الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يلومها، قائلاً: إنما أُتيتُ من قِبَلِكِ.
وهذا اللّوم أحبّ إلى الله من أكثر الطاعات لأنه يورث انكسار العبد الصالح لربِّه، فلذلك يسرع إليه الفرج ويتواثب إليه اليسر؛ لأن الله يجبر المنكسرة قلوبهم لأجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.
قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ الله قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (1).
المطلب الثاني: الصبر عن المعاصي والمحرمات
إذا أخذت الدنيا زينتها وأقبلت على الإنسان تتراقص كالحسناء اللعوب، ونشرت شهواتها ذات اليمين وذات الشمال، فهذا لون جديد من الابتلاء، إنه فتنة السرَّاء؛ لأن الله يبلو عباده بالشر والخير.
قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (2).
انظر رحمك الله لقد جعل ذو الجلال والإكرام التنعيم والإكرام ابتلاءً كالتضييق في الرزق سواء.
ولذلك فالعبد محتاج إلى الصبر عن ملاذ الدنيا وشهوات النفس، فلا يطلق لها العنان لتسترسل وراء شهواتها من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث.
وثمة أمر آخر للصبر في هذا المجال إنه الصبر عن التطلُّع إلى دنيا
(1) سورة النمل، الآية:62.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:35.
الآخرين، والاغترار بما ينعمون به من مال وبنين.
ولا تظن أيها العبد القانع بما آتاه الله أن ما في أيدي الطغاة العتاة المغرورين نعم .. إنها نقم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ألم تقرأ قول الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} (2).
وهذا هو المثال لا يزال شاخصاً للذين يعتبرون في كل القرون، لقد خرج قارون الذي ملك الكنوز ذات المفاتيح التي تنوء بالعصبة أولي القوة
…
خرج على قومه في كامل زينته، وأبهى حلته، وفخامة موكبه ومركبه. فقال الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها في حسرة وتلهف:
{
…
يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (3).
ولكن الدنيا لن تخلو من ناصح أمين ورِث العلم والإيمان والصبر من المرسلين: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ الله خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ} (4).
وكان ما قدَّره الله فصل الخطاب: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ
(1) سورة طه، الآية:131.
(2)
سورة المؤمنين، الآيتان: 55 - 56.
(3)
سور القصص، الآية:79.
(4)
سورة القصص، الآية:80.