الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
بيان هل يجتمع في الشخص الواحد سبب الموالاة وسبب المعاداة:
فيكون منه خير وشر، وبرّ وفجور، وطاعة ومعصية، فيحب من وجه ويبغض من وجه، وبيان الشخص الذي يحب جملة والذي يبغض جملة، والذي يحب من وجه ويبغض من وجه.
المسلم له على المسلم حقوق في الإسلام يجب مراعاتها، وقد يكون له من الذنوب والمعاصي ما يوجب بغضه ومعاداته عليها، فيجتمع في الرجل الواحد خير وشرّ، وبرّ وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، فيجتمع فيه موجبا الإكرام والإهانة، فيستحق من الموالاة والمحبة والثواب بقدر ما فيه من الخير، ويستحق من المعاداة والبغض والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيحب ويوالى ويكرم من وجه، ويبغض ويعادى ويهان من وجه آخر، ومثاله اللصّ الفقير، تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا أصل درج عليه أهل السنة والجماعة واتفقوا عليه، فقالوا: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه، ثم يخرجهم بشفاعة من يأذن له في الشفاعة وبفضله ورحمته، كما استفاضت بذلك السنة.
وخالفهم في هذا الأصل الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقًّا للثواب فقط، أو مستحقًّا للعقاب فقط، وأنكروا أن يجتمع في الرجل الواحد موجبا الإكرام والإهانة، وموجبا الموالاة والمعاداة، والحب والبغض، والثواب والعقاب، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة، وسلف الأمة.
وأما الشخص الذي يحب جملة: فهو من آمن بالله ورسوله وقام بوظائف الإسلام ومبانيه العظام، علمًا وعملًا واعتقادًا، وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله وانقاد لأوامره، وانتهى عما نهى الله عنه ورسوله، وأحب في الله ووالى في الله، وأبغض في الله وعادى في الله، وقدَّم قول رسوله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائنًا من كان، إلى غير ذلك من القيام بحقوق الإسلام وشرائعه.
وأما الذي يبغض جملة: فهو من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولم يؤمن بالقدر خيره وشره، وأنه كله بقضاء الله وقدره، أو أنكر البعث بعد الموت، أو ترك أحد أركان الإسلام الخمسة، أو أشرك بالله سبحانه وتعالى في عبادته أحدًا من الأنبياء والأولياء الصالحين، وصرف لهم نوعًا من أنواع العبادة، كالحب والدعاء، والخوف والرجاء، والتعظيم والتوكل، والاستغاثة والاستعاذة والاستعانة، والذبح والنذر والإنابة والذل، والخضوع والخشوع والخشية والرغبة والرهبة، والتعلق على غير الله في جميع الطلبات وكشف الكربات، وإغاثة اللهفات، أو ألحد في أسماء الله وصفاته واتبع غير سبيل المؤمنين، أو من قام به ناقض من نواقض الإسلام، وبالجملة فهو من ترك جميع المأمورات وارتكب جميع المحذورات.
وأما الذي يحب من وجه ويبغض من وجه آخر: فهو المسلم الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا، فيحب ويوالى على قدر ما معه من الخير، ويبغض ويعادى على قدر ما معه من الشر (1) .
(1) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية جـ28 ص203 -213، وانظر رسالة إرشاد الطالب للشيخ سليمان بن مسحمان ص 13 - 29، ورسالة منهاج أهل الحق والاتباع للمؤلف السابق ص 84 - 85.
قال صاحب "فتح الباري" على قصة الثلاثة الذين خلفوا عام تبوك "وفيها ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث، فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًّا.
وقال: وفيها سقوط ردّ السلام على المهجور عمن سلّم عليه، إذ لو كان واجبًا لم يقل كعب: هل حرّك شفتيه برد السلام؟ " اهـ (1) .
(1) انظر فتح الباري جـ8 ص 24. وانظر الدرر السنية في الأجوبة النجدية جـ7 ص 40 - 41.