الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّ شَرِكَةَ الأَْعْمَال: وَشَرِكَةَ الْوُجُوهِ؛ بَاطِلَتَانِ لِعَدَمِ الْمَال الْمُشْتَرَكِ فِيهِمَا وَلِلْغَرَرِ فِي شَرِكَةِ الأَْعْمَال وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى بُطْلَانِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لأَِنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ وَمِنْ بَابِ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا وَسَمَّوْهَا شَرِكَةَ الذِّمَمِ (1) .
تَقْسِيمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا:
5 -
تَنْقَسِمُ الشَّرِكَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
(1)
- شَرِكَةُ أَمْوَالٍ.
(2)
- شَرِكَةُ أَعْمَالٍ.
(3)
- شَرِكَةُ وُجُوهٍ.
ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَأْسُ مَال الشَّرِكَةِ نُقُودًا، كَانَتْ شَرِكَةَ أَمْوَالٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَل لِلْغَيْرِ كَانَتْ شَرِكَةَ أَعْمَالٍ، (شَرِكَةَ صَنَائِعَ) ، وَتُسَمَّى أَيْضًا شَرِكَةَ أَبْدَانٍ (2) .
وَتُسَمَّى كَذَلِكَ شَرِكَةَ التَّقَبُّل: لأَِنَّ التَّقَبُّل قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِأَيِّ عَمَلٍ لِلْغَيْرِ سِوَى التَّقَبُّل نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَحْصُل بِهِ هَذِهِ الشَّرِكَةُ؛ لأَِنَّهُ مُلْزِمٌ لِشَرِيكِهِ الْقَادِرِ،
(1) فتح القدير 5 / 7، 24، 28، 30، ومغني المحتاج 2 / 212، والخرشي 4 / 371، وبدائع الصنائع 6 / 58.
(2)
لعل ابن عابدين يستبعد عد العمل العقلي بدنيا، فلذا تراه يقول في تعليل التسمية: لأن العمل يكون منهما (أي: الشريكين) غالبًا بأبدانهما: رد المحتار 3 / 359 وبدائع الصنائع 6 / 63.
فَهُمَا شَرِيكَانِ بِالتَّقَبُّل.
أَمَّا إِذَا كَانَ مَا تَقُومُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ مَا لِلشَّرِيكَيْنِ أَوْ لِلشُّرَكَاءِ مِنْ وَجَاهَةٍ عِنْدَ النَّاسِ وَمَنْزِلَةٍ تَصْلُحُ لِلاِسْتِغْلَال، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ وُجُوهٍ. وَلِعَدَمِ رَأْسِ الْمَال فِيهَا، وَغَلَبَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ الْمُعْدِمِينَ - تُسَمَّى: شَرِكَةَ الْمَفَالِيسِ.
هَذَا عَلَى الإِْجْمَال. أَمَّا التَّفْصِيل:
6 -
فَشَرِكَةُ الأَْمْوَال: عَقْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، عَلَى أَنْ يَتَّجِرُوا فِي رَأْسِ مَالٍ لَهُمْ، وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ. سَوَاءٌ عُلِمَ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَال عِنْدَ الْعَقْدِ أَمْ لَا؛ لأَِنَّهُ يُعْلَمُ عِنْدَ الشِّرَاءِ، وَسَوَاءٌ شَرَطُوا أَنْ يُشْرَكُوا جَمِيعًا فِي كُل شِرَاءٍ وَبَيْعٍ، أَمْ شَرَطُوا أَنْ يَنْفَرِدَ كُل وَاحِدٍ بِصَفَقَاتِهِ، أَمْ أَطْلَقُوا. وَلَيْسَ حَتْمًا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ التِّجَارَةِ، بَل يَكْفِي مَعْنَاهَا: كَأَنْ يَقُول الشَّرِيكَانِ: اشْتَرَكْنَا فِي مَالِنَا هَذَا، عَلَى أَنْ نَشْتَرِيَ وَنَبِيعَ، وَنَقْسِمَ الرِّبْحَ مُنَاصَفَةً.
7 -
وَأَمَّا شَرِكَةُ الأَْعْمَال: فَهِيَ: أَنْ يَتَعَاقَدَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلُوا نَوْعًا مُعَيَّنًا (1) مِنَ الْعَمَل أَوْ أَكْثَرَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ عَامٌّ، وَأَنْ
(1) أي: معينًا نوعًا ومحلاً: كخياطة الثياب، وتنجيد الأثاث، وتعليم الكتابة والحساب، وتحفيظ القرآن، وما إلى ذلك مما تنشأ له المدارس وغيرها، رد المحتار 3 / 358، والهندية 2 / 331.
تَكُونَ الأُْجْرَةُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَذَلِكَ كَالْخِيَاطَةِ، وَالصِّبَاغَةِ، وَالْبِنَاءِ، وَتَرْكِيبِ الأَْدَوَاتِ الصِّحِّيَّةِ أَوْ كُل مَا يُتَقَبَّل، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعَاقُدِ قَبْل التَّقَبُّل فَلَوْ تَقَبَّل ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ عَمَلاً، دُونَ تَعَاقُدٍ سَابِقٍ عَلَى الشَّرِكَةِ، لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ: وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَل، فَإِنْ قَامَ بِالْعَمَل كُلِّهِ أَحَدُهُمْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ - قَضَاءً - سِوَى ثُلُثِ الأُْجْرَةِ.
وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّقَبُّل حَقًّا لِكُل شَرِيكٍ وَإِنْ وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَهُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، وَيَعْمَل الآْخَرُ. وَلِذَا يَقُول السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ:" لَوْ قَال صَاحِبُ الدُّكَّانِ أَنَا أَتَقَبَّل، وَلَا تَتَقَبَّل أَنْتَ، وَأَطْرَحُ عَلَيْكَ تَعْمَل بِالنِّصْفِ، لَا يَجُوزُ " وَمِنْ هُنَا يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: الشَّرْطُ عَدَمُ نَفْيِ التَّقَبُّل عَنْ أَحَدِهِمَا، لَا التَّنْصِيصُ عَلَى تَقَبُّل كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا عَلَى عَمَلِهِمَا؛ لأَِنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّل أَحَدُهُمَا وَيَعْمَل الآْخَرُ، بِلَا نَفْيٍ، كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّقَبُّل وَالْعَمَل، لِتَضَمُّنِ الشَّرِكَةِ الْوَكَالَةَ. هَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِلْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ أَضَافُوا الاِشْتِرَاكَ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ (1) .
(1) فتح القدير، وتبعه ابن عابدين، وفي البدائع خلافه فتح القدير 5 / 28 - 33، ورد المحتار 3 / 358، 361، وبدائع الصنائع 6 / 64، والفتاوى الهندية 3 / 231، 334، والمغني لابن قدامة 5 / 113، ومطالب أولي النهى 5 / 545، 546.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ شَرِكَةَ الأَْبْدَانِ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: شَرِكَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِبَعْضِ الأَْعْمَال، دُونَ بَعْضٍ، كَنِجَارَةٍ، أَوْ حِدَادَةٍ، اتَّفَقَ الْعَمَلَانِ أَمِ اخْتَلَفَا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شَرِكَةٌ مُطْلَقَةٌ، لَمْ تُقَيَّدْ بِذَلِكَ: كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الاِشْتِرَاكِ فِي أُجْرَةِ مَا يَعْمَلَانِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ (1) .
8 -
وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ: فَهِيَ أَنْ يَتَعَاقَدَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، بِدُونِ ذِكْرِ رَأْسِ مَالٍ، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا نَسِيئَةً وَيَبِيعَا نَقْدًا، وَيَقْتَسِمَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا لِلثَّمَنِ (2) .
وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ جَعَلَا الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، لِئَلَاّ يَلْزَمَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَلَكِنَّ جَمَاهِيرَهُمْ جَعَلُوا الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى مَا تَشَارَطَ الشَّرِيكَانِ، كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ: لأَِنَّ فِيهَا مِثْلَهَا عَمَلاً وَغَيْرَهُ، سِيَّمَا مَعَ مُلَاحَظَةِ تَفَاوُتِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ، وَالْوَجَاهَةِ عِنْدَ النَّاسِ. بَل نَظَرَ ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى مَآل أَمْرِهَا، فَأَنْكَرَ خُلُوَّهَا مِنَ الْمَال.
(1) الخانية مع الهندية 3 / 624، الخرشي على خليل 4 / 267.
(2)
فتح القدير 5 / 30.