المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة - الفوائد السنية في شرح الألفية - جـ ١

[شمس الدين البرماوي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدمة المُحَقِّق

- ‌المبحث الأول: بيان حِرص كثير مِن علماء الأصول على نَقْل أقوال البرماوي وتقريراته

- ‌المبحث الثاني: ترجمة شمس الدين البرماوي، وتوثيق نسبة الكتاب له

- ‌المبحث الثالث: بيان منهج الإمام البرماوي في نَظْم الألفية وأَصْلِها وشَرْحِها

- ‌المبحث الرابع: تَقَدُّم البرماوي في عِلْم الحديث وأَثَره في شَرْحه لِلأَلْفِيَّة

- ‌المبحث الخامس: تَقَدُّم البرماوي في الفقه وأَثَره في شَرْحه لِلأَلْفِيَّة

- ‌الجهة الأُولى: اجتهاده في الابتعاد عن تَناوُل ما لا يفيد من المباحث والمسائل

- ‌الجهة الثانية: اجتهاده في ذِكر الكثير مِن الفروع والتطبيقات الفقهية:

- ‌المبحث السادس: مَذْهَب الإمام البرماوي وأَثَره في شَرْحه لِلأَلْفِيَّة

- ‌المبحث السابع: عقيدة البرماوي وأَثَرها في شَرْحه لِلأَلْفِيَّة

- ‌المبحث الثامن: اشتمال شرح البرماوي على فوائد لم يذكرها الزركشي في "البحر المحيط

- ‌المبحث التاسع: بيان دَرَجة دِقَّة الشمس البرماوي في نَقْل كلام غَيْره

- ‌القسم الأول: نَقْل يطابِق النص الأصلي في اللفظ

- ‌القسم الثاني: نقل يكاد يطابق النص الأصلي في اللفظ والمعنى على الرغم مِن طُوله:

- ‌القسم الثالث: نقل يقارب النص الأصلي في اللفظ (مع تَصَرُّف يسير واختصار) ويطابقه في المعنى:

- ‌القسم الرابع: نَقْل نَسَبَ البرماويُّ فيه كلامًا إلى غَيْر قائله:

- ‌المبحث العاشر: بيان حرص البرماوي على أنْ يَقرأ على شيوخه ما كَتَبه أو نَسَخه مِن كُتُبهم ومقابلته على أَصْلهم، وكذلك كان يُقرأ عليه ما كُتِبَ أو نُسِخ مِن كُتُبه

- ‌المبحث الحادي عشر: وصف نُسَخ مخطوطات أَلْفِيَّة البرماوي وأَصْلها وشَرْحِها

- ‌المبحث الثاني عشر: ملاحظاتي حول نُسَخ المخطوطات

- ‌أولًا: فيما يختص بالنصف الأول من الكتاب:

- ‌ثانيًا: فيما يختص بالنصف الثاني من الكتاب:

- ‌المبحث الثالث عشر: الجهود السابقة لتحقيق هذه الألفية وشَرْحها

- ‌ملاحظاتي على التحقيق الأول

- ‌القسم الأول: تحريفات وتصحيفات في مئات الكلمات:

- ‌القسم الثاني: نقصان كلمات أو جُمَل على الرغم مِنْ وجودها في جميع المخطوطات:

- ‌القسم الثالث: زيادة كلمات (أو أَحْرُف) ليست في جميع المخطوطات:

- ‌القسم الرابع: الأخطاء في كتابة وضبط كلمات النَّظْم، مما أدَّى إلى كسر الوزن:

- ‌القسم الخامس: أخطاء في وضع علامات الترقيم؛ جَعَلَتْ النَّص مُشَوَّهًا:

- ‌ملاحظاتي على التحقيق الثاني

- ‌المبحث الرابع عشر: عَمَلِي في الكتاب

- ‌المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة

- ‌المُقَدِّمة

- ‌الباب الأول في أدلة الفقه

- ‌الْقُرْآنُ

- ‌السُّنَّةُ

- ‌الْإجْمَاعُ

- ‌الْقِيَاسُ

الفصل: ‌المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة

‌المبحث الخامس عشر: تنبيهات مهمة

التنبيه الأول: الكلمات التي قد تختلف فيها النُّسَخ اتبَعْتُ فيها الطريقة التي تُسَمَّى: "النَّص المُخْتار"، فأختار منها ما يظهر لي أنه الصواب، ثُم قد لا أُنَبِّه على ذلك إذا رأيتُ أنَّ الفروق يسيرة

(1)

، وقد أُنَبِّه بوضع الكلمة المُخْتارة بين معكوفين هكذا [ .. ] ثم أُشِير في الهامش إلى كيفية وُرُودها في النُّسَخ الأخرى.

مِثَالُه: إذا كان المتن هكذا: [الْمُعْتَمَدْ] وكتبتُ في هامشه: في (ن 1، ن 3): المعد.

فإذا اقتصرتُ على ذلك في الهامش، فمعناه أنَّ سائر النُّسَخ (ز، ص، ض، ت، ش، ظ، ق، س، ن 2، ن 4، ن 5): الْمُعْتَمَدْ.

- وإذا اتفقت النُّسَخ (ن 1، ن 2، ن 3، ن 4، ن 5)، فأقول:(ن).

التنبيه الثاني: قد أَضَع الرمز صلى الله عليه وسلم مكان عبارة: "عليه الصلاة والسلام".

وكذلك أصلحتُ ما وجدت مِن خطأ في كتابة الآية (وهو قليل) دُون أَنْ أُنَبِّه على ذلك: فَقَدْ تُكتب الآية هكذا: (ولا تَقُلْ لهما أُف). والصواب: {فلا} .

وقد يحذف الإمام البرماوي حَرْفًا من أول ما يستدل به مِن الآيات.

فقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} قد يذكره البرماوي بحذف

(1)

مثل أنْ يأتي في إحدى النُّسَخ: (قوله تعالى)، وفي نُسخة:(قول الله تعالى)، وفي نُسخة:(قوله).

ص: 91

"الفاء" هكذا: {مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] "، وحينئذ قد أكتب الآية كاملة دُون أنْ أُنَبِّه على ذلك.

وقد صَرَّح البرماوي بجواز ذلك، فقال في كتابه هذا "الفوائد السنية، 2/ 754": (إذا استُدِل بآية وأَولها حرف عطف أو نحوه، هل يجوز إسقاط ذلك حيث استقام المعنى بدونه؟ ظاهر تَصرُّف الفقهاء جوازه؛ ففي "الوسيط" للغزالي في أول الصلاة: قال الله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، وفي كتاب البيع: {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وفي "صحيح البخاري": "لم ينزل علَيَّ إلا هذه الفاذة: {مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] "). انتهى

التنبيه الثالث: من المعلوم أنَّ الهدف مِن علامات الترقيم هو تسهيل فَهْم النَّص فَهْمًا صحيحًا. ولَمْ أَلْتَزم ما هو معهود التزامًا حَرْفِيًّا، وإنما اجتهدتُ في وَضْع علامات الترقيم بما أراه يؤدي الهدف المذكور وبحيث يَخْدم النَّص، وقد اضطرني إلى ذلك صعوبة النَّص وتداخل عباراته أحيانًا.

التنبيه الرابع: مَن أراد أنْ يَسْتَوْعِب ما جاء في هذه الألفية مِن ضرورة شعرية (كتحريك حَرْف ساكن، أو تسكين متحرِّك، أو قَصْر الممدود .. الخ) فينبغي عليه الاطِّلاع على كتاب في العَروض والضرورة الشعرية. وهذا النَّظْم على بحر الرَّجَز.

وأخيرًا: فيما يلي صُوَر من المخطوطات.

وكَتَبَه:

عبد الله رمضان موسى

كلية الشريعة - 1/ 12/ 2014 م

ص: 92

ورقة (2) من (ز) وعليها خط الحافظ البرماوي

ص: 93

الورقة الأولى من (ص)

الورقة 224 وبهامشها خط البرماوي

ص: 94

الورقة الثانية من (ق)

آخر ورقة من (ق)

ص: 95

الورقة الأولى من (ش)

الصفحة قبل الأخيرة من (ش)

ص: 96

الصفحة الثانية من (ض)

الصفحة الأخيرة من (ض)

ص: 97

الورقة الأولى من (س) وعلى الغلاف أن كمال الدين ابن أبي شريف وقفها على مَن بعده

الورقة الأخيرة من (س)

ص: 98

الورقة الأولى من (ظ)

ص: 99

أول ورقة ج 1 من (ت)

الصفحة الثانية ج 2 من (ت)

ج 1 أول ورقة من (ت)

الورقة الأخيرة من (ت)

ص: 100

الورقة الأولى من (ن 1)

أول ورقة من (ن 2)

آخر ورقة من (ن 2)

ص: 101

الصفحة الثانية من (ن 2)

الورقة الأولى من (ن 3)

ص: 102

الورقة الأولى من (ن 4)

الورقة الأخيرة من (ن 4)

ص: 103

الورقة الأولى من (ن 5)

ص: 104

الورقة الأولى من النبذة الزكية

الورقة الأخيرة من النبذة الزكية

ص: 106

بداية نص كتاب

الفوائد السنية في شرح الألفية

تأليف:

الحافظ البرماوي شمس الدين محمد بن عبد الدائم (763 - 831 هـ)

وهو شرح لألفيته (1032 بيتًا) في علم أصول الفقه

تحقيق الشيخ

عبد الله رمضان موسى

كلية الشريعة

الجزء الأول

مكتبة

دار النصيحة

الناشر

مكتبة التوعية الإسلامية

للتحقيق والنشر والبحث العلمي

جوال: 0100525514/ 01118737605

ص: 107

[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]

(1)

[قال الشيخ الإمام العلَّامة شمس الدين محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوي الشافعي تغمده الله بغفرانه، وأسكنه بحبوحة جنانه]

(2)

:

الحمد لله الذي شرح الصدور بكتابه المبين وشَفَاها، وبَيَّنَ ما نزَّل بِسُنة نَبِيِّه محمد المصطفى فِعْلًا وشِفاهًا، وعَصَم أُمَّته من الخطأ، فَمَن شذَّ عنهم ركب ضلالة وسِفَاها، ومَن حاد عن سَنَن قياس شَرْعه بَذَّ

(3)

السفهاء سِفَاها، فأصبحت أحكام فِقهه بوضوح أَوْضاح أدلتها تتباهى، وتراجيحُ سنَاها لا تتناهى، وانفتح للمجتهدين بذلك صَوبُ صَواب فتواها. فصلى الله على محمد المخصوص بعموم الرسالة فجَلَّاها، ومَحَى دُجَى ليل الجهل مِن الأمم إذا يغشاها، قد أفلح مَن زكاها، وقد خاب مَن دساها، وعلى آله وصحبه ما بَلغَ أُولو النُّهى [البَهِي]

(4)

مُناها. أمَّا بَعْد:

فهذا تعليق مبارك على أرجوزتي المُسَمَّاة بِـ "النُّبْذة الألفيَّة في الأُصول الفقهية"، يوضحُ أسرارها، ويكشف أستارها، مع فوائد مَزِيدة، ولطائف عديدة، والتعرض للخلاف المشهور، وبعض أدلة تُرَى كالصارم المشهور، سمَّيتُه "الفوائد السَّنية في شرح الألفية"،

(1)

في (ت) زيادة: (وهو حسبي ونعم الوكيل). وفي (ز) زيادة: (وبه نستعين وعليه توكلت).

(2)

في (ص): (قال الفقير إلى رحمة ربه الغني محمد بن عبد الدائم بن موسى البرماوي الشافعي عفا الله عنه والمسلمين).

(3)

العرب تقول: بَذَّ فلان فلانًا يَبُذُّهُ: إذا ما علاه وَفَاقَه في حُسْنٍ أو عملٍ كائنًا ما كان، وبَذَّهُ: غَلَبَه. (تهذيب اللغة، 14/ 298).

(4)

في (ت): بالنهى.

ص: 108

ضارِعًا إلى الله تعالى في أنْ ينفع بذلك، ويفتح به إلى هذا الفن المسالك، عليه توكلتُ وهو رب العرش العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

ص:

1 -

بِاسْمِ الحمِيدِ قال عَبدٌ يَحْمَدُ

ذَا البِرْمَوِيُّ الشافِعِيْ مُحَمَّدُ

2 -

الحمْدُ للهِ الذِي مَنْ وَفَّقَا

لِلْفِقْهِ في الدِّينِ وأَصلِهِ، ارْتَقَا

3 -

ثُمَّ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ [الأَبَدِي]

(1)

عَلَى النَّبِيِّ الهاشِمِيْ [مُحَمَّدِ]

(2)

4 -

وآلِهِ وصحْبِهِ والتُّبَّعِ

عَلَى الهُدَى بِهَدْيِهِ المُتَّبَعِ

الشرح:

القصد الابتداء بحمد الله؛ لحديث: "كل أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبدَأ فيه بحمد الله فهو أجْذَمُ"

(3)

. رواه أبو داود وغَيْره. وجَرَت عادة كثير أنْ يبدءوا تصنيفهم بِـ "قال فُلان"، ثُم يأتوا بالحمد، كقول ابن مالك

(4)

:

قال محمد هو ابن مالك

أحمد ربي الله خير مالك

(1)

في (ص): أبدا.

(2)

في (ص): أحمدا.

(3)

سنن أبي داود (4840)، قال الألباني: ضعيف. (ضعيف أبي داود: 4840)، وانظر كلام الحافظ ابن الملقن عليه في (البدر المنير، 7/ 528).

وهو في صحيح ابن حبان (رقم: 1) وغيره بلفظ: "فهو أقطع". قال الألباني: ضعيف. (التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 1).

(4)

ألفية ابن مالك (ص 67)، الناشر: دار المنهاج بالرياض، تحقيق: سليمان العُيُوني.

ص: 109

فيفوت غرض الابتداء بالحمد حتى يجاب عنه إمَّا بأنه كَتَب البسملة أولًا، أو بأن المقصود هو ما بعد وقد بدأه بالحمد، أو نحو ذلك؛ فحافظتُ في هذا النَّظْم على الابتداء بِاسْم الله عز وجل في أَصْل النَّظْم بقولي:(بِاسْم الحميد). ثم قلتُ: (الحمد لله)؛ على قاعدة الخُطَب؛ لِمَا في بعض الروايات بلفظ: "لا يُبدأ فيه بالحمد لله"

(1)

. فالباء في قولي: (بِاسْم الحميد) متعلِّقة بحال محذوفة مِن فاعل "قال"، أيْ: مُتبَرِّكَا بِاسْم الحميد، أو نحو ذلك. و"الحميد" فَعِيل بمعنى مفعول؛ لأنه حمد نفسه، والخلق تحمده، أو بمعنى الفاعل؛ لأنه حامد لِنفسه ولمن شاء مِن خَلْقه.

ومعنى "الحمد": الثناء بالوصف الجميل، فخرج نحو ما جاء في الجنازة:"فأثنوا عليها شرًّا"

(2)

. ومنهم مَن يزيد على ذلك: "على جهة التفضيل"؛ ليخرج نحو: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، فإنه على جهة التهكم، لا على جهة التفضيل، ولكن هذا مجاز، إمَّا باعتبار ما كان في الدنيا

(3)

، وإمَّا باعتبار ضدّ حالته

(4)

؛ تَهكُّمًا عليه، والمجاز لا يُحْتَرز عنه في لفظ الحَدِّ؛ لانصرافه للحقيقة.

وجملة: "يحمد" صفة لِـ "عَبْد". ومفعول "وَفَّق" محذوف، هو العائد على "مَن" الشَّرطية، أيْ: وَفَّقَه. وكذلك مفعول جواب الشرط (وهو "ارتقى") حُذِفَ؛ لِيَعُم كل ما يصلح له أنْ يرْقَى إليه.

و"التوفيق" خَلْق قُدْرة الطاعة وداعِية فِعْلها، مأخوذ مِن معنى الموافقة؛ لأنَّ به يوافق

(1)

سنن أبي داود (رقم: 4840). وضعفه الألباني (ضعيف أبي داود: 4840).

(2)

صحيح البخاري (رقم: 1301)، صحيح مسلم (رقم: 949) واللفظ للبخاري.

(3)

كأنه قال: ذُق يَا مَن كُنت في الدنيا عزيزًا كريمًا.

(4)

أَيْ إنه حين قال: "ذُق، إنك عزيز كريم". إنما قالها على سبيل التهكم، فهو يقصد ضد ذلك.

ص: 110

فِعْل العبد ما أُرِيد منه. هذا قَوْل الأشعري والمحققين

(1)

، وضِدُّه "الخذلان".

و"الفقه في الدِّين" فَهْمه ودرايته؛ لأنه الفَهْم لُغَةً كما سيأتي. وجملة الشرط والجزاء صلةٌ للذي، والإشارة بذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم فيما انفرد بإخراجه الصحيحان مِن حديث معاوية:"مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفَقِّهه في الدِّين، وإنما أنا قاسِم، واللهُ يُعطِي، ولن يزال أمرُ هذه الأُمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة"

(2)

. ففي ذلك الثناء العظيمُ على المتفقه في الدِّين، وأنَّ الله تعالى هو المُفَقِّه له بتوفيقه وإرادته، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو خازِنٌ لِمَا أوحاه إليه مِن الشرع وأنواع الخير، وقاسِمٌ ذلك بين الناس على حسب إرادته تعالى، ولهذا في بعض الروايات:"وإنما أنا خازِنٌ"

(3)

، [أيْ]

(4)

: على ما عندي مما بعثني الله تعالى به. والله هو الموَفِّق المقدِّر.

والمراد بِـ "الدِّين" الأعم مِن الإيمان والإسلام والإحسان؛ لحديث: "جاء جبريل يُعَلمكم دِينكم"

(5)

، وأشار صلى الله عليه وسلم بقوله:"ولن يزال أمرُ هذه الأُمة مستقيمًا" إلى أنَّ استقامتها إنما هو بالتفقه في الدِّين؛ فإنَّ العِلم سابق على العمل كما ترجم به البخاري: "باب: العِلم قَبْل القول والعمل؛ لقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، فبدأ بالعِلم". وقد سبقه إلى الاستدلال بذلك سفيان بن عيينة. والضمير في قوله: (وأَصْله) يَعُود للفقه، أو إلى الدِّين. وعلى كل حال فالبراعة حاصلة؛ لأنَّ الدِّين شاملٌ للفروع أيضًا.

و"الهاشمي" نسبته صلى الله عليه وسلم لجده هاشم؛ لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن

(1)

سبق الكلام على عقيدة الجبر عند الأشاعرة في مقدمة هذا الكتاب (ص 33).

(2)

صحيح البخاري (رقم: 6882)، صحيح مسلم (رقم: 1037).

(3)

صحيح مسلم (رقم: 1037).

(4)

ليس في (ش).

(5)

صحيح البخاري (رقم: 36)، صحيح مسلم (رقم: 8).

ص: 111

عبد مناف. وفي حديث واثلة بن الأسقع في "مسلم": "ثم اصطفاني من بني هاشم"

(1)

.

فهاشم أقرب نسبه.

و"التُّبَّع" جمع "تابِع". والهَدْي في قولي: (بهَدْيه) بفتح الهاء وسكون الدال: الطريق التي يُمشَى فيها، فهو استعارة ما للجسم للمعنى. والضمير [فيه]

(2)

للنبي صلى الله عليه وسلم، أيْ: التابعين للصحابة بإحسان، وهو اتِّباعهم على ما هم عليه من الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، أيْ: شَرْعه الذي شرعه وبَيَّنه، وأَوْجَب على الخَلْق اتِّباعه فيه.

ص:

5 -

وَبَعْدُ: فَالقَصْدُ عَلَى رَوِيَّهْ

نَظْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ في أَلْفِيَّهْ

6 -

مُعْرًى مِنَ الخِلَافِ وَالدَّلِيلِ

وَنُبْذَتِي أَصْلٌ لِذَا التَّأْصِيلِ

7 -

فَسَمَّهَا بِـ "النُّبْذَةِ الألْفِيَّهْ"

مَعْ زَيْدِ في أُصُولِنَا الفِقْهِيَّهْ

8 -

وَاللهَ رَبِّي أَسْأَلُ الْإعَانَهْ

عَلَى الَّذِي قَصَدتُ في الْإبانَهْ

الشرح:

"القصد" مصْدَر "قَصَد" بمعنى المقصود. "عَلَى رَوِيَّة" في موضع نَصْب على الحال، أَيْ: على تَفَكُّر، و"الرَوِيَّة": التفكر في الأمور، والمراد: على ما ظَهَر في التفكر في ذلك أنه صواب؛ لِمَا في المنظوم مِن سهولة الحفظ ومَيْل الطبْع إليه، لا سيما إذَا كان لطيفًا؛ فإنَّ الهِمَم قَلَّتْ، والهموم كَثُرَتْ وأَذلَّت، فالله تعالى يُحسن العاقبة.

و"ألْفِيَّة" صفة لمحذوف، أَيْ: أرجوزة ألفية، أو قصيدة ألفية.

(1)

صحيح مسلم (رقم: 2276).

(2)

في (ز): (في بِهَدْيه).

ص: 112

و"مُعْرًى" حال مِن "أصول الفقه"، أَيْ: مُعرًى ذلك، أَيْ: أُعْري ما فيها مِن أصول الفقه مِن الخلَاف والأدلة؛ لِيَكُون أَسْرَع إلى ضَبْط الفن، وثبوت الراجح في الذهن، على قاعدة "الحاوي" في الفقه ونَظْمه، وألفية ابن مالك في النحو، ونَحْو ذلك، والمعْنَى: أنَّي لا ألْتَزِم ذلك، وربما أَتَعَرَّض لخلاف أو لدليل في النادر؛ فإنَّ القَصْدَ عَدَمُ التزام ذلك، لا التزام عَدَمه.

ومعنى قَوْلي: (وَنُبْذَتِي أَصلٌ لِذَا التأْصِيلِ) أَيْ: المقدمة التي جمعتها قَبْل ذلك خاليةً مِن الخلاف والدليل - وسمَّيتُها: "النبذة الزكية في القواعد الأصلية" - هي الأصل لهذا النَّظْم، فالمَرَدُّ إليها، والمحافظةُ على ما فيها إلَّا اليسير وكثيرًا مِن الأمثلة.

و"النُّبذة" بِضَم النون وبالذال المعجمة: الشيء اليسير، وفي حديث أُم عطية:"خذي نُبذةً مِن قسطٍ وأظفار"

(1)

. وكثيرًا ما تُستعمل في الطيب ونحوه كما في الحديث؛ فلذلك قلتُ في التسْمية: (الزكية).

وقولي: (مع زَيْد) هو مَصدَر بمعنى الزيادة، أَيْ: مع زيادة قولك كذا.

وأشرتُ بقولي: "أصولنا"(وإن كان ليس مُلتزمًا في التسمية، بل يقال: في الأصول) إلى مراعاة أصول الشافعية في هذه الألفية حَسْب القدرة، وسأذكر في هذا الشرح ما يظهرُ مِن تفريعات في الفقه في بعض المسائل على ذلك إنْ شاء الله تعالى.

وقولي: (وَاللهَ رَبِّي) قُدِّمَ فيه المنصوب؛ لإفادة الاختصاص، مِثْل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، والله أعلم.

(1)

صحيح البخاري (رقم: 5028) بلفظ (ولا تمس طيبًا إلا أدنى طهرها إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار)، صحيح مسلم (رقم: 938).

ص: 113

ص:

9 -

أَبْوَابُها أَرْبَعَةٌ مُنَظَّمَهْ

بَعْدَ الَّذِي جَعَلْتُهُ مُقَدِّمَهْ

الشرح: أَيْ: رتَّبتها على مقدمة وأربعة أبواب. المقدمة في تعريف هذا العِلم وفائدته واستمداده، وما يتصل بذلك من مقدِّمات ولواحق. والباب الأول في بيان أدلة الفقه وتفسيرها، والباب الثاني فيما يتوقف عليه الاستدلال بها، والباب الثالث في تَعارُض الأدلة وما حُكم ذلك، والباب الرابع في بيان مَن هو أَهْل للاستدلال بالأدلة، و [مُقابِلِه]

(1)

.

ووَجْه ذلك أنَّ المبحوث عنه في هذا الكتاب أو في هذا العِلم إمَّا المقصود الأصلي وإمَّا المُتَوقِّف عليه المقصود. والثاني

(2)

المقدِّمة، والأول

(3)

الأبواب الأربعة التي بَيَّنَّاها؛ وذلك لأنَّ موضوع هذا العِلم الذي يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية له هو أدلة الفقه، كَبَدن الإنسان بالنسبة إلى عِلم الطب. وأمَّا مسائل كل عِلم فهو ما يُبحث فيها عن أحكام تلك العوارض، فالبحث عن موضوعه هو الباب الأول.

والاستدلال بالأدلة لَمَّا تَوَقَّف على أمور، ذَكَرتُ هذه الأمور في الباب الثاني. ثُم هذه الأدلة إذَا تَمَّت وصَحَّت، ربما تتعارَض، فَمَا يُفْعَل فيها هو الباب الثالث.

ثُم ليْس كل أَحد يستطيع أنْ يستدل، ولا يُقَدِّم ما يُقَدَّم [و]

(4)

يُؤَخِّر ما يُؤَخَّر إلَّا مَن كان أَهْلًا، وهو "المجتهد"، فَبُيَّن في الباب الرابع، وذُكِر معه مُقابِلُه وهو "المقَلِّد" الذي ليس أَهْلًا للاستنباط. فالبحث عن مسائله وما يتصل بذلك هو الأبواب الثلاثة.

(1)

في (ش): مقابليه.

(2)

أَيْ: المتوقف عليه المقصود.

(3)

أَيْ: المقصود الأصلي.

(4)

في (ت): ولا.

ص: 114