الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، وهذا منهج أهل السنة والجماعة، أن معاني صفات الله عز وجل الثابتة بالكتاب أو السنة، أو بهما، هي على الحقيقة، لا مجاز فيها ولا يجوز تأويلها، فألفاظها معلومة المعاني، وحقيقتها مجهولة الكيف (2).
المبحث الثامن
إثبات العلو والمعية
15 ــ وهو تعالى في السما عال ومعنا أينما
…
بغير كيف لا كما يخطر للمبتدع
هذا هو الحق الذي جاء به كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أعلم من الله بنفسه؟ ! ، ولا أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (3) وقال تعالى: {بَلْ
(1) من الآية (11) من سورة الشورى.
(2)
انظر (الاعتقاد للبيهقي: 41 - 45).
(3)
من الآية (55) من سورة آل عمران.
رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (1) وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2) وقال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (3) وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} (4) فهذه الآيات من كتاب الله عز وجل تثبت بم لا يدع مجالا للشك أن الله عز وجل عال فوق خلقه، وقد ذكر الله تعالى عن نفسه أنه استوى على العرش، وذلك في آيات من كتابه العزيز منها: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ
(1) من الآية (158) من سورة النساء.
(2)
من الآية (10) من سورة فاطر.
(3)
الآيتان (36، 37) من سورة غافر.
(4)
الآيتان (16، 17) من سورة الملك.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) وثبت أن العرش فوق السماء السابعة بما لا يعلمه إلا الله تعالى، كما ورد في حديث الإسراء الطويل، ومنه قوله في صعود رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:(. . . . وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: ربِّ لم أظنَّ أن ترفع عليَّ أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه: خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى. . . .)(2) وحديث الجارية التي أتى بها سيدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: (أين الله؟ ، قالت: في السماء، قال: من أنا؟ ، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة)(3) وحديث النزول وفيه (ينزِل ربنا إلى السماءِ الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل
(1) الآية (54) من سورة الأعراف.
(2)
أخرجه البخاري حديث (7079).
(3)
أخرجه مسلم حديث (537).
الآخرِ، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسأَلني فأُعطيه، من يستغفرني فأَغفر له؟ ) (1) وفي آية الكرسي {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) أنه العلي بذاته فوق جميع خلقه، فلا يستطيع أحد منهم أن يدنو منه، وأنه العظيم عن مماثلة أو مشابهة المخلوقين، ولا خالق سواه سبحانه وتعالى، وقد آمن أهل السنة والجماعة بما أخبر الله عز وجل به في كتابه، وتواتر نقله عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على أنه سبحانه فوق السماوات على عرشه، عليُّ على خلقه، فأصبح ذلك من المعلوم في الاعتقاد بالاضطرار من الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، وقبلت هذا الفطر السليمة، حتى غير المسلمين يعتقدون أن الله في السماء، ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام عظيم في هذا (3) ولما سئل أبو حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ ! ! ، قال: قد كفر، لأن الله يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) والسماء قبلة الدعاء، وقد اتفق الناس على أنه على كل شيء سبحانه، بمعنى أنه قاهر
(1) متفق عليه.
(2)
من الآية (255) من سورة البقرة.
(3)
انظر (درء تعارض العقل والنقل 2/ 59، 7/ 27، والفتاوى 4/ 45).
(4)
الآية (5) من سورة طه ..
له، قادر عليه، متصرف فيه، فهو الأعلى بجميع معاني العلو: علو الذات، وعلو القدرة على كل شيء، وعلو الغلبة والقهر لكل شيء، سبحانه وحده لا شريك له، تنزه عن كل عيب، ونقص، فله الكمال المطلق سبحانه، ولا يجوز تأويل الفوقية بغير معناها الحقيقي، ومن قال بغير هذا فقد ضل، كمن زعم أنه بذاته فوق العالم، وبذاته في كل مكان، وهذا القول الباطل يلزم عليه من الفساد ما ينزه الله تعالى عنه (1).
أما المعية:
فلا خلاف بين أهل السنة والجماعة أن الله مع عباده أينما كانوا، قال الله تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (2) وقال تعالى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (3) وقال تعالى: {إِنَّ
(1) انظر (شرح العقيدة الطحاوية: 260، 261، 262، 263).
(2)
الآية (249) من سورة البقرة.
(3)
الآية (40) من سورة التوبة.
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (1) وقال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (2) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3) وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (4)، هذه الآيات من كتاب الله
(1) الآية (128) من سورة النحل.
(2)
الآية (46) من سورة طه.
(3)
الآية (4) من سورة الحديد.
(4)
الآية (7) من سورة المجادلة.
- عز وجل تثبت معية الله لخلقه وهو فوق عرشه بائن منهم سبحانه وتعالى، وهي تنقسم إلى قسمين:
1 -
معية عامة لكل البشر، يعلم أحوالهم وأسرارهم، لا يخفى عليه منها شيء سبحانه وتعالى، قال الله تعالى:{إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (1) وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2) وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) وهذا الاستعمال للفظ المعية في هذه الآيات يقتضي أنه سبحانه معهم أينما كانوا، بعلمه وسمعه وبصره، يعلم ما هم عاملون، وهي معية عامة لكل الخلق، المؤمن وغيره.
(1) من الآية (7) من سورة المجادلة.
(2)
من الآية (4) من سورة الحديد.
(3)
الآية (7) من سورة المجادلة.
2 -
معية خاصة:
وهي معية التوفيق والنصر والتأييد، وهذه خاصة بالمؤمنين، لا ينالها سواهم، قال تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (1) وقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا
(1) الآية (12) من سورة المائدة.
فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (1)
وقال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2)، وقال تعالى:{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (3)، وقال تعالى:{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} (4) وقال تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ
(1) الآية (12) من سورة الأنفال.
(2)
الآية (40) من سورة التوبة.
(3)
الآية (46) من سورة طه.
(4)
الآية (15) من سورة الشعراء.
أَعْمَالَكُمْ} (1) وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (2) وقال أبو بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:(ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)(3).
فالله سبحانه فوق عرشه بائن من خلقه، وهو معهم بعلمه وسمعه وبصره أين ما كانوا، وبتوفيقه ونصره وتأييده كذلك، وكل صفة ذكرت له سبحانه وتعالى فهي على ما يليق بجلاله وعظمته سبحانه وتعالى، بغير كيف نعلمه، ولا تمثيل نتوهّمه، فمن مثّل فقد وقع في التجسيم، وشبّه صفات الخالق بصفات المخلوق، وهذا من أبطل الباطل، وقد دخل عليه هذا الباطل من محاولة تكييف صفات الله تعالى، وتصور أنها كصفات المخلوق سواء بسواء، وجهل أن العلم بكيفية الصفات فرع عن العلم
(1) الآية (35) من سورة محمد.
(2)
الآية (4) من سورة الحديد.
(3)
أخرجه البخاري حديث (3453).
بكيفية الذات، نعم عرف ذات الإنسان وكيفيتها، فثبتت له معرفة صفاته، لكنه لم يعرف ذات الرب سبحانه وتعالى، فأنى له العلم بكيفية الصفات، وقد كفى الله تعالى عباده هذا العناء فقال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، فلماذا الخروج عن المنهج القويم، إلى القول بالتجسيم، أو الفرار منه إلى ما هو أقبح وهو القول بالتعطيل، وهو ما خطر للمبتدع ولو اعتصم بالكتاب والسنة لكان في عافية من ذلك.
16 -
من قاسه من البشر بخلقه فقد كفر
…
وقد أطاع ونصر أمر الهوى المتبع
هذا توكيد من الناظم رحمه الله على ما ذكر في البيت السابق، وأنه تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين في أي صفة من صفاته، وأن هذا منهج أهل السنة والجماعة، وأن من سلك غيره، ممن زعم أن الله في كل مكان، أو لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق ولا تحت، فقد ضل، وعميت بصيرته عن الحق، وأنهم لم يتدبروا كلام الله عز وجل، فالله لا يلحقه نقص ولا عيب، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا (2).
(1) من الآية (11) من سورة الشورى.
(2)
أنظر (شرح العقيدة الطحاوية: 176 - 183).