الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خِلَافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} (1).
ما هذا الوعيد الهادر (2) من طاغية جبار يقول للناس: أنا ربكم الأعلى، وما علمت لكم من إلهٍ غيري.
إن أمواجه تتحطّم على يقين المؤمنين الذين وقفوا كالجبال الشمّ، ولكنهم توجهوا إلى الله ليثبّتهم، ويلقي في قلوبهم السكينة، ويفرغ عليهم الصبر:{قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَاّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (3).
العائق الثالث: استبطاء النصر والفرج:
لقد جعل الله سبحانه وتعالى العاقبة للمتقين، وكتب لهم التمكين في الأرض؛ ليكون الدين كله لله، ولكن هذه المنزلة لن يبلغها المؤمنون بين عشيةٍ وضحاها.
متى نصر الله؟ استبطاءً له، واستعجالاً لمجيئه؛ هنالك يجيء الغوث للملهوف، والفرج للمكروب، فتفرح القلوب - ألا إن نصر الله قريب.
(1) سورة الأعراف، الآيتان: 123 - 124.
(2)
الهادر: هدر البعير هدراً، أي ردد صوته في حنجرته، ويضرب لمن يصيح ويجلب. القاموس المحيط، (هدر).
(3)
سورة الأعراف، الآيتان: 125 - 126.
(4)
سورة البقرة، الآية:214.
وليعلم المسلم أن في تأخير الفرج لطائف وأسراراً، منها:
1 -
أن الكرب كلما اشتدّ كان الفرج قريباً كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} (1).
2 -
أن الكرب كلما اشتدّ وجد اليأس من كشفه من جهة المخلوق، وازداد التعلق بالخالق حتى يصل العبد إلى محض التوكل الذي هو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، كما قال تعالى:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} (2).
3 -
أن الكرب كلما اشتدّ فإن العبد حينئذ يحتاج إلى زيادة مجاهدة الشيطان لأنه يأتيه فيقنِّطه، ويسخِّطه، فيحتاج العبد إلى مجاهدته ودفعه، فيحوز ثواب مجاهدة عدوّه ودفعه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي فَيَدع الدعاء)) (3).
واعلم أخا الإيمان أن المؤمن كلما استبطأ الفرج واستيأس منه ولاسيما بعد كثرة الدعاء وإلحاح التضرع ولم تظهر له إجابة رجع إلى نفسه
(1) سورة يوسف، الآية:110.
(2)
سورة الطلاق، الآية:3.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، برقم 6340، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل، فيقول: دعوت فلم يستجب لي، برقم 2735.