المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القول الأول الأصل في العقود والشروط الحظر] - القواعد النورانية

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[فَصْلٌ في الطَّهَارَةُ]

- ‌[الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ نَوْعَانِ]

- ‌[الوضوء من لحوم الإبل]

- ‌[مرور الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ بين يدي المصلي]

- ‌[بيان مقدار ما يعفى من النجاسة]

- ‌[اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ]

- ‌[أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا رُطُوبَةَ فِيهَا كَالشَّعَرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيشِ]

- ‌[طَهَارَةُ الْأَحْدَاثِ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ]

- ‌[التيمم]

- ‌[الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصلاة]

- ‌[فَصْلٌ في مواقيت الصَّلَاةَ]

- ‌[فَصْلٌ في الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَالْمَرَضِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْأَذَانُ]

- ‌[فَصْلٌ في كَوْنِ الْبَسْمَلَةِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي قِرَاءَتِهَا في الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقَدْرُ الْمَشْرُوعُ لِلْإِمَامِ في الصَلَاةُ]

- ‌[فَصْلٌ في كون السَّلَامُ مِنَ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في ارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ]

- ‌[فَصْلٌ في محل الْقُنُوتَ في الصَلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ]

- ‌[فَصْلٌ في الصَّلَوَاتُ فِي الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ]

- ‌[فَصْلٌ في الزَّكَاةُ]

- ‌[السَّائِمَةِ]

- ‌[الْمُعَشَّرَاتِ]

- ‌[مِقْدَارُ الصَّاعِ وَالْمُدِّ]

- ‌[فَصْلٌ لَا بُدَّ فِي الزَّكَاةِ مِنَ الْمِلْكِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيَامُ]

- ‌[تَبْيِيتِ النية في الصيام]

- ‌[فَصْلٌ في صَوْمِ يَوْمِ الْغَيْمِ]

- ‌[فَصْلٌ في الْحَجُّ] [

- ‌حَجَّةَ الوداع]

- ‌[الْمُتْعَةَ لِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ]

- ‌[كَانَتْ عُمْرَةُ الْمُتَمَتِّعِ جُزْءًا مِنْ حَجِّهِ فَالْهَدْيُ الْمَسُوقُ لَا يُنْحَرُ حَتَّى يَقْضِيَ التَّفَثَ]

- ‌[الْمُقَامِ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْمَبِيتِ بِهَا اللَّيْلَةَ]

- ‌[الجمع بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ]

- ‌[قَصْرَ الصَّلَاةِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]

- ‌[صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْر]

- ‌ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

- ‌[الصَّلَاةِ عَقِبَ السَّعْيِ]

- ‌[التلبية]

- ‌[أَكْلِ الْمُحْرِمِ لَحْمَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الْحَلَالُ وَذَكَّاهُ]

- ‌[فَصْلٌ في قَوَاعِدَ متعلقة بالْعُقُودُ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالنِّكَاحِيَّةِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فصل الْقَاعِدَةُ الأولى الْعُقُودَ تَصِحُّ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَعَاقِدِ حَلَالُهَا وَحَرَامُهَا]

- ‌[فَصْلٌ في حكم إجارة الْأَرْض إذا كانت مُشْتَمِلَة عَلَى غِرَاسٍ وَأَرْضٍ تَصْلُحُ لِلزَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا بَاعَهُ الثَّمَرَةَ فَقَطْ وَأَكَرَاهُ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى]

- ‌[فَصْلٌ في قَوَاعِدِ الَّتِي أَدْخَلَهَا قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ شروط من أجاز المزارعة]

- ‌[فَصْلٌ خطأ من يتمسك بألفاظ يحسبها عامة أو مطلقة أو بضرب من القياس المعنوي أو الشبهي]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَيَفْسُدُ]

- ‌[القول الأول الأصل في العقود والشروط الحظر]

- ‌[القول الثاني الأصل في العقود والشروط الْجَوَازُ وَالصِّحَّةُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارِنِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]

- ‌[مقدمات نافعة جدا في هذا الباب]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ فِي حُكْمِ الْمَحْلُوفِ بِهِ أو فِي حُكْمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الثانية الْأَيْمَانَ يُحْلَفُ بِهَا تَارَةً بِصِيغَةِ الْقَسَمِ وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ]

- ‌[الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ بِهَا يَظْهَرُ سِرُّ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْحَالِفُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هُوَ نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعِتَاقِ فِي اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ مُوجَبُ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]

الفصل: ‌[القول الأول الأصل في العقود والشروط الحظر]

الصُّلْحِ وَالْوَكَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْلَا أَنَّ الْغَرَضَ ذِكْرُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ تَجْمَعُ أَبْوَابًا لَذَكَرْنَا أَنْوَاعًا مِنْ هَذَا.

[فَصْلٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَيَفْسُدُ]

[القول الأول الأصل في العقود والشروط الحظر]

فَصْلٌ.

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا، فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ، وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَيَفْسُدُ. وَمَسَائِلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.

وَالَّذِي يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فِيهَا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ: الْحَظْرُ، إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِجَازَتِهِ. فَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أُصُولِ أبي حنيفة تَنْبَنِي عَلَى هَذَا، وَكَثِيرٌ مِنْ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَأُصُولِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مالك وأحمد. فَإِنَّ أحمد قَدْ يُعَلِّلُ أَحْيَانًا بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِكَوْنِهِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا قِيَاسٌ، كَمَا قَالَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ يُعَلِّلُونَ فَسَادَ الشُّرُوطِ بِأَنَّهَا تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَيَقُولُونَ: مَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْعَقْدَ فَهُوَ بَاطِلٌ، أَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُصَحِّحُوا لَا عَقْدًا وَلَا شَرْطًا إِلَّا مَا ثَبَتَ جَوَازُهُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ جَوَازُهُ أَبْطَلُوهُ وَاسْتَصْحَبُوا الْحُكْمَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَطَرَدُوا ذَلِكَ طَرْدًا جَارِيًا، لَكِنْ خَرَجُوا فِي كَثِيرٍ مِنْهُ إِلَى أَقْوَالٍ يُنْكِرُهَا عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ.

وَأَمَّا أبو حنيفة فَأُصُولُهُ تَقْتَضِي أَنَّهُ [لَا يُصَحِّحُ] فِي الْعُقُودِ شُرُوطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا فِي الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ الشَّرْطَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُمْكِنُ فَسْخُهُ، وَلِهَذَا أَبْطَلَ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ، وَلَا يَجُوزَ عِنْدَهُ تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِحَالٍ، وَلِهَذَا مَنَعَ بَيْعَ الْعَيْنِ

ص: 256

الْمُؤَجَّرَةِ. وَإِذَا ابْتَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرٌ لِلْبَائِعِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ. وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْإِجَارَةَ الْمُؤَخَّرَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عِنْدَهُ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ أَوِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي بَقَاءَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَسَائِرَ الشُّرُوطِ الَّتِي يُبْطِلُهَا غَيْرُهُ. وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي النِّكَاحِ شَرْطًا أَصْلًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ. وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ عِنْدَهُ بِعَيْبٍ أَوْ إِعْسَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا. وَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا صَحَّحَ أبو حنيفة خِيَارَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِلْأَثَرِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ اسْتِحْسَانٍ.

وَالشَّافِعِيُّ يُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لَكِنَّهُ يَسْتَثْنِي مَوَاضِعَ لِلدَّلِيلِ الْخَاصِّ. فَلَا يُجَوِّزُ شَرْطَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، حَتَّى مَنَعَ الْإِجَارَةَ الْمُؤَخَّرَةَ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا - وَهُوَ الْقَبْضُ - لَا يَلِي الْعَقْدَ، وَلَا يُجَوِّزُ أَيْضًا مَا فِيهِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي مِنَ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ إِلَّا الْعِتْقَ، لِمَا فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْنَى، لَكِنَّهُ يُجَوِّزُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْعِ، كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِهِ، وَكَبَيْعِ الشَّجَرِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَرَةِ مُسْتَحَقَّةِ الْبَقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُجَوِّزُ فِي النِّكَاحِ بَعْضَ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا يُجَوِّزُ اشْتِرَاطَهَا دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا، وَلَا أَنْ [لَا يَتَزَوَّجَ] عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ حُرِّيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ، كَالْجَمَالِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى فَسْخَ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ، وَانْفِسَاخَهُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِيهِ، كَاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَالطَّلَاقِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ بِخِلَافِ فَسَادِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ.

ص: 257

وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أحمد يُوَافِقُونَ الشَّافِعِيَّ عَلَى مَعَانِي هَذِهِ الْأُصُولِ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَثْنِيهِ الشَّافِعِيُّ، كَالْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَكَاسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ، وَاشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَنْقُلَهَا وَلَا يُزَاحِمَهَا بِغَيْرِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ. فَيَقُولُونَ: كُلُّ شَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ.

وَذَلِكَ أَنَّ نُصُوصَ أحمد تَقْتَضِي أَنَّهُ جَوَّزَ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْعُقُودِ أَكْثَرَ مِمَّا جَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ. فَقَدْ يُوَافِقُونَهُ فِي الْأَصْلِ، وَيَسْتَثْنُونَ لِلْمُعَارِضِ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَثْنَى، كَمَا قَدْ يُوَافِقُ هُوَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ، وَيَسْتَثْنِي أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَثْنِي لِلْمُعَارِضِ.

وَهَؤُلَاءِ الْفِرَقُ الثَّلَاثُ يُخَالِفُونَ أَهْلَ الظَّاهِرِ، وَيَتَوَسَّعُونَ فِي الشُّرُوطِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِمْ بِالْقِيَاسِ وَالْمَعَانِي وَآثَارِ الصَّحَابَةِ، وَلِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ مَعَانِي النُّصُوصِ الَّتِي يَنْفَرِدُونَ بِهَا عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ قِصَّةُ بريرة الْمَشْهُورَةُ. وَهُوَ مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: " «جَاءَتْنِي بريرة فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بريرة إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ، فَأَخْبَرَتْ عائشة النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَفَعَلَتْ عائشة، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ ! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ. قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ

ص: 258

أَعْتَقَ» ". وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "«اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا. فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ» ". [وَفِي لَفْظٍ] : "«شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عبد الله بن عمر: "«أَنَّ عائشة أم المؤمنين أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ". وَفِي مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "«أَرَادَتْ عائشة أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَأَبَى أَهْلُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

وَلَهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . فَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ، فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي السُّنَّةِ أَوْ فِي الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

وَمَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ - قَالُوا: إِذَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْقِيَاسُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالسُّنَّةِ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.

ص: 259

وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ يَقِيسُونَ جَمِيعَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُوجَبَ الْعَقْدِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ: كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُقُودَ تُوجَبُ مُقْتَضَيَاتُهَا بِالشَّرْعِ، فَيُعْتَبَرُ تَغْيِيرُهَا تَغْيِيرًا لِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، بِمَنْزِلَةِ تَغْيِيرِ الْعِبَادَاتِ. وَهَذَا نُكْتَةُ الْقَاعِدَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْعُقُودَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى وَجْهٍ، فَاشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ، وَلِهَذَا كَانَ أبو حنيفة ومالك وَالشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - لَا يُجَوِّزُونَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْعِبَادَاتِ شَرْطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا، فَلَا يُجَوِّزُونَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِحْلَالَ بِالْعُذْرِ، مُتَابَعَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ:" وَيَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ". وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3][الْمَائِدَةِ: 3]، وَقَوْلِهِ:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229][الْبَقَرَةِ: 229] .

قَالُوا: فَالشُّرُوطُ وَالْعُقُودُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ.

وَمَا أَبْطَلَهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى جَوَازِهَا بِالْعُمُومِ أَوْ بِالْخُصُوصِ قَالُوا: ذَلِكَ مَنْسُوخٌ. كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شُرُوطِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، أَوْ قَالُوا: هَذَا عَامٌّ أَوْ مُطْلَقٌ، فَيُخَصُّ بِالشَّرْطِ الَّذِي فِي كِتَابِ اللَّهِ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ يُرْوَى فِي حِكَايَةٍ عَنْ أبي حنيفة وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وشريك: " «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» ". وَقَدْ ذَكَرَهُ

ص: 260