الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: وقد كان اجتمع بي، وبوالدي شيخ الإسلام في مصر، ثم في الشام، ووقع بيني وبينه مفاوضة، ومذاكرة، ومباحثة، ومحاورة مع اذعانه لما أذكر، وقبوله لما أقول، وهو يدعو لي ويشكر، وعلى الله تعالى القبول، انتهى ومن لطائف القاضي جابر متغزلاً مورياً باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب:
سللن سيوفاً من جفون لقتلتي
…
وأردفنها من هدبها بخناجر
فقلت أيفتى في دمي قلن لي أجل
…
أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجر
وكانت وفاته في يوم عرفة سنة أربعين وتسعمائة، بعد وفاة الشيخ شهاب الدين الهندي، بأشهر فقال ابن الحنبلي يرثيهما:
توفي شيخنا الهندي في رحب رمسه
…
ففاضت دموعي من نواحي حناجري
ومن بعده مات الإمام الخناجري
…
وبان فكم من غصة في الحناجر
وصلي عليه غائبة في الجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة خامس المحرم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد الحنفي
محمد بن محمد المولى العلامة محيي الدين ابن بير محمد باشا الحنفي، أحد موالي الرومخ، قرأ على والده، ثم خدم المولى ابن كمال باشا علاء الدين الجمالي، وصار معيداً لدرسه، ثم درس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضي أدرنة، ومات قاضياً بها، وكان عالي الهمة، رفيع القدر، له أدب، ووقار، وحظ وافر، من العلوم المتداولة توفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
محمد بن محمد بن مغوش
محمد بن محمد الشيخ الإمام، المحقق المدقق، العلامة الملقب، بمغوش - بمعجمتين - التونسي المالكي، اشتغل على علماء المغرب، وسمع الصحيحين، والموطأ، والترمذي، والشفاء وقرأ البعض من ذلك على الشيخ العلامة الصدر الكبير المعمر، أبي العباس أحمد الأندلسي المعروف، بالمشاط، وسمع
صحيح البخاري، وصدر مسلم على ولي الله الشيخ أبي عبد الله أحمد البكي المغربي، بحق روايته لذلك عن شيخ الإسلام، ابن حجر المصري، وفضل في بلاده، وبرع، وتميز، وولي قضاء عسكر تونس، في دولة سلطانها مولاي حسن بن محمد بن عثمان بن المنصور بن عبد العزيز الحفصي، ثم قدم من طريق البحر، إلى القسطنطينية، في دولة السلطان سليمان خان بن عثمان خان، فعظمه، وأكرم مثواه، ورتب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى صار قاضياً للعسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظماً مبجلاً، نشر الفوائد، وحرر الفرائد، وأملى بها أمالي على شرح الشاطبية للجعبري، إلى أثنائه، وكان مسكنه بها في عمارة الوزير محمود باشا، ثم استأذن من السلطان، في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم، وشدة بردها فأذن له في الرحلة إليها، وأمر أن يستوفي ما عين له، من العلوفة من خزنتها، فتوجه إلى البلاد المصرية، من طريق البر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، فدخل حلب وانتدب للقراءة عليه، والأخذ عنه جماعة، من أهلها منهم ابن الحنبلي، وقرأ عليه في العضد دروساً، ثم توعك بها، وعوفي، ثم سافر من حلب في صحبته الشمس الطبلي ودخلا طرابلس، وأقام بها مدة وانتفع به، أهلها في النحو وغيره، ثم رحلا منها إلى دمشق فدخلاها يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى من السنة المذكورة، ونزل بجامع تنكز، ثم انتقل إلى بيت القاضي زين الدين معروف الصهيوني الشافعي، داخل دمشق فاجتمع به أفاضلها، وشهدوا له بالعلم، والتحقيق خصوصاً في التفسر، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراءات، والمعاني، والبيان وقالوا: لو يرد إلى دمشق من مستحضر كلام السعد التفتازاني، والسيد الشريف، ويقرره، وما يرد عليه، وقرأ عليه الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي، في أوائل تفسير القاضي البيضاوي، فأفاد وأجاد إلى الغاية، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض شرح آداب البحث للمسعودي، وقرأ عليه الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراءات، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من السنة المذكوره، وودعه جماعة من الطلبة إلى داريا وألف تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي مؤلفاً في تاريخ سفره، بالكسور العددية، وسماه السكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش، وقال ابن الحنبلي في ترجمته، كان عالماً علامة متفننا مفننا، ذا ادراك عجيب، واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أن يقريء مثل العضد المرة بعد المرة، من غير مطالعة، قال ولده محمد: وكان من عادته الاستلقاء على القفا، ولو حالة التدريس، وعدم النهوض لمن ورد عليه، من الأكابر إلا لبعض الأفراد، وقليل ما هم كل ذلك لما كان عنده من حب الرفاهية، والراحة، والانبساط، والشهامة، انتهى.
وقال صاحب الشقائق: بعد أن ذكر أنه أخذ عن الشيخ مغوش، وقرأ عليه، وبحث معه، كان رحمه الله تعالى آية كبرى، من آيات الله في الفضل والتدقيق، والحفظ، والتحقيق، وكان يقريء القرآن العظيم للسبعة، بل للعشرة، من حفظه بلا مطالعة كتاب، وكان يعرف علم النحو، والصرف، في غاية ما يمكن، وكان شرح التلخيص، مع حواشيه، للسيد في حفظه، من أوله إلى آخره، مع تحقيقات، وتدقيقات زائدة، من عنده وكذا شرح الطوالع للأصفهاني، وشرح المواقف للسيد الشريف، كانا محفوظين له مع اتقان، وتدقيق، وكذا شرح المطالع للعلامة قطب الدين الرازي، كان في حفظه من أوله إلى آخره، وكانت قواعد المنطق محفوظة، له بحيث لا يغيب منها شيء عن خاطره، وكذا التلويح في شرح التوضيح، وشرح مختصر ابن الحاجب للقاضي عضد الدين الأيجي، مع حواشيه في حفظه، ولم نجد شيئاً من قواعد علم الأصول إلا وهي محفوظة، وكذا الكشاف، مع حواشي الطيبي، كان محفوظاً من أوله إلى آخره، وبالجملة كان من مفردات الدنيا، إلى أن قال: ومع ذلك كان لين الجانب، طارحاً للتكليف، متصفاً بالأخلاق الحميدة، وكان مشتغلاً بتلاوة القرآن في أعم أوقاته، وكان يطالع في حفظه، كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب، ولا ورقة، أصلاً انتهى.
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما ذكره ابن الحنبلي، في تاريخه نقلاً عن تلميذ الشيخ مغوش البرهمتوسي الحنفي، وفي العشر الأواخر من شعبان سنة سبع وأربعين، وقيل ثمان وأربعين وتسعمائة، كذا قال ابن الحنبلي: قلت: والظاهر الأول لأن ابن طولون ذكر في تاريخه، أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق، يوم الجمعة سابع شوال، سنة سبع بتقديم السين وأربعين وتسعمائة، قيل: ومطر الناس يوم دفنه، وعمر عليه داود باشا نائب مصر، عمارة بجوار الإمام الشافعي وحدثنا شيخنا شيخ الإسلام، أقضى القضاة، المحب الحنفي، فسح الله في مدته، أنه قرأ على قبره ما نصه:
أيا ملك العلماء يا من
…
به في الأرض أثمر كل مغرس
لئن أوحشت تونس بعد بعد
…
فأنت لمصر ملك الحسن تونس
قلت: ولقد أحسن الشيخ محمد الفارضي المصري في قوله يرثيه:
تقضى التونسي فقلت بينا
…
يروح كل ذي شجن ويونس
أتوحشنا وتونس بطن لحد
…
ولكن مثل ما أوحشت تونس
ورثاه ابن الحنبلي، لما بلغه وفاته بقصيدة قال فيها:
أدخل في ظل عفوه الأحد
…
من لا يداني مثله أحد
عالم إقليم تونس حرست
…
من فرقة للضلال تعتقد
ومن تولى قضاء عسكرها
…
فما تولى عن معدم مدد
وانتشرت للورى فواضله
…
فما لها مثل فضله عدد
وكان بحراً بجوفه درر
…
روية لا تزال تتقد
ومن علوم غدت لفرقته
…
ذات أمس ليس دونها جلد
فاللغة اختل نظم مجملها
…
كأنما خان روحها الجسد
والنحو ما زال باب ندبته
…
يبكى عليه لفرط ما يجد
والشعر لولا رثاؤه انقطعت
…
أسبابه بل ولم يكن وتد
ذو دقة في البيان منشاها
…
فرط ذكاء وفطنة تقد
ومنهل في البديع باذله
…
حلو، وأين النبات والبرد
ذو قدم في الأصول راسخة
…
بكى لفقدان مثلها العضدخ
وذو كلام عدت طوالعه
…
عوادياً حين عاد يفتقد
من مغرب الشمس شمسه بزغت
…
ثم اضمحلت بعكس ما نجد
توزن بالساعة التي، قربت
…
وأن أهل الكمال قد بعدوا