المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَذَكَرَهَا مَعَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي عَبَسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْبَتْنَا - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٩

[محمد الأمين الشنقيطي]

الفصل: وَذَكَرَهَا مَعَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي عَبَسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْبَتْنَا

وَذَكَرَهَا مَعَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ فِي عَبَسَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا [80 \ 27 - 29] ، وَذَكَرَ مِنْ أَخَصِّ خَصَائِصِ الْأَشْجَارِ، فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ فِي الْمَثَلِ الْعَظِيمِ الْمَضْرُوبِ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ [2‌

‌4

\ 35] . فَوَصَفَهَا بِالْبَرَكَةِ وَوَصَفَ زَيْتَهَا بِأَنَّهُ يَكَادُ يُضِيءُ، وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، وَاخْتِيَارُهَا لِهَذَا الْمَثَلِ الْعَظِيمِ يَجْعَلُهَا أَهْلًا لِهَذَا الْقَسَمِ الْعَظِيمِ هُنَا.

أَمَّا طُورُ سِينِينَ: فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ جَبَلُ الطُّورِ، الَّذِي نَاجَى اللَّهَ مُوسَى عِنْدَهُ، كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ، وَذِكْرُ الطُّورِ فِيهَا لِلتَّكْرِيمِ وَلِلْقَسَمِ، فَمِنْ ذِكْرِهِ لِلتَّكْرِيمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [19 \ 52]، وَمِنْ ذِكْرِهِ لِلْقَسَمِ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [52 \ 1 - 2] .

وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي سُورَةِ الطُّورِ قَوْلُهُ، وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِالطُّورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ [95 \ 2] . اهـ.

أَمَّا الْبَلَدُ الْأَمِينُ فَهُوَ مَكَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، فَالْأَمِينُ بِمَعْنَى الْآمِنِ، أَيْ: مِنَ الْأَعْدَاءِ، أَنْ يُحَارِبُوا أَهْلَهُ أَوْ يَغْزُوهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [29 \ 67] ، وَالْأَمِينُ بِمَعْنَى آمِنٍ، جَاءَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

أَلَمْ تَعْلَمِي يَا اسْمَ وَيْحَكِ أَنَّنِي

حَلَفْتُ يَمِينًا لَا أَخُونُ أَمِينِي

يُرِيدُ: آمِنِي.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.

وَهَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَالتَّقْوِيمُ التَّعْدِيلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا [18 \ 1 - 2] ، وَأَحْسَنُ تَقْوِيمٍ شَامِلٌ لِخَلْقِ الْإِنْسَانِ حِسًّا وَمَعْنًى أَيْ شَكْلًا وَصُورَةً وَإِنْسَانِيَّةً، وَكُلُّهَا مِنْ آيَاتِ الْقُدْرَةِ وَدَلَالَةِ الْبَعْثِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه:

دَوَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تَشْعُرُ

وَدَاؤُكَ مِنْكَ وَلَا تُبْصِرُُُ

ص: 5

وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرُ

وَفِيكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الْكَبِيرُ

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى خَلْقَهُ ابْتِدَاءً مِنْ نُطْفَةٍ فَعَلَقَةٍ إِلَى آخِرِهِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [75 \ 34 - 40] .

وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْبَعْثِ بِقَوْلِهِ: فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ [95 \ 7] .

أَمَّا الْجَانِبُ الْمَعْنَوِيُّ فَهُوَ الْجَانِبُ الْإِنْسَانِيُّ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا عَلَى مَا قَدَّمْنَا هُنَاكَ، مِنْ أَنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ هِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ الْجَانِبُ الَّذِي بِهِ كَانَ الْإِنْسَانُ إِنْسَانًا، وَبِهِمَا كَانَ خَلْقُهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَنَالَ بِذَلِكَ أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّكْرِيمِ: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [17 \ 70] .

وَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا مُفْرَدًا إِلَّا أَنَّهُ لِلْجِنْسِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [95 \ 5 - 6]، وَهَذَا مِثْلُ مَا فِي سُورَةِ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [103 \ 1 - 6] ، فَبِاسْتِثْنَاءِ الْجَمْعِ مِنْهُ، عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ.

وَالتَّأْكِيدُ بِالْقَسَمِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يُشْعِرُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَلْمُوسٌ مَحْسُوسٌ، لَا يُنْكِرُهُ إِنْسَانٌ.

وَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَلَى ذَلِكَ: بِأَنَّ غَيْرَ الْمُنْكِرِ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الْإِنْكَارِ، عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْمُنْكِرِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

جَاءَ شَقِيقٌ عَارِضًا رُمْحَهُ

وَإِنَّ بَنِي عَمِّكَ فِيهِمْ رِمَاحُ

وَأَمَارَاتُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ، إِنَّمَا هِيَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ بِالْبَعْثِ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَوْ تَأَمَّلَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ، لَعَرَفَ مِنْهُ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَفْرَدَهَا الشَّيْخُ فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ بِتَنْبِيهٍ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [45 \ 4] ، وَتَكَرَّرَ هَذَا الْبَحْثُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَأَصْرَحُ دَلَالَةٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا جَاءَ فِي آخِرِ يس: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [36 \ 78 - 79] .ُُ

ص: 6