الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
بيان من يشرع معه الهجر من الناس ومن لا يشرع:
الهجر يشرع في حق العصاة والمذنبين، أما الكافر فلا يشرع في حقه الهجر، إذ إن عقوبته على كفره أعظم من الهجر، وليس الهجر مشروعًا في حق جميع العصاة والمذنبين من أهل الإسلام، بل يراعي المهاجر المصلحة الراحجة في الهجر أو الترك، فإن الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر أو خفته كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث تكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، كما لو أفضى إلى التقاطع والتدابر والتباغض والتحاسد.
وقد يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قومًا ويهجر آخرين، فهجر الثلاثة الذين خلفوا، مع أنهم كانوا خيرًا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لأنهم كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، والثلاثة كانوا مؤمنين والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم، فالصالح أنه يراعى في الهجر والترك الأحوال والمصالح، وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ويشبه هذا مراعاة المصلحة والحال فيما يفعل مع العدو، فإن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح.