الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويزداد الآمدي إشكالًا في قوله: (إنه لا يكفر إلا بما يكون داخلًا تحت حقيقة الإسلام)؛ فيخرج إنكار حل البيع مع أنه يكفر؛ لأنه منصوصٌ مجمَعٌ عليه.
نعم، ليس في كلام الآمدي التصريح بأنَّ المذاهب ثلاثة كابن الحاجب.
وبالجملة فقد اتضحت المسألة والحقُّ فيها، ولله الحمد، وإنما أطلتُ فيها بالنسبة لهذا المختصر لأنَّ أمر التكفير معضل وخطر عظيم. عصمنا الله من الزلل، وأعاذنا من الخطأ والخطل، والله أعلم.
ص:
253 -
وَالرَّابِعُ: "
الْقِيَاسُ
": حَمْلُ مَا عُلِمْ
…
عَلَى نَظِيرٍ في الَّذِي بِهِ حُكِمْ
254 -
لِكَوْبهِ شَارَكَهُ في مَعْنَى
…
لَهُ اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ حَيْثُ عَنَّا
الشرح: هذا بيان الرابع من أدلة الفقه السابق ذكرها، وهو "القياس". والكلام فيه في أمرين، أحدهما: في حقيقته، والثاني: في موضع حُجيته.
الأول: "القياس" مصدر قاس يقيس، ويقال في المصدر أيضًا: قيس، بوزن ضرب. ومعناه في اللغة:
- التقدير، تقول: قستُ هذا بهذا. أيْ: قدرته به.
- والتسوية، ومِنه: قاس النعل بالنعل. أيْ: حاذاه.
قيل: ولم يذكر أهل اللغة إلا الأول، ففي "المحكم":(قستُ الشيء قيسًا وقياسًا: قدرته). وكذا الجوهري قال: (وفيه لغة أخرى: قسته أقوسه). قال: (ولا يقال: أقسته)
(1)
.
(1)
انظر: المحكم والمحيط الأعظم (6/ 486)، الصحاح تاج اللغة (3/ 967).
انتهى
وكأن مَن أثبت ذلك أخذه من مادة التقدير؛ فإنَّ المعنى فيهما متقارب، ويمكن أن يحمل ما استشهد به على المساواة على معنى التقدير؛ لِما قلناه، وهو كما قال الشاعر:
خَفْ يا كريم على عرضٍ يُدنسه
…
مقالُ كل سفيهٍ لا يقاس بكا
أي: لا يساويك، أو لا يُقَدر بك.
وتعديهما بالباء كما مثَّلنا، ولَمَّا نقل إلى المعنى الاصطلاحي عدي بالباء أو بِـ "على".
وعُرِّف بتعريفات كثيرة، أجودها: إنه حَمْل معلومٍ على معلوم في حُكمه؛ لمشاركته له في المعنى المقتضي للحكم.
والمراد بِـ "الحمل": إثبات مِثْل حُكمه، كما عبَّر به الإمام في "المعالم"، وتبعه البيضاوي وغيره.
قال الإمام: (ونعني بِـ "الإثبات" القَدْر المشترك بين العلم والاعتقاد والظن، سواء تعلقت بثبوت حُكم أو بعدمه)
(1)
.
وخرج بِـ "المِثْل" إثباتُ خِلاف الحكم. وأشير به أيضًا إلى أن الحكم الثابت في الفرع ليس هو عين الثابت في الأصل؛ فإنَّ ذلك مستحيل.
قلتُ: ولأجْل استحالته حذفته في النَّظم، وقلت:(في الَّذِي بِهِ حُكِمْ). أي: في الحكم، ولم أقُل:(مِثْل الذي به حُكم).
وهذا كما قال أصحابنا فيما لو أوصى له بنصيب ابنه: إنَّ المراد "مِثْل" نصيب ابنه، فيصح على المرجح. وكذا لو باع بما باع به فلان فرسه وهما يعلمانه، فإنَّ المراد مِثله، ونحو ذلك.
(1)
المحصول (5/ 11).
على أنَّ المقترح
(1)
قد حكى خلافًا في أن الحكم الذي ثبت بالقياس في الفرع هل هو عَيْن الحكم الذي في الأصل؛ نظرًا إلى القدر المشترك، لا لتعدد المحل؟
أو مماثل له؛ لأمرين، أحدهما: جواز نسخ الأصل مع بقاء الفرع، والثاني: أن الحكم يختلف باختلاف متعلَّقه؟
وشمل قولي: (مَا عُلِمْ عَلَى نَظِيرٍ) أيْ: على ما عُلِم، [الموجودَ كان المعلومُ أو المعدومَ]
(2)
.
ولو عبَّرتُ بِـ "حمل شيء أو موجود على مِثله" لخرَجَ قياس المعدوم على مثله؛ إذِ المعدوم عند الأشاعرة لا يُسمَّى "شيئا"، كما لا يُسمى "موجودًا".
نعم، المراد بِـ "المعلوم" ما تعلق به العِلم أو الظن أو الاعتقاد، فالفقهاء يطلقون "العِلم" على مثل ذلك.
وكذا لم أُعَبر عن المعلومين بِـ "الأصل" و"الفرع" كما عبَّر ابن الحاجب تبعًا للآمدي بأنه: (مساواة فرع لأصلٍ في علة حُكمه)
(3)
؛ لأن كوْنه أصلًا أو فرعًا مُرَتب على وجود القياس، فلو عُرِّف به لَزِم الدَّور، وأيضًا فيُوهِم تخصيصه بالموجود؛ لأنَّ "الأصلَ" ما تَوَلَّد منه شيء، و"الفرعَ" ما تَوَلد عن شيء.
وإنما قلتُ: (لكونه شاركه في المعنى المقتضِى للحكم) لأنَّ القياس لا يتحقق بدون العلة.
(1)
هو تقي الدين مظفر بن عبد الله (560 - 612 هـ)، من علماء الشافعية، لُقِّب بذلك لِشَرْحه كتاب "المقترح" في الجدل وعنايته به.
(2)
كذا في (ص، ق، ظ، ض، ت). لكن في (ش): (أموجودا كان المعلوم أو معدوما). وفي (ز): (المعلوم موجودا كان أو معدوما).
(3)
مختصر منتهى السؤل والأمل في علمي لأصول والجدل (2/ 1025)، الناشر: دار ابن حزم.
ولم أقُل في آخِر التعريف: (عند الحامل) ليدخل فيه الصحيح والفاسد كما عبر بذلك الإمام الرازي والبيضاوي؛ لأنَّ الفاسد إنما هو باعتبار اعتقاد القايس، بل أطلقتُ؛ ليختص التعريف بالصحيح؛ لأنه المقصود، إذِ المراد القياس الشرعي الذي هو أصل في الدِّين، لا مُطْلَق القياس.
تنبيه: أُورِد على التعريف للقياس بما يقتضي مساواة الفرع للأصل "قياسُ العكس"، وهوة "تحصيل نقيض حُكم معلوم في غيره؛ لافتراقهما في علة الحكم"؛ فيكون غير جامع.
مِثالُه أن يقول الحنفي: لو لم يكن الصوم شرطًا لصحة الاعتكاف في الأصل لم يكن شرطًا لها بالنذر؛ إذْ لو نذر أنْ يعتكف مصليًّا لَمْ يَلْزَمه الجمْعُ، بخلاف ما لو نذر أنْ يعتكف صائمًا. والثابتُ في "الأصل " نَفْيُ كَوْن الصلاة شرطًا لها، وفي "الفرع" إثباتُ كوْن الصوم شرطًا لها، فحُكْم الفرع ليس مِثل حُكم الأصل، بل نقيضه.
وأُجِيب بأنَّ هذا في الحقيقة تمسُّك بنظم التلازُم، إلا أنَّ إحدى مُقَدمَتَي التلازُم أُثبتت بالقياس؛ لأنك تقول: لو لم يكن الصوم شرطًا في الاعتكاف بالأصالة، لم يكن شرطًا له بالنذر، فهو شرط له مطلقًا. فإنك تقول: لكنه شرط له بالنذر؛ فيكون شرطًا له بالأصالة. فتستثني نقيض التالي؛ فينتج نقيض المقدم.
ثُم تُبَين وجْه الملازمة بين شرطيته بالأصالة وشرطيته بالنذر بالقياس على الصلاة، فتقول: عدم كوْنه بالأصالة شرطًا مِن لازِم عدم وجوبه بالنذر، كما أنَّ عدم وجوب الصلاة في الاعتكاف لازِمٌ لعدم وجوبها فيه بالنذر لو نذر أنْ يعتكف مُصَلِيًّا. فهذا داخل في القياس، ونَظْم التلازُم خارج منه على اصطلاح الأصوليين كما سيأتي، فالحَدُّ مطردٌ منعكسٌ.
نعم، في حُجية "قياس العكس" خِلاف، فكلام الشيخ أبي حامد يقتضي المنع، لكن الجمهور على خلافه، وممن حكى الخلاف في ذلك الشيخ أبو إسحاق في "الملخص"، فقال
بعد أن حكى عن الشافعي أنه استدل به على أبي حنيفة في إبطال عِلته في الربا في الأثمان، فقال: لو كانت الفضة والحديد تجمعهما عِلة واحدة في الربا لم يَجُز إسلام أحدهما في الآخَر، وكذلك الحنطة والشعير لَمَّا جمعتهما عِلة واحدة لم يَجُز إسلام أحدهما في الآخَر. فلمَّا جاز بالإجماع إسلام الفضة في الحديد، دَلَّ على أنه لم يجمعهما عِلة واحدة. قال: فاختلف أصحابنا في الاستدلال به على وجهين، أصحهما وهو المذهب: أنه يصح.
وقد استدل به الشافعي في عدة مواضع. والدليل عليه أن الاستدلال بالعكس استدلال بقياسٍ مدلول على صحته بالعكس، وإذا صح القياس في الطرد وهو غير مدلولٍ على صحته، فَلأنْ يصح الاستدلال بالعكس -وهو قياس مدلول على صحته- أَوْلى. ويدل عليه أن الاستدلال به وقع في القرآن والسُّنة وفِعل الصحابة.
فأما القرآن: فنحو قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، فدل على أنه ليس إله إلا الله؛ لِعَدم فساد السموات والأرض، وكذلك:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، ولا اختلاف فيه؛ فَدَلَّ على أن القرآن من عند الله بمقتضَى قياس العكس.
وأما السُّنة: فكحديث: "يأتي أحدُنا شهوته ويُؤجَر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام؟ ". يعني: أكان يعاقَب؟ "قالوا: نعم. قال: فَمَهْ"
(1)
.
فقاس "وَضْعُها في حلالٍ فيؤجَر" عَلَى "وَضْعها في حرام فيؤزر" بنقيض العلة.
وأما الصحابة رضي الله عنهم: ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن: (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن مات يشرك بالله شيئًا، دخل النار"، قلتُ أنا: "ومَن مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل
(1)
صحيح مسلم (رقم: 1006) بلفظ: "أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ له فيها أَجْرٌ؟ قال أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عليه فيها وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إذا وَضَعَهَا في الحْلَالِ، كان له أَجْرًا".
الجنة")
(1)
. وفي بعض أصول "مسلم" أنه رَوى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن مات لا يشرك بالله شيئًا، دخل الجنة". قال: (وقلتُ أنا: "من مات يشرك بالله [شيئًا]
(2)
، دخل النار"). وكذا عزاه لمسلم الحميدي وغيره، وكل منهما يُحصل المقصود، ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة عليه.
نعم، رواهما مسلم عن جابر
(3)
رضي الله عنه مرفوعًا، فلا حاجة للقياس.
وأيضًا فإذا كانت الروايتان السابقتان قد صحتَا مرفوعتين، فلا قياس.
نعم، الجمع بين الروايتين أنه عند ذِكر كل لفظة كان ناسيًا للأخرى -كما جمع به النووي، فظهر بذلك كله أنه حُجة، إلا أنه هل يُسمى قياسًا حقيقة؟ أو مجازًا؟ ثلاثة أقوال، أرْجحها الثاني؛ لأن بعضه تلازم كما سبق ونقل عن صاحب "المعتمد".
وقيل: لا يُسمى قياسًا أصلا. وبه صرح ابن الصباغ في "العدة"، قال: لأن غايته أنه مِن نَظْم التلازم.
ومما احتج به الشافعي من قياس العكس سوى ما سبق: قولُه في المختصر في كتاب الزكاة: (ولَمَّا لم أعْلم مخالفًا إذا كان ثلاثة خلطاء لو كان لهم مائة وعشرون شاه أخذت منهم واحدة فصدقوا صدقة الواحد، فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو تفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه، لم يَجُز إلا أن يقولوا: لو كانت أربعون بين ثلاثة، كانت عليهم شاة؛ لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد)
(4)
. انتهى
(1)
صحيح البخاري (رقم: 1181) وصحيح مسلم (92).
(2)
ليس في (ص، ض، ق، ت).
(3)
صحيح مسلم (93) بلفظ: (مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهَّ شَيْئًا، دَخَلَ الجْنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهَّ شَيْئًا، دَخَلَ النَّارَ).
(4)
مختصر المزني (ص 43).
فقاس وجوب واحدة من أربعين لثلاثة خلطاء على سقوط وجوب شاتين في مائة وعشرين لثلاثة خلطاء.
وحكى الشيخ أبو حامد في تعليقه مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما إذْ قال الشافعي له: لِمَ قلتَ: لا قود على مَن شارك الصبي؟
فقال: لأنه شارك مَن لا يجري عليه القلم.
فقال له الشافعي: فَأَوْجِب القود على مَن شارك الأب؛ لأنه شارك مَن يجري عليه القلم، وإذا لم توجِب على شريك الأب فهو تركٌ لأصلك.
ثم أجاب أصحاب أبي حنيفة عن هذا الإلزام، وأجاب أصحابنا عما قالوه بما محل بسطه في غير هذا الموضع، إنما الغرض تمسُّك الشافعي في المسألة بقياس العكس.
ومما تمسك فيه الأصحاب أيضًا به ما قاله الشيخ أبو حامد في باب مسح الخف في تعليل جواز الاقتصار على الأسفل: لَمَّا كان أسفل الخف كظاهره في أنه لا يجوز المسح عليه إذا كان متخرقًا، وجب أنْ يكون أسفله كأعلاه في الاقتصار عليه بالمسح إذا كان صحيحًا.
إلا أنه رده بأنه قياس عكس، أيْ: وهو لا يجوز عنده كما نقلناه عنه.
ومثل ذلك في المفوضة يجب لها المهر بالوطء على أصح القولين، وثانيهما: بالعقد، فخرَّج القاضي الحسين قولًا ثالثًا:"إنه لا مهر أصلًا" مِن القول في وطء المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن يظن الإباحة بأنْ لا مهر فيه؛ بجامع الإذن من مالك البضع.
فيُرد على تخريجه بقياس العكس، فيقال: وطء المفوضة محترم؛ فيجب فيه المال ولو نُفِي كما أنَّ الزنا لا يوجِب مالًا ولو شُرط. فكما لا يتعلق به شرطًا لم يتعلق به أصلًا. ووطء المرتهن في هذه الحالة بشبهة؛ فهو محترم يوجِب المهر إنْ أذن له -كما لو شُرِط، فالمال كما لم يَنتفِ فيه بالأصل لم ينتفِ فيه بالشرط.
وغير ذلك، وهو كثير. وقد أطلتُ في هذا النوع؛ لمحل الحاجة إلى إيضاحه.
وقد عُلم مما سبق في جواب ورود قياس العكس على التعريف بأنه من [اللازم]
(1)
أنه لا يَرِد عليه لا قياس التلازم ولا القياس الاقترانى (نحو: كل جسم مؤلف، وكل مؤلف حادث؛ ينتج: الجسم حادث)؛ لأن الأصوليين لا يسمون ذلك قياسًا، فلا بُدَّ من إخراجه.
وأُورد أيضًا على التعريف أنَّ "قياس الشَّبَه" خارج عنه، وكذا "قياس لا فارِق" مع أنه لا عِلة في الأول مُعَيَّنة، ولا علة في الثاني عند [المجتهد]
(2)
كما سيأتي تقريره في محله.
وقد يجاب بأنَّ الجامع التقديري كالتحقيقي، فلم يخرج عن [التشارك]
(3)
في شيء له اقتضاء بالقوة.
وأَورد الآمدي أيضًا على التعريف أن إثبات الحكم هو أثر القياس وناشئ عنه؛ فَأَخْذه في التعريف مع تَوقُّفه عليه دَور.
وضعَّفه الهندي بأنَّ المأخوذ في التعريف "إثبات"، و [أثَر القياس المفرَّع]
(4)
عنه " الثبوت" لا "الإثبات" ونَحْوه مِن "الحَمْل".
قلتُ: وفيه نظر؛ فإنَّ القائس لا يثبت حُكمًا، إنما يظهره بقياسه، إلا أنْ يقال: إنه على كل حال غير الثبوت.
وقولي: (لَهُ اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ) جملة في محل جر صفة لِـ "مَعْنى".
ومعنى (حَيْثُ عَنَّا): حيث عرض.
(1)
في (ز، ش): التلازم.
(2)
كذا في (ز، ش)، لكن في سائر النُّسخ: الجمهور.
(3)
كذا في (ز، ش). لكن في (ص، ض): المشارك. وفي (ظ، ق، ت): التارك.
(4)
في (ز): الذي هو أثر القياس ومتفرع.
ومعنى "الاقتضاء": التعريف، لا التأثير كما سيأتي تقريره في باب أركان القياس. والله أعلم.
ص:
255 -
وَهْوَ [لِذَاكَ]
(1)
حُجَّةٌ في الدُّنْيَوِي
…
وَغَيْرِهِ إلَّا الْقِيَاسَ [الْمُنْحَوِي]
(2)
256 -
في كُلِّ خَلْقِيٍّ وَعَادِيٍّ فَلَا
…
وَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ يَجِي مُفَصَّلَا
الشرح: أي: إذا [عُرِف]
(3)
حقيقة القياس وقد سبق تقرير كونه من الأدلة، فلا بُدَّ من بيان المحل المستدل به فيه: هل هو على العموم؟ أو الخصوص؟ ولا بأس [بذكر مواضع]
(4)
من الخلاف فيه وإنْ سبق بعض ذلك.
فنقول: أنكر طائفة كوْن القياس دليلًا شرعيًّا يجب العمل به، وأول مَن باح بذلك النَّظَّام كما سبق نقْله عنه.
قال ابن عبد البر في كتاب "جامع العلم": (ما علمتُ أحدًا سبق النظَّام إلى القول بنفي القياس والاجتهاد، ولم يلتفت إليه الناس، وقد خالفه فيه أبو الهذيل ورَدَّ عليه)
(5)
. انتهى
نعم، وافقه بعض المعتزلة على ذلك، ونُقل إنكاره عن غير هؤلاء أيضًا، والحقُّ خلاف ما قالوه؛ لِمَا سبق من الأمر به وأنه من الدِّين.
(1)
في (ص، ظ، ض، ت، ش، ق): لذاك. لكن في (ز، ن): كذاك.
(2)
كذا في (ز، ش، ن 1، ن 2، ن 3، ن 4، ن 5). لكن في (ص، ظ): السحوي. وفي (ق): الفحوي.
(3)
في (ز): عُرِفَتْ.
(4)
في (ز): بالتعرض لمواضع.
(5)
جامع بيان العلم (2/ 856).
ثم المنكرون منهم مَن منعه شرعًا وهو ما نقله القاضي وغيره عن داود، وحكى عنه الآمدي أنه إنما يُنكر غير القياس الجلي، لكن داود إنما يقول بالجلي؛ لأنه فحوى الخطاب، لا [لأنه]
(1)
قياس، ولهذا قال ابن حزم في كتاب "الإحكام" وهو أعلم بمذهبه: وداود وأصحابه لا يقولون بشيء من القياس، سواء أكانت العلة فيه منصوصة أوْ لا.
وكذا نقل عنه الأستاذ أبو منصور في كتاب "التحصيل"، فإنه قال: لو قيل لنا: "حرمتُ المسكر؛ لأنه حلو" لم يدل ذلك على تحريم حلو آخَر. وسبق عن ابن حزم أنه يدعي أن النصوص تستوعب الحوادث، أيْ: فهو مستغنًى عنه، فلا يُعمل به.
وقيل: لا يعمل به؛ لأنه دليل عقلي، فلا مدخل له في الشرعيات.
ونحوه قول مَن قال بأنه قول بالرأي في الذين.
ومنهم مَن منعه عقلًا، فقيل: لأنه قبيح في نفسه؛ فيحرم. وقيل: لأنه يجب على الشارع أن يستنصح لعباده وينص لهم على الأحكام كلها. وهذا على رأي المعتزلة المعلوم فساده. حكى هذين القولين إمام الحرمين.
وقيل: لأن الأحكام الشرعية جاءت على وجوه لا يمكن العمل بها قياسًا، كتحمل العاقلة الدِّيَة، وإيجابها [في القسامة باللوث]
(2)
، وكالحكم بالشفعة، والفَرْق بين المخابرة والمساقاة، فجمعت الشريعة بين أشياء مختلفة، وفَرَّقَت بين أشياء متفقة؛ فامتنع القياس. حكاه الأستاذ أبو منصور.
[وقيل غير ذلك مما لا طائل في ذِكره]
(3)
.
(1)
في (ص، ت، ظ، ق): انه.
(2)
في (ز): بالقسامة في اللوث.
(3)
هذه العبارة ليست في (ز)، وفي (ز) في هذا الموضع كلام ليس في سائر النُّسَخ: (وقيل: لأن المعارف=
وقيل: يمتنع شرعًا وعقلًا. حكاه ابن قدامة عن النظَّام.
وقال ابن عبدان في "شرائط الأحكام": لا يحتج به ما لم يضطر، بأنْ تحدث الحادثة وتقتضي الضرورة معرفة حُكمها ولا يوجد نَص يدل فيها.
وحكاه ابن الصلاح في "طبقاته" عنه، واستغرب الثاني بأنَّ ذلك إنما يعرف بين المتناظرين في مقام الجدل. قال: وأما الشرط الأول فطريق يأباه وضع الأئمة الكتب الطافحة بالمسائل القياسية من غير تقييد بالحادثة.
وقيل غير ذلك مما يطول [ذِكْرُه بلا فائدة]
(1)
.
والقائلون بحجيته اختلفوا: هل ذلك بالشرع؟ أو بالعقل؟
قال الأكثرُ بالأول، وقال القفال وأبو الحسين البصري بالثاني، وأن الأدلة السمعية وردت مؤكِّدة، ولو لم تَرِد لكان العمل به واجبًا.
وقال الدقاق: يجب العمل به في الشرع والعقل. حكاه في "اللمع"، وجزم به ابن قدامة في "الروضة"، وحكاه عن أحمد.
وأما محل العمل به (على القول بأنه دليل وهو ما ذكرتُه في النَّظم) ففي الأمور الدنيوية بلا خِلاف كما قاله الإمام الرازي، وذلك كما في الأدوية والأغذية والأسفار. وأما قياس اللغة فيأتي في باب اللغات.
وأما غير ذلك فالصحيح أنه لا يجرى في كل الأحكام؛ لأنه لا بُدَّ من أصل منصوص
= ضرورية والقياس لا يقتضي العلم الضروري. وقيل: لأن الحكم لا يقتضيه على أدنى القياس مع القدرة على أعلاها).
(1)
من (ز).
يقاس عليه.
وقيل: يجري في الكل؛ لأنه شرعي؛ فيشمل الجميع.
وهذا مردود بما سبق، ولأن الأحكام في بعض الأنواع مختلفة، ولأن من الأحكام ما لا يُعْقَل معناه كما سبق في الدِّيَة على العاقلة ونحوه؛ ولهذا كان الراجح أنه لا يُحتج به في الأمور العادية والخَلْقِية. قاله الشيخ أبو إسحاق، ومَثَّله بأقَل الحيض والنفاس وأكثرهما، وأَقَل مُدة الحمل وأكثره، فلا قياس فيه، بل طريقهُ خبرُ الصادق.
ومنعه قوم في الأسباب والشروط والموانع، كجَعْل الزنا موجِبًا للحد، والجماع موجِبًا للكفارة، وقياس اللواط على الزنا في وجوب الحد. قالوا: لأنه لا يحسن أن يقال في طلوع الشمس: إنه موجِب للعبادة؛ كغروبها. واختاره الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي، لكن في "المحصول" عن أصحابنا الجواز.
وقَلَّ مَن صرح بالخلاف في الشروط والموانع، وقد صرح به إلْكِيا، قال: وقد نفى الشافعي اشتراط الإسلام في الإحصان؛ إلحاقًا له بالجلد، فقال: الجَلد [على]
(1)
أنواع العقوبة، استوى فيه [أبكار]
(2)
المسلمين والكفار؛ فالرجم كذلك.
ومنعه أبو حنيفة في:
- الحدود، كإيجاب قَطْع النباش، قياسًا على السارق؛ بجامع كوْنه أَخْذَ مالٍ خفْية؛ لحديث:" ادرؤوا الحدود بالشبهات"
(3)
.
(1)
كذا في جميع النُّسخ. وعبارة الزركشي في (البحر المحيط، 4/ 282): (فَذَكَرَ الجْلْدَ فِي إحْصَانِهِنَّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى؛ لِيُبَيِّن أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الجْلْدُ).
(2)
في (ص): انكار.
(3)
قال الحافظ ابن حجر في (الدراية في تخريج أحاديث الهداية، 2/ 101): (لم أجده مرفوعًا، ورواه =
- وفي الكفارات، كإيجابها على قاتل النفْس عمدًا؛ قياسًا على المخطئ.
- وفي المقدرات، كأعداد الركعات؛ لأنه غير معقول المعنى.
نعم، قال الشافعي: إنَّ الحنفية ناقضوا أصلهم فأوجبوا الكفارةَ بالإفطارِ بالأكل؛ قياسًا على الإفطارِ بالجماعِ، وقتل الصيد خطأ قياسًا على قتله عمدًا، وقاسوا في التقديرات، حتى قالوا في الدجاجة: إذا ماتت في البئر، يجب كذا وكذا، وفي الفأرة أقل من ذلك. وليس ذلك عن نَص ولا إجماع، فهو عن قياس.
وقال القاضي أبو الطيب في كتاب "الحجة": التقدير عندنا بمنزلة سائر الأحكام.
ومنعه أيضًا في الرُّخَص.
ونقل الإمام وغيره أن الشافعي يخالفه في ذلك، فيُجَوِّز القياس فيها وفيما سبق.
وفيه نظر؛ فقد نَص في "الأم " على المنع، فقال آخِر صلاة العيد:(ولا يُعَدى بالرُّخَص مواضعها)
(1)
.
= الحارثي في "مسند أبي حنيفة" عن ابن عباس).
لكن قال الحافظ السخاوي في (المقاصد الحسنة، ص 74): (الحارثي في "مسند أبي حنيفة" له من حديث مقسم عن ابن عباس به مرفوعًا). انتهى
قال الألباني في (إرواء الغليل: 2316): (وهو ضعيف).
وفي سنن الترمذي (رقم: 1424) وغيره عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: (ادْرَءُوا الحُدُودَ عن الْمُسْلِمِينَ ما اسْتَطَعْتُمْ). قال الألباني في (إرواء الغليل: 2355): (ضعيف).
(1)
الأم (1/ 80).
وكذا نقله [البيضاوي]
(1)
.
ومنعه الحنفية والجبائي أيضًا في إثبات أصول العبادات، حتى لا تجوز الصلاة بالإيماء بالحاجب قياسًا على الإيماء بالطرف.
ومنعه قوم من الحشوية وغلاة الظاهرية في العقليات. والأصح الجواز، كما يقول في الرؤية للباري: لأنه موجود، وكل موجود يُرى. ووافقهم على المنع ابن برهان في "الوجيز".
ومنع قوم القياس في الجزئي الحاجي إذا لم يَرِد نَص على وَفْقه مِن قِبل الشارع. حكاه ابن الوكيل في "الأشباه والنظائر"، ومَثَّله بِصُوَرٍ، منها: ضمان الدرك، القياس الجزئي يقتضي منعه؛ لأنه ضمان ما لم [يجب]
(2)
، ولكن عموم الحاجة إليه موجود؛ لمعاملة الغرباء، فقال ابن سريج بالمنع، جعله قولًا مُخَرَّجًا، والأصح صحته بعد قبض الثمن، لا قَبْله، والله أعلم.
(تَمَّ بِعَوْن الله تعالى الجزءُ الأول، وَيلِيه الجزء الثاني، وأوله: الباب الثاني)
(1)
كذا في كل النُّسخ. وعبارة الزركشي في (تشنيف المسامع، 3/ 160): (وكذا نقله البويطي).
(2)
في (ص): يوجب.