الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحق القاعدة الرابعة
ذكرنا في الحاشية على القاعدة الرابعة أن هناك مسائل سنفصلها في الملحق وهي
1 -
دلالة المطابقة والتضمن والالتزام.
2 -
لازم المذهب.
3 -
هل لازم المذهب مذهب.
4 -
حلول الحوادث في الذات الإلهية.
أولاً: الدلالات:
الدلالة وأنواعها
ذكر المؤلف في القاعدة الرابعة أن دلالة (1) الأسماء على الذات والصفات تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام وهذا يحتاج إلى شرح فأقول:
ذكر المناطقة في كتبهم الدلالات وأنواعها، والدلالة تطلق على معنيين بالاشتراك
أحدهما: كون أمر بحيث يفهم منه أمر آخر
والمراد من الأمر الأول الدال، ومن الثاني المدلول، أي كون الدال بحيث يمكن أن يفهم منه المعنى سواء فهم بالفعل أو لم يفهم.
= فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها بل ينفون معاني أو يثبتونها ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر وهم لا يعلمون بالملازمة بل يتناقضون وما أكثر تناقض الناس لا سيما في هذا الباب وليس التناقض كفراً.
(1)
الدلالة مثلثة الدال والأفصح فتحها ثم كسرها وأردؤها الضم وهي مصدر سماعي لدل إذ قياس مصدر الفعل الثلاثي المتعدي فعل، بفتح الفاء وسكون العين كما قال ابن مالك:
فعل قياس مصدر المعدي
…
من ذي ثلاثة كرد رداً
انظر حاشية الصبان على شرح الملوي على السلم ص49، والغرر المثلثة للفيروز آبادي ص 288، ومذكرة الشنقيطي ص 11.
مثاله: إن أخوة يوسف عليه السلام زعموا أن الذئب أكله وأتوا بقميصه إلى يعقوب عليه السلام وعليه الدم الذي جعلوه على القميص إلا أنهم لم يشقوا القميص فعلم يعقوب بذلك كذبهم وقال متى كان الذئب حليماً ليناً يقتل يوسف ولا يشق قميصه فعدم شق القميص فيه دلالة على كذبهم إلا أنهم لم يفهموا هذه الدلالة.
الثاني: فهم أمر من أمر أي فهم المدلول من الدال أي فهم المعني من الدال بالفعل سواء أكان الدال لفظاً أم غيره
مثاله: فهم مسمى الاسم من اللفظ، وفهم جميع المسميات من فهم
المراد بأسمائها (1)
أنواع الدلالة
تتنوع الدلالة إلى نوعين:
النوع الأول: الدلالة اللفظية
النوع الثاني: الدلالة غير اللفظية
وكل نوع ينقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
1 -
وضعية
2 -
عقلية
3 -
طبيعية (عادية)
ويكون حاصل المجموع أنها ستة أنواع (2) ويمكن أن يكون على الجدول الآتي:
(1) شرح الباجوري على السلم المطبوع مع تقرير الأنبابي ص 30 والمنطق المفيد للبهنسي ص 14، ومذكرة الشنقيطي ص 12.
(2)
انظر حاشية شروح الشمسية (1/174) والكتاب جمع شروحاً وحواشي على الشمسية للرازي.
الدلالة
لفظية
…
غير لفظية
وضعية
…
عقلية طبيعية وضعية عقلية طبيعية
مطابقة تضمن التزام
الدلالة غير اللفظية
ذكرنا أن الدلالة غير اللفظية ثلاثة أقسام هي:
1 -
الدلالة الوضعية: كدلالة المفهمات الأربعة وهي: الخط والإشارة والعقد والنصب، وتسمى هذه بالدوال الأربعة (1)
والخط هو: النقوش الموضوعة لألفاظ مخصوصة بواسطة القلم (2)
والعقد هو: عقد الأصابع لبيان قدر العدد فهو يدل على قدر العدد وضعاً وليس باللفظ (3) .
والإشارة: تدل على المعنى المشار إليه وضعاً وليست لفظاً.
مثاله: إشارة الرأس على نعم وهو الإجابة، أو على معنى لا وهو عدم الإجابة (4) .
والنصب هو نصب الحدود بين الأملاك، ونصب أعلام الطريق (5) .
(1) مذكرة الشنقيطي ص 13 وحاشية الصبان على الأشموني على الألفية (1/20)
(2)
حاشية العدوى على شرح شذور الذهب لابن هشام (1/47)
وحاشية العطار على إيساغوجي ص25
(3)
مذكرة الشنقيطي ص 13
(4)
مذكرة الشنقيطي ص 13، وحاشية الدسوقي على شرح الخبيصي على تهذيب المنطق للتفتازاني (1/84)
(5)
مذكرة الشنقيطي ص13.
ملاحظة: النصب كغرف بضم الغين وفتح الراء وهي العلامات المنصوبة كالمحراب للقبلة وهي جمع نصبة كعقدة بضم العين وسكون القاف وفتح الدال أما النصب بضمتين فهي الأصنام (1) .
والدلالة الوضعية: هي التي تكون الملازمة فيها بين شيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أن وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني (2) .
2 -
…
الدلالة العقلية: كدلالة المصنوعات على صانعها، ودلالة الأثر على المؤثر (3) .
3 -
…
الدلالة الطبيعية أو العادية كدلالة صفرة الوجه على الوجل أي الخوف أو دلالة حمرته على الخجل أي: الحياء فإن من طبع الشخص أن تحدث له صفرة في وجهه عند الوجل، وحمرة في وجهه عند الخجل (4) كما قال القائل:
-
…
تفاحة جمعت لونين خلتهما *** خَدَّى محب ومحبوب قد اعتنقا
-
…
تعانقا فريا واش فراعهما *** فاحمر ذا خجلاً واصفر ذا فرقاً
وقال القائل
-إذا شكوت إليها الحب خفرها ** شكواي فاحمر خداها من الخجل (5)
الدلالة اللفظية
بعد أن ذكرنا أنواع الدلالة اللفظية، بقى أن نذكر أنواع الدلالة غير اللفظية
(1) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/15)
(2)
المنطق لمحمد المظفر ص 36
(3)
مذكرة الشنقيطي ص 13، حاشية الجرحاني على الشمسية المطبوعة مع مجموعة الشروح (1/175)
(4)
حاشية الدسوقي على شرح الخبيصي على تهذيب المنطق للتفتازاني (1/84)
(5)
مذكرة الشنقيطي ص13.
واللفظ لغة هو: مصدر بمعنى الرمي أي من الفم لا الرمي مطلقاً (1)
وفي عرف النحاة، صوت معتمد على مخرج من مخارج الفم محقق كاللسان أو مقدر كالجوف (2)
والدلالة اللفظية ثلاثة أنواع:
1 -
الدلالة العقلية: كدلالة اللفظ المسموع من وراء الجدار على وجود اللافظ (3) ، لأن اللفظ عرض لابد له عقلاً من جرم يقوم به وهو المتلفظ به (4)
2 -
الدلالة الطبيعية أو بالعادة (5) كدلالة أخ بالمعجمة على الحزن ودلالة أخ بالمهملة على وجع الصدر (6) ، ودلالة الصراخ على مصيبة نزلت بالصارخ (7) فإن طبع اللافظ يقتضي التلفظ بهذه الأشياء عند عروض ما يقتضيه (8)
ملاحظة: الطبع والطبيعة والطباع بالكسر السجية التي جبل عليها الإنسان (9)
والفرق بين الدلالة العقلية والطبيعية هو:
إن الدلالة العقلية تكون بين الدال والمدلول ملازمة لا تنفك كالأثر والمؤثر فإذا سمعنا صوت متكلم من وراء جدار علمنا بوجود متكلم ما.
(1) حاشية السجاعي على شرح قطر الندى ص 20.
(2)
فوائد النحو الوسيمة شرح الدرة اليتيمة لمحمد المالكي المكي ص 3
(3)
تحرير القواعد المنطقية لمحمود الرازي ص 29
(4)
حاشية الدسوقي على شرح الخبيصي على التهذيب ص 84
(5)
حاشية الصبان على شرح السلم للملوي ص51
(6)
حاشية الجرجاني على الشمسية (1/176)
(7)
مذكرة الشنقيطي ص 13
(8)
تحرير القواعد المنطقية للرازي ص 28.
(9)
حاشية السيالكوتي على الشمسية ص176.
أما الدلالة الطبيعية: فهي ما إذا كانت الملازمة بين شيئين ملازمة طبيعية يقتضيها طبع الإنسان وقد يتخلف ويختلف باختلاف طباع الناس فبعض الناس يقول أخ عند الألم وأف عند التضجر وتفرقة أصابعه عند السآمة لكن ليس كل الناس هذا طبعه (1)
3 -
الدلالة الوضعية: عرفنا أن الملازمة بين شيئين إذا كان عن طريق التواضع والاصطلاح يسمى بالدلالة الوضعية وعرفنا الدلالة الوضعية غير اللفظية أما الدلالة الوضعية اللفظية فهي:
كون اللفظ متى أطلق فهم منه معناه (2) أو هي كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلم العلم بالمعنى المقصود به (3)
وتنقسم هذه الدلالة إلى ثلاثة أقسام وهي:
الأول: دلالة المطابقة (4) : وهي دلالة اللفظ على المعنى الذي وضع له مثل دلالة الإنسان على الحيوان الناطق، ودلالة البيت على مجموع الجدار والسقف (5)
وأضاف بعضهم كالتفتازاني قيد التمام فقال: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له إلا أن العطار قد ذهب إلى أن قيد التمام غير ضروري في التعريف وإنما ذكر رعاية لما يقتضيه حسن التقابل مع الشق الثاني وهو التضمن
الذي
(1) المنطق لمحمد المظفر ص 36
(2)
تحرير القواعد المنطقية ص 29
(3)
المنطق لمحمد المظفر ص37
(4)
الإضافة فيها من إضافة المصاحب إلى المصاحب، أو هو على حذف مضاف أي دلالة ذي المطابقة أي اللفظ ذي المطابقة لمعناه
انظر حاشية الصبان على شرح الملوي على السلم ص 52.
(5)
البصائر النصيرية في علم المنطق لابن سهلان الساوي وبهامشة تعليقات محمد عبده ص 33، ومعيار العلم للغزالي ص 42.
يدل على جزء المعنى (1)
ودلالة المطابقة هي الدلالة الأصلية في الألفاظ التي لأجلها مباشرة وضعت لمعانيها (2)
ومن أمثلة دلالة المطابقة: دلالة الرجل على الإنسان الذكر، والمرأة على الإنسان الأنثى (3)
وسميت بالمطابقة لمطابقته أي موافقة المعنى للفظ من قولهم: طابق النعل النعل إذا توافقا (4)
والمراد من تطابق اللفظ والمعنى هو عدم زيادة اللفظ على المعنى حتى يكون مستدركاً أو عدم زيادة المعنى على اللفظ حتى يكون قاصراً (5)
وقد عبر المناطقة عن دلالة المطابقة بأنها ما تدل على تمام المعنى ولم يعبروا بجميع المعنى لأن لفظ الجميع يشعر بالتركيب فيلزم تخصيص المطابقة بالمركب مع أنها عامة في المركب والمفرد كالنقطة (6)
الثاني: دلالة التضمن: هي دلالة اللفظ الوضعية على جزء مسماه (7) أو هي دلالة اللفظ الوضعية على جزء المعنى الموضوع له (8) كدلالة الإنسان على الحيوان أو الناطق (9) ، وكدلالة لفظ الكتاب على الورق وحده
(1) حاشية العطار على شرح الخبيصي ص50، وحاشية البناني على شرح المحلى على جمع الجوامع (1/237)
(2)
المنطق لمحمد المظفر ص 37
(3)
مذكرة الشنقيطي ص13
(4)
شرح الملوي مع حاشية الصبان ص 52
(5)
حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 50
(6)
حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 50
(7)
شرح الكوكب المنير لابن النجار (1/126) .
(8)
المنطق لمحمد المظفر ص38.
(9)
شرح الخبيصي على التهذيب (1/88) .
أو الغلاف فلو بعت الكتاب يفهم المشتري دخول الغلاف فيه ولو أردت بعد ذلك أن تستثني الغلاف لاحتج عليك بدلالة لفظ الكتاب على دخول الغلاف (1)
وسميت بدلالة تضمنية لكون الجزء في ضمن المعنى الموضوع له (2)
والإضافة في دلالة التضمن ودلالة الالتزام من إضافة المسبب إلى السبب (3)
والعلاقة بين المطابقة والتضمنية العموم والخصوص المطلق فإذا وجدت التضمنية وجدت المطابقية دون العكس لجواز أن يكون المعنى بسيطاً لا جزء له، فتوجد المطابقية دون التضمنية (4)
الثالث: دلالة الالتزام: وهي دلالة اللفظ على خارج عن مسماه لازم له لزوماً ذهنياً بحيث يلزم من فهم المعنى المطابقي فهم ذلك الخارج اللازم
مثاله: دلالة الأربعة على الزوجية لأن معنى الزوجية في الاصطلاح هي الانقسام إلى متساويين (5)
ومعنى الالتزام: إن المعنى قد استلزم ذلك الأمر الخارج عنه. (6)
س: ما مرادنا من قولنا فيما سبق في دلالة الالتزام (لزوماً ذهنياً) ؟
سيتضح الجواب على ذلك من خلال التوضيح التالي:
اللازم لغة: هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء (7)
(1) المنطق لمحمد المظفر ص 38
(2)
شرح الخبيصي (1/88)
(3)
حاشية الصبان على الملوي ص 53
(4)
المرشد السليم لعوض حجازي ص47
(5)
مذكرة الشنقيطي ص14
(6)
المنطق المفيد للبهنسي ص15
(7)
شرح القاموس للزبيدي (9/59) ، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص615.
أما اللازم اصطلاحاً فهو يختلف بحسب الأبواب:
فاللازم عند النحاة هو الذي يطلق على غير المتعدي وقد سبق توضيح ذلك عند الكلام على القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء والصفات في الكتاب.
واللازم عند علماء البديع هو الإعنات والتشديد ويسمى بلزوم ما لا يلزم (1) وهو أن يلزم الشاعر أو الناثر نفسه بما ليس يلازم بحيث يريد أن يأتي بالسجع مثلاً فيلزم نفسه بحرف قبل حرف السجع مع انه ليس بلازم للسجع (2)
ومن أمثلة هذا القسم قوله تعالى {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} فالراء بمنزلة حرف الروي وقد جيء قبلها في الفاصلتين بالهاء وهو ليس بلازم لتحقق السجع (3)
ومثال آخر {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك} (4)
وإلى ذلك أشار السيوطي في ألفيته:
والحرف من قبل الروى يلزم
…
فسمه لزوم ما لا يلزم
كقوله تقهر وتنهر صدركا
…
... وزرك ظهرك وبعد ذكركا (5)
واللازم عند الفقهاء هو كون العقد إذا وقع فإنه لا يمكن رفعه بإطلاق
واللازم عند المناطقة هو عبارة عن امتناع الانفكاك عن الشيء وما يمتنع انفكاكه عن الشيء يسمى لازماً وذلك الشيء ملزوماً (6)
وينقسم اللازم إلى أنواع:
(1) ميزان الذهب في شعر العرب للهاشمي ص140
(2)
نهاية الأرب للنويري (7/113)
(3)
المطول في شرح تلخيص المفتاح للتفتازاني ص459
(4)
انظر كتاب الفاصلة في القرآن لمحمد الحسناوي ص276
(5)
عقود الجمان للسيوطي (2/189) .
(6)
كشاف اصطلاحات الفتوى للتهانوي (4/89) .
اللازم العقلي: وهو ما لا يمكن للعقل تصور خلاف اللازم كالبياض للأبيض ما دام أبيض، وكالزوجية للأربعة كما سبق
اللازم العرفي: أي أن العقل لا يحكم به إلا بعد ملاحظة الواقع وتكرر مشاهدة اللزوم فيه دون أن يكون لدى العقل ما يقتضي هذا اللزوم.
ونجد هذه الدلالة الالتزامية بنسبة وافرة جداً في الكلام العربي، ونجدها في نصوص القرآن والسنة، وعن طريقها ترتقي البلاغة الكلامية ارتقاءً عظيماً، فمن الكلام العربي قول الشاعر يصف ممدوحه:
طويل النجاد رفيع العماد *** كثير الرماد إذا ما شتا
فقد دل بطول نجاده - وهو حمائل سيفه - على طول قامته، ودل بارتفاع عماده على عظم بيته وارتفاع مكانته، ودلًّ بكثرة رماده على جوده، لأن كثرة الرماد عند العرب تدل على كثرة الطبخ، وهذه تدل على كثرة الآكلين، وكثرة الآكلين عنده تدل على جوده، وكل هذه لوازم عرفية لا عقلية.
ومن الشواهد القرآنية قول الله تعالى في سورة (التغابن 64) :
{وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}
فإن قوله تعالى: {فإن الله غفور رحيم} الواقع في جواب الشرط يدل عن طريق الدلالة الالتزامية على أن الله يغفر لكم ويرحمكم إن أنتم عفوتم وصفحتهم وغفرتم، مع أن هذا المعنى غير مدلول عليه بمنطوق اللفظ
ولكن يلزم من كون الله غفوراً رحيماً أن يكافئ أهل العفو والصفح والمغفرة بالرحمة والغفران ولذلك حصل الاكتفاء في جواب الشرط بذكر هذين الوصفين دون التصريح بلازمهما، ونظير هذا في القرآن الكريم كثير جداً (1)
(1) ضوابط المعرفة للميداني ص31
وينقسم اللازم أيضاً إلى:
1 -
لازم في الذهن والخارج معاً.
2 -
لازم في الذهن فقط.
3 -
لازم في الخارج فقط (1) .
مثال اللازم في الذهن والخارج معاً:
دلالة الأربعة على الزوجية التي هي الانقسام إلى متساويين فيلزم من فهم معنى الأربعة فهم أنها زوج أي منقسمة إلى متساويين فهذا لازم في الذهن كما ذكرنا ولازم في الخارج أيضاً والمراد بالخارج هنا: الواقع في نفس الأمر فالزوجية لازمة للأربعة في الذهن، وفي الواقع في نفس الأمر
ومثال اللازم في الذهن فقط:
دون الخارج لزوم البصر للعمى لأن معنى العمى بدلالة المطابقة هو سلب البصر فمعناه المطابقي مركب إضافي أي مركب من مضاف هو سلب ومضاف إليه وهو البصر. ولا يعقل سلب البصر حتى يعقل معنى البصر. فظهر أنه لا يفهم أحد معنى العمى حتى يفهم معنى البصر لأن معنى البصر جزء من معنى العمى، لأن معنى العمى مركب إضافي والبصر أحد جزأيه، وهذا اللازم إنما هو في الذهن
…
فقط لا في الخارج، لأن العين التي توصف بالعمى انتفى عنها البصر ضرورة لما بين العمى والبصر من التنافي المعبر عنه بمقابلة العدم والملكة (2)
(1) انظر المنتقى من فرائد الفوائد للمؤلف ص71، والتعريفات للجرجاني ص226.
(2)
المراد من العدم والملكة هو:
إثبات أو نفي ما من شأنه أن يتصف بهذه الصفة كـ " الإبصار " فالعدم هو " العمى " عمن يكون قابلاً لصفة " الإبصار " كالحيوانات المبصرة يصيبها " العمى " والمبصر هو " الملكة " الموصوف بالإبصار. أما ما يقابل ذلك فهو من لا يقبل " العدم والملكة " كالجدار والأرض وسائر الجمادات فإنها غير قابلة للصفة المذكورة " الإبصار "
انظر الأجوبة المرضية لتقريب التدمرية لبلال الجزائري ص83
ومثال اللازم في الخارج فقط: دلالة لفظ الغراب على السواد لأنه لا يوجد في الخارج غراب إلا هو متصف بالسواد ولكن هذا لا يفهم من فهم معنى الغراب لأن من لم ير الغراب قط، ولم يخبره أحد بلونه قد يتصور أن الغراب طائر أبيض فالسواد إنما يلزم الغراب في الخارج فقط. لا في الذهن. فدلالته عليه التزاميه عند الأصوليين والبيانيين وليست كذلك عند المنطقيين (1)
أمثلة توضح ما سبق:
1 -
السيارة: هذه الكلمة تدل على جميع أجزائها بدلالة المطابقة ويدل على العجلات فقط بالتضمن ويدل على البطارية وحدها بالتضمن ويدل على الذي صنعها بالالتزام أن لها صانعاً.
2 -
اشتريت داراً: تدل على كل الدار بالمطابقة، ودلالتها على الحمام وحده بالتضمن، وعلى المجلس وحده بالتضمن، وهكذا، ودلالته على أن هناك شخصاً بناه بالالتزام.
أمثلة على الأسماء الحسنى:
ذكر المؤلف مثالاً لاسم الخالق ونذكر مثالاً أخر لاسم الرحمن:
فيدل على الذات وعلى صفة الرحمن بالمطابقة ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن ويدل على الحياة والعلم والقدرة التزاماً لأنه لا توجد رحمة بدون حياة الراحم وعلمه وقدرته
يقول ابن القيم في النونية:
ودلالة الأسماء أنواع ثلاث
…
كلها معلومة ببيان
دلت مطابقة كذاك تضمناً
…
وكذا التزاماً واضح البرهان
أما مطابقة الدلالة فهي أن
…
الاسم يفهم منه مفهومان
ذات الإله وذلك الوصف الذي
…
يشتق منه الاسم بالميزان
(1)
…
مذكرة الشنقيطي ص15
لكن دلالته على إحداهما
…
بتضمن فافهمه فهم بيان
وكذا دلالته على الصفة التي
…
ما اشتق منها فالتزام دان
وإذا أردت لذا مثالاً بينا
…
فمثال ذلك لفظة الرحمن
ذات الإله ورحمة مدلولها
…
فهما لهذا اللفظ مدلولان
إحداهما بعض لذا الموضوع
…
فهي تضمن ذا واضح التبيان
لكن وصف الحى لازم ذلك
…
المعنى لزوم العلم للرحمن
فلذا دلالته عليه بالتزام
…
بين والحق ذو تبيان
ثانياً: لازم المذهب:
ذكرنا معنى اللازم فيما سبق:
والمقصود بلازم القول: ما يلزم من ثبوت القول ثبوته عقلاً أو شرعاً أو لغة ولم يذكر في الكلام كما سبق أن ذكرنا.
واللازم قد يكون واضحاً بيناً وقد يكون خفياً فاللازم الخفي هو الذي يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل كلزوم الحدوث للعالم فلا يجزم بالحدوث إلا بدليل وإن اختلفوا في نوع الدليل فالمتكلمون يستدلون بأنه متغير وكل متغير حادث وأما القرآن فيستدل بحدوثه بقوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} والشاهد من الآية واضح.
وأما اللازم البين الواضح فهو الذي لا يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل.
مثاله: لزوم الشجاعة للأسد والفردية للثلاثة فإن لزوم هذين لملزوميهما لا يفتقر إلى دليل.
وينقسم اللازم البين إلى قسمين:
أ - لازم بين بالمعنى الأخص وهو ما يكفى فيه تصور الملزوم فقط للجزم باللزوم بينه وبين اللازم 0
مثاله: الزوجية للأربعة فإذا تصورنا الأربعة جزمنا بالزوجية.
ب - لازم بين بالمعنى الأعم وهو ما لابد فيه من تصور الملزوم واللازم حتى نجزم باللزوم بينهما.
مثاله: لزوم مغايرة الإنسان للفرس فلا يلزم من تصور الإنسان تصور مغايرته للفرس بل إذا تصورت الإنسان وتصورت الفرس تجزم بلزوم المغايرة بينهما.
ويشترط المحققون من المناطقة في اللازم أن يكون بيناً بالمعنى الأخص لا غيره وسيأتي الأقوال الأخرى في المسألة.
انظر تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال د. عياض ص 88 والمنطق الوافي لحسن حنبل (1/20) وشرح السلم للجندي ص 13
مثال للازم:
اختلف الفقهاء في الإقالة هل هي فسخ أو بيع.
والإقالة: هي أن يقيل البائع المشتري أو المشتري البائع فلا يلزم أحدهما الآخر بالعقد بل له أن يفسخه.
فمذهب الحنابلة أنه فسخ كما في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين (8/382) ومذهب المالكية أنه بيع كما في شرح الخرشي على خليل (5/166) والإشراف على مذاهب الخلاف للقاضي عبد الوهاب (1/282)
ويترتب على هذا الخلاف أمور ذكرها ابن رجب في القواعد ص 379، و (3/309) من الطبعة التي حققها مشهور آل سلمان.
فمن قال إنه بيع يلزم منه أنه يشترط له شروط البيوع ومن قال إنه فسخ فإنه لا يشترط ذلك.
وانظر أمثلة أخرى في كتاب تحرير المقال د. عياض السلمي ص 88 ونشر البنود على مراقي السعود للعلوي (1/110)