المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث التاسعالتذكير بيوم الحساب - المنظومة التبريزية في العقيدة الصحيحة السنية

[عبد القاهر التبريزي]

الفصل: ‌المبحث التاسعالتذكير بيوم الحساب

‌المبحث التاسع

التذكير بيوم الحساب

17 -

ويلاه من وزن العمل وبحره عندي وشل

قد غاض طاميه وقل فما ترى من منبع

هذا تذكير من الناظم بما يحصى من عمل الإنسان خيره وشر، وبذلك اليوم الموعود الذي تنصب فيه الموازين، ولا يجد الإنسان سوى ما قدمت يداه، {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (1)، وتنصب الموازين لمجازات الناس على أعمالهم، قال تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (2)، وقال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ

(1) الآية (39، 40) من سورة النجم.

(2)

الآية (47) من سورة الأنبياء.

ص: 77

الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} (1) وقال تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (2)، وقال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (3)، وقال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} (4)، والميزان حقيقي محسوس، له كفتان توزن فيه الأعمال، وهي محسوسة أيضا ولها ثقل، وقد ثبت ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سيخلّص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ ، أظلمك كتبتي الحافظون؟ ،

(1) الآيتان (8، 9) من سورة الأعراف.

(2)

الآية (103) من سورة المؤمنون.

(3)

الآيتان (7، 8) من سورة الزلزلة.

(4)

الآيتان (6 - 9) من سورة القارعة.

ص: 78

يقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ ، فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة ما هذه السجلات؟ فقال: فانك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء) (1) ويقول صلى الله عليه وسلم:(إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم لما ضحك الصحابة من دقة ساقي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد)(3) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من شئٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق)(4) وقد ختم الإمام البخاري

(1) أخرجه الترمذي حديث (2776) وقال: حسن غريب، وانظر (شرح العقيدة الطحاوية: 410 - 411).

(2)

أخرجه البخاري حديث (4452)، والآية (105) من سورة الكهف.

(3)

أخرجه أحمد.

(4)

أخرجه أبو داود حديث (4799).

ص: 79

كتابه الجامع الصحيح بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده).

فما ورد في الكتاب والسنة من وصف هذا الموقف المهول يجعل كل إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر، يحسب له الحسابات الدقيقة، سيما والإنسان ضعيف بطبعه، كثير الملل، ميال إلى اللهو ونسيان الآخرة، فعمل الخير بحر لا ساحل له، والشر كذلك، وليس لدى الإنسان من عمل الخير إلا شيء قليل في مقابل عنايته بدنياه الفانية، وغفلته عن يوم وزن العمل، فيجد أنه فرّط في التزود من بحور الخير العظيمة التي يسرها له الرب في الدنيا، وجعلها سهلة في متناول كل من أراد ذلك، لكن الإنسان اشتغل بعناء الدنيا ومكاسبها الصعبة المنال، سريعة الغدر والزوال، فجاء بعمل قليل زهيد، ولو أراد تصحيح الخطأ وتعديل المسار، ما وجد إلى ذلك سبيلا، فقد جف في هذا اليوم مجرى كل عمل خير أو شر، وتوقفت المنابع، ولم يبق سوى الحصاد، ولا مطمع حينئذ إلا في عفو الله وكرمه، ومغفرته وواسع رحمته، وإلا هلك الهالكون والعياذ بالله.

ص: 80