الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقاتل صلى الله عليه وسلم في المعركة، وكان من أشدِّ الخلق وأقواهم وأشجعهم، ومعه أبو بكر رضي الله عنه كما كانا في العريش يُجاهِدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا فحرضا، وحثا على القتال، وقاتلا بالأبدان جمعاً بين المقامين الشريفين (1).
وكان أشجع الناس الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:((لقد رأَيْتُنَا يوم بدر، ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً)) (2).
وعنه رضي الله عنه قال: ((كنا إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون أحدنا أدنى إلى القوم منه)) (3).
الصورة الثانية: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:
من مواقفه في الشجاعة أيضاً، وصبره على أذى قومه ما فعله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، فقد كان يقاتل قتالاً عظيماً؛ فإن الدولة كانت أول النهار للمسلمين على المشركين، فانهزم أعداء الله وولَّوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرماة هزيمتهم تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وذلك أنهم ظنوا أنه ليس للمشركين رجعة، فذهبوا في طلب الغنيمة، وتركوا الجبل فكرّ فرسان المشركين فوجدوا الثغر خالياً قد خلا من الرُّماة فجازوا منه، وتمكنوا حتى أقبل آخرهم فأحاطوا بالمسلمين، فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة، وهم سبعون، وتولَّى الصحابة،
(1) انظر: البداية والنهاية، 3/ 278.
(2)
أخرجه أحمد في المسند، 1/ 86، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 143.
(3)
الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي،2/ 143،وعزاه ابن كثير في البداية والنهاية،3/ 279،إلى النسائي.
وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه، وكسروا رباعيَّته اليمنى، وكانت السفلى، وهشموا البيضة على رأسه، وقاتل الصحابة دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وكان حول النبي صلى الله عليه وسلم رجلان من قريش، وسبعة من الأنصار، فقال صلى الله عليه وسلم لما رهقوه، وقربوا منه:((من يردّهم عنَّا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة))، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتِلَ، ثم رهقوه أيضاً فقال:((من يردّهم عنَّا وله الجنة))،فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتِلَ، فلم يزل كذلك حتى قُتِلَ السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه:((ما أنصفنا أصحابنا)) (2).
وعندما اجتمع المسلمون، ونهضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشعب الذي نزل فيه، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعلي، والحارث بن الصّمة الأنصاري وغيرهم، فلما استندوا إلى الجبل أدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أُبَيُّ بن خلف، وهو على جواد له، ويقول: أين محمد، لا نجوت إن نجا؟ فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتركه، فلما دنا منه تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر ترقوته من فرجةٍ بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه فيها طعنة تدحرج منها عن فرسه مراراً، فلما رجع عدو الله إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشاً غير كبير
…
قال: قتلني والله محمد، فقالوا له: ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس، قال: إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق
(1) انظر: زاد المعاد، 3/ 196، 199، والرحيق المختوم، ص255، 256.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد، 3/ 1415، برقم 1789.