الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى ولو كان ذلك ببذل أحبّ الأشياء إليهم.
الصورة التاسعة: صبر أنس بن النضر:
عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يارسول الله غبتُ عن أول قتال قاتلتَ فيه المشركين، والله لئن أشهدني الله قتال المشركين ليريَنّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني المسلمين -، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء -يعني المشركين-، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقاتلهم حتى قتل. قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة: من بين ضربة بسيف وطعنة برمح، ورمية بسهم وقد مَثَّلوا به، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه. ونزلت هذه الآية:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} (1). قال فكنا نقول: نزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه (2).
الصورة العاشرة: صبر عمير بن الحُمَام:
ويدل على رغبة الصحابة رضي الله عنهم فيما عند الله ما فعل عُمير بن الحُمام في
(1) سورة الأحزاب، الآية:23.
(2)
البخاري مع الفتح في كتاب الجهاد، باب قول الله عز وجل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} ، 6/ 21، برقم 2805،
7/ 354، برقم 4048،. وانظر: البخاري مع الفتح، 8/ 518، برقم 4783، والبداية والنهاية، 4/ 31 - 34، والإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 74، وهذا الحبيب يا محب، ص269.
بدر حينما سمع رسول الله يقول لأصحابه: ((قومُوا إلى جَنّةٍ عرضُهَا السّموات والأرضُ)) فقال: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: ((نعم)). قال: بخ بخ (1)، فقال صلى الله عليه وسلم:((ما يحملك على قولك بخ بخ؟))، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: ((فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه (2) فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل من تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل (3).
وهذه النماذج تدل على صبر الصحابة وحكمتهم العظيمة، وصدقهم مع الله ورغبتهم فيما عنده - سبحانه - من الثواب وزهدهم في الدنيا.
والصحابة رضي الله عنهم لهم مواقف حكيمة كثيرة لا تُحْصَى، ولكن ما ذكرته هنا من مواقفهم ما هو إلا بعض الأمثلة اليسيرة من المواقف الحكيمة التي تدل على حكمتهم ويستفيد منها الدعاة إلى الله -تعالى -.
وأسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا. والله المستعان.
(1) كلمة تقال لتعظيم الأمر وتفخيمه في الخير. انظر: شرح النووي، 13/ 45.
(2)
أي جعبة النشاب. انظر: شرح النووي، 13/ 46.
(3)
مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، 3/ 1510، برقم 1901.