المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌حرف الميم 2965/ 7758 - " ماءُ الرجل أبيض وماء المرأةِ - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - جـ ٥

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: ‌ ‌حرف الميم 2965/ 7758 - " ماءُ الرجل أبيض وماء المرأةِ

‌حرف الميم

2965/ 7758 - " ماءُ الرجل أبيض وماء المرأةِ أصفرُ، فإذا اجتمَعَا فَعلَا مَنِىُّ الرجُلِ مَنِى المرأةِ أذكرَا بإذنِ اللَّهِ، وإذا عَلَا مِنى المرأة منى الرجلِ أنَّثَا بإذنِ اللَّهِ".

(م. ن) عن ثوبان

قال الشارح: بالضم مولى المصطفى.

قلت: هذا خطأ فاحش غريب بل هو بفتح الثاء وهو أمر ضرورى لكل من ينطق بهذا الاسم حتى عن العوام والحديث خرجه أيضًا الطحاوى في مشكل الآثار (3/ 275).

ورواه أبو يعلى عن حديث جابر بن عبد اللَّه بسياق غريب فقال:

حدثنا أبو موسى الهروى عن العباس بن الفضل الأنصارى عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن على عن جابر بن عبد اللَّه قال: "كنت مع رسول اللَّه

ص: 397

-صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأقبلنا راجعين في حر شديد فنحن متفرقون بين واحد واثنين منتشرين وكنت في أول العسكر إذ عارضنا رجل فسلم ثم قال: أيكم محمد؟ ومضى أصحابى ووقفت معه فإذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر مقنع بثوب على رأسه من الشمس فقلت: أيها السائل هذا رسول اللَّه قد أتاك قال: أيهم هو؟ فقلت: صاحب البكر الأحمر فدنا منه فأخذ بخطام راحلته فكف عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أنت محمد؟ قال: نعم، قال: إنى أريد أن أسألك عن خصال لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سل عما شئت، قال: يا محمد أينام النبي؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه، قال: صدقت، ثم قال: يا محمد من أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق، فأى المائين غلب على الآخر نزع الولد، فقال: صدقت، فقال: ما للرجل من الولد وما للمرأة منه؟ فقال: للرجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللحم والدم والشعر، قال: صدقت، ثم قال: يا محمد ما تحت هذه يعنى الأرض؟، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: خلق، فقال: فما تحتهم؟ قال: أرض، قال: فما تحت الأرض؟ قال: الماء، قال: فما تحت الماء؟ قال: ظلمة، قال: فما تحت الظلمة؟ قال: الهواء: قال: فما تحت الهواء؟ قال: الثرى، قال: فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالبكاء وقال: انقطع علم الخلق عند علم الخالق أيها السائل ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فقال: صدقت أشهد أنك رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس هل تدرون من هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قالوا: هذا جبريل صلى الله عليه وسلم".

قال ابن كثير في التفسير [1/ 186، 2/ 62، 5/ 269]: هذا حديث غريب

ص: 398

جدا وسياق عجيب تفرد به القاسم بن عبد الرحمن وقد قال فيه ابن معين: ليس يساوى شيئًا، وضعفه أبو حاتم الرازى، وقال ابن عدى: لا يعرف اهـ.

وقد خلط في هذا الحديث ودخل عليه شيء في شيء وحديث في حديث، وقد يحتمل أنه تعمد ذلك أو أدخل عليه فيه اهـ.

قلت: وأصل هذا حديث ثوبان المذكور في المتن فإن سبب وروده سؤال حبر من أحبار اليهود مع حديث ابن عباس في مسند أحمد [1/ 278] عن هاشم بن القاسم:

ثنا عبد الحميد ثنا شهر قال ابن عباس: "حضرت عصابة من اليهود نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يوما فقالوا: يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمهن إلا نبي. . . " الحديث بطوله، وفيه السؤال عن أى الطعام حرم إسرائيل على نفسه وعن ماء المرأة وماء الرجل وعن نوم النبي الأمى ومن وليه من الملائكة، ورواه الدارقطنى في الإفراد من طرلى إبراهيم بن طهمان عن مسلم الأعور عن مجاهد عن ابن عباس، وفي الباب عن غيرهما.

2966/ 7759 - "ماءُ زمزمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ".

(ش. حم. هـ. هق) عن جابر، (هب) عن ابن عمرو

قال في الكبير: هذا الحديث فيه خلاف طويل وتأليفات مفردة، قال ابن القيم: والحق أنه حسن وجزم البعض بصحته، والبعض بوضعه مجازفة اهـ. وقال ابن حجر: غريب حسن لشواهده، وقال الزركشى: أخرجه ابن ماجه بإسناد جيد، وقال الدمياطى: إنه على رسم الصحيح.

قلت: الذي أفرده بالتأليف الحافظان شرف الدين الدمياطى ثم شهاب الدين ابن حجر العسقلانى، وأفرده من أهل العصر بعض مجيزينا بتأليف سماه إزالة

ص: 399

الدهش والوله عن المتحير في صحة حديث ماء زمزم لما شرب له، إلا أنه ما أزال الحيرة ولا الدهش، لأنه على طريقة المقلدة المتأخرين الذي حسبهم نقل أقوال من سبقهم مكررة متناقضة متضاربة لقصورهم وعدم سلوكهم طريق النظر والاستدلال في كل فن من الفنون يدرسونه أو يرومون الكتابة في مسألة من مسائله وإنما كبر الرسالة بالأبحاث في اللغة وتعريف الماء وتاريخ زمزم وأطرف المسألة وفوائد خارجة عن الموضوع لا مسيس لها بالحديث أصلا، بل ولا بالعلم الصحيح وإنما هي بخرافات السمار وحكايات الجلاس أشبه منها بمسائل العلم المقبول، والحديث أول من صححه سفيان بن عيينة في حكاية رواها عنه الدينورى في المجالسة فقال في الجزء الرابع منها:

حدثنا محمد بن عبد الرحمن حدثنا الحميدى قال: كنا عند سفيان بن عيينة فحدثنا بحديث زمزم إنه لما شرب له، فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال له: يا أبا محمد أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم "إنه لما شرب له" صحيحا فقال سفيان: نعم، فقال الرجل: فإنى شربت الآن دلوا من زمزم على أنك تحدثنى بمائة حديث، فقال سفيان: اقعد فحدثه بمائة حديث اهـ.

وسفيان بن عيينة له في هذا الحديث سندان، أحدهما: عن عبد اللَّه بن مؤمل عن أبي الزبير عن جابر، رواه الخطيب من طريق الحافظ أبي العباس ابن عقدة:

حدثنى محمد بن القاسم المدائنى ثنا مجاهد بن موسى حدثنا قبيصة عن سفيان به.

وثانيهما: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مطولا باللفظ الثانى المذكور في المتن، رواه الدارقطنى [2/ 289] والحاكم [1/ 473] من رواية محمد بن حبيب الجارودى عن سفيان.

ص: 400

فأما السند الأول فهو مشهور عن عبد اللَّه بن المؤمل رواه عنه جماعة منهم على ابن ثابت وعبد اللَّه بن الوليد والوليد بن مسلم ومعن بن عيسى القزاز وسعيد وسليمان، فرواية على بن ثابت وعبد اللَّه بن الوليد رواها عنهما أحمد في مسنده [3/ 357] ففرقهما.

ورواية الوليد بن مسلم خرجها ابن ماجه [رقم 3062] عن هشام بن عمار عنه.

ورواية معن بن عيسى رواها الحكيم الترمذى في نوادر الأصول في الأصل الثامن والخمسين ومائة (1) عن محمد بن مقاتل عنه.

ورواية سعيد بن سليمان رواها البيهقى من طريق أحمد بن عبيد صاحب المسند عن الباغندى وأحمد بن حاتم المروزى كلاهما عنه [5/ 148]، وإذ هو مشهور عن عبد اللَّه بن المؤمل فلم ييق النظر إلا فيه وفي تدليس أبي الزبير أما أبو الزبير فقد صرح بالسماع في رواية ابن ماجه، وأما عبد اللَّه بن المؤمل فقال ابن معين في رواية عباس الدورى: صالح الحديث، وقال في رواية ابن أبي مريم لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال ابن وضاح: سمعت ابن نمير يقول: عبد اللَّه بن المؤمل ثقة، وقال غيره: هو سئ الحفظ ما علمنا له جرحة تسقط عدالته، وذكره ابن حبان في الثقات وأعاده في الضعفاء اعتمادا منه على أنهما اثنان وهما واحد على أن ذكره إياه في الضعفاء [2/ 27، 28] لم يكن عن جزم منه بضعفه، بل ذكره لأنه لم يتبين له حاله لقلة روايته فقال فيه: كان قليل الحديث منكر الرواية لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، لأنه لم يتبين عندنا عدالته فنقبل ما انفرد به وذلك أنه قليل الحديث لم يتهيأ اعتبار حديثه يحديث غيره لقلته فنحكم له بالعدالة أو الجرح.

(1) هو في الأصل السابع والخمسين والمائة من المطبوع (2/ 31).

ص: 401

هذا نص كلامه وهو صريح في أنه لم يعرف حاله فلذلك أدخله في الضعفاء وعند اعتبار حديثه ظنَّ أنه غيره فذكره في الثقات، فتوثيقه هو المعتبر لأنه مبنى على دليل بخلاف التضعيف، وكيفما كان الحال فقد اتفق جماعة على توثيقه مع وجود من خالفهم فيه وهذا شرط الحسن.

فيكون هذا السند على انفراده حسنا، لأن راويه لم يتهم بكذب ولم يتفق على ضعفه بل وثقه جماعة وفي مقدمتهم سفيان بن عيينة الذي روى الحديث عنه وعن غيره، وصححه كما سبق لأنه بمتابعة غيره إياه ارتفع حديثه إلى درجة الصحيح كما حكم به سفيان بن عيينة، لأنه لم ينفرد به بل تابعه عليه حمزة الزيات وإبراهيم بن طهمان.

فرواية حمزة رواها عبد اللَّه بن المغيرة عنه عن أبي الزبير ذكرها الذهبى، وعزاها الحافظ في الفتح للبيهقى في السنن وهو واهم في ذلك فإنى لم أرها في السنن.

ورواية إبراهيم بن طهمان رواها البيهقى في السنن من طريق أبي محمد أحمد ابن إسحاق بن شيبان البغدادى [5/ 202]:

أنا معاذ بن نجده ثنا خلاد بن يحيى ثنا إبراهيم بن طهمان ثنا أبو الزبير قال: "كنا عند جابر بن عبد اللَّه فتحدثنا فحضرت صلاة العصر فقام فصلى بنا في ثوب واحد قد تلبب به ورداؤه موضوع، ثم أتى بماء زمزم فشرب ثم شرب فقالوا: ما هذا؟ قال: هذا ماء زمزم، وقال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له" الحديث، وهذا سند حسن إن شاء اللَّه لأن رجاله كلهم ثقات إلا أحمد بن إسحاق بن شيبان فإنى لم أعرفه على أنه لم يذكر في الضعفاء.

فقول الحافظ في التلخيص [2/ 268]: إن هذا الحديث لم يصح عن إبراهيم ابن طهمان لا يخلوا من تعنت وقد سكت الذهبى في المهذب على هذا السند ولم يغمز أحدا من رجاله بشيء فهذه متابعة تامة جيدة لعبد اللَّه بن المؤمل،

ص: 402

وله مع ذلك متابعة قاصرة من رواية محمد بن المنكدر عن جابر أخرجها الخطيب في التاريخ من طريق يوسف بن القاسم الميانجى عن القاسم بن محمد ابن عباد عن سويد بن سعيد قال: رأيت عبد اللَّه بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منه شربة ثم استقبل الكعبة ثم قال: اللهم إن ابن أبي الموالى.

حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ("ماء زمزم لما شرب له"، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة ثم شربه).

ومن هذا الطريق أخرجه أيضًا البيهقى في الشعب [3/ 481 - 482، رقم 4128] وهو طريق ظاهره الصحة بعد اعتماد توثيق سويد، ولهذا صححه الحافظ شرف الدين الدمياطى لكن تعقبه الحافظ في التلخيص [2/ 510] بأن سويدا ضعيف جدا، وإن كان مسلم قد أخرج له في المتابعات، وأيضًا فكان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه، وكذلك أمر أحمد بن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ولما أن عمى صار يلقن فيتلقن حتى قال يحيى بن معين: لو كان لى فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير، قال: وقد خلط هذا الإسناد وأخطأ فيه على ابن المبارك وإنما رواه ابن المبارك عن بن المؤمل عن أبي الزيير، كذلك رويناه في فوائد أبي بكر بن المقرى من طريق صحيحة، فجعله سويد عن ابن أبي الموالى عن ابن المنكدر، واغتر الحافظ شرف الدين الدمياطى بظاهر هذا الإسناد فحكم بأنه على رسم الصحيح، لأن ابن أبي الموالى انفرد به البخارى، وسويدا انفرد به مسلم، وغفل عن أن مسلما إنما خرج لسويد ما توبع عليه لا ما انفرد به فضلا عما خولف فيه اهـ. كذا قال.

وهذا في الحقيقة غفلة منه لا من الحافظ الدمياطى فإن سويد بن سعيد ثقة صدوق وثقه أحمد وأبو حاتم ويعقوب بن شيبة وصالح بن محمد والعجلى ومسلم: وقال مسلمة: هو ثقة ثقة ومن تكلم فيه عدا ابن معين فإنما وصفه

ص: 403

بالخطأ وقبول التلقين بعد العمى وهى دعاوى يدعونها دون أن يقيم أحد منهم عليها حجة، أما ابن معين فالظاهر أنه حقد عليه لروايته أحاديث في ذم الرأى وأهله كحديث:"من قال في ديننا برأيه فاقتلوه"، وحديث:"تفترق هذه الأمة بضعا وسبعين فرقة شرها قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال"، فكان يحيى بن معين يرى أن في رواية مثل هذا تعريضا بأبى حنيفة الذي كان هو مقلدا له، وقد تكلم فيه أيضًا لأجل روايته عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سعيد مرفوعًا:"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، وادعى ابن معين أن هذا باطل عن أبي معاوية، قال الدارقطنى [2/ 289]: فلم يزل يظن أن هذا كما قال يحيى حتى دخلت مصر فوجدت هذا الحديث في مسند أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادى المنجنيقى وكان ثقة رواه عن أبي كريب عن أبي معاوية كما قال سويد سواء وتخلص سويد اهـ.

فبان أن ابن معين إنما يتكلم بالظن الذي [لا](1) يغنى من الحق شيئًا وأنه لا ينطق عن دليل وبرهان ويحمله مخالفة المذهب على التشديد في عبارة الجرح كقوله: لو كان لى فرس ورمح لغزوت سويد بن سعيد وما كان هذا سبيله ينبغى أن يرمى ولا يلتفت إليه، وهذا حديث الفرقة قد حدث به نعيم بن حماد أيضًا، ودعواهم أن سويدا سرقه منه هو من ظنونهم التي لا تغنى من الحق، أما كونه كان يقبل التلقين بعد العمى فهذا بعد تسليم أصله لا يلزم منه أن يكون التلقين دخل عليه في جميع أحاديثه ولا سيما هذا، فإنه لا يمكن دخول التلقين فيه، لأنه يحكى فيه قصة وقعت لابن المبارك وكان هو حاضرا وشاهدا لها فكيف يدخل عليه التلقين فيما شاهده وحفظ صورته، بل لا يخلو الحال في ذلك من أمرين لا ثالث لهما إما أن يكون صادقا في ذلك، وإما أن

(1) في المخطوط "بالظن الذي يغنى".

ص: 404

يكون كاذبا والكذب لم يتهمه به أحد ممن عاصره ولا ممن جاء بعده فلم يبق إلا أنه صادق، وكون ابن المبارك روى هذا الحديث عن عبد اللَّه بن المؤمل لا يمغ من كوته رواه عن ابن أبي الموالى كما أن سفيان بن عيينة إذ رواه عن ابن أبي نجيح لا يمنع من كونه رواه عن ابن المؤمل لا سيما ولكل من الشيخين إسناد، فابن المؤمل رواه عن أبي الزبير، وابن أبي الموالى رواه عن ابن المنكدر، وقد كان كبار الحفاظ الأقدمين لايعدون عندهم الحديث ما لم يكتبونه من طرق متعددة لاسيما ومحمد بن المنكدر من ألزم الناس لجابر بن عبد اللَّه وأرواهم عنه وأحفظهم لحديثه، فكيف لا يكون عنده مثل هذا الحديث خصوصا وقد أخير أبو الزبير أن جابرا حدث به الجماعة وهم عنده؟! ويبعد غالبا أن يغيب عنهم ابن المنكدر، وإذا كان عند ابن المنكدر فيبعد كل البعد أن لا يحدث به.

فما ذكره الحافظ هو إلى المغالطة أقرب منه إلى التحقيق، وقد صرح هو بان له طريقا آخر عن أبي الزبير أيضًا أخرجه الطبرانى في الأوسط، فهذه أربعة طرق عن أبي الزبير عن جابر، وطريق من رواية محمد بن المنكدر عنه، فهو إذا على شرط الصحيح فكيف إذا ضم إليه حديث ابن عباس الذي هو على شرط الصحيح أيضًا فإن الحاكم لما خرجه في المستدرك قال [1/ 473]: هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودى.

قلت: والجارودى صدوق كما قال الخطيب وابن القطان والذهبى في ترجمة عمر بن الحسن الأشنانى وجماعة آخرهم الحافظ إلا أنه زعم أن الجارودى أخطأ في وصله وإنما رواه ابن عيينة موقوفًا على مجاهد، كذلك حدث به عنه حفاظ أصحابه كالحميدى وابن أبي عمر العدنى وسعيد بن منصور وغيرهم اهـ.

وهذا أيضًا غير مقبول من الحافظ لوجوه، أحدها: أن هذا مما لا مجال للرأى

ص: 405

فيه لا من مجاهد ولا من ابن عباس فهو مرفوع في الأصل ولابد.

ثانيها: أن محمد بن حبيب صدوق كما اعترف به الحافظ، وإذا تعارض الوقف والرفع فالقول قول الرافع لأنه الأصل ولأن معه زيادة.

ثالثها: أن هؤلاء الثلاثة قد علم من صنيعهم في مؤلفاتهم هم وسائر الأقدمين من طبقتهم كمالك وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وابن المبارك وأنهم يؤثرون الموقوفات والمقاطيع والمراسيل على المرفوعات والموصولات فكم من حديث موصول مرفوع في الصحيحين والسنن تجده في هذه الكتب موقوفًا ومرسلا من نفس الطريق التي هو منها موصول ومرفوع في الصحيحين، وجل المقاطيع والمراسيل والموقوفات في موطأ مالك موصولة مرفوعة في الصحيحين والسنن وربما من طريق مالك نفسه فلا يدل ذلك على ضعف ما في الصحيحين والسنن، فكذلك هنا.

رابعها: أن الحميدى الذي روى الحديث موقوفًا عن ابن عيينة قد حكى في تلك الحكاية عن ابن عيينة أنه صححه وحقق مدلوله في تحديث السائل بمائة حديث وذلك لا يتهيأ لا له ولا للسائل العمل به لو لم يكن عنده مرفوعًا.

خامسها: أن الحاكم ذكر آخر حديث محمد بن حبيب الجارودى قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: اللهم أسألك علما نافعا ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء اهـ.

وهذه الزيادة قد رويت عن ابن عباس من وجه آخر من طريق عكرمة قال الدارقطنى [2/ 357]:

حدثنا محمد بن مخلد ثنا عباس الترقفى ثنا حفص بن عمر العدنى حدثنى الحكم عن عكرمة قال: كان ابن عباس إذا شرب من زمزم قال: اللهم إنى أسألك علما نافعا، مثل رواية الحاكم فهذا يدل على أن الحديث عن ابن

ص: 406

عباس، لأنه ما كان يدعو عند شربه بهذه الدعوات إلا لروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه لما شرب له"، فرواية عكرمة شاهدة لحديث محمد بن حبيب الجارودى في أن الحديث عن ابن عباس وأنه مرفوع، وقد حصلت من الذهبى غفلة عظيمة في هذا الحديث فقال في ترجمة عمر بن الحسن الأشنانى من الميزان [3/ 185، رقم 6071]: ويروى عن الدارقطنى أنه كذاب ولم يصح هذا ولكن هذا الأشنانى صاحب بلايا فمن ذلك قال الدارقطنى:

ثنا عمر بن الحسن بن على ثنا محمد بن هشام المروزى هو ابن أبي الدميك موثق ثنا محمد بن حبيب الجارودى ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا: "ماء زمزم لما شرب له إن شربت لتستشفى به شفاك اللَّه. . . " الحديث، وابن حبيب صدوق، فآفة هذا هو عمر، ولقد آثم الدارقطنى بسكوته عنه فإنه بهذا الإسناد باطل ما رواه ابن عيينة قط بل المعروف حديث عبد اللَّه بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر مختصرا اهـ.

ونسى الذهبى أن الحاكم خرجه في المستدرك [1/ 473] عن على بن حمشاد العدل عن محمد بن هشام المروزى، فبرئ الأشنانى من عهدته وأقر هو ذلك في تلخيص المستدرك، ولهذا تعقبه الحافظ في اللسان فقال [4/ 291]: بل الذي يغلب على الظن أن المؤلف -يعنى الذهبى- هو الذي أثم بتأثيمه الدارقطنى فإن الأشنانى لم ينفرد بهذا بل تابعه عليه على بن حمشاد في مستدرك الحاكم، ولقد عجبت من قوله: ما رواه ابن عيينة قط مع أنه رواه عنه الحميدى وابن أبي عمر وسعيد بن منصور وغيرهم من حفاظ أصحابه إلا أنهم أوقفوه على مجاهد، لم يذكروا ابن عباس فيه فغايته أن يكون محمد بن حبيب وهم في رفعه اهـ.

وفي الباب أيضًا عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص إلا أنهما واهيان بالمرة.

ص: 407

فحديث عبد اللَّه بن عمر قال الحاكم في التاريخ:

حدثنا محمد بن صالح ثنا محمد بن إبراهيم -يعنى ابن مقاتل- ثنا أحمد بن صالح الشمومى بمكة ثنا عبد اللَّه بن نافع عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له"، وأحمد بن صالح الشمومى قال ابن حبان: كذاب يضع الحديث.

وحديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عزاه الحافظ السيوطى للبيهقى في الشعب [3/ 481، رقم 4127]، ولم أقف على سنده، ويقول عنه الحافظ السخاوى: إنه واه، وقد عزاه صاحب إزالة الدهش لأبي داود الطيالسى في المسند فوهم في ذلك.

2967/ 7760 - "ماءُ زمزمَ لِما شُرِبَ لَهُ، فإن شربْتَه تستَشْفِى بِهِ شفاك اللَّه، وإن شربتَهُ مستعيذًا أعاذَكَ اللَّهُ، وإن شربتَهُ لتقطَعَ ظَمأَكَ قطعَهُ اللَّهُ، وإن شربتَهُ لِشبعكَ أشبعَكَ اللَّهُ، وَهِى هَزْمَةُ جبريلَ وسقيا إسماعيلَ".

(قط. ك) عن ابن عباس

قال في الكبير: كلاهما من حديث عمر بن الحسن الأشنانى عن محمد بن هشام. . . إلخ.

قلت: هذا غلط فإن الذي رواه عن عمر بن الحسن هو الدارقطنى [2/ 289] فقط أما الحاكم فرواه عن على بن حمشاد العدل عن محمد بن هشام [1/ 473]، والعجب أن الشارح نقل كلام الذهبى وأشار إلى تعقب الحافظ عليه، وفي تعقب الحافظ التصريح بأن الحاكم لم يروه عن الأشنانى ومع ذلك قال الشارح: إنه رواه عنه.

ص: 408