الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
المطلب الأول معرفة علم المتشابه من أسماء الرِّجال
يعتبر علم المتشابه من أسماء الرِّجال من ألطف علوم الحديث، وأعمقها ضربًا، وأعظمها فائدة للباحث، وكفى بهذا العلم شرفًا أنَّه لم يتقنه إلا الأفذاذ من نقاد الحديث، وقد عَرَّفه جمع من أئمة الحديث بمعرفَة مَا يُشْتَبه ويُتَصَحَّف من الأَسْمَاء والأنساب، والكُنَى والألقاب، وقسموه على قسمين (1):
الأول: المُتَّفِق والمُفْتَرِق وهو الأسماء والأنساب التي وردت في الحديث متفقة متماثلة وإذا اعتبرت وجدت مفترقة متباينة (2) في حقيقة أمرها، وقال الحافظ ابن حجر في النزهة: "إِنِ اتفقتْ أَسماؤهم وأَسْماءُ آبائِهِمْ فَصاعِداً، واختلفتْ أَشْخَاصُهُمْ، سواءٌ اتَّفَقَ في ذلك اثنان منهم أو أكثر، وكذلك إذا اتفق اثْنانِ فصاعِداً في الكُنيةِ والنِّسبةِ فهُو النَّوعُ الذي يُقالُ لهُ: المُتَّفِقُ والْمُفْتَرِقُ (3). وهذا النَّوع له صور مختلفة نمثل لبعضها:
1 -
من اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم مثل: أَحْمَد بن إِسْحَاقَ ثلاثة رجال سموا بذلك من رجال الكتب السِّتَّة وهم: السُرْمَارِي، والحَضْرَمِيُّ، والأَهْوَازِيُّ.
2 -
أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم مثل: أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن عَلِيّ رَجُلان سموا بذلك وهما: الْمَنْجُوفِيُّ، والمِصِّيْصِيُّ.
3 -
أن تتفق الكنية والنسبة معاً مثل: أَبُو الْحَكَمِ العَنْزيُّ رَجُلان: الأول: زيد بن أبي الشعثاء البَصْرِيُّ، والثاني: سَيَّار الوَاسِطِيُّ.
(1) مقدمة ابن الصلاح (ص 344 - 362)، والتقريب للنووي (ص 106 - 112).
(2)
كذا عَرَّفه الخطيب البغدادي في كتابه المُتَّفِق والْمُفْتَرِق (1/ 105).
(3)
ابن حجر العسقلاني: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص 129).
4 -
أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة مثل: محمد بن عبد الله الأَنْصَارِيّ رجلان: الأول: أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن المثنى البصري، والثاني: أبو سلمة محمد بن عبدالله ابن زياد الأنصاري مولاهم البصري.
5 -
أن تتفق الكُنَى وأسماء الآباء مثل: أَبُو بَكْرٍ بن عَيَّاشٍ رَجُلان: الكُوفِيُّ المُقْرِئُ، والبَاجُدَّائِيُّ الرَّقِّيُّ.
ولم يُصَنَّفْ في هذا النَّوع إلا مصنفات قليلة فيما أعلم أشهرها كتاب المُتَّفِق والمُفْتَرِق للخطيب البغدادي، وكان شرطه كما بيَّنَهُ في كتابه فقال:"وإني لم أذكر في كتابي هذا إلا ما حفظته عمن يُوثَقُ به من قدماء أسلافنا وأئمة حُفَّاظنا وعلمائنا وقد جعلت الأسماء مرتبة على نسق حروف المعجم؛ لأَنِّي رأيت ذلك أصوب وأجمل ومتى أُرِيدَ شيء منها كان طلبه أقرب وأسهل"(1). ثم قام ابن حجر بتلخيص كتاب الخطيب ولم يكمله، كما بينت ذلك بالمقدمة في دراسات سابقة جميع ما وجدت من تصنيفات في هذا النَّوع (2).
والثاني: مشتبه مِمَّا اتّفَق خَطًّا، وَاخْتلف نُطقًا، وَيَاتِي غالبه فِي الأَسَانِيد والمرْويَّات والذي يسمى بعلم الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وهذا النَّوع له صور كثيرة نمثل لبعضها:
1 -
ما ائتَلَفَتْ صورة حروفه واختلفت في الشَّكل مثل: سَلَام بتسهيل اللام وسَلَّام
…
بالتشديد، أو كعَقِيل -بفتحِ العينِ- وعُقَيْل -بضمها-، وهكذا.
2 -
ما ائتَلَفَتْ صورة حروفه واختلفت في إعجامها مثل: سِرَاج بالجيم المُعجمةِ وسِرَاح بالحاءِ المُهملةِ، أو كشُرَيْح بالشِّينِ المُعجمةِ والحاءِ المُهملةِ وسُرَيْج بالسِّينِ المُهمَلَةِ والجيمِ.
(1) الخطيب البغدادي: المُتَّفِق والْمُفْتَرِق (1/ 105).
(2)
الدراسة (ص 3 - 5).
3 -
ما ائتَلَفَتْ صورته واختلف في حروفه مثل: زُنَيْر -آخِرُ الْحُرُوفِ رَاءٌ-، وزُنَيْن آخِرُ الْحُرُوفِ نونٌ، أو كجُبَيْرٍ -بالجيم المُعجمةِ والباء الموحدة وياء تحتانيَّةٌ، وآخِرُ الْحُرُوفِ الراء- وحُنَيْنٍ بالحاء المهملة ونون وياء تحتانيَّةٌ وآخِرُ الْحُرُوفِ النون.
وهذا المتشابه المتماثل في الصورة من أدق مَا يشْتَبه في المخطوطات؛ لاسيما في القديمة منها والتي كانت غير منقوطة، وقد كثر التصنيف في هذا النوع من المشتبه فكان أهم ما صُنِفَ فيه كتاب المشتبه والمختلف (1) للْحَافِظ عبدالْغَنِيّ بن سعيد الأَزْدِيِّ (ت: 409 هـ) ثم اختصره الإمام الذَّهَبِيّ رحمه الله (ت: 748 هـ) في كتاب الْمُشْتَبَه فِي الرِّجَال، أَسمائهم وأنسابهم سنة ثَلاث وَعشْرين وَسبع مئة هجرية (2)، لَكِن اختصاره كان في غاية المبالغة كما صرح الإمام الذَّهَبِيّ نفسه في مقدمة المختصر (3) بقوله أنَّه يُحِيل كذلك فِيهِ على ضبط الْقَلَم إِلا فِيمَا يصعب وَيشكل فقيده وأشكله بالحروف. ثم قام عدة من علماء الحديث بالتذليل والتعقيب عليه والتوضيح له نذكر منها:
1 -
توضيح المشتبه: لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن ناصر الدين الدِّمشقي (ت: 842 هـ)(4)، وهو من أفضل المصنفات في هذا الباب
(1) وله مسمى آخر هو: المختلف والمؤتلف انظر كشف الظنون (2/ 1637)، وهو مخطوطة مصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت رقم 397، تاريخ (بعثة المغرب الثانية).
(2)
انظر توضيح المشتبه لابن ناصر الدين (1/ 115)، وكشف الظنون (2/ 1691)، والرسالة المستطرفة (ص 118)، وهداية العارفين (2/ 155).
(3)
توضيح المشتبه لابن ناصر الدين (1/ 116).
(4)
كشف الظنون (2/ 1691)، والرسالة المستطرفة (ص 119)، وهداية العارفين (2/ 193).
لاشتماله على فَوَائِد المشتبه، ونفائس مصنفات من سبق، بالإضافة لتحقيق وتدقيق الحافظ ابن ناصر الدين، مطبوع مؤسسة الرسالة، بيروت سنة 1993 م، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي.
2 -
الإعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام: لابن ناصر الدين الدِّمِشْقِي (1)، وهو مجرد من كتاب توضيح المشتبه له، مطبوع في مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة سنة 1407 هـ، تحقيق عبد رب النبي محمد.
3 -
تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت: (852 هـ)(2)، وهو كتاب غاية في التدقيق والإتقان مع زيادات، مطبوع في المكتبة العلمية، بيروت، تحقيق: علي محمد البجاوي، مراجعة: محمد علي النجار.
(1) الرسالة المستطرفة (ص 119).
(2)
كشف الظنون (1/ 339)، (2/ 1691)، والرسالة المستطرفة (ص 119)، وهداية العارفين (2/ 563).