الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشغلها بما ينفعه شغلته بما يضره ولابد.
عاشراً: ثبات شجرة الإيمان في القلب، وهو الجامع لهذه الأسباب كلها: فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتمّ، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر. والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
المطلب الثالث: طرق تحصيل الصبر على الطاعات
والصبر على الطاعة ينشأ من معرفة أسباب الصبر عن المعاصي السابقة، ومن معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة، ومن أقوى أسبابها الإيمان والمحبة، فكلما قوي داعي الإيمان والمحبة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم في القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.
المطلب الرابع: طرق تحصيل الصبر على المصيبة والبلاء وأقدار الله المؤلمة
كثيرة، منها الطرق الآتية:
أولاً: معرفة جزائها وثوابها
(1).
ثانياً: العلم بتكفيرها للسيئات ومحوها لها
(2).
ثالثاً: الإيمان بالقدر السابق الجاري بها، وأنها مقدرة في أم الكتاب قبل أن يُخلق فلابد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.
(1) انظر: الدعاء والعلاج بالرقى للمؤلف، ص127 - 131؛ فإن فيه أدلة من الكتاب والسنة على علاج المصيبة ينبغي أن يستحضرها من أصيب بمصيبة، وانظر أيضاً: تبريد حرارة المصيبة للمؤلف.
(2)
انظر: تبريد حرارة المصيبة للمؤلف، وزاد المعاد، 4/ 188 - 196.
رابعاً: معرفة حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلابد له منه وإلا تضاعف عليه.
خامساً: العلم بترتبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير} (1).
فهذا عام في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم أسباب دفع تلك المصيبة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة)) (2).
سادساً: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه، فإن لم يوفِّ قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.
سابعاً: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواءٌ نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطه وشكواه فيذهب نفعه باطلاً.
ثامناً: أن يعلم أن في عُقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء
(1) سورة الشورى، الآية:30.
(2)
ذكره الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص457 وبحثت عنه كثيراً فلم أجد من خرجه.
ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال الله تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1)، {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (2).
تاسعاً: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه؛ فيتبين حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
عاشراً: أن يعلم أن الله يربِّي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال؛ فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال وقال:((اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) (3).
فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر.
نسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه بمنّه وكرمه (4).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) سورة البقرة، الآية:216.
(2)
سورة النساء، الآية:19.
(3)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، برقم 1522، والنسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، برقم 1302، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 690، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 284، وفي صحيح الأدب المفرد، برقم 533.
(4)
انظر: كتاب طريق الهجرتين، وباب السعادتين لابن القيم، ص448 - 459، وانظر: زاد المعاد، له، 4/ 188 - 196، وعدة الصابرين، له أيضاً، ص76 - 86.