الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
كيفية الإنكار على السلطان من قِبَل رعيته
تنبيه في الداخل على الأمير أو السلطان للإنكار أو الموعظة
لا شك أن من أعظم أنواع الأمر بالمعروف كلمة حق عند سلطان جائر، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (1) أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
وعن طارق بن شهاب رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قال: كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (2) رواه النسائي بإسناد صحيح.
وإذا ارتكب السلطان منكرًا فللرعية معه ثلاث حالات:
الأولى: أن يقدر على نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر من غير أن يحصل منه ضرر أكبر من الأول، ولا منكر أعظم من الأول، ففي هذه الحالة يجب نصحه، وكيفية النصح يجب أن يكون بالموعظة الحسنة مع اللطف؛ لأن هذا هو مظنة الفائدة، وناصحه وآمره في هذه الحالة مجاهد سالم من الإثم، ولو لم ينفع نصحه.
(1) أبو داود: الملاحم (4344) .
(2)
النسائي: البيعة (4209) ، وأحمد (4 / 315) .
الثانية: أن لا يقدر على نصحه، لأنه يبطش بمن يأمره، أو لأن نصحه يؤدي إلى حصول منكر أعظم وضرر أكبر، وفي هذه الحالة يكون الإنكار عليه بالقلوب، وكراهية منكره والسخط عليه، وهذه الحالة هي أضعف الإيمان.
الثالثة: أن يكون راضيًا بالمنكر الذي يفعله السلطان ومتابعًا له عليه، وفي هذه الحالة يكون شريكه في الإثم والوزر.
وقد دل الحديث الصحيح على هذه الحالات الثلاث للرعية مع السلطان، وهو حديث أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ» (1) أخرجه مسلم في صحيحه فقوله صلى الله عليه وسلم «فمن كره» أي بقلبه، ولم يستطع إنكارًا بيد ولا لسان، فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته - وقوله:«ومن أنكر فقد سلم» أي: من أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية. وقوله: «ولكن من رضي وتابع» أي: من رضي بالمعصية وتابع عليها فهو عاص كفاعلها. (2) ولا يجوز الإنكار على السلطان بالخروج عليه ومقاتلته كما سيأتي.
تنبيه:
(1) مسلم: الإمارة (1854)، والترمذي: الفتن (2265)، وأبو داود: السنة (4760) ، وأحمد (6 / 295،6 / 302،6 / 305،6 / 321) .
(2)
انظر أضواء البيان جـ2 ص 177 - 178.
داخل على الأمير أو السلطان بقصد الإنكار أو الموعظة، يجب أن يكون قصده في ذلك خالصًا لله تعالى، وليحذر أن يقصد من الإنكار أو الموعظة التعرف بالسلطان وطلب المنزلة عنده، أو أن يقصد من الإنكار أو الموعظة طلب المحمدة من الناس وإطلاق ألسنتهم بالثناء عليه والشكر لصنيعه، واحترامهم وتقديرهم له، أو أن يقصد الشهرة والسمعة، فيقال عنه: أنه أغلظ للسلطان، وأقدم عليه بالكلام، ولم يبال بشيء، فيصير معظمًا عند الناس، ويخشاه أبناء جنسه، إلى غير ذلك من المقاصد.
وهذه المقاصد مذلة عظيمة يجب التفطن لها والتنبه، قبل الوقوع فيها، فقد يناله مكروه في الدنيا بالحبس أو الضرب أو القتل وهو غير مأجور، بل آثم مأزور، وهو يظن أنه مجاهد ومن أفضل الناس، وذلك لأن أساس الأعمال التي تبنى عليها الإخلاص، والنية الطيبة الحسنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1) (2) واشترط النبي صلى الله عليه وسلم في تكفير الخطايا للمجاهد والمقتول في سبيل الله الاحتساب حينما سأله رجل فقال له:«أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلٍا غَيْرَ مُدْبِرٍ» (3)(4)(5) .
(1) البخاري: بدء الوحي (1)، ومسلم: الإمارة (1907)، والترمذي: فضائل الجهاد (1647)، والنسائي: الطهارة (75) والطلاق (3437) والأيمان والنذور (3794)، وأبو داود: الطلاق (2201)، وابن ماجه: الزهد (4227) ، وأحمد (1 / 25) .
(2)
الحديث رواه مسلم وهو في الأربعين النووية.
(3)
مسلم: الإمارة (1885)، والترمذي: الجهاد (1712)، والنسائي: الجهاد (3156،3157،3158) ، وأحمد (5 / 297،5 / 303،5 / 308)، ومالك: الجهاد (1003)، والدارمي: الجهاد (2412) .
(4)
الحديث رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه، انظر نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار جـ7 ص 234.
(5)
انظر «تنبيه الغافلين» لابن النحاس ص 62.