المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب صلاة الخوف - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌كتاب صلاة الخوف

‌كتاب صلاة الخوف

50 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظةفأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم".

-[المعنى العام]-

خان بنو قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحالفوا مع قريش على محاربته صلى الله عليه وسلم ولولا خدعة حربية قام بها نعيم بن مسعود، بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوقع بين قريظة وبين حلفائها لولا ذلك لحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب. فما إن انتهت غزوة الأحزاب باندحار قريش وغطفان حتى شاءت الحكمة تصفية الحساب مع بني قريظة، فلم يكد يرجع المسلمون إلى المدينة حتى جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: نعم. قال ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وإن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فإني عائد إليهم فمزلزل أقدامهم وكان الوقت بين الظهر والعصر فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في أصحابه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وتسابقت خيل الله وحثها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسراع وأدرك بعضهم صلاة العصر في الطريق فمنهم من اجتهد فقال: ننزل فنصلي فهدف الأمر الإسراع، لا تأخير الصلاة عن

ص: 221

وقتها، ومنهم من قال: بل ننفذ الأمر كما ورد، ولا نصلي إلا في بني قريظة، ونفذ كل ما رأى -وذكروا الأمرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحدا من الفريقين، ولم يخطئ أيا من الاجتهادين -وحاصر المسلمون بني قريظة حتى نزلوا على حكم سعد بن عبادة، فكان حكم الله من فوق سبع سماوات: أن يقتل الرجال، وأن تسبى النساء والذراري، وتؤخذ الأموال.

-[المباحث العربية]-

(الأحزاب) قريش وأحلافها، وكانوا عشرة آلاف نفس والمراد هنا غزوة الأحزاب.

(بني قريظة) فرقة من اليهود، كانت تسكن قرى حول المدينة، وقريظة تصغير القرظ، وهو ضرب من الشجر، يدبغ به، يقال أديم مقروظ، وبه سمي هذا البطن من اليهود.

(فأدرك بعضهم العصر) الفاء عاطفة على محذوف، تقديره فراحوا فأدرك و"بعض" مفعول به منصوب "والعصر" فاعل، والضمير في "بعضهم" راجع لأحد الذي هو عام، لأنه نكرة في سياق النفي.

(لم يرد منا ذلك) هذه الجملة كبيان لعلة ما اختاروه، و"يرد" للفاعل وفاعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو للمفعول مفتوح الراء، والمعنى واحد على كلا الوجهين، و"ذلك" إشارة إلى المفهوم من السياق، وهو تأخير صلاة العصر حتى يأتوا بني قريظة.

-[فقه الحديث]-

ذكر البخاري هذا الحديث تحت باب "صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء" من كتاب "صلاة الخوف" ومناسبة هذا الحديث لكتاب صلاة الخوف من حيث جواز تأخير الصلاة عن وقتها عند طلب العدو، وجواز النزول عن الدواب، وقد فرق العلماء بين صلاة الطالب والمطلوب فقال ابن المنذر: إن المطلوب يصلي على دابته يومي إيماء، أما الطالب فإنه ينزل ويصلي على

ص: 222

الأرض، والفرق واضح، وهو أن شدة الخوف ظاهرة في المطلوب، أما الطالب فلا يخاف استيلاء العدو عليه، قال الأوزاعي إذا خاف الطالبون إن نزلوا بالأرض فوت العدو صلوا حيث توجهوا. فقد قيده الأوزاعي بخوف الفوت، ولم يفرق بين الطالب والمطلوب، وإنما بني الحكم على الخوف، وبه قال بعض المالكية. وإنما قال بعض الصحابة "لا نصلي حتى نأتيها" تمسكا بظاهر قوله "لا يصلين أحد" لأنهم فهموا أن النزول عن دوابهم، لأجل الصلاة عصيان للأمر الخاص بالإسراع، وتأولوا عموم الأمر بالصلاة أول وقتها وجعلوه مخصصا بما إذا لم يكن هناك عذر، بدليل أمره صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، وقال البعض الآخر "بل نصلي" حيث نظروا إلى الحكمة لا إلى النص، بدليل قولهم:"لم يرد منا ذلك" أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد من قوله "لا يصلين أحد إلخ" ترك الصلاة حقيقة، بل أراد لازمه، وهو الاستعجال في الذهاب إلى بني قريظة، كأنه قال: صلوا في بني قريظة إلا أن يدرككم وقتها قبل أن تصلوا إلى هناك، ويرجع السبب في اختلافهم إلى تعارض الأدلة عندهم، فإن الصلاة مأمور بها في الوقت، والمفهوم من قوله "لا يصلين أحد ..

" إلخ المبادرة بالذهاب إلى بني قريظة، لا أن تأخير الصلاة مقصود في نفسه، من حيث إنه تأخير، فأخذ بعض الصحابة بهذا المفهوم نظرا إلى المعنى فصلوا حين خافوا فوات الوقت، وأخذ الآخرون بظاهر اللفظ وحقيقته، فأخروا الصلاة عملا بالأمر بالمبادرة لبني قريظة، ولم يعنف الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم لأنهم مجتهدون، وإذا أخطأ المجتهد فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران.

وجاء في رواية مسلم أن الصلاة كانت فريضة الظهر، ولا تعارض، لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام كان بعد دخول وقت الظهر، فكان بعض الصحابة صلى الظهر بالمدينة ولم يصلها آخرون، فقيل لمن صلى الظهر لا تصل العصر إلا في بني قريظة، وقيل لمن لم يصلها لا تصل الظهر إلا في بني قريظة.

ويحتمل أنه قيل للذين ذهبوا أولا: لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة

ص: 223

وللذين ذهبوا بعدهم: لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة، وهذا التوجيه حسن.

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

حرص الصحابة على تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكل دقة وإخلاص.

2 -

أن السكوت على الفعل مثل القول بإجازته صراحة.

3 -

مدى ما بذل الصحابة رضوان الله عليهم في إقرار السلام ونشره والجهاد في سبيله، فما كانوا يرجعون من غزوة إلا إلى غزوة أخرى.

4 -

قال السهيلي: يدل على أن كل مجتهد في الفروع مصيب، ومعنى هذا أن الصواب في الشيء الواحد يتعدد، وقال: إذ لا يستحيل أن يكون الشيء صوابا في حق إنسان، خطأ في حق غيره، فيكون من اجتهد في مسألة فأداه اجتهاده إلى أنها حلال مصيبا في حلها، وكذلك الحرمة، انتهى وغاية هذا أن كلا منهما مصيب في نظره، لا في الواقع ونفس الأمر، على معنى أنه مثاب، لا على معنى أن الصواب والحق يتعدد. وقال النووي: لا احتجاج به على إصابة كل مجتهد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح بإصابة الطائفتين، بل ترك التعنيف، ولا خلاف أن المجتهد لا ينعف، ولو أخطأ إذا بذل وسعه. اهـ. وهذا كلام جيد محرر.

5 -

استدل البخاري وغيره بالحديث على جواز صلاة الفريضة راكبا وإيماء عند الخوف، وإن كان طالبا، ووجه الاستدلال أن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة، لم يعنفوا، مع كونهم فوتوا الوقت، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء -أو كيفما يمكن -أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها.

6 -

تقديم أهم الأمرين المتعارضين.

7 -

فيه دلالة لمن يقول بالمفهوم والقياس ومراعاة المعنى.

8 -

وفيه دلالة لمن يقول بالظاهر.

ص: 224

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 225