الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكف أحمد العادة في آخر عمره، ومات قبل التسعمائة، وأما تلميذه الشيخ عمر الشروقي صاحب الترجمة فمات بقرية سوم من أعمال إربد في سنة أربعين وتسعمائة أو قبلها بسنة رحمهم الله تعالى.
عمر التنائي
عمر الشيخ العلامة زين الدين التنائي المالكي المصري، توفي في سنة سبع وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الثاني منها.
عمر العبادي
عمر الشيخ الإمام العلامة سراج الدين العبادي، الشافعي المصري المقيم بالبرقوقية من الصحراء، خارج باب القاهرة، كان على قدم عظيم في العبادة والزهد والورع والعلم وضبط النفس، وكان يقول مذهب الشافعي نصب عينه، وشرح قواعد الزركشي في مجلدين أخذ عن سميه وبلديه الشيخ سراج الدين العبادي الكبير، وعن العلامة شمس الدين الجوجري، وشيخ الإسلام يحيى المناوي، وغيرهم وأجازوه، وكان مجاب الدعوة، ولما حج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح، فدخلها وزار، ثم خرج وعادت الأقفال كما كانت، ومات في نيف وأربعين وتسعمائة.
عمر العقيبي
عمر الشيخ العارف بالله تعالى، المربي المسلك زين الدين الحموي الأصل، ثم العقيبي الدمشقي الشافعي المعروف بالإسكاف، كان في بداءته إسكافاً يصنع النعال الحمر، ثم صحب الشيخ علوان الحموي، وبقي على حرفته غير أنه كان ملازماً للذكر أو الصمت، وكان يتقن صناعته فإذا جاء من يطلب نعلاً ناوله واحدة، وهو مشتغل بالذكر فإذا وجد الطالب صالحاً وساومه، ولم يرد عليه فيبادر بعض جيرانه، فيجيب عن الشيخ عمر ويقول بيعه بكذا وكذا، لا أزيد من ذلك، ولا أنقص، فإن كان قد أعجبك فضع ثمنه وإلا فدعه، ثم غلبت عليه الأحوال فترك الحرفة، وأقبل على المجاهدات، ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان حتى أمره أن يذهب إلى دمشق، ويرشد الناس، وكان كثير المجاهدات شديد التقشف ورعاً، وكان أمياً لكنه ببركة صدقه، فتح الله تعالى عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء، وكان مدة إقامته بدمشق يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة، ويقيم فيها ثلاثة أيام بحماة، ثم يرجع ولما مات شيخه خرج لتعزية ولديه
وزيارته، ثم عاد إلى دمشق وبقي على عادته من زيارة شيخه كل سنة مرة بعد موت شيخه، حتى لحق به، وكان في بداءته ينظر بستاناً بحماة وفيه العنب والتين، وكثير من أنواع الفواكه، فيقطفون العنب وغيره، ويبيت في البستان فيصبح وعليه الندى فيكتسي بذلك حسناً فلا يلتفت إليه، ولا يعرج عليه ولا يأكل منه حبة واحدة وبقي على ذلك سنين، كما قرأت ذلك بخط الشيخ موسى الكناوي، وذكر أنه سمع ذلك من لفظ الشيخ عمر قال: وسمعته مرة يقول كنت مرة أنظر في بستان، وكان أيام الدراقن الخواجكي، وكنت أقطف من ذلك لصاحبه، ويبيت في الإناء فيصبح وعليه الندى فتتوق نفسي إليه فأمنعها، وكذلك كنت أفعل مع نفسي في جميع الفواكه انتهى.
قلت: وكذلك كان يعامل أصحابه ومريديه بالمجاهدات الشاقة. على النفوس، وكان ربما أمر بعضهم فيركب على بعير ويعلق في عنقه بعض الأمتعة، ويأمر آخر أن يقود به البعير، وهما يجهران بذكر الله تعالى كما هو المشهور من طريقته، وبلغني أن أتى بعض أصدقائه ذات يوم إلى بستانه، فذهب وذهب معه الفقراء، فلما دخل من باب البستان وجد ساقية ماء، فشرب منها وأمر الفقراء أن يشربوا من الماء فشربوا، ثم قال: كل ما في البستان أصله من هذا فقد أخذنا كفايتنا منه، فارجعوا فرجع ورجعوا معه، ولم يتناولوا من فاكهة البستان شيئاً، وبلغني أن إنساناً جاء إليه يطلب الإرشاد، والتزمه فأمره أن يعترف بين يديه بظلامات الناس ليأمره بالتوبة منها، والتحلل، وكيف يتوب ويخرج من المظالم، فاعترف بين يديه بقتل إنسان عمداً فقال له: لا بد أن تعترف لأوليائه وتطلب منهم العفو، فإن عفوا كان طريقك مبيناً على أمر صحيح، وإن اقتص منك خرجت من عهدة الجناية في الدنيا باستيفائهم منك ما لهم عليك من القصاص والصبر على القصاص في الدنيا أهون من الصبر على عذاب الآخرة، ففعل واعترف عند أولياء القتيل، فامسكوه وضيقوا عليه، واستعدوا عليه عند الحاكم، ثم لما بلغهم قصته مع الشيخ عمر عفوا عنه، ووهبوه له، ومر بعض الأيام على أحد فقرائه، فاشرف عليه فوجد نظره طامحاً إلى غلام جميل الصورة فجاء الشيخ حتى حاذاه، وأوقع بصره عليه ففطن الرجل أن شيخه أشرف عليه، فخجل وقال يا سيدي: ما وقفت هنا إلا أتعجب من صانع هذه الخلقة الشريفة، ومصور هذه الصورة البديعة، يا سيدي ما أحسن تلويز عينيه، وحمرة خديه وبياض وجهه، وكذا وكذا فقال له الشيخ: رحمه الله تعالى انظر إلى زنجي أسود شديد السواد على رأسه طرطور، والناس يضحكون منه يا كذاب، وهلا تعجب من خلقة هذا الأسود، وتعجبت من شدة سواد بدنه، وشدة بياض أسنانه، وطالعت صنعة الله فيه من غير أن يكون للشرع عليك إنكار فيه بخلاف نظرك في هذا الأمرد الجميل، فإنك ممنوع منه شرعاً، وكيف يكون طريق الله فيما حرمه الله
تعالى، وصحب الشيخ عمر رجل رافضي، وطلب منه أن يكون من فقرائه، فقبله الشيخ على ما فيه من عوج، فلما طالت صحبته مع الشيخ توهم الشيخ فيه الصدق قال له الشيخ يوماً: يا فلان خطر لي أن أزور غداً جبل قاسيون، ولا يكون معي غيرك، فجئني في غد مبكراً، فلما أصبح غداً على الشيخ فخرج الشيخ عمر من زاويته، والرجل معه حتى كان في أثناء الجبل أظهر الشيخ عمر الإعياء والعجز عن المشي والحركة، حتى تحير الرجل في أمره، وقد قرعتهما الشمس فقال الرجل: غرقنا يا سيدي أنا أحملك على ظهري فقال له الشيخ: أكلفك وأخاف المشقة عليك لكن ما بقي لي مجال للمشي، ولا خطوة، ثم قعد الرجل، وحمل الشيخ على ظهره، فمشى به خطوات وأعيى ووقف فقال له الشيخ: ما بالك. قال: يا سيدي أعييت حتى أستريح، فلما تحقق ذلك الشيخ منه قال له: يا هذا اشتهر عند الناس أن الرافضة حمير اليهود، ويركبونهم يوم القيامة على الصراط، ويكبكبون جميعاً في النار وأنت الآن تدعي صحبتي، وعجزت عن حملي في هذا الطريق الواسع، فبالله عليك إن كان في قلبك شيء من البدعة، وبغض الشيخين، فارجع عنه وتب إلى الله تعالى، فبكى ذلك الرجل بكاء شديداً، واعترف ببدعته وأقلع إلى الله تعالى منها، وصار يثني على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بعد ذلك وصار من مريدي الشيخ حقيقة بعد ذلك ووقائع الشيخ عمر كثيرة، ولطائفه في سلوكه وتشكيته الخواطر شهيرة، ومن لطائف ما اتفق للشيخ محمد الزغبي المجذوب، وكان من جماعته الملازمين له مدة أن الزغبي كان يجلس في مجلس الشيخ عمر، والخواطر تشكى إليه، والزغبي ساكت لا يشكو إليه خاطراً، فقام في بعض الأيام رجل من الفقراء فقال للشيخ عمر: يا سيدي خاطر فقال له الشيخ: قل لي: قال: ما بال الشيخ محمد الزغبي لم يشك إليك خاطراً قط فقال الشيخ: والله ما أدري ولكن قولوا له، ثم قال له: الشيخ يا محمد يا زغبي لماذا لا تشكو إلينا كما تشكو الفقراء، فقام الزغبي فقال يا سيدي: خاطر فقال الشيخ عمر: قل لي فأنشد الزغبي:
ويأبى علي الشكوى إليك مذلة
…
واش تنفع الشكوى لمن لا يزيلها
وكان للشيخ عمر ولدان، أحدهما علي والآخر محمد، فكناه بأحد ولديه فقال الشيخ عمر لذلك الرجل الذي شكى الخاطر في سكوت الزغبي، هذا جواب خاطرك، ولو سكت عنه كان خيراً لك، ولنا وكان عيسى باشا كافل المملكة الشامية، يعتقد الشيخ عمر اعتقاداً زائداً، وكان سبب اعتقاده فيه فيما بلغني أنه امتحنه فبعث إليه ثمانين ديناراً ذهباً، فردها عليه وقال: نحن في كفاية وغنية عنها، ولا يجوز لنا تناولها إلا مع الاضطرار، ولا إضطرار لنا، فكان ذلك سبب اعتقاده وكان يتردد إليه في كل جمعة مرة أو مرتين، ويشكو إليه الخواطر، وأخذ عنه