المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يوم الاثنين خامس عشر ذي العقدة سنة - أم القرى

[الكواكبي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌الِاجْتِمَاع الأول

- ‌يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر ذِي الْعقْدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الثَّانِي

- ‌يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع عشر ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الثَّالِث

- ‌يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الرَّابِع

- ‌يَوْم السبت الْعشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الْخَامِس

- ‌يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع السَّادِس

- ‌يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّانِي وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع السَّابِع

- ‌يَوْم الْأَرْبَعَاء الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الثَّامِن

- ‌يَوْم الْخَمِيس الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع التَّاسِع

- ‌ويتبعه الِاجْتِمَاع الْعَاشِر وَالْحَادِي عشر

- ‌يَوْم السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌الِاجْتِمَاع الثَّانِي عشر

- ‌يَوْم الِاثْنَيْنِ التَّاسِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة

- ‌قانون جمعية تَعْلِيم الْمُوَحِّدين

- ‌الْمُقدمَة

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي تشكيل الجمعية

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي مباني الجمعية

- ‌‌‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي مَالِيَّة الجمعية

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي وظائف الجمعية

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌تعتني الجمعية فِي حمل الْعلمَاء وجمعيات الاحتساب على تَعْلِيم الْأمة مَا يجب عَلَيْهَا شرعا من المجاملة فِي الْمُعَامَلَة من غير الْمُسلمين، وَمَا تَقْتَضِيه الإنسانية والمزايا

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌خَاتِمَة

- ‌‌‌‌‌قَضِيَّة

- ‌‌‌قَضِيَّة

- ‌قَضِيَّة

- ‌قَرَار عدد

- ‌لاحقة

الفصل: ‌يوم الاثنين خامس عشر ذي العقدة سنة

‌الِاجْتِمَاع الأول

‌يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر ذِي الْعقْدَة سنة

1316

فِي الْيَوْم الْمَذْكُور انتظمت الجمعية للمرة الأولى وأعضاؤها اثْنَان وَعِشْرُونَ فَاضلا، كلهم يحسنون الْعَرَبيَّة، فَبعد أَن عرفت كلا مِنْهُم لباقي إخوانه، وتعارفوا بالوجوه، بادرتهم بتوزيع اثْنَيْنِ وَعشْرين قَائِمَة مهيئات قبلا، مطبوعات بمطبعة الجلاتين الَّتِي استعرتها من تَاجر هندي فِي مَكَّة لأجل طبع هَذِه الْقَائِمَة وأمثالها من أوراق الجمعية، محرراً فِي نسخ الْقَائِمَة مُخْتَصرا تراجم إخْوَان الجمعية جَمِيعهم، بِبَيَان الِاسْم وَالنِّسْبَة وَالْمذهب والمزية الخصوصية، وموضحاً فِيهَا أَيْضا مِفْتَاح الرموز الَّتِي يحْتَاج الإخوان لاستعمالها.

وأعضاء الجمعية هم: " 443138151279812176635584522 8413259365727835264332327404919867562321 "

واعني بذلك: " السَّيِّد الفراتي: والفاضل الشَّامي، البليغ الْقُدسِي، الْكَامِل

ص: 7

الإسكندري، الْعَلامَة الْمصْرِيّ، الْمُحدث اليمني، الْحَافِظ الْبَصْرِيّ الْعَالم النجدي، الْمُحَقق الْمدنِي، الْأُسْتَاذ الْمَكِّيّ، الْحَكِيم التّونسِيّ، المرشد الفاسي، السعيد الإنكليزي، الْمولى الرُّومِي، الرياضي الْكرْدِي، الْمُجْتَهد التبريزي، الْعَارِف التاتاري، الْخَطِيب القازاني، المدقق التركي، الْفَقِيه الأفغاني، الصاحب الْهِنْدِيّ، الشَّيْخ السندي، الإِمَام الصيني.

ثمَّ بادرت الإخوان جاهراً بِكَلِمَة شعار الْأُخوة الَّتِي يعرفونها مني من قبل وَهِي (لَا نعْبد إِلَّا الله) مسترعياً سمعهم، وخاطبتهم بِقَوْلِي:

" من كَانَ مِنْكُم يعاهد الله تَعَالَى على الْجِهَاد فِي إعلاء كلمة الله وَالْأَمَانَة لإخوان التَّوْحِيد أَعْضَاء هَذِه الجمعية الْمُبَارَكَة فليجهر بقوله: على عهد الله بِالْجِهَادِ وَالْأَمَانَة، وَمن كَانَ لَا يُطيق الْعَهْد فليعنزلنا "؛ وَمَا جال نَظَرِي فيهم إِلَّا وسارع الَّذِي عَن يَمِيني إِلَى عقد الْعَهْد ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثمَّ وَثمّ إِلَى آخِرهم.

ثمَّ التمست مِنْهُم أَن ينتخبوا أحدهم رَئِيسا يُدِير الجمعية ومذاكراتها، وَآخر كَاتبا يضْبط المفاوضات ويسجل المقررات؛ فَأَجَابَنِي الْعَلامَة الْمصْرِيّ: " إِن معرفَة الإخوان بَعضهم بَعْضًا جَدِيدَة الْعَهْد، وَإنَّك

ص: 8

أشملهم معرفَة بهم، فَأَنا أترك الانتخاب لَك "؛ وَمَا أتم رَأْيه هَذَا إِلَّا وَأجْمع الْكل على ذَلِك، فَحِينَئِذٍ أعلنت لَهُم أَنِّي أتخير للرئاسة الْأُسْتَاذ الْمَكِّيّ، وأتخير نَفسِي لخدمة الْكِتَابَة، تفادياً عَن أتعاب غَيْرِي فِي الْخدمَة الَّتِي يمكنني الْقيام بهَا، واستأذنت الأفاضل الأعجام مِنْهُم بِنَوْع من التَّصَرُّف فِي تَحْرِير بعض ألفاظهم، فأظهر الْجَمِيع الرضاء والتصويب، وَصرح الْأُسْتَاذ بِالْقبُولِ مَعَ الامتنان من حسن ظنهم بِهِ، وَاسْتولى على الجمعية السُّكُوت ترقباً لما يَقُول الرئيس.

أما الْأُسْتَاذ الرئيس فقطب جَبينه مستجمعاً فكره، ثمَّ اسْتهلّ فَقَالَ:

الْحَمد لله عَالم السِّرّ والنجوى، الَّذِي جَمعنَا على توحيده وَدينه وأمرنا بالتعاون على الْبر وَالتَّقوى، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبينَا مُحَمَّد الْقَائِل (الْمُسلم للْمُسلمِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا) ، وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين جاهدوا فِي الله انتصاراً لدينِهِ، لم يشغلهم عَن إعزاز الدّين شاغل، وَكَانَ أَمرهم شُورَى بَينهم يسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُم اللَّهُمَّ إياك نعْبد لَا نخضع لغيرك، وَإِيَّاك نستعين لَا نَنْتَظِر نفعا من سواك وَلَا نخشى ضراً، اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا خفيات وَلَا ثنيات

ص: 9

فِيهِ صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم بِنِعْمَة الْهِدَايَة إِلَى التَّوْحِيد، غير المغضوب عَلَيْهِم بِمَا أشركوا وَلَا الضَّالّين بعد مَا اهتدوا، سُبْحَانَكَ رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيء لنا من امرنا رشدا.

وَبعد فيا أَيهَا السادات الْكِرَام، كل منا يعلم سَبَب اجتماعنا هَذَا من سَابق مفاوضات أخينا السَّيِّد الفراتي، الَّذِي أجبنا دَعوته لهَذِهِ الجمعية شاكرين سَعْيه.

وَلذَلِك لَا أرى لُزُوما للبحث عَن السَّبَب، كَمَا لَا أجد حَاجَة لتنشيط همتكم وتأجيج حميتكم لأننا كلنا فِي هَذَا العناء سَوَاء، وَلَكِن أذكركم بخلاصة تَارِيخ هَذِه الْمَسْأَلَة فَأَقُول:

إِن مَسْأَلَة تقهقر الْإِسْلَام بنت ألف عَام أَو أَكثر، وَمَا حفظ عز هَذَا الدّين الْمُبين كل هَذِه الْقُرُون المتوالية إِلَّا متانة الأساس، مَعَ انحطاط الْأُمَم السائرة عَن الْمُسلمين فِي كل الشؤون، إِلَى أَن فاقتنا بعض الْأُمَم فِي الْعُلُوم والفنون المنورة للمدارك، فربت قوتها، فنشرت نفوذها على أَكثر الْبِلَاد والعباد من مُسلمين وَغَيرهم؛ وَلم يزل الْمُسلمُونَ فِي سباتهم إِلَى أَن استولى الشلل على كل أَطْرَاف جسم المملكة الإسلامية؛ وَقرب الْخطر من الْقلب، اعني (جَزِيرَة

ص: 10

الْعَرَب) ، فتنبهت أفكار من رزقهم الله بَصِيرَة بالعواقب ووفقهم لنيل أجر الْمُجَاهدين، فهبوا ينشرون المواعظ والتذكرة والمباحث المنذرة، فَكثر المتنبهون، وتحركت الخواطر، لَكِنَّهَا حَرَكَة متحيرة الْوَجْه، ضائعة الْقُوَّة، فَعَسَى الله أَن يرشد جمعيتنا للتوصل لتوحيد هَذِه الوجهة وَجمع هَذِه الْقُوَّة.

وبتدقيق النشريات والمقالات الَّتِي جَادَتْ بهَا أَقْلَام الْفُضَلَاء فِي هَذَا الْمَوْضُوع ترى كلهَا دَائِرَة على أَرْبَعَة مَقَاصِد ابتدائية فَقَط:

الأول مِنْهَا: بَيَان الْحَالة الْحَاضِرَة، وَوصف إعراضها بِوَجْه عَام وَصفا بديعاً يُفِيد التأثر وَيَدْعُو إِلَى التدبر، على أَن ذَلِك لَا يلبث إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها.

وَالثَّانِي: بَيَان أَن سَبَب الْخلَل النَّازِل هُوَ الْجَهْل الشَّامِل بَيَان إِجْمَال وتلميح، مَعَ أَن الْمقَام يَقْتَضِي عدم الاحتشام من التَّفْصِيل والتشريح.

وَالثَّالِث: إنذار الْأمة بِسوء الْعَاقِبَة المحدقة بهَا إنذاراً هائلاً تطير مِنْهُ النُّفُوس، مَعَ أَن الْحَال الْوَاقِع لَا تغني فِيهِ النّذر.

وَالرَّابِع: تَوْجِيه اللوم والتبعة على الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء والكافة لتقاعدهم عَن اسْتِعْمَال قُوَّة الِاتِّفَاق على النهضة، مَعَ أَن الِاتِّفَاق وهم

ص: 11

متشاكسون مُتَعَذر لَا متعسر

فَهَذِهِ الْمَقَاصِد القولية قد استوفت حَقّهَا من أَنْوَاع بَدَائِع الأساليب، وآن أَوَان استثمارها، وَذَلِكَ لَا يتم إِذا لم يشخص الْمَرَض أَو الْأَمْرَاض الْمُشْتَركَة، تشخيصاً مدققاً سياسياً، بالبحث أَولا عَن مراكز الْمَرَض، ثمَّ عَن جراثيمه، ليتعين بعد ذَلِك الدَّوَاء الشافي الأسهل وجودا والأضمن نتيجة، وبالتنقيب ثَانِيًا عَن تَدْبِير إِدْخَاله فِي جسم الْأمة بحكمة تصرع العناد وَالوهم، وتتغلب على مقاومة أَعْضَاء الذَّوْق والشم.

ثمَّ أظنكم أَيهَا السَّادة تستحسنون الاكتتام الَّذِي اخْتَارَهُ أَكثر هَؤُلَاءِ الْكتاب الأفاضل، لِأَن لذَلِك محسنات بل مُوجبَات شَتَّى يَنْبَغِي أَن تستعملها جمعيتنا أَيْضا؛ فلنحرص كلنا على الاكتتام لِأَن من موجباته الْتِزَام كل منا المشرب الْعمريّ، أَعنِي القَوْل الصَّرِيح فِي النَّصِيحَة للدّين بِدُونِ رِيَاء وَلَا استحياء وَلَا مُرَاعَاة ذوق عَامَّة أَو عتاة، لِأَن حَيَاء الْمَرِيض مهلكة، وكتم الْأَمر المستفيض سخافة، وَالدّين النَّصِيحَة، وَلَا حَيَاء فِي الدّين.

وَمن مُوجبَات الاكتتام أَيْضا أَن كل مَا يخالج الْفِكر فِي مَوْضُوع مَسْأَلَتنَا مَعْرُوف عِنْد الْأَكْثَرين، وَلَكِن بِصُورَة مشتتة،

ص: 12

وَالنَّاس فِيهِ على أَقسَام، فصنف الْعلمَاء أما جبناء يهابون الْخَوْض فِيهِ، وَإِمَّا مراؤن مداجون يأبون أَن تخَالف أَقْوَالهم أَحْوَالهم. وَبَاقِي النَّاس يأنفون أَن يذعنوا لنصح نَاصح صادع غير مَعْصُوم، وَلذَلِك كَانَ القَوْل من غير معرفَة الْقَائِل أرعى للسمع وَأقرب للقبول والقناعة وأدعى للْإِجْمَاع.

ثمَّ يَا أَيهَا الإخوان: أظنكم كَذَلِك تستصوبون أَن نَتْرُك جانباً اخْتِلَاف الْمذَاهب الَّتِي نَحن متبعوها تقليداً، فَلَا نَعْرِف مآخذ كثير من أَحْكَامهَا، وَأَن نعتمد مَا نعلم من صَرِيح الْكتاب وصحيح السّنة وثابت الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ لكيلا نتفرق فِي الآراء وليكون مَا نقرره مَقْبُولًا عِنْد جَمِيع أهل الْقبْلَة، إِذْ أَن مَذْهَب السّلف هُوَ الأَصْل الَّذِي لَا يرد وَلَا تستنكف الْأمة أَن ترجع إِلَيْهِ وتجتمع عَلَيْهِ فِي بعض أُمَّهَات الْمسَائِل، لِأَن فِي ذَلِك التَّسَاوِي بَين الْمذَاهب، فَلَا يثقل على أحد نبذ تَقْلِيد أحد الْأَئِمَّة فِي مَسْأَلَة تخَالف الْمُتَبَادر من نَص الْكتاب الْعَزِيز أَو تبَاين صَرِيح السّنة الثَّابِتَة فِي مدونات الصَّدْر الأول.

وَلَا يكبر هَذَا الرَّأْي على الْبَعْض مِنْكُم؛ فَمَا هُوَ بِرَأْي حَادث بَين الْمُسلمين، بل جَمِيع أهل جَزِيرَة الْعَرَب مَا عدا أخلاط الْحَرَمَيْنِ

ص: 13

على هَذَا الرَّأْي، وَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن أهل الجزيرة وهم من سَبْعَة ملايين إِلَى ثَمَانِيَة كلهم من الْمُسلمين السلفيين عقيدة، وغالبهم الْحَنَابِلَة أَو الزيدية مذهبا، وَقد نَشأ الدّين فيهم وبلغتهم فهم أَهله وَحَمَلته وحافظوه وحماته، وقلما خالطوا الأغيار، أَو وجدت فيهم دواعي الأغراب والتفنن فِي الدّين لأجل الفخار، وَلَا يعظمن على الْبَعْض مِنْكُم أَيْضا انه كَيفَ يسوغ لِأَحَدِنَا أَن يَثِق بفهمه وتحقيقه مَعَ بعد الْعَهْد، وَيتْرك تَقْلِيد من يعرف انه أفضل مِنْهُ وَأجْمع علما وَأكْثر إحاطة واحتياطاً.

وَلَا أَظن أَن فِينَا من لَيْسَ فِي نَفسه أشكال عَظِيم فِي تحري من هُوَ الأعلم من بَين الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء والأحرى بالاعتماد على تَحْقِيقه، لوُجُود اختلافات واضطرابات مهمة بَينهم مَا بَين نفي وَإِثْبَات، حَتَّى فِي كثير من الْأُمُور التعبدية الفعلية الَّتِي مأخذها الْمُشَاهدَة المتكررة أُلُوف مَرَّات، مثل: هَل كَانَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ثمَّ جُمْهُور أَصْحَابه عَلَيْهِم الرضْوَان يصلونَ وتر الْعشَاء بِتَسْلِيمِهِ أم بتسليمتين؟ وَهل كَانُوا يقنتون فِي الْوتر أم فِي الصُّبْح؟ وَهل كَانَ المؤتمون يقرؤون أم ينصتون. وَهل كَانُوا يرفعون الْأَيْدِي

ص: 14

عِنْد تَكْبِيرَات الِانْتِقَال أم لَا يرفعون؟ وَهل يعقدون الْأَيْدِي أم يرسلونها.

فَإِذا كَانَ الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاء الأقدمون هَذَا شَأْنهمْ من التباين والتخالف فِي تَحْقِيق كَيْفيَّة عبَادَة فعلية هِيَ عماد الدّين، أَعنِي الصَّلَاة الَّتِي هِيَ من المشهودات المتكررات وَتُؤَدِّي بالجموع والجماهير، فَكيف يكون شَأْنهمْ فِي الْأَحْكَام الَّتِي تستند إِلَى قَول أَو فعل أَو سكُوت صدر عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] مرّة أَو مَرَّات فَقَط، وَرَوَاهَا فَرد أَو أَفْرَاد.

فعلى هَذَا، لَا أرى من مَانع أَن نَتْرُك النقول المتخالفة خُصُوصا مِنْهَا الْمُتَعَلّق بِالْبَعْضِ الْقَلِيل من الْأُصُول، ونجتمع على الرُّجُوع إِلَى مَا نفهمه من النُّصُوص، أَو مَا يتَحَقَّق عندنَا حسب طاقتنا أَنه جرى عَلَيْهِ السّلف، وَبِذَلِك تتحد وجهتنا ويتسنى لنا الِاتِّفَاق على تَقْرِير مَا نقرره، وَيُقَوِّي الأمل فِي قبُول الْأمة منا مَا ندعوها إِلَيْهِ.

وَإِنِّي أسلفكم أَيهَا السادات انه يَنْبَغِي أَن لَا يهولنا مَا ينبسط فِي جمعيتنا من تفاقم أَسبَاب الضعْف والفتور كَيْلا نيأس

ص: 15

من روح الله، وان لَا نتوهم الْإِصَابَة فِي قَول من قَالَ: أننا أمة ميتَة فَلَا ترجى حياتنا، كَمَا لَا إِصَابَة فِي قَول من قَالَ: " إِذا نزل الضعْف فِي دولة أَو أمة لَا يرْتَفع؛ فَهَذِهِ الرومان واليونان والأمريكان والطليان واليابان وَغَيرهَا كلهَا أُمَم أمثالنا استرجعت نشأتها بعد تَمام الضعْف وفقد كل اللوازم الأدبية للحياة السياسية، بل لَيْسَ بَيْننَا وَلَا سِيمَا عرب الجزيرة منا وَبَين أعظم الْأُمَم الْحَيَّة المعاصرة فرق سوى فِي الْعلم والأخلاق الْعَالِيَة، على أَن مُدَّة حضَانَة الْعلم عشرُون عَاما فَقَط وَمُدَّة حضَانَة الْأَخْلَاق أَرْبَعُونَ سنة.

فعلينا أَن نثق بعناية الله الَّذِي لَا يعبد سواهُ؛ وَبِهَذَا الدّين الْمُبين الَّذِي نشر لِوَاء عزه على الْعَالمين، وَلم يزل بِالنّظرِ لوضعه الإلهي دينا حَنِيفا متيناً محكماً مكيناً لَا يفضله وَلَا يُقَارِبه دين من الْأَدْيَان فِي الْحِكْمَة والنظام ورسوخ الْبُنيان.

ثمَّ أيقنوا أَيهَا الإخوان أَن الْأَمر ميسور، وان ظواهر الْأَسْبَاب وَدَلَائِل الأقدار مبشرة أَن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ، وَنَشَأ فِي الْإِسْلَام إنجاب أَحْرَار وحكماء أبرار يعد وأحدهم بِأَلف وجمعهم بِأَلف ألف. فقوة جمعية منظمة من هَؤُلَاءِ النبلاء كَافِيَة لِأَن تخرق

ص: 16

طبل حزب الشَّيْطَان، وتسترعي سمع الْأمة مهما كَانَت فِي رقاد عميق، وتقودها إِلَى النشاط وَإِن كَانَت فِي فتور مستحكم عَتيق، على أَن مَحْض انْعِقَاد جمعيتنا هَذِه لمن أعظم تِلْكَ الْمُبَشِّرَات، خُصُوصا إِذا وفقها الله تَعَالَى بعنايته لتأسيس جمعية قانونية منتظمة، لِأَن الجمعيات المنتظمة يتسنى لَهَا الثَّبَات على مشروعها عمرا طَويلا يَفِي بِمَا لَا يَفِي بِهِ عمر الْوَاحِد الْفَرد، وَتَأْتِي بأعمالها كلهَا بعزائم صَادِقَة لَا يُفْسِدهَا التَّرَدُّد؛ وَهَذَا هُوَ سر مَا ورد فِي الْأَثر من أَن يَد الله مَعَ الْجَمَاعَة، وَهَذَا هُوَ سر كَون الجمعيات تقوم بالعظائم وَتَأْتِي بالعجائب، وَهَذَا هُوَ سر نشأة الْأُمَم الغربية، وَهَذَا هُوَ سر النجاح فِي كل الْأَعْمَال المهمة، لِأَن سنة الله فِي خلقه أَن كل أَمر كليا كَانَ أَو جزئياً لَا يحصل إِلَّا بِقُوَّة وزمان متناسبين مَعَ أهميته، وان كل أَمر يحصل بِقُوَّة قَليلَة فِي زمَان طَوِيل يكون احكم وارسخ وأطول عمرا مِمَّا إِذا حصل بمزيد قُوَّة فِي زمَان قصير.

وكلنَا يعلم أَن مَسْأَلَتنَا اعظم من أَن يَفِي بهَا عمر إِنْسَان يَنْقَطِع، أَو مَسْلَك سُلْطَان لَا يطرد، أَو قُوَّة عصبية حضرية حمقاء تَفُور سَرِيعا وتغور سَرِيعا.

وَإِذا تفكرنا أَن مبدأ أعظم الْأَعْدَاد اثْنَان فَذَلِك مبدأ الجمعيات شخصان ثمَّ تتزايد حَتَّى تكمل، وتتقلب أشكالاً حَتَّى ترسخ؛ فعلى

ص: 17

هَذَا لَا يبعد أَن يتم لنا انْعِقَاد جمعية منتظمة تَنْعَقِد الآمال بناصيتها. وَلَا يَنْبَغِي الاسترسال مَعَ الْوَهم إِلَى أَن الجمعيات معرضة فِي شرقنا لتيار السياسة فَلَا تعيش طَويلا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت فقيرة وَلم تكن كغالب الأكاديميات أَي لمجامع العلمية، تَحت حماية رسمية؛ بل الْأَلْيَق بالحكمة والحزم الْإِقْدَام والثبات وتوقع الْخَيْر إِلَى أَن يتم الْمَطْلُوب.

هَذَا وَإِن شرقنا مشرق العظائم وَالزَّمَان أَبُو الْعَجَائِب، وَمَا على لله بعزيز أَن يتم لنا انتظام جمعية يكون لَهَا صَوت جَهورِي، إِذا نَادَى مؤذنها حَيّ على الْفَلاح فِي رَأس لرجاء يبلغ أقْصَى الصين صداه.

وَمن المأمول أَن تكون الحكومات الإسلامية راضية بِهَذِهِ الجمعية حامية لَهَا وَلَو بعد حِين، لِأَن وظيفتها الأساسية أَن تنهض بالأمة من وهدة الْجَهَالَة وترقي بهَا فِي معارج المعارف، متباعدة عَن كل صبغة سياسية، وسنعود لبحث الجمعية فِيمَا بعد.

ولنبدأ الْآن بتشخيص دَاء الفتور المستولي على الْأمة تشخيصاً سياسياً مدققاً، فأرجوكم أَيهَا السَّادة أَن يعْمل كل مِنْكُم فكره الثاقب فِيمَا هُوَ سَبَب الفتور، ليبين رَأْيه وَمَا يفتح الله بِهِ عَلَيْهِ فِي اجتماعاتنا الَّتِي نواليها كل يَوْم، مَا عدا يومي الثُّلَاثَاء وَالْجُمُعَة، من بعد طُلُوع

ص: 18

الشَّمْس بساعة إِلَى قبيل الظّهْر أَعنِي إِلَى مَا بعد مثل هَذَا الْوَقْت بساعة، فنفتتح كل اجْتِمَاع بِقِرَاءَة ضبط المذاكرات الَّتِي جرت فِي الِاجْتِمَاع السَّابِق ثمَّ نشرع بالمفاوضات. " وَإِنِّي أختم اجتماعنا الْيَوْم ببرنامج الْمسَائِل الأساسية الَّتِي تَدور عَلَيْهَا مذاكرات جمعيتنا، وَيَنْبَغِي لكل منا أَن يفتكر فِيهَا ويدرسها وَهِي عشر مسَائِل:

1 -

مَوضِع الدَّاء.

2 -

إِعْرَاض الدَّاء.

3 -

جراثيم الدَّاء.

4 -

مَا هُوَ الدَّاء.

5 -

مَا هِيَ وَسَائِل اسْتِعْمَال الدَّوَاء.

6 -

مَا هِيَ الإسلامية.

7 -

كَيفَ يكون التدين بالإسلامية.

8 -

مَا هُوَ الشّرك الْخَفي.

9 -

كَيفَ تقاوم الْبدع.

10 -

تَحْرِير قانون لتأسيس جمعية تعليمية.

وَلما انْتهى خطاب الْأُسْتَاذ الرئيس، وانتهت الجلسة، قَالَ السَّيِّد

ص: 19

الفراتي: إِنِّي أرى أَن يُقيد كل منا هَذِه الْمسَائِل الْعشْر فِي جَانب من ورقة التراجم ليَكُون الْقَيْد تذكرة لَهُ، فخف أَرْبَعَة مِنْهُم نَحْو المكتبة وَأخذ كل قَلما وَقيد فهرست الْمسَائِل، ثمَّ توالي الْبَاقُونَ على ذَلِك؛ وعندما فرغوا من التَّحْرِير خاطبهم السَّيِّد الفراتي بقوله: إِنِّي أغتنم تشريفكم الأول لمحلي وَسِيلَة لضيافتكم، وَقد أَعدَدْت مَا يتسهل إعداده لغريب مثلي فِي مثل هَذِه الْبَلدة الْمُبَارَكَة، ثمَّ خرج بهم إِلَى مَحل الْمَائِدَة، وَكَانَ حَدِيثهمْ على الطَّعَام استقصاء أَخْبَار مهتدي ليفربول من السعيد الإنكليزي، وَبعد أَن طعموا عرض عَلَيْهِم الشاي والقهوة وَالشرَاب المثلوج، فَكل اخْتَار مَا ألف واحب، ثمَّ انصرفوا أَزْوَاجًا وفرادى مجيبين دَعْوَة خير الدعاة، إِذْ كَانَ قد دنا وَقت الصَّلَاة.

ص: 20