المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الإِيلَاءِ ــ   كتاب الإيلاء هو مصدر آلي يولي إيلاء؛ أي: حلف. والأليَّة بتشديد - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٨

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الإِيلَاءِ ــ   كتاب الإيلاء هو مصدر آلي يولي إيلاء؛ أي: حلف. والأليَّة بتشديد

‌كِتَابُ الإِيلَاءِ

ــ

كتاب الإيلاء

هو مصدر آلي يولي إيلاء؛ أي: حلف.

والأليَّة بتشديد الياء: اليمين، وجمعها ألايا، قال تعالى:{وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} وهو الصديق رضي الله عنه.

وقال صلى الله عليه وسلم: (من يتأل على الله .. يكذبه).وقال الشاعر [من الطويل]:

قليل الألايا حافظ ليمينه

وإن سبقت منه الألية برت

وقال آخر [من الوافر]:

وأكذب ما يكون أبو المثنى

إذا آلى يمينًا بالطلاق

وقال الشافعي: سمعت ممن أرضى من أهل العلم أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار والإيلاء والطلاق، فأقر الله تعالى الطلاق طلاقًا، وحكم في الإيلاء والظهار بحكمهما.

واختلف أصحابنا هل عمل بكونه طلاقًا في أول الإسلام على وجهين: أصحهما: لا.

وافتتح الكتاب في (المحرر) بقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} .

وقرأ أبي وابن عباس (للذين يقسمون).

وإنما عدي ب (من) وهو معدىً ب (على)؛ لأنه ضمن معنى البعد، كأنه قيل:

ص: 25

هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا، أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

ــ

يبعدون من نسائهم مولين أو مقسين، ويجوز أن يراد: لهم من نسائهم كقولك: لي منك كذا،

والإيلاء الشرعي حرام للأبد أو هو غير ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة لما آلى من نسائه شهرًا.

قال: (هو حلف زوج) من حر أو عبد مسلم أو ذمي، فخرج بالزوج: السيد؛ فلا يصح إيلاؤه من الأمة، ومن قاله لأجنبية ثم تزوجها .. فالأصح لا يكون موليًا كما سيأتي.

قال: (يصح طلاقه) خرج الصبي والمجنون، ودخل السكران لصحة طلاقه.

والمراد: من يصح طلاقه في الجملة؛ ليدخل ما إذا قال: إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا، وفرعنا على انسداد باب الطلاق؛ فإنه زوج لا يصح طلاقه، ومع ذلك يصح إيلاؤه، وتستوي في الإيلاء حالة الرضا والغضب: لإطلاق الآية.

وعن مالك: يختص بحالة الغضب كما قاله ابن عباس.

قال: (ليمتنعن من وطئها) أي: في القبل، فلو حلف على تركه في الدبر أو فيما دون الفرج .. لم يكن موليًا.

ولو قال: إلا في الحيض أو النفاس .. قال السرخسي: لم يكن موليًا، وفي (فتاوى البغوي) و (الذخائر) أنه مول، وكذا إذا قال: إلا في شهر رمضان، أو إلا في المسجد، لكنة إذا أفاء في الحيض ونخوه .. سقطت المطالبة في الحال.

قال: (مطلقًا، أو فوق أربعة أشهر)؛ لما في ذلك من الإضرار بها، وخرج بالامتناع عن الوطء الامتناع عن الاستمتاع فليس بإيلاء.

وقوله: (مطلقًا) يريد ما إذا أطلق الحلف، ولم يقيده بمدة، وفي معناه ما إذا أكده بقوله: أبدًا، وأما التقييد بالأربعة أشهر .. فلأن المرأة يعظم ضررها إذا زادت على ذلك؛ لأنها تصبر عن الزوج أربعة أشهر، وبعد ذلك يفنى صبرها.

ص: 26

وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا، أَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَللهِ عَلَىَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ .. كَانَ مُولِيًا

ــ

روى البيهقي [9/ 29] عن عمر: أنه خرج مرة في الليل فسمع امرأة تقول [من الطويل):

تطاول هذا الليل واسود جانبه

وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فو الله لولا الله أني أراقبه

لحُرك من هذا السرير جوانبه

مخافة ربي والحياء يصدني

وأكرم بعلي أن تنال مراتبه

فقال عمر لابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن الزوج؟ وروي أنه سال النساء فقلن: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينفذ صبرها فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا يحبسوا رجلًا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر.

وقولها: (من هذا السرير) أرادت نفسها؛ لأنها فراش الرجل، فهي كالسرير الذي يجلس عليه.

ولأن الله تعالى لما جعل للمولي التربص أربعة أشهر دل على أن حكم الإيلاء يتعلق بما فوقها، حتى لو حلف لا يطأ أربعة أشهر ولحظة .. كان موليًا آثمًا، غير أنه لا تظهر فيه أحكام الإيلاء.

وعن أبي حنيفة: أن الأربعة الأشهر كما فوقها، لكن يرد على الصنف أنه لو قال: لا أطؤك حتى أموت أو تموتي أو يموت فلان .. فإنه يكون موليًا لحمول الياس ولم يذكر فوق أربعة أشهر.

ولو قال: والله لا أصبتك أربعة أشهر، فإذا مضت فو الله لا أصبتك أربعة أشهر، وكرر ذلك مرارًا .. فالأصح أنه لا يكون موليًا وسيأتي.

قال: (والجديد: أنه لا يختص بالحلف بالله تعالى وصفاته، بل لو علق به طلاقًا أو عتقًا، أو قال: إن وطئك فلله عليَّ صلاة أو صوم أو حج أو عتق .. كان موليًا)؛ لأن ذلك يسمى يمينًا، فيتناوله إطلاق الآية.

والقديم: الاختصاص؛ لآن المعهود في الجاهلية في الأيمان الاختصاص بالله تعالى، والشرع إنما غير حكمة لا صورته.

ص: 27

وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ .. فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ، فَإِنْ نَكَحَهَا .. فَلَا إِيلَاءَ. وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنّاءَ ، أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ .. لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ

ــ

وأورد على اعتبار الحلف صورة يكون فيها الإيلاء بغير حلف، وهي: إذا فرعنا على صحة الظهار المؤقت وهو الصحيح فزاد على أربعة أشهر فقال: أنت علي كظهر أمي سنة مثلًا .. فالأصح أنه يكون موليًا.

وشرط انعقاده على الجديد: أن يلزمه شيء إذا وطئ بعد أربعة أشهر، فلو كانت اليمين تنحل قبل ذلك بأن قال: إن وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر مثلًا .. فليس بمول.

ولو قال: إن وطئتك فلله علي صوم هذه السنة، فإن كان الباقي منها أكثر من أربعة أشهر .. فهو مول، وإلا .. فلا.

قال: (ولو حلف أجنبي عليه) أي: على ترك الوطء) .. فيمين محضة) بأن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، فإذا وطئها قبل المدة أو بعدها .. كأن عليه كفارة، وعبارة (المحرر): غير الزوج، وهي أحسن؛ لشمولها السيد.

قال: (فإن نكحها .. فلا إيلاء) ولا تضرب له مدة لأن الإيلاء يختص بالزوجات؛ لقوله تعالى: {مِنْ نِسَائِهِمْ} ، ولا ينعقد بخطاب الأجنبية كالطلاق.

وفي وجه ضعيف: إن نكحها وقد بقي من المدة أكثر من أربعة أشهر: ضربت، وإن قال: إن تزوجتك فو الله لا أطؤك .. فكتعليق الطلاق قبل النكاح.

قال: (ولو آلى من رتقاء، أو قرناء، أو آلى مجبوب .. لم يصح على المذهب)؛ لأنه لم يتحقق منه قصد الإضرار والإيذاء لامتناع الأمر في نفسه، ولأنه يمين على ترك ما لا يقدر، عليه فلم يصح كما لوحلف لا يصعد السماء.

وقيل: يصح؛ لعموم الآية، وقياسًا على الظهار، وسيأتي في بابه الفرق بينهما. ومجموع ما في المسألة طرق:

أصحها: قولان.

والثانية: القطع بالبطلان.

ص: 28

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَكَذَا مِرارًا .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الأَصَحِّ

ــ

والثالثة: القطع بالصحة، فلو عبر بالأظهر .. علم أن الأرجح طريقة القولين.

وصورة المسألة: أن يكون المانع موجودًا عند الإيلاء، فلو طرأ بعده لم يبطل على المذهب؛ لأن العجز عارض.

والمراد ب (المجبوب): من لم يبق له قدر الحشفة، فإن بقي قدرها .. صح إيلاؤه، والأشل كالمجبوب.

وأفهم بمثيله بالمانع الحسي صحة الإيلاء من المريض المذفف والخصي والعنين وهو كذلك.

قال: (ولو قال: والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أشهر، وهكذا مرارًا .. فليس بمول في الأصح)؛ لأنه بعد الأربعة لا تمكن مطالبته بموجب اليمين الأولى لانحلالها، ولا بموجب الثانية؛ لأن مدة المهلة لم تمض، وبعد الثمانية لا يمين، وكل منهما يمين منفردة فتعطى حكمها.

كما لو اشتري أو سقًا كثيرة في صفقات على صورة العرايا .. فإنه يجوز.

قال الإمام: وهذا الحالف يأثم إثم الإيذاء لا إثم الإيلاء.

والوجه الثاني: يكون موليًا؛ لتضررها بذلك كما لو كانت الثمانية بيمين واحدة.

وظاهر كلامه أن صاحب هذا الوجه يعطيه أحكام الإيلاء، وليس كذلك، إنما هو في الإثم فقط لقصد الإضرار بها، أما المطالبة .. فلا تتصور كما قاله المصنف في (نكت التنبيه).

وقوله: (وهكذا مرارًا) لا حاجة اليه؛ فإن قوله: (أربعة أشهر فإذا انقضت في اشبه لا وطئتك أربعة أشهر) كاف في جريان الوجهين، وموضع الخلاف إذا وصل اليمين كما ذكره المصنف، فإن حلف لا يجامعها أربعة أشهر ثم أعاد اليمين بعد مضي تلك المدة وهكذا مرارًا .. فإنه لا يكون موليًا بلا خلاف، قاله في (البسيط).

وصورة المسألة: أن يكون ذكر اسم الله تعالى، فإن قال: والله لا وطئتك أربعة أشهر، فإذا مضت .. لا وطئتك .. قال ابن الرفعة: هذه يمين واحدة، فاشتملت

ص: 29

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ سَنَةً .. فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ. وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي الأَرْبَعَةِ كَنُزُولِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم .. فَمُولٍ، ..

ــ

على أكثر من أربعة فيكون موليًا وجهًا واحدًا.

قال: (ولو قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا مضت فو الله لا وطئتك سنة .. فإيلاءان لكل حكمه)، فتطالبه بعد أربعة أشهر بموجب اليمين الأولى، فإذا أخرت حتى مضى الشهر الخامس .. فلا مطالبة: لانحلالها، وتضرب مدة اليمين الثانية بعد الخمسة، سواء فاء في الأولى أو لا، ولا فرق في عدم المطالبة بعد مضي الخامس بين أن يعلم ثبوت حقها في الطلب فتتركه، أو لا يعلم حتى تنقضي المدة.

وقوله: (سنة) موافق (للشرح) و (الروضة)، وفي (المحرر): ستة أشهر، والجميع صحيح، لكن الأحسن قراءة ما في الكتاب بالتاء المثناة من فوق؛ أي: ستة أشهر؛ ليوافق ما في (المحرر).

قال: (ولو قيد بمستبعد الحصول في الأربعة كنزول عيسى صلى الله عليه وسلم .. فمول)؛ لأن الغالب عدم حصوله في الأربعة فتتضرر بقطع الرجاء.

ونظير نزول عيسى بن مريم: خروج يأجوج ومأجوج والدجال، وطلوع الشمس من مغربها وكذلك حتى يقدم فلان من مكة والغالب إنما يأتي مع الحاج والمدة بينهما أكثر من أربعة أشهر، وقيل: ينتظر، فإن مضت أربعة أشهر ولم يوجد .. بان كونه موليًا فتطالبه الآن.

واحترز عما يتحقق عدم وقوعه: إما مطلقًا كالمستحيلات عادة مثل صعود السماء، أو عقلًا كالجمع بين الضدين، وأما في الأربعة أشهر مثل: حتى تقوم الساعة .. فإنه يكون في ذلك موليًا.

وعيسى صلى الله عليه وسلم اسم سرياني فلذلك لم ينصرف، وهو بالسريانية أيسوع، حوله العرب إلى عيسى، وجمعة عيسون بفتح السين، والنسبة إليه عيسوي.

ص: 30

وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا .. فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ. فَمِنْ صَرِيحِة: تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ، وَوَطْءٌ، وَجِمَاعٌ، وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ

ــ

وأما خبر نزوله .. ففي (الصحيحين)[خ 3448 - م155/ 242] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها).

وفي (صحيح مسلم)[2937/ 110]: (أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنه يقتل الدجال بباب لُدّ، وأنه يصلي وراء إمام منا تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة (وجاء: أنه يتزوج بعد نزوله، ويولد له، ويدفن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: (وإن ظن حصوله قبلها .. فلا)، بل يكون عقد يمين كوجود الأمطار في وقت غلبة المطر، ومجيء زيد من القرية وعادته المجيء للجمعة، أو مجيء القافلة وعادتها المجيء غالبًا كل شهر، وهكذا ما علم حصوله كذبول البقل وجفاف الثوب وتمام الشهر ونحوه.

قال: (وكذا لو شك في الأصح)؛ لاحتمال وجوده في الأربعة وبعدها على السواء مثل: حتى يدخل زيد الدار، أو يمرض فلان، أو يقدم وهو على مسافة قريبة والشك حاصل في قدومه .. فلا نحكم الآن بإيلاء؛ لأنه لم يتحقق قصد المضارة، فإن قال: حتى أموت أو تموتي .. كان موليًا كما تقدم.

فلو وطئ قبل وجود المعلق به .. وجبت الكفارة قطعًا: ولو وجد المعلق به قبل الوطء .. ارتفعت اليمين.

ولو قال: حتى تحبلي وهي آيسة أو صغيرة .. فمول، وإن كانت من ذوات الأقراء .. فكالوجهين في التعليق بدخول الدار.

قال: (ولفظه صريح وكناية. فمن صريحه: تغييب ذكر بفرج، ووطء، وجماع، وافتضاض بكر)؛ لأنها ألفاظ مشتهرة في العرف لا تحتمل غير الجماع، لكن لو قال: أردت الاجتماع في المكان والوطء بالقدم .. دُيِّن.

وقيل: لفظ الوطء والجماع كنايتان، وهو شاذ.

ص: 31

وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا وَنَحْوَهَا كِنَايَاتٌ

ــ

وأما افتضاض البكر، فإن قال: لم أرد به جماعًا .. فالأصح أنه يدين.

ومن ألفاظه الصريحة التي لا تقبل التأويل ولا التدين: اللفظ المركب من (النون) و (الياء) و (الكاف).

وتعبيره ب (الذكر) يوهم الجميع، وهو لو أراد جميع الذكر .. لم يكن موليًا؛ إذ لا ضرر عليها لحصول مقصودها بتغييب الحشفة، كذا قاله الجيلي، واستحسنه ابن الرفعة، قال: فكان الأحسن التعبير بالحشفة، ثم ذكر لكلامه احتمالين:

أحدهما: قاله في (الكفاية)؛ لأن المراد: أن لا أغيب شيئًا من المسمى.

والذكر يطلق على بعضه؛ لحديث: (من مس ذكره .. فليتوضأ).

والثاني - قاله في (المطلب) -: أنهم عبروا بالذكر عن الحشفة؛ لأنها المعتبرة في ترتب الأحكام، وجمع في (الروضة) بين العبارتين فقال: لا أغيب في فرجك ذكري أو خشفتي.

قال: (والجديد: أن ملامسة ومباضعة ومباشرة وإتيانًا وغشيانًا وقربانًا ونحوها) كالإفضاء واللمس والمباعلة والدخول (كنايات)؛ لأن لها حقائق غير الجماع، ولم تشتهر فيه اشتهار الألفاظ السابقة.

والقديم: أنها صرائح؛ لاستعمالها في العرف والشرع بمعنى الجماع، قال تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} ، (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا)، {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ} .

وقيل: الإتيان وما بعده كنايات قطعًا، والقربان بكسر القاف، وأجاز ابن طريف في الأفعال ضمها، وأما الإصابة .. فصريحة عند الجمهور، وقيل على القولين.

ولو قال: لا مجتمع رأسي ورأسك على وسادة، أو لا يجتمعان تحت سقف .. فكناية قطعًا.

ص: 32

وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ، فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ .. زَالَ الإِيلَاءُ. وَلَوْ قَالَ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ .. فَمُولٍ، وَإِلَّا .. فَلَا ظِهَارَ وَلَا إِيلَاءَ بَاطِنًا، وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ: عَنْ ظِهَارِي إِنْ ظَاهَرْتُ .. فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ

ــ

قال: (ولو قال: إن وطئتك فعبدي حر، فزال ملكه محنه .. زال الإيلاء)؛ لأنه صار بحال لا يلزمه بالوطء شيء.

ودخل في قوله: (فزال ملكه) ما لو مات أو أعتقه أو باعه بيعًا لازمًا، وخرج عنه ما إذا دبره أو كاتبه أو استولدها .. فإن ملكه لم يزل، فلو زال ملكه عنه ثم عاد .. ففي عود الإيلاء قولا عود الحنث، كذا قاله الشيخان: وظاهر نص (الأم) ترجيح عود الإيلاء.

قال: (ولو قال: فعبدي حر عن ظهاري وكان ظاهر) أي: وعاد قبل ذلك (فمول)؛ لأنه كان له أن يعتق أي عبد شاء، وفي أي وقت شاء، فتعين عليه ذلك العبد، وذلك مشق، فصار كالتزام أصل العتق، فعلى هذا: إذا وطئ في مدة الإيلاء أو بعدها .. عتق عن الظهار في الأصح، وقيل: لا؛ لأنه تأدى به لازم الإيلاء، والعتق لا يتأدى به حقان.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يكن ظاهر) .. فلا ظهار ولا إيلاء باطنًا) أما الأول .. فلكونه كذب في كونه مظاهرًا.

وأما الثاني .. فلأنه علق على الوطء عتقًا عن الظاهر، والفرض أنه لا ظهار، فلا عتق إذا لم توجد الصفة المعلق عليها المعتق.

قال: (ويحكم بهما ظاهرًا)؛ لإقراره بظهار سابق، فيحكم به ككل حق أقرَّ به، ويحكم بأنه مول.

قال: (ولو قال: عن ظهاري إن ظاهرت .. فليس بعول حتى يظاهر)؛ لأنه لا يعتق العبد لو وطئها قبل الظهار، ولا يناله محذور، فإذا ظاهر .. صار موليًا؛ لأن المعتق حينئذ يحصل لو وطئ.

ص: 33

أَوْ إِنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ .. فَمُولٍ، فَإِنْ وَطِئَ .. طَلَقَتِ الضَّرَّةُ وَزَالَ الإِيلَاءُ. وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاللهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ، فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا. فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ .. زَالَ الإِيلَاءُ،

ــ

وقيل: في كونه موليًا في الحال قولان؛ لأن العتق يتعلق بأمرين: الوطء والظهار، والوطء مقرب منه، فعلى المذهب: لو وطئ في مدة الإيلاء أو بعدها .. عتق العبد؛ لوجود الظهار والوطء بعده، ولا يقع عن الظهار اتفاقًا؛ لسبق الظهار، وقيل: لعدم خلوصه عنه.

قال: (أو إذ وطئتك فضرتك طالق .. فمول) أي: من المخاطبة؛ لما يلحق من طلاق الضرة عند الوطء.

قال: (فإن وطئ) في المدة أو بعدها) .. طلقت الضرة)؛ لوجود المعلق عليه طلاقها.

قال: (وزال الإيلاء)؛ لأنه لا يترتب عليه شيء بوطئها بعد ذلك.

قال: (والأظهر: أنه لو قال لأربع: والله لا أجامعكن .. فليس بمول في الحال)؛ لأن الكفارة إنما تجب بوطء الجميع كما لو حلف لا يكلم زيدًا وعمرًا وخالدًا، وهو ممكن من وطء ثلاث بلا ضرر.

والثاني: نعم، كقوله: لا جامعت واحدة منكن، وبه قال الأئمة الثلاثة؛ لأنه ما من واحدة إلا ووطؤها يقرب من الحنث، وقرب الحنث محذور كالحنث.

قال: (فإن جامع ثلاثًا .. فمول من الرابعة)؛ لأنه يحنث بوطئها، وسواء وطئ الثلاث في النكاح أو بعد البينونة، فينعقد الإيلاء؛ لأن اليمين تشمل الحلال والحرام.

ولو وطئها في الدبر .. فكذلك في الأصح.

قال: (فلو مات بعضهن قبل وطء .. زال الإيلاء)؛ لتحقق امتناع الحنث، لأن أسم الوطء يقع مطلقة على ما في الحياة، وقيل: يتعلق الحنث والبر بوطء المي

00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

ص: 34

وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ .. فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إِلَى سَنَةٍ إِلَّا مَرَّةً .. فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

وأشار بعضهم إلى وجه ثالث فارق بين ما قبل الدفن وبعده، ولا أثر لموت بعضهن بعد وطئها.

قال: (ولو قال: والله لا أجامع كل واحدة منكن .. فمول من كل واحدة) أي: على حيالها كما لو أفردها بالايلاء، فتضرب المدة ولكل منهن حق المطالبة إذا انقضت.

وظاهر كلام المصنف أنه لو وطئ واحدة .. لا يرتفع الإيلاء في الباقيات، وهو وجه رجحه الإمام.

والأصح عند الأكثرين: انحلال اليمين وزوال الإيلاء؛ لأنه حلف أن لا يطأ واحدة وقد وطئها.

وبقي من صور المسالة: لا أجامع واحدة منكن، فإن أراد الامتناع عن كل واحدة .. فمول منهن، أو من واحدة معينة .. فمول منها فقط، ويقبل منه ذلك ظاهرًا على الصحيح، وإن أطلق .. فالأصح الحمل على التعميم.

قال: (ولو قال: لا أجامعك إلى سنة إلا مرة .. فليس بمول في الحال في الأظهر)؛ لأنه لا يلزمه بالوطء في الحال شيء لاستثنائه الوطء مرة.

والثاني: أنه مول في الحال؛ لأن الوطأة الأول إن لم يتعلق بها حنث .. فهي مقربة منه، فإذا مضت السنة ولم يطأ .. انحل الإيلاء، لكن هل تلزمه كفارة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأن اللفظ يقتضي أن يفعل مرة.

والثاني - وهو الأصح في زوائد (الروضة) -: لا؛ لأن مقصوده أن لا يزيد على مرة، ولو وطئ ثم نزع ثم أولج ثانيًا .. لزمته الكفارة بالإيلاج الثاني على الأصح. ونظير المسألة: إذا قال: إن كنت أملك إلا مئة فأنت طالق وكان يملك دون المئة .. فقيل: تطلق، وقيل: وجهان، وفي المسالة بحث تقدم في بابي (الإقرار) و (الطلاق).

ص: 35

فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .. فَمُولٍ.

فَصْلٌ:

يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

ــ

ومن فروعها: لو كانت له أمة فحلف لا يبيعها إلا بألفين ثم أعتقها .. ففي حنثه الوجهان.

قال: (فإن وطئ وبقي منها أكثر من أربعة أشهر .. فمول) من ذلك الوقت؛ لحصول الحنث ولزوم الكفارة لو وطئ، وأن بقي أربعة أشهر فما دونها .. لم يكن موليًا، بل حالف فقط، وعلى القول الثاني: يطالب بعد مضي المدة، فأن وطئ .. فلا شيء عليه؛ لأن الوطأة الأولى مستثناة، وتضرب المدة ثانيًا إن بقي من السنة مدة الإيلاء، وعلى هذا القياس: لو قال: إلا عشر مرات مثلًا .. فعلى الأظهر: ليس موليًا إلا إذا وطئ ذلك العدد وبقيت مدة الإيلاء.

تتمة:

لو قال: والله لا أصبتك في هذا البيت .. لم يكن موليًا؛ لأن بقاءها في البيت إلى انقضاء العدة غير محقق، ولأنه متمكن من وطئها بلا ضرر يلحقه بأن يطأها في غيره، بخلاف قوله: إن وطئتك .. فعبدي حر؛ فإنه مول في الجديد مع أنه متمكن من بيعه، لأن بيعه ضرر لأنه قد لا يباع بثمن مثله.

ويتجه أن لا يأتي في (لا أصبتك في البيت) الوجه الذي حكاه المتولي فيما إذا قال: لا وطئتك حتى أخرجك من المبلد، ويمكن الفرق في الإخراج من البلد كلفة بخلاف البيت.

قال: (فصل:

يمهل أربعة أشهر)؛ للآية المتقدمة، قال الشافعي: وهو حق للزوج كالأجل في الدين المؤجل حق للمدين، وسواء الحر والعبد؛ لأنه أمر جبلي كالعنة.

وألحقه أبو حنيفة بالعدة فأقتصر على شهرين، والاعتبار عنده برق الزوج، وعند

ص: 36

مِنَ الإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ، وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنْ الرَّجْعَةِ. وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْمُدَّةِ .. انْقَطَعَتْ، فَإِذَا أَسْلَمَ .. اسْتُؤْنِفَتْ

ــ

مالك برق الزوجة، والمراد بضربها: أن الزوج يمهل إلى مضيها، وهذا في غير الرجعية كما سيأتي.

قال: (من الإيلاء) من وقت المرافعة؛ لأنه مول من حين الحلف.

وشمل إطلاقه ما لو إلى من واحدة غير معينة ثم عينها .. فإن ابتداء المدة من حين اليمين على الأصح، وقيل: من التعيين.

قال: (بلا قاض)؛ لأنها بائنة بالنص والإجماع، بخلاف العنة؛ فإنها مجتهد فيها.

قال: (وفي رجعية من الرجعة)؛ لأنها شرعت للمهلة في وقت يحل له فيه الوطء، وفي العدة لا يحل له ذلك.

فلو آلى من زوجته ثم طلقها طلاقة رجعيًا .. انقطعت المدة، فإذا راجعها .. حسبت في حقها من الرجعة لا من وقت اليمين؛ لأنها عادت إلى صلب النكاح، ولا ينحل الإيلاء بالطلاق الرجعي.

قال: (ولو ارتد أحدهما بعد دخول في المدة .. انقطعت) أي: المدة، فلا يحسب زمن الردة منها؛ لأن المرأة تحرم بها، فلا وقع؛ لامتناعه من الحرام، ولا خلاف في الانقطاع بردتها؛ لأن المانع منها.

وفي ردته وجه: أنها لا تمنع الاحتساب كمرضه.

واحترز بقوله: (بعد دخول) عما قبله؛ فإن النكاح ينقطع لا محالة.

قال: (فإذا أسلم .. استؤنفت) بناء على وجوب الموالاة في المدة؛ لأن قوله تعالى: {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} يقتضي أربعة متوالية، فوجب استئنافها كصيام الشهرين في الكفارة.

وقيل: يبني: لأن النكاح رجع لحالته الأولى، ومحل الاستئناف إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطء مطلقًا، أو كان قد بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر، فإن كان أقل من ذلك .. فلا معنى للاستئناف.

ص: 37

وَمَا مَنَعَ الْوَطْءَ وَلَمْ يَنْحَلَّ بِنِكَاحٍ؛ إِنْ وُجِدَ فِيهِ .. لَمْ يَمْنَعِ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ: حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ .. مَنَعَ، وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ .. قَطَعَهَا، فَإِذَا زَالَ .. اسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ: تُبْنَى. أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ .. فَلَا

ــ

قال: (وما منع الوطء ولم ينحل بنكاح؛ إن وجد فيه) أي: في الزوج) .. لم يمنع المدة كصوم وإحرام ومرض وجنون)؛ لأنها ممكنة والمانع منه، ولذلك استحقت النفقة، وهو المقصر بالإيلاء وقصده المضارة، وأشار بالأمثلة إلى أنه لا فرق فيه بين المانع الشرعي والحسي وقال المزني: يمنع حبسه احتساب المدة، وغلطه الجمهور، وقيل: محمول على ما إذا حبس ظلمًا.

فرع:

طلب الزوج امرأته وهناك مانع شرعي يختص به كصومه الواجب وإحرامه .. فالأصح: أنه يحرم عليها التمكين، صرح به الغزالي وغيره، وستأتي الإشارة إلى هذا عند قول المصنف:(وإن عصى بوطء).

قال: (أو فيها) أي: في الزوجة (وهو: حسي كصغر ومرض .. منع) فلا يطالبه بالفيئة لا بالفعل ولا بالقول؛ لأن المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطء حينئذ.

قال: (وإن حدث في المدة .. قطعها)، ولأن وجود المانع منها ينفي أن يقصد الإضرار.

والمراد ب (الصغر) و (المرض): المانعان من إيلاج الحشفة.

قال: (فإذا زال) أي: المانع في المدة) .. استؤنفت)؛ لأن المطالبة مشروطة بالإضرار أربعة أشهر متوالية ولم توجد.

قال: (وقيل: تبنى)، لأنه لم ينقطع النكاح، فصارت كما لو وطئت في المدة بشبهة وحبلت منه .. تبنى بعد الرجوع على ما مضى، وأختاره الإمام والغزالي.

قال: (أو شرعي كحيض وصوم نفل .. فلا) أما الحيض .. فلأنه لو منع لامتنع

ص: 38

وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الأَصَحِّ. فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا .. فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ

ــ

ضرب المدة غالبا: إذ لا تخلو المدة عن حيض غالبا، ولهذا لا يقطع المتتابع في صوم الشهرين، والنفاس كالحيض عند الرافعي والمصنف سر للبغوي؛ لأنه يشاركه في أكثر الأحكام.

ورجح الماوردي أن النفاس كغيره من الأعذار: لأنه نادر، ومقتضى كلام الشيخ أبي حامد وأتباعه القطع به، وبه جزم الجرجاني والمحاملي والمتولي وصاحب (الإستقصاء)، وابن الرفعة في (الكفاية) ثم قال في آخر الفصل: وفيه وجه ادعى البغوي أنه الأصح، وأما صوم النفل .. فلأنه متمكن فيه من وطئها.

قال: (ويمنع فرض في الأصح)؛ لعدم تمكنه فيه من الوطء.

والثاني: لا؛ لتمكنه ليلًا، والاعتكاف كالصوم فرضًا ونفلًا.

قال (فإن وطئ في المدة) فذاك؛ أي وينحل الإيلاء، ولا يطالب بعد ذلك بشيء.

قال: (وإلا) أي: وإن لم يطأ) .. فلها مطالبته بأن يفيء أو يطلق)؛ لظاهر الآية.

وفي (البخاري) عن ابن عمر: (إذا آلى الرجل من امرأته .. لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء).

و (الفيئة): الجماع، سميت بذلك من فاء إذا رجع.

وروى الدارقطني [4/ 61] والبيهقي [7/ 376] عن سهيل بن أبي صالح قال: سألت اثنتي عشرة نفسًا من الصحابة عن الرجل يولي فقالوا كلهم: ليس عليه شيء حتى تمضي عليه أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلا .. طلق.

وقال أبن حنيفة: تطلق بمضي المدة من غير طلب؛ لأنه كان طلاقًا في الجاهلية، إلا أن الله تعالى جعل المخلص منه المدة.

وكلام المصنف يفهم أن لها توجه الطلب نحو الفيئة وحدها، وهو الصواب المنصوص، وجزم به الرافعي قبل هذا.

ص: 39

وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا .. فَلَهَا المُطَالَبَةُ بَعْدَهُ. وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ

ــ

ونقل الشيخان عن الإمام هنا أنه ليس لها أن توجه الطلب نحو الفيئة وحدها، بل يجب أن تكون مترددة.

كل هذا إذا لم تكن اليمين بالطلاق، أو كانت به وجوزنا له أن يولج، فإن منعناه .. طولب بالطلاق فقط، وظاهره: أن المطالبة للمرأة مطلقًا، وليس لسيد الأمة ولا لولي الصبية والمجنونة المطالبة، وهو كذلك؛ إذ لا مدخل لذلك تحت الولاية، وحسن أن يقول الحاكم للزوج: اتق الله بالفيئة أو الطلاق، وإنما يضيق عليه إذا بلغت أو أفاقت وطلبة.

ثم المراد: طلقة رجعية، فتخلص بذلك؛ لأنها توجب البينونة بعد انقضاء العدة، وتوجب تحريمها على الزوج في الحال.

وقال أبو ثور: تقع الطلقة بائنًا؛ لأنها فرقة شرعت لإذالة الضرر، فكانت كفرقة العنة.

وفرق الأصحاب بأن تلك فرقة فسخ وهذه فرقة طلاق.

قال: (ولو تركت حقها .. فلها المطالبة بعده)؛ لأن الضرر يتجدد فأشبه الرضا بالإعسار، بخلاف الرضا بالعنة؛ فإن ضررها في حكم خصلة واحدة فأشبه الرضا بالعيب.

قال: (وتحصل الفيئة بتغييب حشفة)؛ لأن سائر أحكام الوطء تتعلق بذلك، وكذلك قدرها من المقطوع، ولا فرق بين أن يطأها في حالة تباح له أو لا، ولا بين أن يكون مختارًا أو مكرهًا، ولا بين أن يكون الزوج عاقلًا أو مجنونًا على المنصوص، ولا بين البكر والثيب.

وقال البغوي: إذا كانت غوراء - وهي التي بكارتها في صدر فرجها - توقفت الفيئة على إذالتها، وهذا هو المنصوص.

قال: (بقبل) فلا تحصل بالتغييب في الدبر، وهذه مما تستثنى من مساواة القبل الدبر، وهي من زياداته على (المحرر)، وهي معترضة؛ لأنه إذا حلف على ترك الوطء .. حنث بالوطء فيه، وإذا حنث .. انحلت اليمين، فلا تبقى معه مطالبة، كما

ص: 40

وَلَا مُطَالَبَةَ إِنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبْعِيٌّ كَمَرَضٍ .. طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: إِذَا قَدَرْتُ .. فِئْتُ، أَوْ شَرْعيٌّ كَإِحْرَامٍ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ

ــ

لو طالبته فلم يف إلا بعد انقضاء المدة المحلوف عليها .. فإن مطالبتها تسقط.

وينبغي أن يكون فرض المسالة فيما إذا حلف على ترك الوطء في القبل، ولو استدخلت ذكره لم ينحل يمينه، والأصح: حصول الفيئة به وإذا وطئ بعده حنث.

قال: (ولا مطالبة إن كان بها مانع وطء كحيض ومرض) وكذلك النفاس وإحرامها وصومها واعتكافها المفترض؛ لأن المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطء حينئذ، ولأنه في هذه الحالة معذور.

والمراد ب (المرض): الذي لا يمكن معه الوطء، ومثله حبسها حيث لا وصول إليها.

فإن قيل: كيف يجمع بين قولهم: إن طلاق المولي في الحيض غير بدعي وأنه لا تسمع المطالبة، وأقرب ما يمكن فرضه فيه ما إذا تقدمت المطالبة في زمن النقاء ولم يف مع تمكنه حتى طرأ الحيض

فإنه لا تعد مطالبته بانطلاق حينئذ.

قال في (البسيط): والعجب أن الحيض يمنع المطالبة ولا يقطع المدة.

قال: (وإن كان به مانع طبعي كمرض .. طولب بأن يقول: إذا قدرت .. فئت)؛ لأن به يندفع الأداء الذي حصل باللسان، وليس المراد المطالبة بذلك عينًا، بل به أو الطلاق، وزاد الشيخ أبو حامد عليه: وندمت على ما فعلت، وجري على ذلك كثير من العراقيين والمراوزة، والظاهر أن مرادهم التأكيد والاستحباب كما صرح به القاضي أبو الطيب، واعتبر في (التنبيه) أن يقول: لو قدرت .. لفئت.

قال ابن الرفعة: ولم أر لغيره إلا فيما لا يرجى وطؤه كالمجبوب، وهذه تسمى فيئة اللسان، فإن حبس ظلمًا .. فهن كالمريض، وإن حبس في دين يقدر على أدائه .. أمر بالأداء أو الفيئة بالوطء أو الطلاق.

قال: (أو شرعي كإحرام .. فالمذهب: أنه يطالب بطلاق) إذالة للضرر، بناء على أنه إذا أراد الوطء والحالة هذه .. كان لها الامتناع، وهو الأصح كما تقدم.

ص: 41

فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ .. سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً،

ــ

وقيل: يقنع منه بفيئة اللسان.

والطريق الثاني: يقال له: أنت المفرط بالإيلاء، فإن فئت .. عصيت وأفسدت عبادتك، وإن طلقت .. ذهبت زوجتك، وإن أبيت .. طلقنا عليك.

وشبه ذلك بما إذا غصب لؤلؤة ودجاجة فابتلعت الدجاجة اللؤلؤة .. يقال له: إن لم تذبح الدجاجة .. غرمناك اللؤلؤة، فإن ذبحتها .. غرمت الدجاجة.

والمراد بغرم الدجاجة: أنه يلزمه رد لحمها مع أرش النقص، ولا يلزمه مثل الحيوان ولا قيمته.

ثم محل الخلاف في الصوم إذا لم يستمهل، فإن استمهل إلى الليل وأبدى الضرر .. أمهل، وكذا لو كان يتحلل عن إحرامه في ثلاثة أيام ورأينا إمهاله ذلك، صرح به الإمام في الثانية.

قال: (فإن عصى بوطء) أي: بالوطء في الدبر) .. سقطت المطالبة)؛ لانحلال اليمين.

وفهم من تصريحه بالعصيان أنها ليس لها تمكينه، وهو كذلك: لأنها معاونة على معصية كما تقام قريبًا، فعلن هذا: يؤمر بالطلاق ليس إلا كما صححه المصنف إذالة للضرر عنها، وقيل: يقنع منه بفيئة اللسان، وعلى الوجهين: إذا وطئ .. فقد وفاها حقها وإن كان حرامًا.

قال: (وإن أبى الفيئة والطلاق .. فالأظهر: أن القاضي يطلق عليه طلقة) بسؤالها أو سؤال وكيلها؛ لأنه حق لمعين تدخله النيابة فناب الحاكم فيه عن الممتنع، كما يزوج عن العاضل ويستوفي الحق من المماطل وكان وكيله طلقها؛ لأن الطلاق يقبل النيابة، بخلاف الوطء، وإنما يطلق عليه إذا امتنع بحضرته من الفيئة والطلاق، ولا يشترط بعد ذلك حضوره وقت الطلاق.

ولو شهد عليه شاهدان أنه آلى من زوجته وامتنع بعد مضي المدة من الفيئة والطلاق .. لم يطلق عليه، بل لا بد من الامتناع بين يديه كما في العضل، فإن تعذر

ص: 42

وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً،

ــ

إحضاره لتمرد أو توار .. حكم عليه بالعضل.

والقول الثاني: لا يطلق عليه: لأن الطلاق لمن أخذ بالساق، بل يلجئه بالحبس والتعزيز إلى أن يفيء أو يطلق؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ} فأضافه إلى الأزواج.

ونهم من قوله: (طلقة) أنه لو زاد عليها .. لم تقع الزيادة، وإنما لم يقيدها بالرجعية ليشمل ما لو لم يمكنه ذلك كما إذا كانت قبل الدخول، أو مستكملة لعدد الطلاق.

واحترز بقوله: (أبى الفيئة والطلاق) عما إذا أبى الفيئة وحدها .. فإنه يأمره بالطلاق.

وكيفية طلاقه أن يقول: أوقعت على فلانة من فلان طلقة، أو حكمت في زوجته بطلقة، فإن قال: أنت طالق، ولم يقل من فلان .. لم يقع.

وكيفية الدعوي عند القاضي: أن يدعى عليه الإيلاء، وأن مدته قد انقضت من غير وطء، ويطلب منه دفع الضرر بالخروج عن موجب الفيئة أو الطلاق.

قال: (وأنة لا يمهل ثلاثة): لأن المدة التي أمهله الله تعالى لا يزاد عليها إلا بقدر التمكن في العادة، فالصائم حتى يفطر، والجائع حتى يشبع، والناعس حتى ينام وذلك يحصل بيوم فما دونه.

وقيل: يمهل ثلاثة؛ لأنها مدة قربية، وعلى هذا: فظاهر كلام الشافعي والأصحاب أن إنظاره واجب.

وحكي الماوردي في ذلك وجهين: أظهرهما: أنه مستحب، وفي وجه ثالث: لا يمهل أصلًا كما لا يمهل في الفيئة باللسان بالاتفاق: لقدرته عليها في الحال.

وفائدة الإمهال: أنه إذا طلق القاص في مدته .. لم يقع، ويخالف ما إذا أمهل المرتد فقتله القاضي أو غيره .. فإنه يكون هدرًا: لأنه لا عصمة له، والقتل الواقع لا مدفع له، وأما الطلاق .. فهو قابل للرد.

ص: 43

وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ .. لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ

ــ

قال: (وأنة لو وطئ بعد مطالبة .. لزمه كفارة يمين) أي: إذا كان حلف بالله تعالى لحنثه، وبهذا قال الأئمة الثلاثة.

والثاني: لا يلزمه؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} فأوجب ذلك سقوط حكم الدنية كما سقط حكمها في المحارب إذا تاب قبل القدرة.

ووقع في (الشرح الكبير) ترجيح هذا، وكأنه سهو من الناسخ: لتصريحه في (الصغير) بخلافه، ولذلك أصلحه في (الروضة).

وأفهم قوله: (بعد المطالبة) أنه لو وطئ بعد المدة بدون بطالبة .. لا يكون كذلك، ولم يتعرض له في (الروضة).

وفي (الكفاية) عن القاضي: أنه مرتب على ما بعد الطلب، وأولى بعدم السقوط.

تتمة:

قالت المرأة يعد انقضاء المدة: أصابني، وقال: ما أصبتها .. فليس لهذا الاختلاف معنى؛ لأن المطالبة حقها، فلو أنها رجعت بعد ذلك وقالت: ثم يصبني .. لم يسمع قولها؛ لأنها أقرت بوصولها إلى حقها، كمن أقر باستيفاء حقه من إنسان ثم قال: ما استوفيته .. لم يقبل منه ذلك، كذا نقله الشيخان عن المتولي وأقراه.

* * *

خاتمة

طلق الحاكم على المولى، ثم تبين أنه وطئ بعد ذلك .. نتبين أن الطلاق لم يقع، وكذلك لو ثبت أنه طلق قبل طلاق الحاكم .. لم يقع طلاق الحاكم، ولو وقع طلاق الزوج والحاكم معًا .. نفذ الطلاقان؛ لأن كل واحد فعل ما له فعله.

وقيل: لا يقع تطليق القاضي، فإن قيل: إذا باع الحاكم مال الغائب، وباعة الغائب في ذلك الوقت لآخر .. قدم بيع المالك، فهلا كان ههنا كذلك؟ فالجواب: أن تصحيح البيعين لا يمكن، ورجحنا. بيع المالك؛ لأنه الأصل، والقاضي نائبه، ووقوع طلاقهما ممكن فأوقعتاهما.

ص: 44

كتاب الظهار

ص: 45