الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةُ
التِّين
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ.
التِّينُ هُوَ الثَّمَرَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي لَا عَجَمَ لَهَا وَلَا قِشْرَةَ، وَالزَّيْتُونُ هُوَ كَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الَّتِي مِنْهَا الزَّيْتُ، وَطُورِ سِينِينَ هُوَ جَبَلُ الطُّورِ الَّذِي نَاجَى مُوسَى عِنْدَهُ رَبَّهُ، وَالْبَلَدُ الْأَمِينُ هُوَ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ، وَالْوَاوُ لِلْقَسَمِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي التِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
أَمَّا التِّينُ وَالزَّيْتُونُ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا الثَّمَرَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ " وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ. كُلُّهُمْ يَقُولُ: التِّينُ: تِينُكُمُ الَّذِي تَأْكُلُونَ، وَالزَّيْتُونُ: زَيْتُونُكُمُ الَّذِي تَعْصِرُونَ.
وَعَنْ كَعْبٍ: التِّينُ: مَسْجِدُ دِمَشْقَ، وَالزَّيْتُونُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. وَكَذَا عَنْ قَتَادَةَ. وَأَرَادُوا مَنَابِتَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ بِقَرِينَةِ الطُّورِ وَالْبَلَدِ الْأَمِينِ، عَلَى أَنَّ مَنْبَتَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ لِعِيسَى، وَطُورَ سِينِينَ لِمُوسَى، وَالْبَلَدَ الْأَمِينَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَلَكِنَّ حَمْلَ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ عَلَى مَنَابِتِهِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى إِبْقَاؤُهُمَا عَلَى أَصْلِهِمَا، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ الْآتِي:
أَوَّلًا التِّينُ: قَالُوا: إِنَّهُ أَشْبَهُ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّمَارِ بِثَمَرِ الْجَنَّةِ، إِذْ لَا عَجَمَ لَهُ وَلَا قِشْرَ، وَجَاءَ عَنْهُ فِي السُّنَّةِ:" أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَ لَهُ طَبَقٌ فِيهِ تِينٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: فَلَوْ قُلْتُ: إِنَّ فَاكِهَةً نَزَلَتْ مِنَ الْجَنَّةِ لَقُلْتُ هَذِهِ ; لِأَنَّ فَاكِهَةَ الْجَنَّةِ بِلَا عَجَمٍ فَكُلُوهُ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْبَوَاسِيرَ وَيَنْفَعُ مِنَ النِّقْرِسِ " ذَكَرَهُ النَّيْسَابُورِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ.
وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي زَادِ الْمَعَادِ، قَائِلًا: وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " أُهْدِيَ إِلَى
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَبَقٌ مِنْ تِينٍ " وَسَاقَ النَّصَّ الْمُتَقَدِّمَ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي ثُبُوتِ هَذَا نَظَرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَصَاحِبُ الْقَامُوسِ: لِلتِّينِ خَوَاصٌّ، وَقَالُوا: إِنَّهَا مِمَّا تَجْعَلُهُ مَحِلًّا لِلْقَسَمِ بِهِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْقَيِّمِ: أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي السُّورَةِ.
وَمِمَّا ذَكَرُوا مِنْ خَوَاصِّهِ، قَالُوا: إِنَّهُ يَجْلُو رَمْلَ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ وَيُؤَمِّنُ مِنَ السُّمُومِ، وَيَنْفَعُ خُشُونَةَ الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ وَقَصَبَةِ الرِّئَةِ، وَيَغْسِلُ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ، وَيُنَقِّي الْخَلْطَ الْبَلْغَمِيَّ مِنَ الْمَعِدَةِ، وَيُغَذِّي الْبَدَنَ غِذَاءً جَيِّدًا، وَيَابِسُهُ يُغَذِّي وَيَنْفَعُ الْعَصَبَ.
وَقَالَ جَالِينُوسُ: وَإِذَا أُكِلَ مَعَ الْجَوْزِ وَالسَّذَابِ، قَبْلَ أَخْذِ السُّمِّ الْقَاتِلِ نَفَعَ، وَحَفِظَ مِنَ الضُّرِّ، وَيَنْفَعُ السُّعَالَ الْمُزْمِنَ وَيَدِرُّ الْبَوْلَ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ الْكَائِنَ عَنِ الْبَلْغَمِ الْمَالِحِ، وَلِأَكْلِهِ عَلَى الرِّيقِ مَنْفَعَةٌ عَجِيبَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ، لَمْ يَأْتِ لَهُ ذِكْرٌ فِي السُّنَّةِ، وَلَكِنْ قَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ وَفَوَائِدِهِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ هُوَ التِّينُ الْمَعْرُوفُ. اهـ.
وَكَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَمْ يُذْكَرْ فِي السُّنَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِالْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَنَابِتِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ لِمُنَافَاةِ جَوِّهِ لِجَوِّهَا، وَهُوَ وَإِنْ وُجِدَ أَخِيرًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُودُ فِيهَا جَوْدَتَهُ فِي غَيْرِهَا.
فَتَرَجَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّينِ هُوَ هَذَا الْمَأْكُولُ، كَمَا جَاءَ عَمَّنْ سَمَّيْنَا: ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ.
أَمَّا الزَّيْتُونُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ، أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ إِذَا اخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَكَانَ مَجِيءُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَوِ الْمَعَانِي الْمُحْتَمَلَةِ أَكْثَرَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ الزَّيْتُونِ فِي الْقُرْآنِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ مَقْصُودًا بِهِ تِلْكَ الشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ، فَذُكِرَ فِي ضِمْنِ الْأَشْجَارِ خَاصَّةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [6 \ 99]، وَسَمَّاهَا بِذَاتِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ [23 \ 20]