الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب التيمم
16 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة".
-[المعنى العام]-
يقول جل شأنه {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وقد فضل الله محمدا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء تفضيلا يتحدث عنه، لا يقول ذلك فخرا وكبرا، وإنما يتحدث بنعمة الله تعالى ليزداد شكرا لربه، ولتشكر أمته ربها على ما كرم به نبيها صلى الله عليه وسلم، يقول: أعطيت من الخصائص الفضلى خمسا، لم يعطهن نبي قبلي.
إحداها: أن الله تعالى نصرني، ونصر أمتي بالرعب، يلقيه في قلوب الأعداء، فيسهل نصرنا عليهم، وصدق الله وعده إذ يقول {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان}
ثانيتها: أن من كان قبلنا لا يصلون إلا في كنائسهم ومعابدهم، ولا يصح طهورهم إلا بالماء، فجعل الله لي ولأمتي الأرض كلها مسجدا صالحة
للصلاة عليها، وجعل ترابها صالحا للتيمم واستباحة الصلاة به، فأي مسلم أدركته الصلاة، وحان وقتها، وكاد يخرج، ولم يجد ماء فعنده مسجده وطهوره، فليتيمم وليصل.
ثالثتها: كان من قبلي إذا غنموا لم تحل لهم الغنائم، بل كانت تترك في العراء حتى تهلك، فأحل الله لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأمته الغنائم يقسمونها ويتمتعون بها.
رابعتها: الشفاعة العظمى التي تشمل أهل الموقف العظيم جميعا، يوم يلجأ الناس من الهول إلى الأنبياء، فيحيلون الخلائق إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وخامستها: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم فقد كان كل نبي يرسل إلى قوم محددين، ولزمن محدد، تنتهي رسالته عنده، لكن محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أهل الأرض جميعا في جميع الأمكنة، وفي جميع الأزمنة، إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين.
-[المباحث العربية]-
(أعطيت خمسا) أي خمس فضائل وميزات، وفي إحدى روايات الصحيح "فضلنا على الناس بثلاث" وفي بعضها "فضلت على الأنبياء بست" واختلاف الروايات في العدد مشكل عند من يرى أن مفهوم العدد حجة وسنوضح المسألة في فقه الحديث.
(لم يعطهن أحد قبلي) أي من الأنبياء.
(نصرت بالرعب مسيرة شهر) في رواية لأحمد "يقذف في قلوب أعدائي "وفي رواية" ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر" وقيل: إن الحكمة في جعل الغاية شهرا أنه لم يكن بينه وبين أحد من أعدائه أكثر من شهر. والأولى جعل هذا اللفظ للمبالغة في البعد. كأنه قال: يلقي الرعب في قلوب الأعداء، فيخافونني من مسافة بعيدة.
(وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون موضع، ويمكن أن يراد المسجد المعروف، والكلام على التشبيه، أي جعلت الأرض كالمسجد، في صحة الصلاة عليها، والطهور بفتح الطاء ما يتطهر به، فالمراد ترابها، كما صرح به في رواية في الصحيح "وجعلت تربتها لنا طهورا".
(فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)"أي" مبتدأ، فيه معنى الشرط و"ما" مزيدة للتأكيد، وذكر الرجل للتغليب، والحكم يشمل النساء.
(وأحلت لي الغنائم) في رواية "المغانم" أي أحل أكلها والانتفاع بها والمغانم ما حصل عليه المسلمون في حروبهم مع الكفار.
(وأعطيت الشفاعة) أي العظمى، فأل فيها للعهد، والأصل فيها سؤال الخير للغير على سبيل الضراعة.
(وبعثت إلى الناس عامة) في رواية "وبعثت إلى كل أحمر وأسود" وهي كناية عن الكل، كأنه قال: إلى كل لون.
-[فقه الحديث]-
يتناول الحديث خمس خصائص:
الخصوصية الأولى: وهي ليست أولى في بعض الروايات، فلا اعتبار للترتيب، لأن العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا ولا تعقيبا، وهي النصر بالرعب.
وهل الخصوصية في المدة؟ على معنى أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في مثل هذه المدة، ولا في أكثر منها، أما ما دونها فقد نصر به بعض الأنبياء؟ أو الخصوصية في النصر بالرعب مطلقا؟ الظاهر الأول، وإلا لم يكن للقيد معنى، نعم رواية "ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر"تشير إلى أن الخصوصية النصر بالرعب مطلقا، لكنها تحمل على المقيدة الأولى، قال بعضهم: وهذه الخصوصية حاصلة له ولو
كان بغير عسكر. وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ محتمل بشرط أن تكون الأمة قائمة على شريعته وسنته.
الخصوصية الثانية: جعل الأرض مسجدا وطهورا، وهل الخصوصية مجموع الأمرين؟ وجعلت لغيره مسجدا، ولم تجعل له طهورا؟ حيث قيل إن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة؟ أو أنهم قبله إنما أبيح لهم الصلاة في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض، إلا فيما تيقنوا نجاسته؟ الأظهر أنهما خصوصيتان، وأن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية "وكان من قبلي إنما كان يصلون في كنائسهم" ورواية "ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه" نعم تعميم الأرض للصلاة لا بد أن يراعى فيه ما استثناه الشرع، كالصلاة في المقابر، والمزابل، والمجازر، وأعطان الإبل، وقارعة الطريق، والحمام وغير ذلك مما ورد النهي به، على خلاف في المذاهب.
الخصوصية الثالثة: حل الغنائم، قال الخطابي: كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته. اهـ. وقيل: المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف شاء. والأول أصوب وأولى بالقبول.
الخصوصية الرابعة: الشفاعة لأهل الموقف من هول ذلك اليوم. قال العلماء. ولا خلاف في وقوعها له صلى الله عليه وسلم، وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل، وقيل: الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، وفيها أقوال أخرى. والأول هو الصواب.
الخصوصية الخامسة: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم للناس كافة منذ بعثته إلى يوم القيامة، وهي محل إجمع المسلمين، وكونها خاصة به لم تعط لنبي قبله أمر واضح، والإشكال بأن نوحا عليه السلام دعا على أهل الأرض بالهلاك ولو
لم يكن مرسلا إليهم ما دعا عليهم، وبأنه بعد الطوفان كان مرسلا إلى الناجين وهم الأحياء على الأرض، الاستشكال بهذا على أن رسالة نوح عليه السلام كانت عامة لا يتم، لأنه على فرض أنه لم يكن على الأرض حينئذ إلا قومه لا يحقق عموم الرسالة، لأنها مرتبطة بزمانه، بخلاف رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهي قائمة إلى قيام الساعة.
ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصيات أخرى غير هذه وردت بها الأحاديث. ذكر منها:
1 -
جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، أي في صلاة الجماعة واستقامة الصفوف، والاستدارة حول الكعبة.
2 -
أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا} وقد جاء الحديث بإجابة هذا الدعاء.
3 -
أعطيت جوامع الكلم [قيل هو القرآن الكريم، وقيل كلامه صلى الله عليه وسلم].
4 -
ختم بي النبيون، وهو صريح قوله تعالى {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}
5 -
أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، والمقصود به ما فتح الله به على أمته من خيرات الأرض وبركاتها.
وهذه الخصوصيات واردة في صحيح مسلم.
وفي مسند أحمد "وسميت أحمد" و"جعلت أمتي خير الأمم" وعند البزار "وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر". "وأعطيت الكوثر". " وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة". وكان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم".
قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع
وذكر النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم على الأنبياء ستون خصلة. اهـ.
واختلاف الأحاديث في عدد ما اختص به صلى الله عليه وسلم لا يثير إشكالا، لأن التعبير ليس من أساليب القصر، فيمكن أن أقول: خصصت بخمس، أذكرها حين أكون قد خصصت بها وبغيرها، كل ما تدل عليه العبارة أن كل واحدة من المذكورات لم تكن لأحد قبله صلى الله عليه وسلم.
والمتمعن في الخصال الواردة يرى أن بعضها خاص به صلى الله عليه وسلم، ولا تشاركه فيها أمته، لكن في تشريفه صلى الله عليه وسلم تشريف لأمته، كما أن بعضها تشترك معه فيها أمته، فإسناد الخصوصيات إليه صلى الله عليه وسلم باعتبار أن أمته إنما خصت بذلك من أجله، تكريما له صلى الله عليه وسلم.
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
مشروعية تعديد النعم، اعترافا بفضل الله وكرمه.
2 -
وإلقاء العلم قبل السؤال.