الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
39 -
وَبِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّضُوضِ، إِذَا اتَّفَقَ أَنْ كَانَ الْمَال عُرُوضًا عِنْدَمَا انْتَهَتِ الشَّرِكَةُ، فَإِنَّ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَفْعَلَا مَا يَرَيَانِهِ: مِنْ قِسْمَتِهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَآثَرَ الآْخَرُ الْبَيْعَ، أُجِيبَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ؛ لأَِنَّهَا تُحَقِّقُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَسْتَحِقُّهُ أَصْلاً وَرِبْحًا، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَكَلُّفِ مَزِيدٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ. وَمِنْ هُنَا يُفَارِقُ الشَّرِيكُ الْمُضَارِبَ، إِذِ الْمُضَارِبُ إِنَّمَا يَظْهَرُ حَقُّهُ بِالْبَيْعِ. فَإِذَا طَلَبَهُ أُجِيبَ إِلَيْهِ. هَكَذَا قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ - عَدَا ابْنَ رُشْدٍ وَحَفِيدَهُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا - فَعِنْدَهُمْ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَقْدٌ لَازِمٌ.
وَيَسْتَمِرُّ هَذَا اللُّزُومُ إِلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَال، أَوْ يَتِمَّ الْعَمَل الَّذِي تُقُبِّل، وَقَدِ اسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْل عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِلُزُومِ شَرِكَةِ الأَْعْمَال بَعْدَ التَّقَبُّل (2) .
ج -
يَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ:
40 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَال الشَّرِكَةِ، أَيًّا كَانَ نَوْعُهَا.
(1) المغني لابن قدامة 5 / 133، 134.
(2)
فتح القدير 5 / 27، مجمع الأنهر 2 / 580 بلغة السالك 2 / 165، الفواكه الدواني 2 / 182، الخرشي على خليل 4 / 255، 267، مطالب أولي النهى 3 / 547.
لأَِنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ مَالٌ مَقْبُوضٌ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، لَا لِيَسْتَوْفِيَ بَدَلَهُ، وَلَا يَسْتَوْثِقَ بِهِ (1) .
وَالْقَاعِدَةُ فِي الأَْمَانَاتِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ إِلَاّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، وَإِذَنْ فَمَا لَمْ يَتَعَدَّ الشَّرِيكُ أَوْ يُقَصِّرْ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَلَوْ ضَاعَ مَال الشَّرِكَةِ أَوْ تَلِفَ. وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ، وَضَيَاعِ الْمَال أَوْ تَلَفِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَدَعْوَى دَفْعِهِ إِلَى شَرِيكِهِ (2) .
41 -
وَمِنَ النَّتَائِجِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَمَانَةِ الشَّرِيكِ، وَقَبُول قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ، وَالذَّاهِبِ وَالْمُتَبَقِّي، أَنَّهُ - كَسَائِرِ الأُْمَنَاءِ، مِثْل الْوَصِيِّ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ - لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَ حِسَابًا مُفَصَّلاً. فَحَسْبُهُ أَنْ يَقُول عَلَى الإِْجْمَال: لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مِنْ رَأْسِ مَال الشَّرِكَةِ إِلَاّ كَذَا، أَوْ تَجَشَّمْتُ مِنَ الْخَسَارَةِ كَذَا، أَوْ لَمْ أُصِبْ مِنَ الرِّبْحِ إِلَاّ كَذَا. فَإِنْ قُبِل مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَاّ حَلَفَ، وَلَا مَزِيدَ.
هَكَذَا أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَ
(1) تبيين الحقائق 5 / 64، الخرشي على خليل 4 / 262، مطالب أولي النهى 3 / 503، أشباه السيوطي 283، قواعد ابن رجب 67، رد المحتار 4 / 505، بلغة السالك 2 / 169، 170، دليل الطالب 143، الفروع 2 / 727، نهاية المحتاج 5 / 12، مغني المحتاج 2 / 216، البجيرمي على المنهج 3 / 297.
(2)
رد المحتار 3 / 356، 357، الإتحاف بأشباه ابن نجيم 338.
الْفَتْوَى وَلَكِنَّهُمْ قَيَّدُوهَا مِنَ النَّاحِيَةِ الْقَضَائِيَّةِ - بِمَا إِذَا كَانَ الأَْمِينُ مَعْرُوفًا بِالأَْمَانَةِ فِي وَاقِعِ الأَْمْرِ، وَإِلَاّ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِالتَّفْصِيل وَيُهَدِّدُهُ الْقَاضِي إِنْ لَمْ يَفْعَل. بَيْدَ أَنَّهُ إِنْ أَصَرَّ عَلَى الإِْجْمَال فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ وَرَاءَ يَمِينِهِ (1) .
وَهَكَذَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ إِذَا ادُّعِيَتْ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ فَالأَْصْل عَدَمُهَا (2) .
وَمِنَ التَّعَدِّي: مُخَالَفَةُ نَهْيِ شَرِيكِهِ: فَإِنَّ كُل مَا لِلشَّرِيكِ فِعْلُهُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ التَّصَرُّفِ إِذَا نَهَاهُ عَنْهُ شَرِيكُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ - فَإِذَا خَالَفَهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ: كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لَا تَرْكَبِ الْبَحْرَ بِمَال التِّجَارَةِ، فَرَكِبَ، أَوْ لَا تَبِعْ إِلَاّ نَقْدًا، فَبَاعَ نَسِيئَةً (3) .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ: إِذْ يَقُولُونَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ بَيْعُ النَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ، كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلاً؛ لأَِنَّهُ وَقَعَ بِلَا إِذْنٍ - إِلَاّ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ، فَيَكُونُ مَوْقُوفًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ - مِنْهُمُ الصِّحَّةَ مَعَ الضَّمَانِ - إِلَاّ أَنَّهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ، بِخِلَافِهِ فِي قَوْل الْبُطْلَانِ،
(1) رد المحتار 3 / 357، 438، الإتحاف بأشباه ابن نجيم 337، رد المحتار 3 / 357.
(2)
المهذب 1 / 345، بداية المجتهد 2 / 280، المغني والشرح الكبير 5 / 129.
(3)
وانظر استدراك ابن عابدين عليه في المسألة الأولى، دون جدوى (رد المحتار 3 / 357) .
فَإِنَّهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ هُوَ ضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى كُل حَالٍ - لأَِنَّهُ لَمْ يَفُتْ مِنَ الْمَال سِوَاهَا (1) .
وَمِنَ التَّعَدِّي أَنْ يَحْمِل نَصِيبَ شَرِيكِهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ مَاتَ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ حَال نَصِيبِ شَرِيكِهِ: هَل اسْتَوْفَاهُ شَرِيكُهُ، أَوْ ضَاعَ، أَوْ تَلِفَ بِتَعَدٍّ، أَوْ بِدُونِهِ، أَمْ لَا؟ وَهَل هُوَ عَيْنٌ عِنْدَهُ أَمْ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمْ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ؟ فَإِنَّهُ إِذَنْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي مَال تَرِكَتِهِ - إِلَاّ إِذَا عَرَفَهُ الْوَارِثُ، وَبَرْهَنَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ إِيَّاهُ، وَبَيَّنَ بِمَا يَنْفِي ضَمَانَهُ. وَهَذَا هُوَ مُفَادُ قَوْل ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الأَْشْبَاهِ:" وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجَهِّلاً، أَنْ لَا يُبَيِّنَ حَال الأَْمَانَةِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَعْلَمُهَا ". (2)
وَقَدْ عَبَّرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَنِ التَّجْهِيل الْمَذْكُورِ بِتَرْكِ الإِْيصَاءِ. لَكِنَّهُمْ فِيهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذْ لَا يُعْفِي الشَّرِيكَ مِنَ الضَّمَانِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُوصِيَ إِلَى وَارِثِهِ بِمَا لَدَيْهِ لِشَرِيكِهِ، بَل لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى أَمِينٍ مَعَ الإِْشْهَادِ عَلَيْهَا (3) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَكَالْحَنَفِيَّةِ إِلَاّ أَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ الضَّمَانَ بِمُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ، وَيَقُولُونَ يُحْمَل
(1) المغني لابن قدامة 5 / 150، 151.
(2)
الإتحاف بأشباه ابن نجيم 415.
(3)
البجيرمي على المنهج 3 / 293، الفروع 2 / 787.