الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حِينَئِذٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهُ لَأُطَلِّقَنَّهَا السَّاعَةَ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، أَوْ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا عَزَمَ عَلَى إِمْسَاكِهَا، أَوْ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، كَالَّذِي يُخَيَّرُ بَيْنَ فِرَاقِهَا وَإِمْسَاكِهَا لِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ، وَكَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، أَوْ لَا تَجِبُ بِحَالٍ حَتَّى يَفُوتَ الطَّلَاقُ؟ قِيلَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: فَثُلُثُ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ هَدْيٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَالْأَقْيَسُ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَاخِي، مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِأَحَدِهِمَا، كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ.
[فَصْلٌ مُوجَبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]
فَصْلٌ
مُوجَبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ:
إِمَّا التَّكْفِيرُ، وَإِمَّا فِعْلُ الْمُعَلَّقِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ صَدَقَةُ أَلْفٍ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ: هُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ الْفِعْلِ. فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذَا الْوُجُوبِ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. فَإِذَا لَمْ [يَلْتَزِمِ] الْوُجُوبَ الْمُعَلَّقَ، ثَبَتَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. فَاللَّازِمُ لَهُ أَحَدُ الْوُجُوبَيْنِ، كُلٌّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْآخَرِ، كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: إِذَا فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ، أَوْ تَطْلِيقُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، أَوْ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَهْدِيَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ لِلْإِعْتَاقِ، وَالْمَالِ لِلتَّصَدُّقِ، وَالْبَدَنَةِ لِلْهَدْيِ.
وَلَوْ أَنَّهُ نَجَّزَ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ، وَهَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ، وَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْعَبْدِ، فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ، أَوْ يَسْتَحِقُّ
الْإِخْرَاجَ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَهُ: هَذَا وَقْفٌ.
وَأَمَّا إِذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ حُرٌّ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ، فَهُوَ إِسْقَاطٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: بَرِئَتْ ذِمَّةُ فُلَانٍ مِنْ كَذَا، وَمِنْ دَمِ فُلَانٍ، أَوْ مِنْ قَذْفِي. فَإِنَّ إِسْقَاطَ حَقِّ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ مِنْ بَابِ إِسْقَاطِ حَقِّ الْمِلْكِ بِمِلْكِ الْبُضْعِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ.
فَإِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ فَعَلَيَّ الْعِتْقُ، أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَقُلْنَا: إِنَّ مُوجَبَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: فَهَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ، أَوْ هَذِهِ الْبَدَنَةُ هَدْيٌ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَعَبِيدِي أَحْرَارٌ، أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ - وَقُلْنَا: التَّخْيِيرُ إِلَيْهِ - فَإِنَّهُ إِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِيَارِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْوُقُوعِ أَوْ وُجُوبِ التَّكْفِيرِ. [وَمِثَالُ ذَلِكَ] أَيْضًا: إِذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ، أَوْ أُخْتَانِ، فَاخْتَارَ إِحْدَاهُمَا، فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْفُرْقَةُ أَحَدَ اللَّازِمَيْنِ: إِمَّا فُرْقَةُ مُعَيَّنٍ، أَوْ نَوْعُ الْفُرْقَةِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِنْشَاءِ طَلَاقٍ، لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ إِلَّا بِمَا يُوجِبُ تَعْيِينَهُ، كَمَا فِي النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ.
ثُمَّ إِذَا اخْتَارَ الطَّلَاقَ: فَهَلْ يَقَعُ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ، أَوْ مِنْ حِينِ الْحِنْثِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ.
فَلَوْ قَالَ فِي جِنْسِ مَسَائِلِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: اخْتَرْتُ التَّكْفِيرَ أَوِ اخْتَرْتُ فِعْلَ الْمَنْذُورِ: فَهَلْ يَتَعَيَّنُ بِالْقَوْلِ، أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالْفِعْلِ؟
إِنْ كَانَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوُجُوبَيْنِ، تَعَيَّنَ بِالْقَوْلِ، كَمَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَبَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ لَمْ يَتَعَيَّنْ إِلَّا بِالْفِعْلِ، كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْحُكْمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوِ امْرَأَتِي طَالِقٌ، أَوْ دَمِي هَدَرٌ، أَوْ مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ بَدَنَتِي هَدْيٌ: تَعَيَّنَ الْحُكْمُ بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْفِعْلُ إِلَّا بِالْفِعْلِ. وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
آخِرُ مَا تَيَسَّرَ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.