المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: في وعيد من يأمر بالمعروف ولا يفعله أو ينهى عن المنكر ويفعله - القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[عبد العزيز بن عبد الله الراجحي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الرسالة

- ‌ معنى -المعروف والمنكر- لغةً:

- ‌ معنى -المعروف والمنكر- شرعًا

- ‌ المراد بالمعروف والمنكر عند اجتماعهما وانفراد أحدهما

- ‌ عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله

- ‌ واجب العلماء وتحذيرهم من التقصير في العمل

- ‌وظيفة المحتسب في الإسلام

- ‌ الأدلة التي تأمر بأداء هذا الواجب

- ‌ الأدلة التي فيها الثناء على أهله والمدح لمن فعله

- ‌ الأدلة التي فيها التوبيخ والوعيد لمن تركه

- ‌ الأدلة التي فيها الذم والعيب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قدرته عليه:

- ‌مسألة: في وعيد من يأمر بالمعروف ولا يفعله أو ينهى عن المنكر ويفعله

- ‌أمثلة للمعروف الذي يأمر به المحتسب والداعي إلى الله تعالى

- ‌أمثلة للمنكرات المتفشية في المجتمعات الإسلامية التي ينهى المحتسب ويحذر منها

- ‌ أمور ينبغي أن ينتبه لها المنكِر والآمر والناهي قبل أن يأمر وينهى وينكر المنكر

- ‌ كيفية الإنكار على الجاهل لما يرتكبه بأنه منكر:

- ‌ كيفية الإنكار على العالم بأن ما يرتكبه منكر

- ‌ كيفية الإنكار على الوالد من قِبَل ولده

- ‌ كيفية الإنكار على السيد من قبل عبده

- ‌ كيفية الإنكار على الشيخ من قبل تلميذه

- ‌ كيفية الإنكار على الزوج من قبل زوجته

- ‌ كيفية الإنكار على السلطان من قِبَل رعيته

- ‌ معنى الهجر والمراد به:

- ‌ تقسيم الهجر وبيان الشرعي من غيره:

- ‌ الحكمة من الهجر الشرعي:

- ‌ بيان من يشرع معه الهجر من الناس ومن لا يشرع:

- ‌ بيان نهاية وقت الهجر للمهجور:

- ‌ بيان هل يفرق بين الأحوال والأشخاص والأزمان في الهجر:

- ‌ بيان هل يجتمع في الشخص الواحد سبب الموالاة وسبب المعاداة:

- ‌الفصل الثانيفي درجات الإنكار

- ‌الطريق الأول: طريق اللين

- ‌تنبيه لمن يسلك طريق الغلظة والشدة

- ‌الباب الثالثفي الأحوال التي يسقط فيها وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ الحال الأولى:- عدم القبول والانتفاع به

- ‌الحال الثانية: أن يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصول مفسدة أعظم من ذلك المنكر

- ‌الحال الثالثة: عدم القدرة أو خوف الضرر

- ‌ خطر المداهنة في دين الله:

- ‌ الفرق بين المداراة والمداهنة

- ‌ الحكمة في مشروعية إنكار المنكر والأمر بالمعروف

- ‌ المفاسد المترتبة على ترك إنكار المنكر

- ‌ الحامل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفصل: ‌مسألة: في وعيد من يأمر بالمعروف ولا يفعله أو ينهى عن المنكر ويفعله

‌مسألة: في وعيد من يأمر بالمعروف ولا يفعله أو ينهى عن المنكر ويفعله

الواجب على كل من الآمر والمأمور اتباع الحق المأمور به، وقد ورد الوعيد الشديد والتوبيخ والزجر البليغ على من يخالف قوله فعله من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فمن ذلك:

1-

قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (1) .

قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2) .

2-

قول الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} (3) .

(1) سورة البقرة آية: 44.

(2)

سورة الصف آية: 2-3.

(3)

سورة هود آية: 88.

ص: 70

3-

ودلت السنة الصحيحة على أن من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله أنه حمار من حمر جهنم، يجرّ أمعاءه فيها، فأخرج الشيخان في صحيحهما من حديث أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّاِر فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ، فَيَدُورُ بِهَا فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا أَصَابَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» (1) ومعنى تندلق أقتابه: تتدلى أمعاؤه والعياذ بالله، كما دل القرآن على أن المأمور إذا أعرض عن التذكرة كحمار أيضًا، قال تعالى:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (2) .

(1) البخاري: بدء الخلق (3267)، ومسلم: الزهد والرقائق (2989) ، وأحمد (5 / 205،5 / 206،5 / 207،5 / 209) .

(2)

سورة المدثر آية: 49-51.

ص: 71

4-

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا قُرِضَتْ رَجَعَتْ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ» (1) أخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة

وعن ابن عباس أنه جاء رجل فقال له: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال ابن عباس أوَ بلغت ذلك؟ فقال: أرجوه، قال: فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل. قال: وما هي؟ قال: قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} (2) الآية، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (3) وقوله تعالى عن العبد الصالح شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (4) الآية، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ولقد أحسن القائل:

(1) أحمد (3 / 231) .

(2)

سورة البقرة آية: 44.

(3)

سورة الصف آية: 2.

(4)

سورة هود آية: 88.

ص: 72

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

والقائل الآخر:

وغير تقي يأمر الناس بالتقى

طبيب يداوي الناس وهو مريض

والقائل الآخر:

فإنك إذ ما تأت ما أنت آمر

به تلق من إياه تأمر آتيا

تنبيه:

هذا الوعيد الشديد الذي ذكر في الآيات والأحاديث من اندلاق الأمعاء في النار، وقرض الشفاه بمقاريض من نار، ومقت الله ليس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هو على ارتكابه المنكر عالمًا بذلك وهو ينصح الناس عنه، وعلى تركه المعروف عالمًا بذلك وهو يأمر الناس به ويرغبهم فيه ويحثهم عليه، فالوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه في حدّ ذاته خير وهدى، وبهذا يتبين أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير ساقط عن صالح ولا طالح كما سبق، وأن العدالة لا تشترط في الآمر والناهي، وأن المسلم عليه واجبان: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وواجب العمل بما يأمر به من المعروف، واجتناب ما ينهى عنه من المنكر، فإذا فعل واحدًا من الواجبين وترك واحدًا، أو تركهما معًا فعليه الوعيد.

ص: 73

وخلاصة القول: أنه لا تلازم بين أمر الإنسان بالمعروف وفعله له، ونهيه عن المنكر وتركه له، وأنه يجب على المسلم فعل ما يستطيع من ذلك، وعدم المانع فعليه الوعيد كما سبق في كلام القرطبي والنووي وغيرهما من العلماء (1) .

(1) انظر أضواء البيان جـ2 ص172 -173، وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص110، 111.

ص: 74

الفصل الثالث

في شروط المتصدي للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأعمال الواجبة الفاضلة، بل هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها، والله تعالى خلقنا لعبادته وطاعته ليبلونا أيُّنا أحسن عملًا كما قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1) وحدّ العمل الصالح الحسن المقبول عند الله ما كان خالصًا صوابًا، كما قال الفضيل بن عياض أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

وإذا كان حدّ العمل الصالح ما اجتمع فيه هذين الأمرين العظيمين:

أحدهما: أن يراد به وجه الله.

والثاني: أن يكون موافقًا لشرع الله.

فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى الله، يجب أن يتوفر في عمله هذين الأمرين: الإخلاص وصلاح العمل، ولا يكون عمله صالحًا حتى توجد فيه الشروط التالية:

1-

العلم والفقه قبل الأمر والنهي

(1) سورة الملك آية: 2.

ص: 75

فإن فقد العلم حلّ محله الجهل والضلال واتباع الهوى، وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه " العلم إمام العمل وتابعه ".

وقال عمر بن عبد العزيز "من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح" وبالعلم والفقه يحصل الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، والعلم في هذا المقام لا بد منه ويكون في ثلاثة أمور:

أحدها: العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما.

ثانيها: العلم بحال المأمور وبحال المنهي.

ثالثها: العلم بإتيانه بالأمر والنهي بالصراط المستقيم الذي هو أقرب الطرق إلى حصول المقصود، وهو الصلاح ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر.

2-

الرفق مع الأمر والنهي

فإن الاستجابة والانقياد والإذعان من المأمور والمنهي لا تكاد تتخلف، إذا قارن الرفق الأمر والنهي والدعوة إلى الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ» (1)(2) .

وقال في حديث آخر: «مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (3)(4) .

3-

الحلم والصبر على الأذى بعد الأمر والنهي

(1) أبو داود: الأدب (4807) ، وأحمد (4 / 87)، والدارمي: الرقاق (2793) .

(2)

رواه مسلم عن عائشة الترغيب والترهيب جـ3 ص415، دار إحياء التراث - لبنان.

(3)

مسلم: البر والصلة والآداب (2594)، وأبو داود: الجهاد (2478) والأدب (4808) ، وأحمد (6 / 58،6 / 112،6 / 125،6 / 171،6 / 206،6 / 222) .

(4)

رواه مسلم عن عائشة بلفظ: إن الرفق لا يكون في شيء، كشف الخفاء جـ1 ص67.

ص: 76

فإن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعية إلى الله لا بد أن يحصل له أذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ولهذا أمر الله الرسل - وهم أئمة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر- بالصبر، كما قال تعالى لخاتم الرسل:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (1) .

بل الأمر بالصبر مقرون بتبليغ الرسالة، حيث افتتح الله آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وختمها بالأمر بالصبر، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} {قُمْ فَأَنْذِرْ} {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (2) فدل ذلك على أن الصبر يجب بعد الأمر والنهي.

وفي وصية لقمان لابنه الأمر بالصبر في قوله تعالى: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3) .

(1) سورة الأحقاف آية: 35.

(2)

سورة المدثر آية: 1-7.

(3)

سورة لقمان آية: 17.

ص: 77

وقد أمر الله بالصبر في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (1) وقوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (2) وقوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (3) 48 - سورة القلم وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} (4) وقوله: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (5) .

فلهذه الأمور الثلاثة لا بد منها لكل داعٍ إلى الله وآمر بالمعروف، وناهٍ عن المنكر العلم والرفق والصبر، وجاء في الأثر عن بعض السلف:"لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهًا فيما يأمر به، فقيهًا فيما ينهى عنه، رفيقًا فيما يأمر به، رفيقًا فيما ينهى عنه، حليمًا فيما يأمر به، حليمًا فيما ينهى عنه".

تنبيه:

(1) سورة الطور آية: 48.

(2)

سورة المزمل آية: 10.

(3)

سورة القلم آية: 48.

(4)

سورة النحل آية: 127.

(5)

سورة هود آية: 115.

ص: 78

اشتراط هذه الخصال الثلاث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه صعوبة على كثير من الناس، فيتصور أنها لا تتحقق فيه وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسقط عنه فيتركه، وهذا خطأ؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عظيم، فتركه معصية، وإنما الواجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، وأن يستصحب من هذه الخصال الثلاث مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب وسعه وطاقته كما قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (2)(3) وبهذا يكون قد اتقى الله ما استطاع في أداء هذا الواجب العظيم، وسلك طريق الاعتدال وهو الصراط المستقيم، الذي هو أقرب الطرق إلى حصول المقصود وهو الصلاح والإصلاح (4) .

(1) سورة التغابن آية: 16.

(2)

البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم: الفضائل (1337)، والنسائي: مناسك الحج (2619)، وابن ماجه: المقدمة (2) ، وأحمد (2 / 313) .

(3)

الحديث أخرجه البخاري ومسلم وهو في الأربعين النووية.

(4)

انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية جـ28 ص134 - 136.

ص: 79

المفاسد المترتبة على عدم التخلق بهذه الخصال الثلاث عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

1-

العلم:

الداعي إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه، كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1) فإن كان جاهلًا فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشر فيه الجهل، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا عند كثير من الناس.

2-

الرفق:

ينبغي للداعية أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة واللطافة مع إيضاح الحق، كما قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (2) فإن كانت دعوته بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، وكانت سببًا في نفرة المأمور والمنهي، وربما أخذته العزة بالإِثم فاستمر على ما هو عليه من المنكر وترك المعروف، أو زاد في ذلك بسبب طريقة الداعية الخرقاء. (3)

3-

الصبر:

(1) سورة يوسف آية: 108.

(2)

سورة النحل آية: 125.

(3)

انظر أضواء البيان جـ2 ص 173 -174.

ص: 80

الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد له من الصبر؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يخالفهم في أهوائهم وشهواتهم وأغراضهم فيعادونه ويؤذونه، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل في أول البعثة حين أخبره أن قومه سيخرجونه:«أومخرجيّ هم؟» أخبره أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:"ما ترك الحق لعمر صديقًا".

فإذا لم يصبر على الأذى لزم من ذلك، إما تعطيل هذا الواجب العظيم -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- وإما حصول فتنة وفساد بسبب عدم احتمال الأذى من تعدٍّ على المأمور أو المنهي بالقول أو بالفعل، وقد يؤدي عدم الصبر على الأذى إلى الانتصار للنفس، فيخرج بذلك عن كونه منتصرًا لله ولرسوله ولدينه، وعن الغيرة لله ولحرماته إلى الانتصار لنفسه والحمية لها، وذلك معصية وفساد (1) .

(1) انظر أضواء البيان جـ2 ص 174.

ص: 81

قال الشيخ تقي الدين "الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل، لزم أحد أمرين: إما تعطيل الأمر والنهي، وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي، أو مثلها أو قريب منها، وكلاهما معصية وفساد، قال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (1) فمن أمر ولم يصبر، أو صبر ولم يأمر، أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة، وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر" اهـ (2) .

وقال القرطبي في تفسيره على آية لقمان {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (3) قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (4) يقتضي حضًّا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر، فهو إشعار بأن المغيّر يؤذى أحيانًا" اهـ (5) .

(1) سورة لقمان آية: 17.

(2)

انظر الآداب الشرعية والمنح المرعية جـ1 ص176 -177.

(3)

سورة لقمان آية: 17.

(4)

سورة لقمان آية: 17.

(5)

تفسير القرطبي جـ14 ص68.

ص: 82

وقال ابن كثير في تفسير على آية لقمان أيضًا {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1)"أي: بحسب طاقتك وجهدك {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (2) علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر، وقوله: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (3) أي: إن الصبر على أذى الناس لمن عزم الأمور" اهـ (4) .

(1) سورة لقمان آية: 17.

(2)

سورة لقمان آية: 17.

(3)

سورة لقمان آية: 17.

(4)

انظر تفسير الإمام ابن كثير جـ6 ص460، طبعة الحكومة للتفسيرين معًا ابن كثير والبغوي.

ص: 83

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره على آية لقمان {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1)"وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه، والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا به من الرفق والصبر، وقد صرح به في قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} (2) ومن كونه فاعلًا لما يأمر به كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك بأمره ونهيه، ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ} (3) الذي وعظ به لقمان ابنه {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (4) أي: من الأمور التي يعزم عليها ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم" اهـ (5) .

(1) سورة لقمان آية: 17.

(2)

سورة لقمان آية: 17.

(3)

سورة لقمان آية: 17.

(4)

سورة آل عمران آية: 186.

(5)

انظر تفسير الشيخ ابن سعدي جـ6 ص 79.

ص: 84

تنبيه:

لا يحكم على الأمر بأنه منكر إلا إذا قام عليه دليل من كتاب الله تعالى، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين

وأما ما لا نص فيه فهو من مسائل الاجتهاد، ولا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرًا؛ لأن المصيب مأجور بإصابته والمخطئ معذور، كما هو مقرر في علم الأصول (1) .

(1) انظر أضواء البيان جـ2 ص174.

ص: 85