الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
قواعد في أسماء الله تعالى
القاعدة الأولى:
أسماء الله كلها حسنى
(1) :
أي: بالغة في الحسن غايته (2) قال الله
(1) على وزن فعلى، مؤنث الأحسن وذهب ابن الوزير إلى أنها جمع للأحسن ولم نجد هذا لغير ابن الوزير بعد البحث في كتب اللغة والنحو والصرف بل أنهم لم يذكروا فعلى بضم فسكون في أوزان المجموع البتة لا في باب المقصور والممدود ولا في باب جمع التكسير ولم نعثر على أحد ذكره من المفسرين والشراح وإنما يذكرون ان الحسنى إما مؤنث الأحسن وإما مصدر وصف به كالذكرى.
وانظر تفسير ابن عاشور (8/186)
وقال في إيثار الحق على الخلق ص 67:
" وذلك أن الحسن من صفات الألفاظ ومن صفات المعاني، فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن، فالمراد الأحسن منهما، حتى يصح جمعه على حسنى ولا يفسر بالحسن منهما إلا الأحسن لهذا الوجه "
هذا وقد وصف الله أسماءه بالحسنى في أربعة مواضع هي:
أ - {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} [الأعراف: 180]
ب- {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]
جـ - {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} [طه: 8]
د -
…
{هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحشر:24]
ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة على مسمى الله فكانت حسنى لدلالتها على أحسن وأعظم وأقدس مسمى وهو الله عز وجل.
انظر تفسير فتح البيان لصديق حسن خان (5/82) والأسئلة والأجوبة الأصولية للسلمان ص 26
(2)
قيل إن المؤلف لو عبر بـ (كماله) بدلاً من (غايته) كان أولى والجواب أن المؤلف قد
تعالى: (ولله الأسماء الحسنى)[الأعراف: 180] وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة (1) لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديراً (2)
مثال ذلك: " الحي " اسم من أسماء الله تعالى متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال (3) الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها.
ومثال آخر: " العليم " اسم من أسماء الله متضمن للعلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان قال الله تعالى: (علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى)[طه: 52] العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه قال الله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)[الأنعام: 59](وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين)[هود: 6](يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور)[التغابن: 4]
= قصد بهذه الكلمة أن الأسماء هي في غاية الحسن أي أكمل ما يكون من الحسن كما نقلناه عن ابن الوزير ولهذا قال تعالى (الأسماء الحسنى) بصيغة التفضيل كما في حاشية الشهاب على البيضاوي (4/408) أي أن اسم التفضيل هنا مطلق فلم يقل أفضل من كذا، وبهذا كانت الأسماء بالغة في الحسن غايته.
(1)
وبهذا نعلم أن أسماء الله متضمنة لصفات ومعان وأما إذا لم يدل على معنى ووصف فإنه ليس اسما له كالدهر فإنه اسم جامد لا يحمل معنى إلا أنه اسم للأوقات كما سيأتي في القاعدة الثانية.
(2)
أي لا تحمل النقص لا من حيث الاحتمال اللفظي ولا التقدير الذهني وسيأتي تفصيله في الملحق
(3)
هذا التفسير لاسم الحي ذكره الإمام الطبري في تفسيره (3/5) حيث قال:
أما قوله (الحي) فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة والبقاء الذي لا أول له يحد ولا آخر له يؤمد، إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حياً فلحياته أول محدود،، وآخر مأمود، ينقطع بانقطاع أمدها، وينقضي بانقضاء غايتها وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ا. هـ.
مثال ثالث:: " الرحمن " اسم من أسماء الله تعالى متضمن للرحمة الكاملة التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها "(1)
يعني: أم صبي وجدته في السبي (2)
فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته ومتضمن أيضاً للرحمة الواسعة التي قال الله عنها: (ورحمتي وسعت كل شيء)[الأعراف: 156] وقال عن دعاء الملائكة للمؤمنين: (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً)[غافر: 7]
[أسماء الله المقترنة]
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده (3)
(1) الحديث رواه البخاري برقم (5999) وهو في المجلد (10/440) المطبوع مع الفتح، ورواه مسلم في كتاب الرقائق من نسخة المفهم للقرطبي (7/84) ونص الحديث عن عمر بن الخطاب قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا والله! وهي تقدر على ألا تطرحه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها "
وقال القاضي عياض: كذا في جميع نسخ مسلم ولرواته فيه وهم وفي كتاب البخاري: تسعى مكان تبتغي وهو وجه الكلام وصوابه.
قلت: ولا خفاء بحسن رواية تسعى ووضوحها لكن لرواية (تبتغي) وجه واضح فلا يغلط الرواة كلهم، وذلك أن تبتغي معناه: تطلب ولدها وحذف مفعوله للعلم به ا. هـ من المفهم للقرطبي.
(2)
السبي هو أسر الصبيان والنساء
انظر تحرير التنبيه للنووي ص 340، والدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي لابن عبد الهادي (3/742)
(3)
وذلك كالأمثلة التي ذكرها المؤلف إلا أن هناك أسماء لا يكون الحسن بانفراده بل بجمعه إلى غيره وهي الأسماء المزدوجة وتعريفها: هي كل اسمين اقترن أحدهما بالآخر ولولا هذا الاقتران لما دل على الكمال فكانا كالصفة الواحدة في الدلالة على المعنى الممدوح ومن أمثلتها النافع الضار، والمعطي المانع وسيأتي الكلام عليه في القاعدة التاسعة.
وهناك أسماء يكون باعتبار جمعه كمال فوق كمال كما سيذكر المؤلف
وحاصل ذلك أن هناك قسمين من الأسماء الحسنى وهي: =
=
أسماء يكون الحسن باعتبار انفراده وباعتبار جمعه يزيد كمالاً فوق كمال
1 -
أسماء لا يكون الحسن إلا باعتبار جمعه وسيأتي تفصيله في القاعدة التاسعة من قواعد الأسماء 0
ويكون باعتبار جمعه إلى غيره (1) فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال (2)
مثال ذلك: "العزيز الحكيم" فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيراً (3) .
فيكون كل منهما دالاً على الكمال الخاص الذي يقتضيه وهو العزة في العزيز (4) والحكم والحكمة (5) في الحكيم والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة فعزته لا تقتضي ظلماً وجوراً وسوء فعل كما قد يكون من أعزاء المخلوقين (6) فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة
(1) كالمثال الذي ذكره المؤلف وسنذكر في الملحق أمثلة أخرى كثيرة.
⦗ص: 18⦘
_
(2)
أي أن باقتران الاسمين دل على معنى زائد على معناها الأصلي لا يدلان عليه بالاستقلال.
(3)
يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة (2/485) ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين (العزيز الحكيم) في آيات التشريع والتكوين والجزاء ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة ففهم الموفقون عن الله عز وجل مراده وحكمته وانتهوا إلى ما وقفوا عليه ووصلت إليه أفهامهم وعلومهم وردوا علم ما غاب عنهم إلى أحكم الحاكمين ومن هو بكل شيء عليم وتحققوا بما عملوه من حكمته التي بهرت عقولهم إن لله في كل ما خلق وأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه وأنه تعالى هو الغنى الحميد العليم الحكيم فمصدر خلقه وأمره وثوابه وعقابه غناه وحمده وعلمه وحكمته ليس مصدره مشيئة مجردة وقدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته ا. هـ
(4)
اسم العزيز يتضمن صفة العزة.
(5)
فاسم الحكيم يدل على صفة الحكم وصفة الحكمة وبهذا نعلم أن من أسماء الله ما يكون دالاً على عدة صفات ويكون ذلك الاسم متناولاً لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها، ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد (1/168) .
(6)
كالملك مثلاً أو الأمير الذي لا يعارضه أحد لكمال سلطانه وعزته.