المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولالمحافظة على النوافل - المنظومة التبريزية في العقيدة الصحيحة السنية

[عبد القاهر التبريزي]

الفصل: ‌المبحث الأولالمحافظة على النوافل

الوقت، ما فيه طاعة لله ورسوله، فإنه غراس الآخرة، وهو غراس لا تجنى ثماره إلا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن أسباب السلامة حمل النفس على الطاعات وأعمال الخير، وتزكيتها من الشرور والآثام، فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها.

وقد تضمنت هذه المنظومة مباحث مهمة في عبادة واعتقاد المسلم، يجب أن يجعلها ركائز في أعماله وتصرفاته، وكل شؤون حياته:

‌المبحث الأول

المحافظة على النوافل

يقول الناظم رحمه الله:

واركع إذا الليل دجى ركوع خوف ورجا:

تجاوز الناظم رحمه الله التوجيه والإرشاد إلى المحافظة على الفرائض إيماء منه إلى أن الفرائض أمر مفروغ من وجوب المحافظة عليها، وذلك أدنى الكمال من فرّط في شيء منه هلك والعياذ بالله، أخرج البخاري من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن

ص: 27

الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خمس صلوات في اليوم والليلة) فقال: هل علي غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وصيام رمضان) قال هل علي غيره؟ قال: (لا إلا أن تطوع) قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال: هل علي غيرها؟ قال: (لا إلا أن تطوع). قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أفلح إن صدق)(1) هذا الرجل أقسم أنه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، فلم يعنفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ألزم صلى الله عليه وسلم فلاحه بصدقه في عدم النقصان، لأنه أدنى الكمال، ولم يلزمه بالتطوع لأنه زيادة طاعة على الفرض، ولذلك سمي نفلا، فكأن الناظم يقول نحن متفقون على وجوب المحافظة على أدنى الكمال، ولكني أدعو إلى الكمال نفسه، وهو الزيادة على الفرض، ثم بدأ مرة أخرى بالتوجيه إلى الكمال في أعمال النوافل، إيماء منه إلى أن أدنى الكمال في النوافل هو المحافظة على السنن الراتبة، وهي ركعتين قبل صلاة الفجر، لقول عائشة رضي الله عنها:(لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، على شيء من النوافل، أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر)(2) وقولها: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي

(1) البخاري حديث (46).

(2)

أخرجه البخاري حديث (1116) ..

ص: 28

ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين" (1) وما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين، وبعدها سجدتين، وبعد المغرب سجدتين، وبعد العشاء سجدتين، وبعد الجمعة سجدتين، فأما المغرب والعشاء والجمعة، فصليت مع النبي في بيته"(2) وقد عبر بالسجدتين وهو يعني ركعتين، فيكون المجموع (12) ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وهو ما ورد في حديث أم حبيبة أنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة، بني له بهن بيت في الجنة) قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.

وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة.

وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس (3).

وهذا هو الكمال في الرواتب، وأدنى الكمال في النوافل، أما الكمال في النوافل فهو الإتيان بمزيد على هذا، وهو كمال نسبي يتفاوت من شخص لآخر، على قدر ما ينال

(1) أخرجه مسلم حديث (730).

(2)

أخرجه مسلم حديث (729).

(3)

أخرجه مسلم حديث (728).

ص: 29

من جهد وحرص على ما وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، ومن ذلك الحرص على صلاة الضحى، والتي تسمى صلاة الأوابين، وأقلها ركعتان، وأكملها ثمان، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلاها أربعا ويزيد ما شاء، وفي حديث أم هاني: أنه صلى ثمان ركعات (1) فكأن الناظم رحمه الله يقول: أنا وأنتم متفقون على المحافظة على السنن الراتبة، ولكن هلموا إلى المزيد مما هو أكمل، وذلك ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد في حديث عائشة رضي الله عنها، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطوعه فقالت:"كان يصلي من الليل تسع ركعات. فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم، ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا، ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر، صلى ركعتين"(2) وهذا ما عناه الناظم رحمه الله بقوله:

واركع إذا الليل دجى ركوع خوف ورجا:

فإنه إرشاد منه إلى هذا العمل الجليل الذي حرّص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، لما فيه من الخير والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن فضل الله على هذه الأمة أنه تعالى يقبل منهم العمل الصالح القليل، ويعطي عليه

(1) أخرجه مسلم حديث (336).

(2)

أخرجه مسلم حديث (730).

ص: 30