المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المقدمة الثالثة بها يظهر سر مسائل الأيمان ونحوها] - القواعد النورانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[فَصْلٌ في الطَّهَارَةُ]

- ‌[الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ نَوْعَانِ]

- ‌[الوضوء من لحوم الإبل]

- ‌[مرور الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ بين يدي المصلي]

- ‌[بيان مقدار ما يعفى من النجاسة]

- ‌[اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ]

- ‌[أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا رُطُوبَةَ فِيهَا كَالشَّعَرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيشِ]

- ‌[طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[التيمم]

- ‌[الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في مواقيت الصَّلَاةَ]

- ‌[فَصْلٌ في الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْأَذَانُ]

- ‌[فَصْلٌ في كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي قِرَاءَتِهَا في الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَدْرُ الْمَشْرُوعُ لِلْإِمَامِ في الصَلَاةُ]

- ‌[فَصْلٌ في كون السَّلَامُ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في ارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ]

- ‌[فَصْلٌ في محل الْقُنُوتَ في الصَلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَوَاتُ فِي الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الزَّكَاةُ]

- ‌[السَّائِمَةِ]

- ‌[الْمُعَشَّرَاتِ]

- ‌[مِقْدَارُ الصَّاعِ وَالْمُدِّ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ فِي الزَّكَاةِ مِنَ الْمِلْكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيَامُ]

- ‌[تَبْيِيتِ النية في الصيام]

- ‌[فَصْلٌ في صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْحَجُّ] [

- ‌حَجَّةَ الوداع]

- ‌[الْمُتْعَةَ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ]

- ‌[كَانَتْ عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ جُزْءًا مِنْ حَجِّهِ فَالْهَدْيُ الْمَسُوقُ لَا يُنْحَرُ حَتَّى يَقْضِيَ التَّفَثَ]

- ‌[الْمُقَامِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْمَبِيتِ بِهَا اللَّيْلَةَ]

- ‌[الجمع بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ]

- ‌[قَصْرَ الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْر]

- ‌ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

- ‌[الصَّلَاةِ عَقِبَ السَّعْيِ]

- ‌[التلبية]

- ‌[أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الْحَلَالُ وَذَكَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ في قَوَاعِدَ متعلقة بالْعُقُودُ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالنِّكَاحِيَّةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فصل الْقَاعِدَةُ الأولى الْعُقُودَ تَصِحُّ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَعَاقِدِ حَلَالُهَا وَحَرَامُهَا]

- ‌[فَصْلٌ في حكم إجارة الْأَرْض إذا كانت مُشْتَمِلَة عَلَى غِرَاسٍ وَأَرْضٍ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا بَاعَهُ الثَّمَرَةَ فَقَطْ وَأَكَرَاهُ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى]

- ‌[فَصْلٌ في قَوَاعِدِ الَّتِي أَدْخَلَهَا قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ شروط من أجاز المزارعة]

- ‌[فَصْلٌ خطأ من يتمسك بألفاظ يحسبها عامة أو مطلقة أو بضرب من القياس المعنوي أو الشبهي]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَيَفْسُدُ]

- ‌[القول الأول الأصل في العقود والشروط الحظر]

- ‌[القول الثاني الأصل في العقود والشروط الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارِنِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

- ‌[مقدمات نافعة جدا في هذا الباب]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ فِي حُكْمِ الْمَحْلُوفِ بِهِ أو فِي حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الثانية الْأَيْمَانَ يُحْلَفُ بِهَا تَارَةً بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ بِهَا يَظْهَرُ سِرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْحَالِفُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هُوَ نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعِتَاقِ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ مُوجَبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

الفصل: ‌[المقدمة الثالثة بها يظهر سر مسائل الأيمان ونحوها]

اسْمِيَّةً، كَقَوْلِهِ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَالْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَأَفْعَلَنَّ.

ثُمَّ هَذَا التَّقْسِيمُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَيْمَانِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ، بَلْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ، تَارَةً تَكُونُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، كَقَوْلِهِ فِي الْجَعَالَةِ: مَنْ رَدِّ عَبْدِي الْآبِقَ فَلَهُ كَذَا، وَقَوْلِهِ فِي السَّبْقِ: مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا، وَتَارَةً بِصِيغَةِ [الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ] : إِمَّا صِيغَةُ خَبَرٍ كَقَوْلِهِ: بِعْتُ، وَزَوَّجْتُ. وَإِمَّا صِيغَةُ طَلَبٍ كَقَوْلِهِ: بِعْنِي وَاخْلَعْنِي.

[الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ بِهَا يَظْهَرُ سِرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا]

الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: - وَبِهَا يَظْهَرُ سِرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا - أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ الَّتِي تُسَمَّى صِيغَةَ الشَّرْطِ وَصِيغَةَ الْمُجَازَاةِ تَنْقَسِمُ إِلَى سِتَّةِ أَنْوَاعٍ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ وُجُودَ الشَّرْطِ فَقَطْ، أَوْ وُجُودَ الْجَزَاءِ فَقَطْ، أَوْ وُجُودَهُمَا. وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ وُجُودَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ فَقَطْ أَوْ عَدَمَ الْجَزَاءِ فَقَطْ أَوْ عَدَمَهُمَا. فَالْأَوَّلُ: بِمَنْزِلَةِ كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَالْجَعَالَةِ وَنَحْوِهَا. فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ فَقَدْ خَلَعْتُكِ، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ أَدَّيْتَ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ: إِنْ رَدَدْتَ عَبْدِيَ الْآبِقَ فَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ فَعَلَيَّ عِتْقُ كَذَا أَوِ الصَّدَقَةُ بِكَذَا، فَالْمُعَلِّقُ قَدْ لَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ إِلَّا أَخْذَ الْمَالِ وَرَدَّ الْعَبْدِ وَسَلَامَةَ النَّفْسِ وَالْمَالِ. وَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْجَزَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ كَالْبَائِعِ الَّذِي إِنَّمَا مَقْصُودُهُ أَخْذُ الثَّمَنِ وَالْتَزَمَ [رَدَّ] الْمَبِيعِ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ.

ص: 308

فَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ شَبِيهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَ الطَّلَاقَ عُقُوبَةً لَهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِذَا ضَرَبْتِ أُمِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ خَرَجْتِ مِنَ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ فِي الْخُلْعِ عَوَّضَهَا بِالتَّطْلِيقِ عَنِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ الطَّلَاقَ، وَهُنَا عَوَّضَهَا عَنْ [مَعْصِيَتِهَا] بِالطَّلَاقِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَمِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إِذَا مُتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الْحَوْلِ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ تَوْقِيتٌ مَحْضٌ. فَهَذَا الضَّرْبُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُنَجَّزِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَدَ الطَّلَاقَ وَالْعِتَاقَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ إِلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، بِمَنْزِلَةِ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤَخِّرُ التَّطْلِيقَ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ لِغَرَضٍ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، لَا لِعِوَضٍ وَلَا لِحَلِفٍ عَلَى طَلَبٍ أَوْ خَبَرٍ. وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: إِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَحْلِفُ بِطَلَاقِكِ، أَوْ إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، [فَإِنَّهُ] إِذَا قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ أَوْ إِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْحَضِّ أَوِ الْمَنْعِ: فَهُوَ حَالِفٌ. وَلَوْ كَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا، كَقَوْلِهِ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ بِحَالِفٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ أبي حنيفة وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: هُوَ حَالِفٌ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ وُجُودَهُمَا جَمِيعًا - فَمِثْلُ

ص: 309

الَّذِي قَدْ آذَتْهُ الْمَرْأَةُ حَتَّى أَحَبَّ طَلَاقَهَا وَاسْتِرْجَاعَ الْفِدْيَةِ مِنْهَا، فَيَقُولُ: إِنْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ صَدَاقِكِ أَوْ مِنْ نَفَقَتِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يُرِيدُ كُلًّا مِنْهُمَا.

وَأَمَّا الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ، لَكِنَّهُ إِذَا وُجِدَ لَمْ يَكْرَهِ الْجَزَاءَ، بَلْ يُحِبُّهُ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَكْرَهُهُ. فَمِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ زَنَيْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ ضَرَبْتِ أُمِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي يَقْصِدُ فِيهِ عَدَمَ الشَّرْطِ، وَيَقْصِدُ وُجُودَ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ، بِحَيْثُ إِذَا زَنَتْ أَوْ إِذَا ضَرَبَتْ أُمَّهُ [يُحِبُّ] أَنْ يُفَارِقَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ. فَهَذَا فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيتِ، فَإِنَّهُ مَنَعَهَا مِنَ الْفِعْلِ وَقَصَدَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ، كَمَا قَصَدَ إِيقَاعَهُ عِنْدَ أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْهَا، أَوْ عِنْدَ طُهْرِهَا، أَوْ عِنْدَ طُلُوعِ الْهِلَالِ.

وَأَمَّا الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الْجَزَاءِ [وَتَعْلِيقَهُ] بِالشَّرْطِ لِئَلَّا يُوجَدَ، وَلَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي عَدَمِ الشَّرْطِ فَهَذَا قَلِيلٌ كَمَنْ يَقُولُ: إِنْ أَصَبْتَ مِائَةَ رَمْيَةٍ أَعْطَيْتُكَ كَذَا.

وَأَمَّا السَّادِسُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ عَدَمَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ لِيَمْتَنِعَ وُجُودُهُمَا فَهُوَ مِثْلُ نَذْرِ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ عَلَى حَضٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ، مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: تَصَدَّقْ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ أَصْلِحْ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، أَوْ حُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَيَقُولُ: إِنْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ صِيَامُ كَذَا، أَوْ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبِيدُهُ أَحْرَارٌ، أَوْ يَقُولُ: إِنْ لَمْ

ص: 310

أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ نَذْرُ كَذَا، أَوِ امْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ عَبْدِي حُرٌّ، أَوْ يَحْلِفُ عَلَى [فِعْلِ] غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقْصِدُ مَنْعَهُ كَعَبْدِهِ وَنَسِيبِهِ وَصَدِيقِهِ مِمَّنْ يَحُضُّهُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ فَعَلْتَ، أَوْ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَعَلَيَّ كَذَا، أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَهَذَا نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ يُخَالِفُ فِي الْمَعْنَى نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَالتَّقَرُّبِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ، فَإِنَّ الَّذِي يَقُولُ: إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَوْ سَلِمَ مَالِي مِنْ كَذَا، أَوْ إِنْ أَعْطَانِي اللَّهُ كَذَا، فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَحُجَّ: قَصْدُهُ حُصُولُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْغَنِيمَةُ أَوِ السَّلَامَةُ، وَقَصَدَ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا نَذَرَهُ. وَكَذَلِكَ الْمُخَالِعُ وَالْمَكَاتِبُ قَصْدُهُ حُصُولُ الْعِوَضِ وَبَذْلُ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا النَّذْرُ فِي اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ فَكَمَا إِذَا قِيلَ لَهُ: افْعَلْ كَذَا، فَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوِ الصِّيَامُ. فَهُنَا مَقْصُودُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرْطُ، ثُمَّ إِنَّهُ لِقُوَّةِ امْتِنَاعِهِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ إِنْ فَعَلَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ لُزُومُهَا لَهُ إِذَا فَعَلَ مَانِعًا لَهُ مِنَ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، إِنَّمَا مَقْصُودُهُ الِامْتِنَاعُ، وَالْتَزَمَ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَا هُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاقِ أَهْلِهِ وَذَهَابِ مَالِهِ، لَيْسَ غَرَضُ هَذَا أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَلَا أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ. وَلِهَذَا سَمَّى الْعُلَمَاءُ هَذَا نَذْرَ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ، مَأْخُوذًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ [يُعْطِيَ]

ص: 311

الْكَفَّارَةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .

فَصُورَةُ هَذَا النَّذْرِ صُورَةُ نَذْرِ التَّبَرُّرِ فِي اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ شَدِيدُ الْمُبَايَنَةِ لِمَعْنَاهُ. وَمِنْ هَذَا نَشَأَتِ الشُّبْهَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ فِقْهُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى مَعَانِي الْأَلْفَاظِ لَا إِلَى صُوَرِهَا.

إِذَا تَبَيَّنْتَ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الدَّاخِلَةَ فِي قَسَمِ التَّعْلِيقِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ بَعْضَهَا مَعْنَاهُ مَعْنَى الْيَمِينِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَبَعْضَهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْيَمِينِ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، فَمَتَى كَانَ الشَّرْطُ الْمَقْصُودُ حَضًّا عَلَى فِعْلٍ أَوْ مَنْعًا مِنْهُ، أَوْ تَصْدِيقًا لِخَبَرٍ أَوْ تَكْذِيبًا: كَانَ الشَّرْطُ مَقْصُودَ الْعَدَمِ هُوَ وَجَزَاؤُهُ، كَنَذْرِ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ.

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: أَنَّ الْحَالِفَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَالَ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225][الْبَقَرَةِ]، وَقَالَ:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2][التَّحْرِيمِ: 2]، وَقَالَ:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89][الْمَائِدَةِ: 89] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ

ص: 312

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» .

فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُكْمَ الْأَمَانَةِ الَّذِي هُوَ الْإِمَارَةُ، وَحُكْمَ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ، وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَتْ عائشة:" كَانَ أبو بكر لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ "، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ عَقْدٌ بِاللَّهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَأَشَدُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ، وَأُولِي بِاللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: أَعْقِدُ بِاللَّهِ. لِهَذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ الْإِلْصَاقِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّبْطِ وَالْعَقْدِ، فَيَنْعَقِدُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِاللَّهِ، كَمَا تَنْعَقِدُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي الْمُعَاقَدَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ " عَقْدًا " فِي قَوْلِهِ:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] ، فَإِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْحِنْثَ فِيهَا نَقْضٌ لِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، لَوْلَا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ مِنَ التَّحِلَّةِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ حَلُّهَا حِنْثًا، وَالْحِنْثُ: هُوَ الْإِثْمُ فِي الْأَصْلِ. فَالْحِنْثُ فِيهَا سَبَبٌ لِلْإِثْمِ لَوْلَا الْكَفَّارَةُ الْمَاحِيَةُ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مَنَعَتْهُ أَنْ يُوجِبَ إِثْمًا.

وَنَظِيرُ الرُّخْصَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا: الرُّخْصَةُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ الظِّهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا، فَإِنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ وُجُوبِ

ص: 313

الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ إِذَا أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ صَارَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ إِذَا أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ، فَالتَّحْرِيمُ مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2][التَّحْرِيمِ: 1، 2] ، وَالتَّحِلَّةُ مَصْدَرُ حَلَّلْتُ الشَّيْءَ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً، كَمَا يُقَالُ: كَرَّمْتُهُ تَكْرِيمًا وَتَكْرِمَةً. وَهَذَا الْمَصْدَرُ يُسَمَّى بِهِ الْمُحَلِّلُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ. فَإِنْ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ، فَالْمَعْنَى: فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحْلِيلَ الْيَمِينِ وَهُوَ حَلُّهَا الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَقْدِ، أَوِ الْحَلُّ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - كأبي بكر عبد العزيز - بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ التَّحِلَّةَ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ فَإِنَّهُ بِالْحِنْثِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ التَّحِلَّةُ إِذَا أُخْرِجْتَ قَبْلَ الْحِنْثِ لِتَنْحَلَّ الْيَمِينُ. وَإِنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْحِنْثِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ مَا فِي الْحِنْثِ مِنْ سَبَبِ الْإِثْمِ لِنَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ.

فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْيَمِينُ مِنْ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا رَفَعَهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا بَدَلًا مِنَ الْوَفَاءِ فِي جُمْلَةِ مَا رَفَعَهُ عَنْهَا مِنَ [الْآصَارِ] الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: 157]، فَالْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: إِمَّا طَاعَةٌ، وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ، وَإِمَّا مُبَاحٌ، فَإِذَا حَلَفَ [لَيَفْعَلَنَّ] مُبَاحًا أَوْ لَيَتْرُكَنَّهُ، فَهُنَا الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.

ص: 314