًا. وَالْفَحْشَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْخَصْلَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي الْقُبْحِ. وَمِنْهُ قِيلَ لِشَدِيدِ الْبُخْلِ: فَاحِشٌ ; كَمَا فِي قَوْلِ طُرْفَةَ فِي مُعَلَّقَتِهِ:
أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي
…
عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
وَالْمُنْكَرُ اسْمُ مَفْعُولِ أَنْكَرَ ; وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ، وَأَوْعَدَ فَاعِلَهُ الْعِقَابَ. وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى: أَنَّ الْبَاغِيَ يَرْجِعُ ضَرَرُ بَغْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [10 \ 23]، وَقَوْلِهِ: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [35 \ 43]، وَقَوْلِهِ: ذِي الْقُرْبَى [16 \ 90]، أَيْ: صَاحِبُ الْقَرَابَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوِ الْأُمِّ، أَوْ هُمَا مَعًا ; لِأَنَّ إِيتَاءَ ذِي الْقُرْبَى صَدَقَةٌ وَصِلَةُ رَحِمٍ. وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ. وَأَحَدُ الْمَفْعُولَيْنِ مَحْذُوفٌ ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ: وَحُذِفَ الثَّانِي. وَالْأَصْلُ وَإِيتَاءُ صَاحِبِ الْقَرَابَةِ ; كَقَوْلِهِ: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى. . . الْآيَةَ [2 \ 177] ،
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ أَمَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عِبَادَهُ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدُوا. وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْعُهُودِ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَكَرَّرَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ (فِي الْأَنْعَامِ) :، وَبِعَهْدِ