الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدس، ودخل القاهرة وغيرها، وطاف البلاد واجتمع بمشاهير العلماء والصوفية، وأدرك من أكابرهم الشيخ أبا العون الغزي وصحبه، بجلجولية، ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب، وصحب بها ابن الحنبلي، وقرأ عليه الأربعين النووية، في سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ثم كانت وفاته بالرملة سنة.
محمد بن يوسف الحلبي التادفي
الشافعي محمد بن يوسف بن عبد الرحمن قاضي القضاة، أبو اللطف كمال الدين الربعي، الحلبي، التادفي، الشافعي، ذكره شيخ الإسلام الوالد في الرحلة وقال في وصفه: الشيخ الأوحد، والأصيل الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار، وانتظمت أسلاك إصالته في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار نسمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرتب العليه السنية، وتستأنس به الخطط الشرعية السنية، فطوراً مقدماً في أندية الأمراء والأعيان، وتارة صدراً في قضاة العدل والإحسان، القضائي الكمالي التادفي قاضي حلب، ثم مكة كان صحبني من حلب إلى البلاد الرومية، فأسفر عن أعذب أخلق، وكرم أعراق، وأحسن طوية، وأنشدني من نظمه قصيدة تائية ومقامه أكبر من الشعر، وأعلى في القيمة وأغلى في السعر انتهى.
وولد كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي في تاريخه في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النصيبي وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحب أبو الفضل بن الشحنة، وولده الأثير محمد، والسري عبد البر بن الشحنة الحنفيون، وقضاة القضاة الشافعية مشايخ الإسلام زكريا الأنصاري، والجمال إبراهيم بن علي القلقشندي، والقطب محمد الخيضري، والحافظ فخر الدين عثمان الديمي الشافعي، والجمال يوسف بن شاهين الشافعي، في آخرين ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، وتاب في القضاء عن شيخه القاضي حسين بن الشحنة الشافعي وغيره، ثم ترك مخالطة الناس ولف المئزر على رأسه، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعاً بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس، ثم عزل عنه، ثم ولاه الغوري قضاء حلب عن
القاضي جلال الدين النصيبي، ولما قرىء توقيعه بجامع حلب وتفرق الناس توجه إلى القاضي جلال الدين، واعتذر إليه وفوض إليه الجمال القلقشندي قاضي القضاة بالممالك الإسلامية نيابة الحكم بالديار المصرية، ومضافاتها مضافاً إلى قاضي حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة العثمانية تدريس العصرونية بحلب، ثم أضيف إليه نظر أوقاف الشافعية بحلب، ثمتدريس الحاجبية، ثم ولاه خير بك المظفري حين كان كافل الديار المصرية، ثم في الدولة العثمانية قضاء الشافعية بمكة وجدة وسائر أعمالها، ونظر الحرمين عن المحب بن الظهيرة والخدمة، كان مأذوناً له في ذلك، فتوجه إلى محل ولايته وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكة في الدولة العثمانية، وبقي في وظيفة القضاء حتى مات خير بك واستقر مكانه محمد باشا فنوزع في الوظيفتين بمساعدة أمير مكة لابن ظهيرة، ثم استقر فيها بعناية محمد باشا حين ولي قاسم باشا مكان محمد باشا، فعزله بعد أمور جرت بينه وبين أميرها، ولم يمكنه الله منة، ثم لما خرج القاضي كمال الدين من مكة معزولاً سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة كتب للشريف أمير مكة أبياتاً سماها السهم المهلكة الباري، في الشريف بركات وأتباعه والذراري، ومن جملتها:
يا واليا قطن الحجاز تعسفاً
…
عزلي بموتك منذر قد عز لي
فاشرب بكأس حمام موتك جرعة
…
لمرورها أبداً بعمرك تصطلي
أو ما علمت بأنني شهم له
…
سهم مصيب من نأى في المقتل
فابشر بحتفك مع ديارك والتي
…
سحب المنايا عنهم لا تنجلي
فمات الشريف بركات في تلك السنة، وهو من الاتفاق الغريب، ومن شعر القاضي كمال الدين:
ترى بعد هذا البين والبعد أسمع
…
بأن ليتلات المواصل ترجع
ويهدا فؤاد لا يقر قراره
…
وجفن قريح بالبكا ليس يهجع
بدور الحمى يا من سرور حماتهم
…
مقيم له بين الأضالع أربع
فميتكم هلا وقفتم سويعة
…
أزود طرفي نظرة وأودع
أعلل قلبي بالسلام عليهم
…
وأطمع فيما ليس لي فيه مطمع
وله أيضاً:
لولا رجائي أن الشمل يجتمع
…
ما كان لي في حياتي بعدكم طمع
يا جيرة قطعوا رسلي وما رحموا
…
قلباً تقطع وجداً عندما قطعوا
أواه وأطول شوقي للأولى سكنوا
…
في الصرح ياليت شعري ما الذي صنعوا
لا عشت إن كنت يوماً بعد بعدكم
…
أملت أني بطيب العيش أنتفع
هم أطلقوا أدمعي والنار في كبدي
…
كذاك نومي وصبري والهوى منعوا
دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم
…
لا وأخذ الله أحبابي بما صنعوا
وقد امتدحه جماعة من أعيان عصره، ولو لم يمدح إلا بالأرجوزة التي نظمها شيخ الإسلام السيد الشريف عبد الرحيم العباسي، الإسلام حين قدم عليهم من بلاد الرومية لكفى وهي:
سعد قدوم مجدك السني
…
مؤيد بالصمد العلي
كان له في رتب العلياء
…
محل عز شاسع السناء
روى حديث قدره الثقات
…
وأثبتت آثاره الأثبات
طوى نسيم جوده الموصوف
…
حديث حاتم السخا المعروف
آراؤه على الصواب وقف
…
ليس لها من نحو ذاك صرف
أبت معاني مجده إن نولا
…
إلا ممهدة السماك في العلا
تبت يدا حساده الأرذال
…
فالنقص لا يدنو من الكمال
بينهما ظاهر فرق يعلم
…
ليس على صاحب عقل يبهم
يا من له السؤدد والمجد العلي
…
والحلم والخلق المذهب الرضي
مقدمك المبارك الآثار
…
تجمل بهذه الديار
تاهت بمجده السني الرفيع
…
وافتخرت بزهده البديع
تم لها منه لدون فخر
…
نور تميد منه شمس الفجر
ناب سنا ضيائه الوهاج
…
عن قمر السماء والسراج
هنأت السراء للعلياء
…
بما أتاها من حبا النعماء
بروحة.... النجاح
…
وغرة تحكي سنا الصباح
أكرم به من قدم ميمون
…
محقق الرجاء والظنون
أهدته للروم يد الآلاء
…
فالجود من تلك اليد البيضاء
حل به كريم أصل سيد
…
له السخاء خلق والسؤدد
ليس له في سلخه عديل
…
ولا يرى لمجده مثيل
جمله الله من الصفات
…
له سنا يسمو على الندات
ضرائب يعقلها التنبيه
…
ليس لها في كرم تشبيه
بدمعة سارت كما الأمثال
…
لما بدت في حلية الكمال
أثبت في محدح سنا علياه
…
بيتين تعلو بهما الجباه
رمزهما كالدر في الأسلاك
…
أو النجوم الزهر في الأفلاك
شم برق أول ثالث يتم
…
ما كان من فحواه عنك بالكتم
بخامس ثانيهما إن عدا
…
أوفاك ما قد كان منه بدا
تاها بما جاء من المديح
…
وأعجزا ذا اللسن الفصيح
رواهما من خص بالإعياء
…
منتحل الفطنة والذكاء
هان بما حاز من الكلام
…
جواهر الجوهر في النظام
أقبل عليهما بوجه كالقبس
…
وأقرأ ألم نشرح ولا تقرأ عبس
يا خير قادم بخير طارف
…
وتالد منسحب المطاوف
أنت الذي عندك دون العرض
…
مالك ما اسخى امرؤ في الأرض
ليس عن الإتقان فيه تلهو
…
ولا عن الراجي نداك تسهو
ظن لك الحمد ذوو البأساء
…
معاد في ملابس النعماء
نولك الله من العلياء
…
فوق الذي تروم من رجاء
مهنئاً بنعم الخلاق
…
مجملا بأحسن الأخلاق
لا تشتكي من حادث يضجر
…
ولا على صفوك ما يكدر
بدولة مصحوبة الآلاء
…
بأحسن المدح مع الثناء
لا ينقضي لدورها أزمان
…
ولا كمالها له نقصان
ليس لها في سعدها مثيل
…
ولا يرى لغيرها عديل
وقد التزم السيد عبد الرحيم - رحمه الله تعالى - في هذه الأرجوزة التزاماً عجيباً، ورمزها رمزاً غريباً، وهو أنه تبدأ من أول بيت فيها فتعد ثلاثة أبيات وتأخذ أول البيت الثالث، ثم تعد كذلك ثلاثة وتأخذ أول الثالث، حتى تنتهي إلى آخر الأبيات وتكرر مرة ثانية عليها في العدد كذلك، ثم تجمع الحروف، فيخرج منها هذا البيت:
رأيت بحضرة الملك ابتهاجاً
…
به انبسطت من البشرى ظلال
ثم تبدأ من أول بيت منها فتعد خمسة أبيات وتأخذ آخر البيت الخامس، ثم تعد كذلك خمسة وتأخذ آخر الخامس وهكذا كما تقدم وتجمع الحروف فيخرج منها هذا البيت:
فرحت مسايلاً عنها فقالوا
…
لحضرة مجدها وافي الكمال
قال ابن الحنبلي: وهذان البيتان كان غير السيد قد مدح الممدوح بهما بالقاهرة، فاطلع عليهما السيد فأدرجهما في أبياته قلت: لكن في قول السيد رحمه الله تعالى في الأرجوزة:
أثبت في مدح سنا علياه
…
بيتين تعلو بهما الجباه