المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السادسالقول في الأسماء والصفات - المنظومة التبريزية في العقيدة الصحيحة السنية

[عبد القاهر التبريزي]

الفصل: ‌المبحث السادسالقول في الأسماء والصفات

‌المبحث السادس

القول في الأسماء والصفات

11 -

ولا تؤل ما ورد لله من سمع ويد

وقل هو الله أحد قول امرئ متبع

يشير الناظم رحمه الله تعالى إلى أن لله عز وجل أسماء وصفات، تليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه، وهو القائل:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (2) وقال سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (3)،

(1) الآية (18) من سورة الأعراف.

(2)

الآية (110) من سورة الإسراء.

(3)

الآية (8) من سورة طه.

ص: 58

وقال سبحانه: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) هذه الآيات تثبت أن لله الأسماء الحسنى، وأن من يلحد في أسمائه تعالى بتأويل أو تحريف أو تعطيل، أو غير ذلك مما لا يليق بالرب سبحانه وتعالى سيجزيهم الله بما كانوا يعملون، ولا ريب أن من يلحد في الأسماء يلحد في الصفات، فكان أهل السنة والجماعة ألزم للحق وأبعد عن الباطل، ومنه الإلحاد في الأسماء والصفات، فمن أول أي صفة من صفات الله تعالى بغير مدلولها اللغوي، فقد ألحد، وقال إما بالتجسيم، أو بالتعطيل، بل هي على الحقيقة اللغوية، وعلى ما يليق بجلال الله تعالى وكماله، إثبات بغير تمثيل، وتنزيه بدون تعطيل، ومن أثبت بتمثيل فقد شبه الخالق بالمخلوق، ومن نزه بنفي شيء من الصفات فقد عطل، وجعل الرب عدما، ومن هنا صدق من قال: المشبهة يعبدون صنما، والمعطلة يعبدون عدما، فالقاعدة التي بنى عليها أهل السنة والجماعة القول في الأسماء والصفات قوله تعالى في كتابه العزيز: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ

(1) الآية (24) من سورة الحشر ..

ص: 59

شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) فالموصوف بهذه الصفات، والنعوت، والأفعال، والعلو، والعظمة، والحفظ، والعزة، والحكمة، والملك، والحمد، والمغفرة، والرحمة، والكلام، والمشيئة، والولاية، وإحياء الموتى، والقدرة التامة الشاملة، والحكم بين عباده، وكونه فاطر السموات والأرض، وهو السميع البصير، وغير ذلك من الصفات المعلومة في الكتاب والسنة، الموصوف بها جميعا هو الذي ليس كمثله شيء، لكثرة نعوته وأوصافه وأسمائه وأفعاله وثبوتها له على وجه الكمال الذي لا يماثله فيه شيء، وهو الله عز وجل وحده لا شريك له، فإن مِنهج أهل السنة والجماعة الإيمانِ بِما وصف الله بِهِ نفسه في كتابِه العزِيزِ، وبِما وصفه بِه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غيرِ تحرِيف ولا تعطِيل، ومِن غيرِ تكيِيف ولا تمثِيل، ولا ينفون عنه ما وصف بِه نفسه، ولا يحرِفون الكلِم عن مواضعه، ولَا يلحدون في أَسماء الله وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بِصفات خلقه، لأنّه سبحانه: لا سمِي له، ولا كفء له، ولا نِد له، ولا يقاس بِخلقه سبحانه وتعالى، وكل ما ورد الأسماء والصفات هو على الحقيقة، وعلى ما يليق بجلال الله وعظمته، ومبنى ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ

(1) من الآية (11) من سورة الشورى ..

ص: 60

السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وسُورَةِ الإِخْلَاصِ الَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وهذا هو الاتباع، وما سواه ابتداع.

12 -

وإنه عز وجل كلم موسى ذا الوجل

لما تجلى للجبل جهرا كلاما مسمع

هذا توكيد من الناظم رحمه الله لما أورد في البيت التاسع، وهو المبحث الخامس، صفة الكلام، وقد تم الكلام عليه، ومنه:

إن الله عز وجل يتكلم، ويقول، ويتحدث، وينادي، كلامه بصوت وحرف، والقرآن كلامه، مُنَزَّل غير مخلوق، وكلام الله صفة ذاتية فعلية: ذاتية باعتبار الأصل، وفعلية باعتبار الآحاد، ومرد هذا القول عند أهل السنة والجماعة هو كتاب الله يقول الله تعالى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2) وقوله

(1) من الآية (11) من سورة الشورى.

(2)

من الآية (164) من سورة النساء.

ص: 61

تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (2)، وقوله:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (3) وقوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (4) والكلام صفة من صفات الله عز وجل على الحقيقة، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، وليس من إضافة المخلوق إلى الخالق، ومن زعم ذلك فقد وقع في بدعة عظيمة، تفضي به إلى القول بخلق القرآن،

(1) الآية (30) من سورة القصص.

(2)

الآية (109) من سورة الكهف.

(3)

الآية (6) من سورة التوبة.

(4)

من الآية (87) من سورة النساء.

ص: 62

والقرآن كلام الله تعالى، وهو صفته وصفات الله عز وجل ليست مخلوقة، وليست إضافة الكلام إليه تعالى إضافة وصف، بل إضافة صفة على الحقيقة، ومن زعم غير هذا فقد وقع في بدعة عظيمة، وهي القول بالحلول ووحدة الوجود، وقد سدد الله تعالى في الأمرين أهل السنة والجماعة فقالوا: بقول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) وأثبتوا لله تعالى الأسماء والصفات على الحقيقة، وعلى ما يليق بجلال الله وعظمته، بلا كيف ولا تمثيل.

13 -

أصغى إليه فوعى بأذنه ما سمعا

ثم أجاب مسرعا جواب ثبت أروع

مراد الناظم من هذا القول أن الله تعالى كلّم موسى بصوت مسموع، سمعه موسى، بأذنه ووعى كلام ربه عز وجل، ونتيجة لذلك أجاب دون تردد في أن من كلمه هو ربه سبحانه وتعالى، وأسرع في تنفيذ ما كلف به من رسالة إلى فرعون وقومه.

(1) من الآية (11) من سورة الشورى ..

ص: 63