الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي هَذِهِ الْحِرْفَةِ (خِيَاطَةً، أَوْ نِجَارَةً، أَوْ حِدَادَةً، مَثَلاً)(1) عَلَى أَنْ يَتَقَبَّل كُلٌّ مِنَّا الأَْعْمَال، وَأَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءً فِي ضَمَانِ الْعَمَل وَفِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ، وَفِي أَنَّ كُلًّا كَفِيلٌ عَنِ الآْخَرِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، فَيَقْبَل الآْخَرُ. فَإِذَا وَقَعَ التَّعَاقُدُ مَعَ اخْتِلَال قَيْدٍ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَنَانٍ - إِلَاّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْل الْوَكَالَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (2) .
16 -
وَمِثَال شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي الْوُجُوهِ: أَنْ يَقُول شَخْصٌ لآِخَرَ - وَكِلَاهُمَا مِنْ أَهْل الْكَفَالَةِ - شَارَكْتُكَ عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ أَنَا وَأَنْتَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَالْبَيْعِ نَقْدًا، مَعَ التَّسَاوِي فِي كُل شَيْءٍ نَشْتَرِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ وَرِبْحِهِ، وَكَفَالَةِ كُل مَا يَلْزَمُ الآْخَرَ مِنْ دُيُونِ التِّجَارَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، فَيَقْبَل الآْخَرُ.
وَإِذَا اخْتَل شَيْءٌ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنْ قُيُودٍ، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَنَانٍ - إِلَاّ أَنَّهُ لَا بُدَّ
(1) هذا الأخير يؤخذ من قول الكاساني - دون فصل بين مفاوضة عنان - (وأما شركة الأعمال فهي أن يشتركا على عمل من الخياطة أو القصارة أو غيرهما)(بدائع الصنائع 6 / 57) وإن كان القياس على المفاوضة في غيرها يقتضي التعميم في جميع الصنائع والأعمال، أو بالحري الإطلاق، بحيث لا يكون على أحد الشريكين حجر ما في تقبل أي عمل صالح لتقبل. وهذا هو الذي جروا عليه في المجلة (م 1359) .
(2)
رد المحتار 3 / 359، بدائع الصنائع 6 / 57، 63، 65.
فِيهَا عَلَى كُل حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْل الْوَكَالَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا الثَّمَنَ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الشَّرَائِطِ بَيَانُهُ.
وَإِنْ قَال أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فَاوَضْتُكَ فَقَبِل كَفَى؛ لأَِنَّ لَفْظَهَا عَلَمٌ عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا ذَكَرَاهُ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إِقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى (1) .
شُرُوطُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ:
الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ:
17 -
وَهِيَ تِلْكَ الَّتِي لَا تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ الرَّئِيسِيَّةِ الثَّلَاثَةِ (شَرِكَةِ الأَْمْوَال، وَشَرِكَةِ الأَْعْمَال، وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) .
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا:
النَّوْعُ الأَْوَّل: فِي كُلٍّ مِنْ شَرِكَتَيِ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ
.
أَوَّلاً - قَابِلِيَّةُ الْوَكَالَةِ:
18 -
وَيُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا بِأَمْرَيْنِ:
(1)
قَابِلِيَّةُ التَّصَرُّفِ الْمُتَعَاقَدِ عَلَيْهِ لِلْوَكَالَةِ، لِيَتَحَقَّقَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ الاِشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ؛ لأَِنَّ سَبِيل ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُل وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلاً عَنْ صَاحِبِهِ فِي نِصْفِ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ، وَأَصِيلاً فِي
(1) رد المحتار 3 / 359، بدائع الصنائع 6 / 57، 63، 65.
نِصْفِهِ الآْخَرِ - وَإِلَاّ فَالأَْصِيل فِي الْكُل يَخْتَصُّ بِكُل رِبْحِهِ، وَالْمُتَصَرِّفُ عَنِ الْغَيْرِ لَا يَتَصَرَّفُ إِلَاّ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا وِلَايَةَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ الْوَكَالَةُ (1) . فَالاِحْتِشَاشُ وَالاِحْتِطَابُ وَالاِصْطِيَادُ وَالتَّكَدِّي، أَعْمَالٌ لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهَا، لِعَدَمِ قَبُولِهَا الْوَكَالَةَ، إِذِ الْمِلْكُ فِيهَا يَقَعُ لِمَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ - وَهُوَ الآْخِذُ: شَأْنَ الْمُبَاحَاتِ كُلِّهَا، فَقَدْ جَعَل الشَّارِعُ سَبَبَ الْمِلْكِ فِيهَا هُوَ سَبْقَ الْيَدِ (2) .
(2)
أَهْلِيَّةُ كُل شَرِيكٍ لِلتَّوْكِيل وَالتَّوَكُّل؛ لأَِنَّهُ وَكِيلٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ، أَصِيلٌ فِي الآْخَرِ، فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ مِنَ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ، وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي لَا يَعْقِل (3) .
19 -
وَهَذَا الشَّرْطُ بِشِقَّيْهِ مَوْضِعُ وِفَاقٍ (4) . لأَِنَّ الْجَمِيعَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ. وَلَكِنَّ الْخِلَافَ يَقَعُ فِي طَرِيقِ التَّطْبِيقِ: فَمَثَلاً:
أ - الْمُبَاحَاتُ: لَا يَرَاهَا الْحَنَفِيَّةُ مِمَّا يَقْبَل الْوَكَالَةَ، بَيْنَمَا هِيَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّا يَقْبَلُهَا. وَلِذَا مَثَّل الْمَالِكِيَّةُ لِشَرِكَةِ الأَْبْدَانِ بِشَرِكَةِ الصَّيَّادِينَ فِي الصَّيْدِ، وَالْحَفَّارِينَ فِي الْبَحْثِ عَنِ الْمَعَادِنِ - كَشَرِكَاتِ النَّفْطِ الْقَائِمَةِ الآْنَ،
(1) فتح القدير 5 / 30.
(2)
فتح القدير 5 / 5، وتمامه في بدائع الصنائع 6 / 63.
(3)
بدائع الصنائع 6 / 58.
(4)
المغني لابن قدامة 5 / 109.
وَأَبْرَزَ الْحَنَابِلَةُ الشَّرِكَةَ فِي تَحْصِيل الْمُبَاحَاتِ، حَتَّى جَعَلُوهَا نَوْعًا مُتَمَيِّزًا مِنْ شَرِكَةِ الأَْعْمَال (1) .
ب - شَرِكَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ: وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ الشَّرِكَةَ فِي مَال مَحْجُورِهِ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ بِهَذَا الْمَال، مَعَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَذْهَبُ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الشَّرِكَةُ حَيْثُ يَكُونُ رِبْحُهُ كُلُّهُ مُوَفَّرًا عَلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيل تَقْرِيرُهُمْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَوَرِثَهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الشَّرِكَةِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ - وَمِنْ شَرِيطَتِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ الْمُتَصَرِّفُ أَمِينًا: فَلَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ هَذِهِ الأَْمَانَةِ، وَضَاعَ الْمَال، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ (2) .
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ اعْتِبَارَ الأَْهْلِيَّتَيْنِ: أَهْلِيَّةِ التَّوْكِيل، وَأَهْلِيَّةِ التَّوَكُّل، إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَل لِكِلَا الشَّرِيكَيْنِ. أَمَّا إِذَا كَانَ لأَِحَدِهِمَا فَحَسْبُ - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَكُونُ إِلَاّ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ - فَالشَّرِيطَةُ هِيَ
(1) الخرشي على خليل 4 / 225، 269، الفواكه الدواني 2 / 171، 172، ومطالب أولي النهى 3 / 545، دليل الطالب 127.
(2)
مغني المحتاج 2 / 213، نهاية المحتاج وحواشيها 5 / 5، المغني لابن قدامة 5 / 134.