المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المنهج النظري لفهم مصطلح الحديثوبيان بطلان ما يخالفه - المنهج المقترح لفهم المصطلح

[حاتم العوني]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول:تاريخ نشأة علوم الحديث وتطورمصطلحه

- ‌الفصل الأول:في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم

- ‌الفصل الثاني:في عصر التابعين

- ‌الفصل الثالثفي عصر أتباع التابعين

- ‌الفصل الرابع:العصر الذهبي للسنة

- ‌الفصل الخامس:في القرن الرابع الهجري

- ‌الباب الثاني:تأريخ وبيان لتأثير علوم السنةبالعلوم العقلية

- ‌الفصل الأول:أثر المذاهب العقدية الكلامية على علوم السنة

- ‌الفصل الثاني:أثر أصول الفقه على علوم السنة

- ‌المبحث الأول: كتب أصول الفقه ونافذتهاللتأثير على علوم السنة:

- ‌المبحث الثاني: مثال تأثر علوم السنة بأصول الفقه من خلال نافذتها الأولى، وهي: ما درسته كتب أصول الفقه من علوم السنة:

- ‌المبحث الثالث: مثال تأثر علوم السنة بأصول الفقه من خلال نافذتها الثانية للتأثير عليها

- ‌الباب الثالث:المنهج النظري لفهم مصطلح الحديث(وبيان بطلان ما يخالفه)

- ‌المنهج النظري لفهم مصطلح الحديثوبيان بطلان ما يخالفه

- ‌الباب الرابع:كتب علوم الحديث ومناهجهافي فهم مصطلحه

- ‌الفصل الأول:الطور الأول لكتب علوم الحديث

- ‌الفصل الثاني:الطور الثاني لكتب علوم الحديث(كتاب ابن الصلاح فما بعده)

- ‌الباب الخامس:كيف نفهم مصطلح الحديث؟(ويتضمن الخطوات العملية لفهم مصطلح الحديث)

- ‌كيف نفهم مصطلح الحديث

- ‌فهرست المصادر والمراجع

الفصل: ‌المنهج النظري لفهم مصطلح الحديثوبيان بطلان ما يخالفه

‌المنهج النظري لفهم مصطلح الحديث

وبيان بطلان ما يخالفه

إن هذا الباب هو نتيجة واضحة لكل ما سبق، من تأريخ نشوء مصطلح الحديث على مدى القرون، ومن بيان قرون ارتقائه وقرون ضعفه، ومن بيان العوامل المؤثرة على ضعفه.

لقد تقدم في عرضنا التاريخي ذاك، أن القرن الثالث الهجري كان هو أزهى قرون السنة، والعصر الذهبي لها. وأن هذا القرن هو الذي اكتمل فيه تدوني السنة تدويناً كاملاً، فلم يبق من الروايات الشفهية غير المدونة لما بعده من القرون غير روايات الكذابين أو الغالطين. وأن هذا القرن أيضاً حوى أئمة الحديث، وأشهر أعيانه، وأساتذة نقاده، وصيارفة أهله عبر القرون. وأخيراً: أن هذا القرن قد صنفت فيه أمهات السنة، وجوامع الحديث، وأصول الآثار، التي هي عمدة أهل الحديث بعدهم، ودستور من لحق بهم، ومرجع من اقتفى أثرهم.

هذا مما سبق بسطه وبيانه (1) .

لقد كان القرن الثالث الهجري القرن الذي فاز بقطف الثمرة، وبقصب السبق، لجهود متواصلة مضنية من علماء الأمة، عبر القرن الأول والثاني، في حياطة السنة وخدمتها.

(1) انظر (ص 51- 59) .

ص: 173

ثم ورث القرن الرابع ذلك الإرث العظيم والكبير عن القرن الثالث، فناء به كاهله، وضعف عنه قليلاً، مع بداية عوامل الضعف والمؤثرات الأجنبية على علوم السنة. لكن استثقال ذلك الإرث والضعف عنه لم يكن

شاملاً لكل أهل هذا القرن حيث إن عوامل الضعف ومؤثراتها لم تغط الساحة العلمية بد. لذلك بقي أعيان أئمة الحديث في هذا القرن محافظين على ورثهم من القرن الثالث، وكأنهم امتداد لعلماء ذلك القرن المجيد.

نعم.. لم يشهد هذا القرن تطوراً وارتقاءً، لكنه استطاع أن يكون وعاءً حافظاً لعطية القرن الثالث. ولا يلام علماء القرن الرابع على ذلك، لأن سلفهم بلغ بعلم الحديث القمة، وما بعد القمة إلا الانحدار أو الثبات.

وهذا مما سبق شرحه وتوضيحه (1) .

لكن الثبات على القمة لا يمكن أن يدوم، ولذلك بدأ الانحدار من القرن الخامس فما بعده.

ولا يعني ذلك أن الأمة فقدت ذل الإرث العظيم بالكلية، حاشا وكلا لأن الانحادر غير الهوي في الهاوية

ولا يعني ذلك أيضاً أن الأمة فرطت في تراثها المكتوب، بل حافظت عليه أعظم حفاظٍ عرفته البشرية عبر دهورها، مع كثرة الحوادث، وتتابع النوائب، وتعاقب الأزمان.

أما السنة ذاتها، فهي محفوظة بحفظ القرآن، الذي تهد به منزله سبحانه وتعالى

كل الذي وقع بسبب ذلك الانحدار عن قمة علوم السنة،

(1) النظر (61- 65) .

ص: 174

هو أننا غمضت علينا عبارات القوم، وتغبشت علينا مناهج علمهم، فأصبحنا في حاجةٍ إلى معرفة قواعد هذا العلم وضوابطه، وإلى من يرجم لنا معاني مصطلحاته؛ حتى يمكننا الاستفادة من هذا العلم، الذي لا غنى لنا دون الاستفادة منه، لأنه دين الله وملة الإسلام.

ولذلك فإن التصنيف في (مصطلح الحديث) و (أصوله) لم يزل يزداد عبر القرون، لأن الشعور بالحاجة إليه لم يزل يزداد عبر القرون أيضاً

ولهذا لم يبدأ التصنيف الجامع المفرد في (مصطلح الحديث) و (علومه) إلا في القرن الرابع الهجري، الذي بدأ فيه الضعف المشروح في محله. ثم ازداد في القرون المتتابعة بعده حتى هذا القرن

فإذا سألتك بعد ذلك: من هم (أهل الاصطلاح) الذين إذا أردت فهم علوم الحديث وجب علي فهم اصطلاحهم؟

أو بصورة أوضح: أخبرني (بربك) عن هذه البدهية: ما رأس مال المحدث في كل عصر؟ أوليس هو: (العلل) : لابن المديني، وأحمد، وابن معين، و (تواريخهم) ، و (سؤالاتهم)، و (طبقات) : ابن سعد، وخليفة، ومسلمٍ، و (تواريخ) : البخاري الثلاثة، و (الجرح والتعديل) ، و (العلل)، و (المراسيل) : لابن أبي حاتم، و (العلل) : للترمذي، والدارقطني، و (المسند المعلل) : للبزار، ويعقوب بن شيبة، و (الكني) : للبخاري، ومسلم، والدولابي، والحاكم الكبير، و (الضعفاء) : للبخاري، والنسائي، وأبي زرعة، والجوزجاني، والعقيلي، وابن عدي، والدارقطني، و (المجروحين)، و (الثقات) : لابن حبان؟

أوليست هذه هي عمدة أهل الحديث في كل عصر؟

ص: 175

فإن استدركت علهيا، فلن تضيف إلا مصنفات تلك القرون

أما دواوين السنة، وخزائن الأثر، فهل تجد أهلها إلا من سبق ذكرهم؟

فإن زدت عليهم، فلن تزيد إلا أقرانهم ومن عاش في عصرهم

إذن: من هم (أهل الاصطلاح) ؟ الذين لا سبيل إلى فهم علوم السنة، وإلى تمييز صحيحها من سقيمها، إلا بفهم اصطلاحهم، ومعرفة أصول علمهم وقوانينه؟

إنهم أعيان ائمة الحديث من أهل القرن الرابع، وأئمته من أهل القرن الثالث، فمن قبلهم.

هؤلاء هم (أهل الاصطلاح) الذين منهم بدأ وإليهم يعود، والذين حفظوا لنا السنن، وميزوا الثابت منها عن غير الثابت، ولم يدعوا سبيلاً يبلغ إلى ذلك إلا سلكوه، ولا طريقاً يسلك بهم إليه إلا عبدوه. ولم يتركوا لمن جاء بعدهم، ممن يريد معرفة مقبول السنة من مردودها، إلا أن يتبع نهجهم، ويقتفي أثرهم. فرضي الله عنهم، وغفر لهم، وجعل الجنة مدخلهم، ومقعد الصدق مقعدهم!

لكن يصطدم مع هذه الحقيقة الواضحة (فكرة تطوير المصطلحات) ، السابق شرحها وشرح خلفيتها (1) .

إذ إن تغيير مدلولات المصطلحات، بغرض (تطويرها) ، مهما كان ذلك التغيير يسيراً في نظر القائل بـ (التطوير) ؛ إلا أن

(1) انظر (ص 165- 169) .

ص: 176

نتيجة ذلك النهائية ستكون عدم فهمنا لكلام (أهل الاصطلاح) !

وبالتالي: انقطاعاً عن علوم أئمة السنة وعن علومها في عصورها الزاهية، وانفصاماً رهيباً بيننا وبين تراثنا العظيم!!! وهذا الانقطاع والانفصام سيحول دون الحفاظ على السنة، ودون معرفة صحيحها من سقيمها!!!

وإلا.. فلام نعتمد؟ إذا انفصمت عرى التواصل العلمي بيننا وبين نتاج علماء الاختصاص في أزهى عصور علمهم!!!

وعلى أي شيءٍ ترتكز أي دراسةٍ مجتثةٍ عن أصولها؟!!

وماذا أستفد؟ إذا تمايزت المصطلحات بإضافة قيود ومحترزاتٍ على مدلولاتها الأصلية أو بحذف مثلها، ثم استلغز علي كلام (أهل الاصطلاح) !!!

وأي خسارةٍ نخسرها إذا وقعت هذه الكارثة؟!!

وأي خطرٍ يهدد السنة إذا حلت بساحتها هذه الفاجعة؟ !!

إذن.. فيا لضيعة ذلك العلم!! الذي أفنيت من أجله أعمار أجيالٍ متتابعة، ذات طاقاتٍ بشريةٍ جبارة، ونفوسٍ مؤمنةٍ مطمئنةٍ، وعبقريات فذة، ونظرٍ ثاقبٍ متفرسٍ موفق، وغير ذلك من صفات

صناع التاريخ والحضارة!

ثم قل لي أيضاً:

ماذا أستفيد إذا (طورت المصطلح)، على حساب فهمي لكلام: أحمد وابن معين وابن مديني.. فخفي علي معناه؟!

وماذا عساني أعرف من السنة، إذا ميزت بين المصطلحات غير المتمايزة عند: أبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني؟!

ثم كيف أميز صحيح السنة من ضعيفها، إذا لم أتبين معالم

ص: 177

المنهج الذي سار عليه: البخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم؛ بسبب اختلاف معاني المصطلحات بيني وبينهم؟!!

هذا هو خطر (فكرة تطوير المصطلحات) !!!

فمن أصر بعد ذلك كله على تصويب (فكرة تطوير المصطلحات)، فهو أحد رجلين: إما أنه الرجل الذي يريد هدم السنة وتعفية آثار الدين0 اوانه الرجل الذي سيعوضنا عن ذلك التراث العظيم كله، ويكفينا عن تلك المصنفات التي خلفها لنا علما السنة في ازهي عصورها، لذلك فلا علينا ان لم نفهم تلك المصنفات، ولا ناسى على ذلك المنهج، بعدان جاءنا هذا الرجل بالمصنفات والمنهج الكفيل بالغاية نفسها!!!

فالرجل الأول: من يصغي له؟!

والرجل الثاني: من يصدق أنه سيكون؟!

إذن.. فما السبيل إلى فهم مصطلح الحديث؟

فأقول: نصف الجواب على هذا السؤال، أن تعرف من هم أهل هذا المصطلح الذين تسأل عن معنى مصطلحاتهم.

وقد سبق أن قلنا: إنهم علماء الحديث في القرن الثالث فما قبله، وأعيان أئمة الحديث في القرن الرابع، هؤلاء هم (أهل الاصطلاح) .

أما النصف الثاني من الجواب:

فالسبيل إلى فهم اصطلاح (أهل الاصطلاح) هو: الاستقراء التام لإطلاقات (أهل الاصطلاح)، ثم نصنف هذه الإطلاقات: كل إطلاقٍ منها على حدة. ثم عقد الموازنات بين: كل إطلاق، والمسائل والصور الجزئية التي أطلق عليها، بغرض معرفة الصفة

ص: 178

الجامعة (القاسم المشترك) بين تلك المسائل والصور، لنعرف السبب الذي جعل (أهل الاصطلاح) يخصون تلك المسائل والصور بذلك الإطلاق المعين. مع الاهتمام البالغ بالمعنى اللغوي الأصلي لذلك الإطلاق، وملاحظة وجه علاقة المعنى اللغوي الأصلي بالمعنى الاصطلاحي اللحادث.

وإن كان اتضح بعد هذه الدراسة والموازنة أن بين بعض الاصطلاحات تداخل وعدم تمايز، فيجب علي أن أرضى بهذه النتيجة، وأن أفهمها بما فيها من تداخل، لأتمكن من فهم كلام (أهل الاصطلاح) ومن الاستفادة من علومهم. فليس من حقي أن اضع نفسي في غير موضعها، بالتحكم على المصطلحات، بـ (التطوير) والتغيير لمدلولاتها، بعد أن قيل: لا مشاحة في الاصطلاح. والسخرية أن أغير معنى المصطلح، ثم أفهم كلام صاحب هذا المصطلح على تفسيري لمصطلحه، لا على مراده هو منه!!

وأنبه هنا: أنه لا غضاضة على من وجد مسائل جزئية، غير داخلةٍ في مصطلح لـ (أهل الاصطلاح) ، وتجمعها صفةً واحدة= أن يختار لها اسماً، لمعناه اللغوي علاقة بتلك الصفة الجامعة. لكن مع إيضاح أن ذلك الاسم ليس من مصطلحات (أهل الاصطلاح) ، حتى لا يظن في يوم من الأيام أنه من مصطلحاتهم؛ فإذا ما ورد ذلك الاسم نفسه بعد ذلك في كلام (أهل الاصطلاح) بمعناه اللغوي، حمله من لا يعلم على المعنى المستنبط من تلك الصفة الجامعة.

هذا هو المنهج النظري الصحيح لتفسير مصطلحات الحديث وفهم مدلولاتها، وما سواه إلا ظنون أو تخبط!

لكن قد صنفت كتب كثيرة في (علوم الحديث)

ص: 179

و (مصطلحه) ، وللعلماء كلام طويل في شرح مصطلح الحديث. فهل سارت تلك الكتب على هذا المنهج الصحيح في فهم المصطلح؟ وهل ذلك الكلام الطويل للعلماء معتمد على تلك القواعد؟

الجواب عن ذلك في الباب الآتي:

ص: 180