الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج - الإِْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ وَمَا زَالُوا، يَتَعَامَلُونَ بِهَا فِي كُل زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَفُقَهَاءُ الأَْمْصَارِ شُهُودٌ، فَلَا يَرْتَفِعُ صَوْتٌ بِنَكِيرٍ (1) .
د - الْمَعْقُول: فَإِنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ اسْتِثْمَارِ الْمَال وَتَنْمِيَتِهِ، تَمَسُّ إِلَيْهِ حَاجَةُ النَّاسِ، قَلَّتْ أَمْوَالُهُمْ أَوْ كَثُرَتْ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَلْمُوسٌ، حَتَّى لَقَدْ كَادَتِ الشَّرِكَاتُ التِّجَارِيَّةُ الْكُبْرَى، الَّتِي يَسْتَحِيل عَادَةً عَلَى تَاجِرٍ وَاحِدٍ تَكْوِينُهَا، أَنْ تَكُونَ طَابِعَ هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ. هَذَا مِنْ جَانِبٍ، وَمِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ، لَيْسَ فِي تَطْبِيقِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ شَيْءٌ يَنْبُو بِشَرْعِيَّتِهَا: فَمَا هِيَ فِي حَقِيقَةِ الأَْمْرِ سِوَى ضَرْبٍ مِنَ الْوَكَالَةِ إِذْ حَل شَرِيكٌ وَكِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ. وَالْوَكَالَةُ لَا نِزَاعَ فِي شَرْعِيَّتِهَا إِذَا انْفَرَدَتْ، فَكَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ لآِخَرَ، فَكَذَا إِذَا تَعَدَّدَتْ، فَكَانَتْ مِنْ كُل وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَعْنِي أَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ - كَمَا يَقُولُونَ، وَإِذَا كَانَتْ تَتَضَمَّنُ وَكَالَةً فِي مَجْهُولٍ، فَهَذَا شَيْءٌ يُغْتَفَرُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ؛ لأَِنَّهُ تَبَعٌ لَا مَقْصُودٌ، وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ فِيهِ تَبَعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ اسْتِقْلَالاً.
وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ مِنْ شَرِكَةِ الأَْمْوَال فَلَيْسَ فِي جَوَازِهَا نَصٌّ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا أَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: فَاوِضُوا،
(1) بلغة السالك 2 / 165، ومغني المحتاج 2 / 211، والمغني لابن قدامة 5 / 124.
فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ (1) وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ يُحْتَجُّ فِي جَوَازِهَا بِالْبَرَاءَةِ الأَْصْلِيَّةِ: فَالأَْصْل الْجَوَازُ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيل الْمَنْعِ - وَلَا دَلِيل (2) .
3 -
وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيَّةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ فِي مَجْهُولٍ، وَالْكَفَالَةَ بِمَجْهُولٍ لِمَجْهُولٍ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى انْفِرَادٍ، فَمَا تَضَمَّنَهُمَا مَعًا أَشَدُّ بُطْلَانًا.
4 -
وَأَمَّا شَرِكَتَا الأَْعْمَال وَالْوُجُوهِ فَتَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ خَاصَّةً.
وَيُسْتَدَل لِلْجَوَازِ بِمَا يَلِي:
أَوَّلاً - بِالْبَرَاءَةِ الأَْصْلِيَّةِ: فَالأَْصْل فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا الصِّحَّةُ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيل الْفَسَادِ، وَلَا دَلِيل.
ثَانِيًا - أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِمَا، وَتَصْحِيحُهُمَا مُمْكِنٌ بِطَرِيقِ التَّوْكِيل الضِّمْنِيِّ مِنْ كُل شَرِيكٍ لِشَرِيكِهِ، لِيَقَعَ تَصَرُّفُ كُل وَاحِدٍ وَالرِّبْحُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ لِلْجَمِيعِ، فَلَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِمَا.
(1) بدائع الصنائع 6 / 85، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2 / 144، ونيل الأوطار 5 / 265.