المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصورة الأولى: صعوده على الصفا ونداؤه العام: - أنواع الصبر ومجالاته

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: مفهوم الصبر

- ‌المبحث الثاني: أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى

- ‌أولاً: إن الابتلاء للدعاة إلى الله لابد منه

- ‌ثانياً: الصبر يحتاجه الداعية في دعوته إلى الله في ثلاثة أحوال:

- ‌المبحث الثالث: مجالات الصبر

- ‌المبحث الرابع: حكم الصبر

- ‌المبحث الخامس: أنواع الصبر

- ‌المطلب الأول: الصبر على طاعة الله

- ‌العائق الأول: إعراض الناس عن دعوتك:

- ‌العائق الثاني: الأذى من الناس قولاً وفعلاً:

- ‌العائق الثالث: استبطاء النصر والفرج:

- ‌المطلب الثاني: الصبر عن المعاصي والمحرمات

- ‌المطلب الثالث: الصبر على المصائب وأقدار الله المؤلمة

- ‌المبحث السادس: صور من تطبيق الصبر في الدعوة

- ‌المطلب الأول: صور من صبر النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته

- ‌الصورة الأولى: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

- ‌الصورة الثانية: اضطهاد سادات قريش:

- ‌الصورة الثالثة: مع عتبة:

- ‌الصورة الرابعة: مع أبي جهل:

- ‌الصورة الخامسة: وضع السَّلا على ظهره صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة السادسة: مع عقبة

- ‌الصورة السابعة: مع زوجة أبي لهب:

- ‌الصورة الثامنة: حبسه صلى الله عليه وسلم في الشعب:

- ‌الصورة التاسعة: مع أهل الطائف:

- ‌الصورة العاشرة: مع أهل الأسواق والمواسم:

- ‌الصورة الحادية عشرة: جرح وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: صور من شجاعته وإقدامه صلى الله عليه وسلم

- ‌الصورة الأولى: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى:

- ‌الصورة الثانية: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:

- ‌الصورة الثالثة: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين

- ‌الصورة الرابعة: شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحماية لأصحابه:

- ‌الصورة الخامسة: شجاعته صلى الله عليه وسلم العقلية:

- ‌المطلب الثالث: صور من صبر الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الصورة الأولى: صبر بلال:

- ‌الصورة الثانية: صبر آل ياسر:

- ‌الصورة الثالثة: صبر صُهيب:

- ‌الصورة الرابعة: صبر أبي سلمة وزوجته:

- ‌الصورة الخامسة: صبر عبد الله بن حذافة:

- ‌الصورة السادسة: صبر خبيب:

- ‌الصورة السابعة: صبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌الصورة الثامنة: صبر أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها:

- ‌الصورة التاسعة: صبر أنس بن النضر:

- ‌الصورة العاشرة: صبر عمير بن الحُمَام:

- ‌المبحث السابع: طرق تحصيل الصبر

- ‌المطلب الأول: الطرق العامة لتحصيل الصبر

- ‌أولاً: معرفة طبيعة الحياة الدنيا:

- ‌ثانياً: اليقين بحسن الجزاء عند الله:

- ‌ثالثاً: معرفة الإنسان نفسه:

- ‌رابعاً: اليقين بالفرج:

- ‌خامساً: الاستعانة بالله:

- ‌سادساً: التأسّي بأهل الصبر والعزائم:

- ‌سابعاً: الإيمان بقدر الله وقضائه:

- ‌ثامناً: استصغار المصيبة:

- ‌تاسعاً: الحذر من الآفات العائقة في الطريق:

- ‌1 - الاستعجال:

- ‌2 - الغضب:

- ‌3 - الضيق:

- ‌4 - اليأس:

- ‌المطلب الثاني: طرق تحصيل الصبر عن المعاصي

- ‌المطلب الثالث: طرق تحصيل الصبر على الطاعات

- ‌المطلب الرابع: طرق تحصيل الصبر على المصيبة والبلاء وأقدار الله المؤلمة

- ‌أولاً: معرفة جزائها وثوابها

- ‌ثانياً: العلم بتكفيرها للسيئات ومحوها لها

الفصل: ‌الصورة الأولى: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

‌المبحث السادس: صور من تطبيق الصبر في الدعوة

‌المطلب الأول: صور من صبر النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته

للنبي محمد صلى الله عليه وسلم مواقف في الدعوة إلى الله تدل على صبره، ورغبته فيما عند الله تعالى، ومن المعلوم أنه صبر في جميع أحواله ابتداءً بدعوته السرية حتى لَقِيَ ربه صابراً محتسباً، وصور صبره في دعوته كثيرة جداً لا تحصر، ولكني أقتصر على إيراد الصور التطبيقية الآتية:

‌الصورة الأولى: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

أمر الله نبيه بإنذار عشيرته الأقربين، فقال عز وجل:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} (1).

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ أمر ربه بالجهر بالدعوة والصدع بها، وإنذار عشيرته، فوقف مواقف حكيمة أظهر الله بها الدعوة الإسلامية، وبيّن بها حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وصبره وإخلاصه لله رب العالمين، وقمع بها الشرك وأهله، وأذلهم إلى يوم الدين.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: ((يا بني فهر، يا بني عدي - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب، وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟ قالو:

(1) سورة الشعراء، الآيات: 214 - 216.

ص: 33

نعم، ما جرَّبنا عليك إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)). فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (1).

وفي رواية لأبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ناداهم بطناً بطناً، ويقول لكل بطن: ((أنقذوا أنفسكم من النار

))، ثم قال:((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلُّها ببلالها)) (2).

وهذه الصيحة العالمية غاية البلاغ، وغاية الإنذار، فقد أوضح صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم، وأوضح أن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار، الذي جاء من عند الله تعالى، فقد دعا صلى الله عليه وسلم قومه - في هذا الموقف العظيم - إلى الإسلام، ونهاهم عن عبادة الأوثان، ورغّبهم في الجنة، وحذّرهم من النار، وقد ماجت مكة بالغرابة والاستنكار، واستعدّت لحسم هذه الصرخة العظيمة التي ستزلزل عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الجاهلية؛ ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يضرب لصرخاتهم حساباً؛ لأنه مرسل من الله عز وجل، ولابدَّ أن يُبلِّغ البلاغ المبين عن رب العالمين، حتى ولو

(1) البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، باب وأنذر عشيرتك الأقربين، 8/ 501، برقم 4770، ومسلم بنحوه في كتاب الإيمان، باب قوله: وأنذر عشيرتك الأقربين، 1/ 194، برقم 208، والآيتان من سورة المسد: 1 - 2.

(2)

البخاري مع الفتح، كتاب التفسير، سورة الشعراء، باب وأنذر عشيرتك الأقربين، 8/ 501، برقم 4771، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: وأنذر عشيرتك الأقربين، 1/ 192، برقم 204، واللفظ له.

ص: 34

خالفه أو ردّ دعوته جميع العالمين، وقد فعل صلى الله عليه وسلم (1).

استمرّ صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله - تعالى - ليلاً ونهاراً، وسرّاً وجهراًًً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يردّه عن ذلك رادّ، ولا يصدّه عن ذلك صادّ، استمر يتتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من: حرٍّ وعبدٍ، وقويٍّ وضعيفٍ، وغنيٍّ وفقيرٍ، جميع الخلق عنده في ذلك سواء.

وقد تسلط عليه وعلى من اتبعه الأشدَّاء الأقوياء من مشركي قريش بالأذيَّة القوليَّة والفعليَّة، وانفجرت مكة بمشاعر الغضب لأنها لا تريد أن تفارق عبادة الأصنام والأوثان (2)، ومع ذلك لم يفتر محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته، ولم يترك العناية والتربية الخاصة لأولئك الذين دخلوا في الإسلام، فقد كان يجتمع بالمسلمين في بيوتهم على شكل أُسرٍ بعيدة عن أعين قريش، وتتكوّن هذه الأسر من الأبطال الذين عقد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمل بعد الله - تعالى - في حمل العبء والمهامّ الجسيمة لنشر الإسلام، وبذلك تكوّنت طبقة خاصة من المؤمنين الأوائل قوية في إيمانها، متينة في عقيدتها، مدركة لمسئوليتها، منقادة لأمر ربها، طائعة لقائدها، مطبقة لكل أمر يصدر عنه برغبة وشوق واندفاع لا يعادله اندفاع، وحب لا يساويه حب.

(1) انظر: الرحيق المختوم، ص78، وفقه السيرة، لمحمد الغزالي، ص101، 102، والسيرة النبوية، دروس وعبر لمصطفى السباعي، ص47.

(2)

البداية والنهاية، 3/ 40.

ص: 35

وبهذه المواقف الحكيمة، والتربية الصالحة المتينة استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤدِّي الأمانة، ويبلّغ الرسالة، وينصح الأمة، ويجاهد في الله حقّ جهاده، ويرسم لنا طريقاً نسير عليه في دعوتنا وعملنا وسلوكنا، فهو قدوتنا وإمامنا الذي نسير على هديه، ونستنير بحِكَمِهِ صلى الله عليه وسلم.

فقد بدأ الدعوة بعناصر اختارها وربّاها، فلبّت الدعوة، وآمنت به، وكانت دعوته عامة للناس، وأثناء هذه الدعوة يركّز على من يجد عندهم الإمكانات أو يتوقع منهم ذلك، وقد تكوَّن من هذه العناصر نواة القاعدة الصلبة التي ثبتت عليها أركان الدعوة (1).

ومع هذا الجهد المبارك العظيم لم يلجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاغتيال السياسي، ولم يتخلَّص بالاغتيال من أفراد بأعيانهم، وكان بإمكانه ذلك وبكل يسر وسهولة، إذ كان يستطيع أن يكلف أحد الصحابة بقتل بعض قادة الكفر: كالوليد بن المغيرة المخزومي، أو العاص بن وائل السهمي، أو أبي جهل عمرو بن هشام، أو أبي لهب عبد العزى بن عبد المطلب، أو النضر بن الحارث، أو عقبة بن أبي معيط، أو أُبّي بن خلف، أو أُمية بن خلف

،وهؤلاء هم من أشدّ الناس أذيّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم،فلم يأمر أحداً من أصحابه باغتيال أحد منهم أو غيرهم من أعداء الإسلام؛ فإن مثل هذا الفعل قد يُوْدي بالجماعة الإسلامية كاملة، أو يعرقل مسيرتها مدة ليست باليسيرة، كردّ فعل من أعداء الإسلام الذين يتكالبون على حربه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر في هذه المرحلة باغتيالهم؛ لأن الذي أرسله هو أحكم الحاكمين.

(1) التاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، 2/ 65.

ص: 36