الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ مُخْتَلِفِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ بِرَأْيٍ ضَعِيفٍ لَوْ صَحَّ لَمْ يُقَاوِمْ هَذِهِ الْحُجَّةَ، خُصُوصًا مَذْهَبَ أَحْمَدَ.
فَهَذَا أَصْلٌ فِي الْخَبَائِثِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ.
[بيان مقدار ما يعفى من النجاسة]
وَأَصْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْكُوفِيِّينَ قَدْ عُرِفَ تَخْفِيفُهُمْ فِي الْعَفْوِ عَنِ النَّجَاسَةِ، فَيَعْفُونَ مِنَ الْمُغَلَّظَةِ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَمِنَ الْمُخَفَّفَةِ عَنْ رُبْعِ الْمَحَلِّ الْمُتَنَجِّسِ، وَالشَّافِعِيُّ بِإِزَائِهِمْ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَعْفُو عَنِ النَّجَاسَاتِ إِلَّا عَنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَعْفُو عَنْ دَمٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهِ، مَعَ أَنَّهُ يُنَجِّسُ أَرْوَاثَ الْبَهَائِمِ وَأَبْوَالَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ فِي النَّجَاسَاتِ نَوْعًا وَقَدْرًا أَشَدُّ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
ومالك مُتَوَسِّطٌ فِي نَوْعِ النَّجَاسَةِ وَفِي قَدْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِنَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ مِمَّا يُؤَكَلُ لَحْمُهُ، وَيَعْفُو عَنْ يَسِيرِ الدَّمِ وَغَيْرِهِ.
وأحمد كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُتَوَسِّطٌ فِي النَّجَاسَاتِ، فَلَا يُنَجِّسُ الْأَرْوَاثَ وَالْأَبْوَالَ، وَيَعْفُو عَنِ الْيَسِيرِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الَّتِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا، حَتَّى إِنَّهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَعْفُو عَنْ يَسِيرِ رَوْثِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، بَلْ يَعْفُو فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْيَسِيرِ مِنَ الرَّوْثِ وَالْبَوْلِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يُعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُوجِبُ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ، لَمْ
يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مالك، وَلَوْ صَلَّى بِهَا جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، كَقَوْلِ مالك كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ «النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْأَذَى الَّذِي فِيهِمَا، وَلَمْ يَسْتَقْبِلِ الصَّلَاةَ» ، وَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَمَرَ بِغَسْلِهَا وَلَمْ يُعِدِ الصَّلَاةَ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: تَجِبُ الْإِعَادَةُ، كَقَوْلِ أبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ.
وَأَصْلٌ آخَرُ فِي إِزَالَتِهَا، فَمَذْهَبُ أبي حنيفة: تُزَالُ بِكُلِّ مُزِيلٍ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى إِزَالَتَهَا إِلَّا بِالْمَاءِ حَتَّى مَا يُصِيبُ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ وَالذَّيْلِ: لَا يُجْزِئُ فِيهِ إِلَّا الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، وَحَتَّى نَجَاسَةِ الْأَرْضِ.
وَمَذْهَبُ أحمد فِيهِ مُتَوَسِّطٌ، فَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ قَالَ بِهِ، يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ: مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ مِنَ النَّعْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، كَمَا يَجُوزُ مَسْحُهَا مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّ السَّبِيلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الثِّيَابِ فِي تَكَرُّرِ النَّجَاسَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي أَسْفَلِ الذَّيْلِ: هَلْ هُوَ كَأَسْفَلِ الْخُفِّ؟ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَاسْتِوَائِهَا لِلْأَثَرِ فِي ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ: إِزَالَتُهَا عَنِ الْأَرْضِ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ يَجِبُ التَّوَسُّطُ فِيهِ.