المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

- شرح العقيدة الإِصفهانية. 6 - بلغت فتاويه مبلغًا عظيمًا في - المداخل إلى آثار شيخ الإسلام ابن تيمية

[بكر أبو زيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثانية لمشروع آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال

- ‌المدخل الأول موضوع هذا المشروع

- ‌القسم الأول: طَبعْ ما لم يسبق طبعه:

- ‌القسم الثاني: تحقيق بعض ما سبق طبعه:

- ‌القسم الثالث: ما لحقها من أعمال:

- ‌القسم الرابع: سيرته المباركة:

- ‌المدخل الثاني عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى

- ‌الأمر الأول: الوقوف على المعلومات الجامدة

- ‌الأمر الثاني: الوقوف على مواطن القوة في ترجمته:

- ‌الأمر الثالث: مواطن الضعف في سيرته حسب ميول الناظرين

- ‌الأمر الرابع: السَّبْق العلمي:

- ‌الأمر الخامس: استجلاء العِبَر والدروس:

- ‌السَّجْنَة الأولى:

- ‌السَّجْنَة الثانية:

- ‌السَّجْنَة الثالثة:

- ‌السَّجْنَة الرابعة:

- ‌السَّجْنَة الخامسة:

- ‌السَّجْنَة السادسة:

- ‌ بيان سجناته وأسبابها وآثارها مع شيء من التفصيل:

- ‌السجنة الأولى:

- ‌السَّجْنَة الثانية:

- ‌السَّجْنَة الثالثة:

- ‌السَّجنَة الرابعة:

- ‌السّجنة الخامسة:

- ‌السَّجْنَة السادسة:

- ‌السَّجْنَة السابعة

- ‌المدخل الثالث أمثلة من أقواله السائرة

- ‌المدخل الرابع إِفادات شَتَّى عن كتبه

- ‌الإِفادة الأولى: تاريخ بدايته للتأليف:

- ‌الإفادة الثانية: عددها -لغة الأرقام لها

- ‌الإِفادة الثالثة: موضوع تآليفه:

- ‌الرابعة: مَزَايَاها:

- ‌الخامسة: موارده فيها:

- ‌السادسة: أَسماؤها:

- ‌السابعة: الاختلاف في عدد مجلدات الكتاب الواحد

- ‌الثامنة: الإملاء من حفظه:

- ‌التاسعة: ما أَلَّفه في قَعْدة واحدة:

- ‌العاشرة: التكرار:

- ‌الحادية عشرة: قراءتها عليه:

- ‌الثانية عشرة: تبييضها:

- ‌الثالثة عشرة: ما لم يَكْمُل منها:

- ‌الرابعة عشرة: كتبه التي أُوذي بسببها

- ‌الخامسة عشرة: مكان تأليفها:

- ‌السادسة عشرة: خطه:

- ‌السابعة عشرة: مراسلاته:

- ‌الثامنة عشرة: ترجمتها:

- ‌التاسعة عشرة: هل رجع عن شيء من كُتْبه

- ‌العشرون: الكتب المنحولة عليه:

- ‌الحادية والعشرون: الجُنَاة على كتب شيخ الإِسلام وأَنواع جناياتهم:

- ‌المدخل الخامس جهود المصلحين بطبعها

- ‌في شبه القارة الهندية:

- ‌في مصر:

- ‌ العراق:

- ‌الشام

- ‌ الحجاز:

- ‌ نجد:

- ‌ قطر:

- ‌المدخل السادس أُمنية العلماء بجمعها والمجاميع لها

- ‌مجموع ابن قاسم:

- ‌هذا المشروع:

- ‌ الأمر الأول: التمويل:

- ‌ الأمر الثاني: تَوفُّر المحققين:

- ‌ الأمر الثالث: الإخلاص:

الفصل: - شرح العقيدة الإِصفهانية. 6 - بلغت فتاويه مبلغًا عظيمًا في

- شرح العقيدة الإِصفهانية.

6 -

بلغت فتاويه مبلغًا عظيمًا في الفقهيات وتحرير الخلاف فيها مما شمل جميع أَبواب الفقه. وكان أمره في الفتيا عجبًا يأتيه الاستفتاء ويعد الفتوى عليه حالًا كأنه قاعد للفتيا يعدها.

‌الرابعة: مَزَايَاها:

إِن كتب شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لفتت أَنظار العلماء، فلابد أَن يلفتوا النظر إِلى مزاياها وخصائصها، ومنها:

1 -

أنه -رحمه الله تعالى- في تآليفه مطبوع قائل لا ناقل، وإنما النقل عنده؛ للتدليل والإِسناد، لا أنه مادة الكتاب؛ ولهذا يستشعر قارئ كلامه أنه كماء منهمر، وغيث منسجم.

2 -

ليس له فيها على غير الدليل مُعَوَّل، فلا يستشكل نصوص الوحيين، بل يستشكل الآراء المخالفة لها بأَيٍّ من المعارضات الأَربع: المعقول. القياس. الذوق. السياسة فَيُهْدِرُها، ويُخَلِّصُ النصوص من شائبة إِيرادها؛ ولذا كان في الترجيِح والاختيار ينشد الدليل، ويجرد المتابعة له، ولمدلوله، وأنّ الحق في واحد من القولين، وأَنّ كل إِنسان عند نفسه مصيب لا أَن كل واحد مصيب، وهذا شأن من ينصر الله ورسوله، ويخاف مقامه بين يدي الله -تعالى-. وصدق تلميذه الواسطي حين قال في:"التذكرة والاعتبار": "تستجلى النبوة المحمدية من دعوته" ولسان حاله يُنشد قول أبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى:

ص: 55

مُناي من الدُّنيا علوم أَبثها

وأنثرها في كل بادٍ وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي

تناسى رجال ذكرها في المحاضر

3 -

تقديم أَقوال الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم؛ لدلالة الكتاب والسُّنة والقياس عليها.

4 -

عنايته -رحمه الله تعالى- بِعِلَل الأَحكام وأَوصافها المناسبة ومداركها، ووجوه الاستدلال منها.

5 -

تميزها بالفقه المقاصدي للتشريع، ونشر محاسن الشريعة وحِكمها.

والتميز بالفقه المقاصدي هو في دائرة الضروريات الخمس، لا على جادة بعض من ينادي به في عصرنا فيفتح باب العبارة الفاجرة:"حرية التعبير" وتشمل "حرية الدين، حرية الفكر، حرية المعتقد، حرية اللسان"، ويلغي علل الأحكام وأوصافها بما بدايته ونهايته خروج عن الشريعة -والله المستعان-.

6 -

السعة والشُّمول التي فاق بها غيره من ذكر الخلاف وأَدلته ووجوه الاستدلال منها وإِجراء الحِجاج بين طرفي الخلاف، أو أَطرافه، وتمحيص الأَدلة صحةً وضعفًا. والسعة والشمول في تعدد معارفه وعلومه، فليست كتاباته -رحمه الله تعالى- جافة؛ بل وأنت تقرأ له في أي علم تستفيد علومًا أخرى: علوم شريعة، وعلوم آلة، وما إلى ذلك، وكان -رحمه الله تعالى- يطرز ما يكتبه بالأحداث والوقائع التاريخية، وهذا من نفاذ بصيرته بالتاريخ، وإذا علمنا أن شيخ الإِسلام ابن تيمية

ص: 56

-رحمه الله تعالى- هو المحدِّث الشهير، فإِن التاريخ إنما وُلِدَ في أحضان المحدِّثين، ولهذا قال تلميذه ابن عبد الهادي نقلًا عن تلميذه الذهبي:"ومعرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب" أحداثًا، ودولًا، ورجالًا، ومللًا، ونحلًا.

وقال محمد كُرد علي في: "كنوز الأجداد. ص/ 349":

"ولو لم يكن له إلَّا: "منهاج السنة" لكفاه على الأَيام فخرًا لا يبلى، ففيه مثال من علمه وقوة حجته ومعرفته بالملل والنحل، وإذا قلنا: إنّه لم يؤلف نظيره في الرد على المخالفين لأهل السنة؛ لَصدَّقَنا كل منصف من أهل القبلة. وكتاب: "منهاج السنة" من أصح الشهادات على علو كعبه في معرفة الشرع وما تقلب عليه، وما حاول بعض أهل الأهواء من العبث به، وفيما أورده الموافقون والمخالفون من صحيح الآراء وبهرجها، وكان عنوان مداركه الواسعة بتاريخ الإِسلام وتاريخ الملل والنحل، ولو ادَّعينا أنه لم يأتِ عالم يعرف ما طرأ على الدين ومذاهب أهله فيه ساعة ساعة ويومًا يومًا ما قدر أحد على رد دعوانا" انتهى.

وصدق من قال:

ليس بإنسان ولا عاقل

من لا يعي التاريخ في صدره

ومن حوى التاريخ في صدره

أضاف أعمارًا إلى عمره

ولهذين البيتين نظائر في: "الإِعلان بالتوبيخ" للسخاوي.

7 -

تنوع الفوائد في بحث المسألة الواحدة بالاستطراد التناسبي، وهذه الميزة لا يقدر عليها إلا كَمَلَةُ الحفظةِ، وأَوعيةُ العلم من

ص: 57

كل طبقة، وهي من تمام نصحه وجُوْده بالعلم. وهذه طريقة الكتاب والسنة، فقد سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من ماء البحر فقال:"هو الطّهور ماؤه الحل ميتته" رواه أصحاب السنن.

8 -

ومنها حُسْنُ التَّرتيب، وجودة التصنيف، وانظر مثالًا لذلك:"اقتضاء الصراط المستقيم".

9 -

ومنها مزية التكرار، فله في المسألة الواحدة: الرسالة، والرسالتان، وله الفتوى فأَكثر وتجد في كل واحدة ما ليس في الأُخرى من زيادة العلم والبيان، وهذه حسب أَحوال السائلين وتفاوت الأزمان، وغير ذلك من الأسباب.

وطريقة القرآن الكريم التكرار كما في قصص الأنبياء عليهم السلام، وقد اشتهر بهذه الطريقة البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه؛ ولهذا قالوا في المفاضلة بينه وبين صحيح مسلم:

قالوا المكرر فيه

قُلت المكرر أَحلى

10 -

العدل والإنصاف والدقة في بحث المسائل العلمية وحال مقارعة الخصوم وعدم الافتراء عليهم، حتى صارت كتبه مرجعًا أمينًا يطمئن إليها العلماء ويبنون عليها أحكامهم، وهذا أثر من آثار الاستمساك بالكتاب والسنة ومحبة الحق ورحمة الخلق والتجرد عن الهوى، وهذه الميزة تستحق أن تفرد بالبحث والدرس.

11 -

نفسه التواقة إلى إِصلاح أَحوال الناس، فيتلمس فيما يكتب

ص: 58

واقع الناس وحاجاتهم، وهذا من تمام التأسِّي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وشريعته الغَرَّاء.

12 -

السجية المتدفقة بالجاذبية في صياغته وأُسلوبه؛ لما فيها من الجزالة من جهة، والعذوبة من جهة أُخرى وإحياء الألفاظ الموروثة عن أصائل صدر هذه الأمة، كارهًا الموَلَّد والدَّخيل، وهما من مفردات المعبر عنه في عصرنا بـ "حرية التعبير"؛ لما تؤدِّي إليه من الهجنة والبدعة.

13 -

وهذه الميزات أَولًا وآخرًا مؤسسة على الاتِّباع، والضراعة والابتهال، وحسن النية والصدق، مما نرجو أَن يكون له نصيب كبير من:"العلم اللدني" وأَنّه من حَمَلة القلوب الطاهرة.

وفي هذا القدر كفاية، ولا أُريد إِثقاله بالنقول، وأَكتفي بشذرات من كلام تلميذيه الحافظين ابن عبد الهادي وابن القيم -رحمهما الله تعالى-:

قال ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في: "العقود الدرية/ ص 7": "له اليد الطولى في حُسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين" انتهى.

وأَشار -رحمه الله تعالى- في ص/7: إِلى قدرته على مَدِّ النَّفَس، فيؤلِّف في فرعية مجلدة كبيرة دون الخروج عنها.

وقال في: "الصارم المنكي: ص/ 71": "وقَد عَلِمَ الخاص والعام أَن كلام شيخ الإسلام في سائر أَنواع علوم الإسلام فيه من التحرير والتحقيق وغاية البيان والإيضاح وتقريب المعاني إِلى

ص: 59

الأفهام وحسن التعليم والإِرشاد إِلى الطريق القويم ما يضيق هذا الموضع عن ذكره" انتهى.

وقال تلميذه الإمام الحافظ ابن القيم -رحمه الله تعالى- في: "مدارج السالكين: 2/ 293، 295":

"الجود" عشر مراتب، ثم قال:

الرابعة: الجود بالعلم وبذله. وهو من أَعلى مراتب الجود. والجود به أَفضل من الجود بالمال. لأَن العلم أَشرف من المال.

والناس في الجود به على مراتب متفاوتة. وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ: أَن لا ينفع به بخيلًا أبدًا.

ومن الجود به: أن تبذله لمن يسألك عنه، بل تطرحه عليه طرحًا.

ومن الجود بالعلم: أَن السائل إِذا سألك عن مسألة: استقصيت له جوابها جوابًا شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا "نعم" أو "لا" مقتصرًا عليها.

ولقد شاهدت من شيخ الإِسلام ابن تيمية -قدّس الله روحه- في ذلك أَمرًا عجيبًا:

كان إِذا سُئِلَ عن مسألة حُكمية، ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة، إِذا قدر، ومأخذ الخلاف، وترجيح القول الراجح. وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أَنفع للسائل من مسألته. فيكون فرحه بتلك المتعلقات، واللوازم: أَعظم من فرحه بمسألته. وهذه

ص: 60

فتاويه رحمه الله بين الناس. فمن أَحب الوقوف عليها رأى ذلك.

فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل؛ بل يذكر له نظائرها ومتعلقها ومأخذها، بحيث يشفيه ويكفيه.

وقد سأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المتوضئ بماء البحر؟ فقال: "هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته" فأَجابهم عن سؤالهم. وجاد عليهم بما لعلهم في بعض الأحيان إليه أَحوج مما سألوه عنه.

وكانوا إِذا سألوه عن الحكم نبههم على علته وحكمته. كما سألوه عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال: "أينقص الرطب إذا جَفَّ؟ قالوا: نعم. قال: فلا. إِذًا" ولم يكن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم نقصان الرطب بجفافه، ولكن نبههم على علة الحكم. وهذا كثير جدًّا في أجوبته صلى الله عليه وسلم مثل قوله:"إن بعتَ من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئًا، بمَ يأخذ أحدكم مال أخيه، بغير حق؟ " وفي لفظ: "أرأيت إِن منعَ الله الثمرة: بم يأخذ أحدكم مال أخيه، بغير حق؟ " فصرح بالعلة التي يحرم لأجلها إِلزامه بالثمن. وهي مَنْعُ الله الثمرة التي ليس للمشتري فيها صنع.

وكان خصومه -يعني شيخ الإِسلام ابن تيمية- يعيبونه بذلك. ويقولون.: سأله السائل عن طريق مصر -مثلًا- فيذكر له معها طريق مكة، والمدينة، وخراسان، والعراق، والهند، وأي حاجة بالسائل إلى ذلك؟.

ولعمر الله ليس ذلك بعيب، وإنما العيب: الجهل والكبر. وهذا موضع المثل المشهور:

ص: 61