الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني معرفة الكُنَى للرُّواة
مَعرفة أَصْحَابِ الْكُنَى من الْمُحَدِّثِينَ من أنفع المهمات في علم الحديث؛ ولأَنَّ الجهل به عَيْبٌ للمُحَدِّث؛ لهذا اهتمَّ علماء الحديث بمعرفة الكُنَى اهتماماً بالغاً فأفرد بعضهم كُنَى الرُّواة في مصنفات كبيرة، مُلِئت بالدُّرر والفوائد التي لا يَسْتَغْنِي عنها المنتهي فضلاً عن المبْتدي، والكُنْيَة في اللغة: كَنَّى: كَنْيَتُ عن الأمر، إذا تكلمت بغيره مما يُسْتَدَلُّ به عليه، ولذلك تُسمى الكنية كأنَّها تورية عن الاسم (1). وهي ما صُدِّرَ بأَبٍ أو أُمٍ أو ابن أو بنت على الأصح في الأخيرين. وأما في الاصطلاح: فعرفها الْخَطِيبُ في الجامع لأخلاق الرَّاوي فقال: " جَمَاعَةٌ اكْتَفَى الرُّوَاةُ عَنْهُمْ بِذِكْرِ كُنَاهُمْ دُونَ أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ لِغَلَبَتْهَا عَلَيْهِمْ وَاشْتِهَارِهِمْ بِهَا وَالأَمْنِ مِنْ دُخُولِ اللَّبْسِ فِيهَا"(2).
وللكُنْيَةِ عند أهل الحديث صور كثيرة نشير إليها إجمالا دون تفصيل (3):
1 -
الَّذِينَ سُمُّوا بِالْكُنَى، فَأَسْمَاؤُهُمْ كُنَاهُمْ، لا أَسْمَاءَ لَهُمْ غَيْرُهَا وَيَنْقَسِمُ هَؤُلاءِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأول: مَنْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى سِوَى الْكُنْيَةِ الَّتِي هِيَ اسْمُهُ، فَصَارَ كَأَنَّ لِلْكُنْيَةِ كُنْيَةً، وَهَذَا كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ (4)، أَحَدِ فُقَهَاءِ
(1) ابن فارس: في مجمل اللغة (1/ 771)، وابن الأثير: في النهاية (4/ 207).
(2)
الْخَطِيب: الجامع لأخلاق الرَّاوي وآداب السامع (2/ 77).
(3)
خلاصة كلام ابن الصلاح (ت: 643 هـ) في معرفة أنواع علوم الحديث (ص 330 - 335).
(4)
بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وضم الزَّاى وفي آخرها الميم، هذه النسبة إلى قبيلتين، إحداهما تنسب إلى مخزوم بن عمرو، والأخرى إلى مخزوم قريش، وهو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب. كما في الأنساب للسمعاني (2/ 135 - 136).
الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، يُقَالُ إِنَّ اسْمَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
الثَّانِي: مِنْ هَؤُلاءِ: مَنْ لا كُنْيَةَ لَهُ غَيْرُ الْكُنْيَةِ الَّتِي هِيَ اسْمُهُ، مِثَالُهُ: أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ (1)، الرَّاوِي عَنْ شَرِيكٍ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا أَبُو حَصِينِ بْنُ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ.
2 -
الَّذِينَ عُرِفُوا بِكُنَاهُمْ، وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ وَلا عَلَى حَالِهِمْ فِيهَا، هَلْ هِيَ كُنَاهُمْ أَوْ غَيْرُهَا؟ مِثَالُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَبُو أُنَاسٍ الْكِنَانِيُّ رضي الله عنه (2)، وَأَبُو شَيْبَةَ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه (3).
3 -
الَّذِينَ لُقِّبُوا بِالْكُنَى، وَلَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ كُنَى وَأَسْمَاءٌ، مِثَالُهُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، يُلَقَّبُ بِأَبي تُرَابٍ، وَيُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ. وأَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ، كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَأَبُو الزِّنَادِ لَقَبٌ، وَكَانَ عَالِمًا مُتْقِنًا.
4 -
مَنْ لَهُ كُنْيَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، مِثَالُ ذَلِكَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ، كَانَتْ لَهُ كُنْيَتَانِ: أَبُو خَالِدٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ، أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ، رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْقَاسِمِ، فَتَرَكَهَا وَتَكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
(1) بفتح الألف وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وكسر الراء، هذه النسبة الى أشعر وهي قبيلة مشهورة من اليمن، كما في الأنساب للسمعاني (1/ 266).
(2)
بكسر الكاف وفتح النون وكسر النون الثانية هذه النسبة إلى عدة من القبائل، منها أبو قرصافة جندرة بن نفير الكناني من قريش، كما في الأنساب للسمعاني (11/ 151).
(3)
بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة والراء في آخرها، هذه النسبة إلى خدرة، واسمه الأبجر ابن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة، قبيلة من الأنصار، كما في الأنساب للسمعاني (5/ 60)، وانظر إلى جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص 362).
5 -
مَنِ اخْتُلِفَ فِي كُنْيَتِهِ، فَذُكِرَ لَهُ عَلَى الاخْتِلافِ كُنْيَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَاسْمُهُ مَعْرُوفٌ، مِثَالُهُ: أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنه، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو زَيْدٍ، وَقِيلَ: أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَبُو خَارِجَةَ. وكأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قِيلَ: كُنْيَتُهُ أَبُو الْمُنْذِرِ، وَقِيلَ: أَبُو الطُّفَيْلِ.
6 -
مَنْ عُرِفَتْ كُنْيَتُهُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، مِثَالُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ رضي الله عنه (1)، اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ مِثْلُهُ فِي اسْمِ أَحَدٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهِ نَحْوَ عِشْرِينَ قَوْلَةً فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، ورَجَّح أن يكون اسْمه عَبْدَ اللَّهِ أَوْ عَبْدَالرَّحْمَنِ، وَذُكِرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ: أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ اسْمَهُ عَامِرٌ، وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّ اسْمَهُ الْحَارِثُ.
7 -
مَنِ اخْتُلِفَ فِي كُنْيَتِهِ وَاسْمِهِ مَعًا، وَذَلِكَ قَلِيلٌ، مِثَالُهُ: سَفِينَةُ رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ: اسْمُهُ عُمَيْرٌ، وَقِيلَ: صَالِحٌ، وَقِيلَ: مِهْرَانُ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ: أَبُو الْبَخْتَرِيِّ.
8 -
مَنْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي كُنْيَتِهِ وَاسْمِهِ، وَعُرِفُوا جَمِيعًا وَاشْتَهَروا، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ مَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (2)، وَأَبُو حَنِيفَةَ، النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ، فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ.
(1) بفتح الدال المهملة وسكون الواو وكسر السين المهملة، هذه النسبة إلى قبيلة دَوْس، كما في الأنساب للسمعاني (5/ 401)، وانظر إلى جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص 386).
(2)
بفتح الثاء المنقوطة بثلاث وفي آخرها الراء، هذه النسبة الى بطن من همدان وبطن من تميم، كما كما في الأنساب للسمعاني (3/ 152).
9 -
مَنِ اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ، وَاسْمُهُ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ مَجْهُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، مِثَالُهُ: أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ، اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ (1) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله.
هذا وقد صَنَّف الأئمة في هذا النَّوع من علم الحديث مصنفات قَيِّمة وكان منهجهم إيراد كُنَى الرُّواة وأسمائهم وأنسابهم وشيوخهم وتلامذتهم. وما يتعلق بهم من جرح وتعديل، وربما ذكروا أحاديثهم، ومن أشهر هذه المصنفات:
1 -
الأَسَامِي والكُنَى للإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ (ت: 241 هـ) رِوَايَة ابْنه صَالح، طبعة: مكتبة دار الأقصى، الكويت الطبعة الأولى، 1406 هـ، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، جزء واحد.
2 -
الكُنَى والأسماء للإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ)، طبعته: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1404 هـ تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، عدد الأجزاء:2.
3 -
الكنى والأسماء لأبي بِشْر محمد بن أحمد الدُّولابِيِّ (ت: 310 هـ)، طبعة: دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، عدد الأجزاء:3.
4 -
كتاب الكُنَى لمن لا يعرف له اسم من أصحاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم، لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي (ت: 374 هـ)، طبعة: الدار السلفية، بومباي الهند، الطبعة الأولى 1410 هـ، تحقيق: إقبال أحمد بن محمد بسكوبري، جزء واحد.
(1) بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وفي آخرها العين المهملة، هذه النسبة إلى سبيع وهو بطن من همدان، كما في الأنساب للسمعاني (7/ 68).
5 -
فتح الباب في الكُنَى والألقاب، لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مَنْدَةَ (ت: 395 هـ)، طبعة: مكتبة الكوثر، الرياض، الطبعة الأولى، 1417 هـ، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، جزء واحد.
6 -
الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف، لأبي نصر علي بن هبة الله بن جعفر بن ماكولا (ت: 475 هـ)، طبعة: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الطبعة الأولى 1411 هـ، عدد الأجزاء:7.
7 -
المقتنى في سرد الكُنَى لأبي عبد الله محمد قَايْماز الذَّهَبِي (ت: 748 هـ)، طبعة: المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1408 هـ، تحقيق: محمد صالح عبد العزيز المراد، عدد الأجزاء:2.