المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الغسل 14 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ١

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الغسل 14 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن

‌كتاب الغسل

14 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طريق المدينة وهو جنب (قال فانخنست منه) فذهب فاغتسل ثم جاء فقال "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال "سبحان الله إن المسلم لا ينجس".

-[المعنى العام]-

كان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى بصحابي أن يمسح عليه، وأن يربت عليه بيده، وأن يصاحبه، فيجالسه، تلطفا وتأنيسا وتكرما وتوددا وفي يوم من الأيام، وفي بعض طرق المدينة وجد أبو هريرة نفسه مقابلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق واحد، وكان جنبا، فكره أن يتمسح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه، وهو في هذه الحالة غير المستحبة فاستخفى، وتسلل إلى طريق آخر، وذهب إلى بيته فاغتسل، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن لم يحدث منه شيء.

كان صلى الله عليه وسلم قد رآه، ينخنس ويتسلل ويتوارى في خفاء، فسأله: ماذا بك يا أبا هريرة؟ أين كنت؟ وأين ذهبت؟ وماذا فعلت؟ قال: يا رسول الله. لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل.

وكان أدبا حسنا من أبي هريرة أن يفعل ذلك، احتراما وتقديسا للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان يستحق على ذلك لوما أو تعجبا، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يعتقد

ص: 67

أبو هريرة نجاسة الجنب، وأنه لا يصح له أن يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله. عجبا لك يا أبا هريرة. إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا.

-[المباحث العربية]-

(قال: فانخنست منه) أي فمضيت عنه مستخفيا، ووصف الشيطان بالخناس لإغوائه في خفاء، وروي "فانسللت" وروي "فانبجست" أي جريت واندفعت، وروي "فانبخست" أي اعتقدت نقصان نفسي، ولعل التغاير من تصحيف الرواة. وجاءت هذه الجملة بضمير المتكلم بين ضمائر الغيبه على سبيل الالتفات.

(فذهبت) أي إلى رحلي، في بعض روايات البخاري "فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت".

(سبحان الله) يقصد بها في مثل هذا المقام التعجب، ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى عليك مثل هذا الظاهر؟

(إن المؤمن لا ينجس) نجس من باب كرم بضم الجيم في الماضي والمضارع ومن باب سمع بكسر الجيم في الماضي وفتحها في المضارع.

-[فقه الحديث]-

قال النووي: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا أو ميتا، فأما الحي فطاهر بإجماع المسلمين، حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها هو طاهر. هذا حكم المسلم الحي، وأما الميت ففيه خلاف للعلماء، الصحيح أنه طاهر، ولهذا غسل إذ لو كان نجس العين لم يفد غسله -هذا حكم المسلم أما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم عند الشافعية وجماهير العلماء من السلف والخلف، وأما قوله تعالى {إنما المشركون نجس} فالمراد نجاسة العقيدة والاستقذار، وليس المراد أن أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما، فإذا ثبت طهارة الآدمي مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات، سواء أكان محدثا أم جنبا

ص: 68

أم حائضا، وهذا كله بإجماع المسلمين. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: تمسك بعض أهل الظاهر بمفهوم قوله "المؤمن لا ينجس" فقالوا: إن الكافر نجس العين. اهـ.

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

أن العالم إذا رأى من متابعه أمرا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه وعلمه الصواب.

2 -

استحباب استئذان التابع المتبوع إذا أراد أن يفارقه، لقوله: أين كنت؟ فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه.

3 -

جواز تأخير الاغتسال من أول وقت وجوبه.

4 -

استدل به البخاري على طهارة عرق الجنب، لأن بدنه لا ينجس بالجنابة فكذلك ما تخلف عنه.

5 -

وعلى جواز تصرف الجنب في حوائجه قبل أن يغتسل.

ص: 69