الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْكَفَّارَةِ
يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا
ــ
كتاب الكفارة
لفظها مأخوذ من الكفر وهو الستر: لأنها تستر الذنب، ومنه الكافر؛ لأنه يستر الحق، وسمي الزارع كافرًا لأنه يستر البذر.
وافتتح الباب في (المحرر) بقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .
والكفارة تشرع فيما فيه إثم فتكفره، وفيما فيه صورة مخالفة وانتهاك وإن لم يكن فيه إثم كقتل الخطأ.
واختلف العلماء هل الكفارات الواجبة بسبب يأثم به جوابر للخلل الواقع أو زواجر كالحدود والتعزيرات؟ فرجح ابن عبد السلام وغيره الأول؛ لأنها عبادات وقربات لا تصح إلا بنية.
وخصالها ثلاث: العتق والصيام والإطعام أو الكسوة، ولا مدخل للعتق في فدية الحج.
والمراد الكفارة هنا: ما للعتق فيه مدخل، ومعظم المقصود به كفارة الظهار، وكذلك لا مدخل للإطعام في كفارة القتل على الأظهر.
ثم منها ما تترتب خصالها وهي كفارة الظهار والجماع في نهار رمضان، ومنها ما جمع فيه بين الترتيب والتخيير وهي كفارة اليمين.
قال: (يشترط نيتها)؛ لأنها حق مالي تجب تطهيرًا كالزكاة، والأعمال بالنيات، لكن نص الشافعي على أن إخراج المرتد يسقطها، وأن إعتاق الكافر وإطعامه عن كفارته يحزئ، وهو يدل على أن اللفظ كاف، فينوي الكافر بالإعتاق والإطعام التمييز دون التقرب، قال الرافعي: كما في قضاء الأيون، وما جزم به من وجوب النية في أداء الدين مسألة مهمة، والحكم فيها صحيح، صرح به الإمام
لَا تَعْيِينُهَا. وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الْظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ،
ــ
ومحمد بن يحيى والشيخ عز الدين، وأهمله في (الروضة).
وأشار بقوله: (نيتها) إلى أنه لا يكفي نية المعتق الواجب؛ لأنه قد يجب بالنذر، بل لا بد من نية الكفارة، فإن نوى المعتق الواجب بالظهار أو القتل .. كفى.
وسكت المصنف عن اشتراط مقارنة النية التكفير، والأصح عنده وعند الرافعي: اشتراط ذلك، والذي نص عليه الشافعي في (الأم) و (المختصر) جواز التقديم، وهو مقتضى إلحاق الجمهور الكفارة بالزكاة، لا جرم رجحه المصنف في (شرح المهذب) في (قسم الصدقات) وقال: إنه الصواب.
وفرق بينها وبين الصلاة بأن الكفارة والزكاة تدخلهما النيابة فتدعو الحاجة إلى التقديم، بخلاف الصلاة.
وأفهمت عبارته أنه لا يشترط التعرض لنية الفرضية، وهو كذلك؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا.
قال: (لا تعيينها) كما لا يجب تعيين المال المزكى، فلو كان عليه كفارة ظهار وكفارة قتل أو عتق كفارة وعتق نذر فأعتق عبدين بنية الكفارة عنهما .. أجزأه عنهما، لكن لو نوى غير ما عليه .. لم يجزئه، سواء تعمد أو أخطأ؛ لأنه لم يكفر عما عليه، فهو كما لو أخطأ في تعيين الإمام في الصلاة، بخلاف ما لو أخطأ في الحدث .. فإنه يصح؛ لأن بارتفاعه يرتفع غيره، فلو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق عن واحدة، ثم أعسر فصام شهرين عن واحدة، ثم عجز فأطعم عن الثالثة ولم يعين شيئًا منها .. أجزأه ما أتى به عنها كلها، ولو قال لعبديه: أحدكما حرٌ عن ظهاري .. أجزأه وتعين.
قال: (وخصال كفارة الظهار: عتق وقبة)؛ للنص والإجماع.
قال: (مؤمنة) ولو بإسلام الأبوين ككفارة القتل حملًا للمطلق هنا على المقيد هناك كما حمل الشافعي مطلق قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} على مقيد: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، ووافقنا مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز إعتاق الكافرة إلا في كفارة القتل، واختاره المزني وقال: ما أطلقه الله تعالى .. فهو مطلق.
بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ. فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ
ــ
واحتج الشافعي على التقييد بحديث معاوية بن الحكم: أنه سال النبي صلى الله عليه وسلم أن عليه عتق رقبة فهل تعتق عليه هذه الجارية؟ فقال لها رسول الله ملى الله عليه وسلم: (أين الله؟) قالت: في السماء، فقال:(من أنا؟) فقالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(أعتقها فإنها مؤمنة) ولو كان يجزئه غير المؤمنة .. لقال: أعتق أي رقبة شئت.
قال: (بلا عيب يخل بالعمل والكسب) كذا عبر الرافعي، وكأنه يحترز ب (الإخلال بالعمل) عن نقص الذات، وب (الكسب) عن المعاني كالمجنون، أو يكون من عطف الأعم على الأخص.
وعبارة (الروضة) و (البحر) وغيرهما: يضر بالعمل إضرارًا بينًا.
وإنما اشترط ذلك ليتفرغ العبد بالعتق للعبادة وإلى وظائف الأحرار، وإنما يحصل، ذلك إذا استقل وقام بكفاية نفسه، وإلا .. فيصير كلًا على الناس.
واحتج الشافعي عاين ذلك بالإجماع، وخلاف داوود حدث بعد الشافعي، فإنه جوز عتقها مع كل عيب؛ لأن اسم الرقبة يقح على ذات العيب كما يقع على السليمة.
قال: (فيجزئ صغير)؛ لأنه يرجى كبره كالمريض، بخلاف الهرم، وخالف الغرة حيث لا يجزئ فيها الصغير: لأنها حق آدمي، لكن المستحب أن لا يعتق إلا البالغ للخروج من الخلاف؛ فإن مالكًا يقول: لا يجزئ إلا من صام وصلى، يعني يذلك بعد البلوغ، وأحمد يقول: لا بد أن يكون بالغًا، وروي عنه أنه قال: يشترط أن يستقل بنفسه، وكأنه يريد بذلك المميز.
وظاهر عبارة المصنف إجزاء الرضيع وابن يوم، وهو كذلك.
فإن قيل: كيف يجزئ ولا يعرف بطش يديه ولا مشي رجليه ولا إبصار عينيه ولا سماع أذنيه؟ فالجواب: أنا نحكم بذلك بناء على السلامة، فإن تبينا خلاف ذلك .. نقضنا الحكم، وقد يجاب عن هذا بأنه يموت قبل الإحاطة بسلامته
وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ، وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيهِ،
ــ
وضدها، والأصل شغل الذمة، فإن عورض بأن الأصل السلامة .. أمكن أن يجري فيه الخلاف فيما إذا تعارض أصلان أو أصل وظاهر.
وأفهمت عبارته أيضا أنه لا يجزئ إعتاق الجنين، وهو كذلك، وقيل: إن انفصل لدون ستة أشهر من حين العتق .. تبين الإجزاء.
قال: (وأقرع)؛ لأن ذلك لا يخل بالعمل.
و (الأقرع): الذي ذهب شعر رأسه من داء، وبذلك لقب الأقرع بن حابس الصحابي، وكان مع ذلك أعرج وضي الله عنه.
قال: (وأعرج يمكنه تباع مشي)؛ لان ذلك لا يخل بمقصود العمل.
وقوله (وأعرج) كذا هو في غالب النسخ بواو العطف، وهو في نسخة المصنف بغير واو، وهو أولى؛ ليدل، على إحدى الصفتين من باب أولى.
قال: (وأعور)؛ لما قلناه، قال في (الروضة): محل هذا إذا لم يضعف نظر السليمة، فإن ضعف وأضر بالعمل إضرارًا بينًا .. لم يجزئ، قاله في (الأم).
وفي (الحاوي): إن منع ضعف البصر الخط وإثبات الوجوه القريبة منه .. منع، وإلا .. فلا.
وأفهمت عبارته عدم. الاكتفاء بالأعمى، لكن لو أعتقه ثم أبصر .. فوجهان في (كتاب الأضحية) أصحهما المنع.
قال: (وأصم، وأخشم، وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه): لأن هذه الأشياء لا تضر بالعمل إضرار بينًا.
في (الأصم): الذي استد سمعه، وكان في الأشراف جماعة كذلك، كعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعبد الله بن يزيد بن هرمز وأبان بن سليمان.
و (الأخشم): الذي لا يشم بسبب داء يصل إلى الخيشوم وهو أقصى الأنف. وجعل ابن أبي هريرة أصابع الرجلين على التفصيل الآتي في أصابع اليدين.
لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا. قُلْت: أَوْ أُنْمَلَةِ إبْهَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ،
ــ
ويجزئ الأخرس إذا أفهمت إشارته، فإن جمع بين الصمم والخرس .. لم يجزئ.
ويجزئ فاقد الأسنان خلافًا لأبي حنيفة.
ويجزئ العنين والخصي والمجبوب، والأمة الرتقاء والقرناء، والأبرص والمجذوم، وضعيف البطش، ومن لا يحسن صنعة، وضعيف الرأي، ومن به كوع - وهو اعوجاج في اليد من جهة الإبهام - ومقطوع الأذنين، والفاسق وولد الزنا، وغيرهما أولى.
قال: (لا زمن وفاقد رجل) وكذا أشلها؛ لأنه يضر بالعمل إضرارًا بينًا.
قال: (أو خنصر وبنصر من يد)؛ لأنه تضعف منفعة نصف الكف وهو ضرر بين، ولا يضر فقد أحدهما من يد والآخر من يد أخري.
قال: (أو أنملتين من غيرهما) يعني: من الإبهام والسبابة أو الوسطى؛ لأن فقدهما مضر.
وعبارته توهم أنه لا يضر فقد أنملتين من الخنصر والبنصر من يد، وليس كذلك، بل كل إصبع ضر فقدها .. ضر فقد أنملتين منها.
وعبارة (المحرر): وفقد أنملتين من إصبع كفقد تلك الإصبع.
قال: (قلت: أو أنملة إبهام والله أعلم) فلا تجزى،! لأن منفعتها تعطلت فأشبه قطعها.
وني الأنملة تسع لغات تقدمت في زكاة النقد.
قال: (ولا هرم عاجز) أي: عن العمل والكسب؛ لأنه يصير كلًا على الناس.
قال: (ومن أكثر وقته مجون)؛ لعدم حصول المقصود منه، فإن كان الجنون مطبقا .. منع مطلقًا: وإن كان أقل .. أجزأ، وكذا لو تساويا في الأصح، قال الماوردي: فلو كان زمن جنونه أقل لكنه لا يقدر على العمل إلا بعد حين .. لم
وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى، فَإِنْ بَرَئَ .. بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ
ــ
يجزئ، قال في (الروضة): وهو حسن.
ويجزئ المغمى عليه وهو الأصح، ويجزئ الأحمق وهو الذي لا ينتفع بعقله. قال:(ومريض لا يرجئ) كذي السل أو الدق أو الفالج أو الاستسقاء.
قال: (فإن برىء .. بان الإجزاء في الأصح)؛ اعتبارا بما في نفس الأمر.
والثاني: لا؛ اعتبارًا بما ظنه المكلف، وكما إذا حج عن المعضوب ثم بان شفاؤه .. فإنه لا يجزئ على الأصح.
وترجيح الشيخين الإجراء تابعا فيه الإمام والغزالي، وكلام المصنف في (التنقيح) يقتضي تفرد الغزالي به، ونقل عن الماوردي القطع الثاني، قال: وهو قوي؛ لعدم جزم النية بأنه مرجو الزوال.
والتردد في النية قادح، ويشهد لصحته ما سبق في إعتاق الأعمى ثم أبصر، والفرق بين هذا وبين ما إذا أعتق حملًا ثم وضعته بصفة الإجراء أنه لا يجزئ كما تقدم أن الجنين مشكوك في وجوده، فلم يكن له حكم الأحياء، بخلاف المريض الذي عتق ثم شفي؛ فإن الأصل استمرار الحياة وتعلق الأحكام به.
وأما العبد الذي وجب قتله .. قال القفال: إن أعتقه قبل أن يقدم للقتل .. أجزأه، ولم يفرق، بين متحتم القتل وغيره، وصرح القاضي بإجزاء عتق متحتم القتل عن الكفارة، وقال الصيمري: الأشبه: أنه لا يجزئ كمريض لا يرجي برؤه.
ولو أعتق حاملًا إلا حملها .. لم يصح الاستثناء ويعتق الحمل تبعًا.
قال: (ولا يجزئ شراء قريب بنية كفارة)؛ لأن عتقه مستحق بجهة القرابة، فأشبه ما إذا دفع إليه النفقة الواجبة ونوي بها الكفارة، وعن الأودني: إذا اشتراه بشرط الخيار وأعتقه عن الكفارة .. جاز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يجزي ولد والده
إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه).
وَلَا أُمِّ وَلدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ
ــ
وقبول الهبة والوصية _ إذا قلنا يملك بهما –كالشواء، وكذا لو ورثه ونوى أو أشترى المكاتب من يعتق على سيده ثم عجزه السيد ونوي عتق قريبه عن الكفارة، فلو قال المصنف: تملك قريب .. كان أشمل؛ فإن هبته وإرثه وقبول الوصية كذلك.
قال: (ولا أم ولد) قال الروياني: بالإجماع، وعلله غيره بأنها استحقت العتق بالإيلاد فلا تجزئ عن غيره كما لو باع الفقير طعامًا ثم سلمه إليه عن الكفارة، فإذا أعتقها عن الكفارة .. نفذ العتق تطوعًا.
قال: (وذي كتابة صحيحة) خلاف لأبي ثور.
لنا: أنه يعتق بسبب الكتابة بدليل استتباع المكسب، وأما المكاتب كتابة فاسدة ..
فالمذهب إجزاؤه، قاله في (الروضة) وخالف في (التنقيح) فقال: الذي أطلقه الشافعي والجمهور المنع مطلقًا، وليس كما قال: فقد حكي الرافعي في (باب الكتابة) الإجزاء في الفاسدة عن النص.
قال: وفي إجزاء إعتاق عبده المغصوب عن الكفارة إذا علمت حياته أوجه:
أصحها: نعم.
وثانيها: لا، وإليه ذهب معظم العراقيين.
والثالث: قال الماوردي: إن قدر على الخلاص بهرب .. أجزأ، وإلا
…
فالإجزاء موقوف كالغائب إذا علمت حياته، قال المصنف: وهذا قوي جدًا.
وأما العبد الآبق .. فقال، بعضهم: فيه الخلاف الذي في المغصوب، وقطع جماعة بإجزائه، قال المصنف: وهو الصواب.
وفي العبد الذي انقطع خبره قولان بالنقل والتخريج، أظهرهما: لا يجزئ، وتجب فطرته عملًا بالاحتياط في المسألتين؛ لأن الأصل بقاء الملك، والأصل شغل الذمة بالكفارة.
وصحح الشيخان عدم إجزاء عتق الموصئ بمنفعته والمستأجر، وقال في (المهمات): كيف يستقيم ذلك وهما كالمريض والمجنون المنتظر الإفاقة.
والعتق في هذه الصور وأمثالها نافذ وإن منعنا الإجزاء عن الكفارة.
وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً .. لَمْ يَجُزْ. وَلَهُ
…
تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا ونِصْفُ ذَا
ــ
قال: وأطلقا جواز عتق العبد المرهون حيث نفذناه، وكذا إن لم ننفذه في الحال ونفذناه بعد الانفكاك باللفظ السابق، وما أطلقاه من الجواز هنا قيده المصنف في (كتاب الرهن) بعتقه عن كفارته، فإن أعتقه عن كفارة غيره .. لم يعتق؛ لأنه بيع كما أفتى به القاضي حسين.
قال: (ويجزئ مدبر ومعلق بصفة)؛ لأن ملكه عليهما تام، بدليل نفوذ جميع تصرفاته فيهما، ومحل جواز عتق المعلق بصفة إذا نجز عتقه عن الكفارة، أو علقه بصفة توجد قبل الصفة الأولى، فلذلك احترز عنه المصنف.
قال: (فإن أراد جعل العتق المعلق كفارة .. لم يجز) مثاله: قال: إن دخلت الدار .. فأنت حر، ثم قال: إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي، فدخل .. عتق ولا يجزئ عن الكفارة، لأنه مستحق بالتعليق الأول.
قال: (وله تعليق عتق الكفارة بصفة) كما إذا قال: إن دخلت الدار فأنت حر عن كفارتي فدخلها .. عتق عنها؛ لأن المأمور به تحرير رقبة، وقد وجد بالتعليق مع وجود الصفة، هذا هو المشهور، وحكى الدارمي فيه وجهين.
ويشترط كونه عند التعليق بصفة الإجراء، فلو قال لمكاتبه: إذا عجزت عن النجوم فأنت حر عن كفارتي فعجز .. عتق ولم يجزئ عن الكفارة، وكذا لو قال لعبده الكافر: إذا أسلمت.
وسكتوا عن النية هنا، وقال المتولي: تشترط عند التعليق على الأصح، قال.: ولا خلاف أنه لو علق المعتق بصفة من غير نية ثم نوى بعدُ إما عند وجود الصفة أو قبله .. أنه لا يجزئ عن الكفارة.
قال: (وإعتاق عبديه عن كفارتيه عن كل نصف ذا ونصف ذا)؛ لتخليص الرقبتين من الرق، سواء اتفق جنس الكفارتين أو اختلف، كذا نص عليه، وقال الشيخ أبو حامد: إنه لا خلاف فيه
وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عنْ كَفَّارَةٍ فَالأَصح الإجْزَاءُ إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يُجْزِ عَنْ كَفَّارَةٍ
ــ
وحكي الإمام والغزالي وجهًا: أنه لا يجزئ، وعلى المذهب: في كيفية وقوع المعتق وجهان:
أحدهما: يعتق نصف كل واحد منهما عن كفارة كما صرح به.
والثاني: يعتق كل عبد عن كفارة ويلغو تعرضه للنصف.
ولم يتعرضوا لثمرة هذا الخلاف، وقد تظهر فيما إذا ظهر أحدهما معيبًا أو مستحقًا ونحو ذلك، إن قلنا بالأول .. لم يجزئ واحد منهما عن كفارتيه، أو بالثاني .. بقي عليه كفارة وبرئ من واحدة.
قال: (ولو أعتق معسر نصفين عن كفارة .. فالأصح: الإجراء إن كان باقيهما حرًا)؛ لحصول المقصود، وهو إفادة الاستقلال.
وقيل: يجزئه مطلقًا، ونقله في (الشامل) عن الأكثرين تنزيلًا للأشقاص منزلة الأشخاص، كما لو ملك نصف عبدين .. يلزمه صاع في الفطرة.
وقيل: لا يجزئه مطلقًا؛ لأنه مأمور برقبة، ونصفا رقبة ليسا في معنى رقبة في بر ولا حنث، فكذا هنا؛ لأن ما أمر بصرفه إلى واحد في الكفارة لا يجوز صرفه إلى اثنين كمد الطعام، وكما لا يجزئ نقصان في الأضحية، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.
أمأ. اذا كان باقيهما رقيقًا .. فيمتنع.
واحترز ب (المعسر) عن الموسر إذا أعتق النصف .. فإنه يجزئ؛ لسريانه إلى باقيهما، وقد يقال: لا يظهر للتقييد ب (المعسر) فائدة، وغالب كتب الأصحاب قيدوه بذلك؛ فإن الموسر إذا أعتق نصفي عبدين باقيهما حر .. أجزأه بلا خلاف، إلا أن يقال في الموسر: يجزئ بلا خلاف، والتقييد ب (المعسر) لأجل الخلاف.
وأفهم قوله: (إن كان باقيهما) أنه لو كان باقي أحدهما فقط حرًا .. لا يجزئ، وليس كذلك، بل الظاهر الإجراء؛ لحصول المقصود من تخليص رقبة كاملة.
قار: (ولو أعتق بعوض .. لم يجز عن كفارة)؛ لعدم خلوص النية، سواء كان
وَالإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ؛ فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِكَ عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ .. نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الأَصَحِّ
ــ
العوض على العبد كأعتقتك على أن ترد علي دينارًا، أو على أجنبي كما إذا قال له غيره: أعتق عبدك عن كفارتك ولك علي كذا فيعتقه عنها، والأصح: لا يستحق عليه عوضًا وفي وجه .. يجزئه ويسقط العوض عن العبد كالأجنبي، وقيل: إن قدم ذكر الكفارة على العوض .. أجزأه ولا عوض، وإن عكس .. لم يجزئه.
وأما إذا التمس هو من غيره أن يعتق عبده عن كفارته ففعل .. جاز، سواء التمس ذلك بعوض أم مجانًا، قال الشافعي: ويكون كشراء مقبوض أو هبة مقبوضة.
قال: (والإعتاق بمال كطلاق به) فيكون من المالك معاوضة فيها شوب تعليق، ومن المستدعي معاوضة بشوب جعالة كما سبق في (الخلع).
وعقد له في (المحرر) فصلًا وقال: إنه دخيل في الباب، لكن جرت عادة جماعة بذكره هنا فتبعهم.
قال: (فلو قال: أعتق أم ولدك على ألف فأعتق .. نفذ ولزمه العوض) ويكون ذلك افتداء من المستدعي منزلًا منزلة اختلاع الأجنبي.
وأشار بقوله: (فأعتق) إلى أنه أعتقها متصلًا، فإن أعتقها بعد فصل طويل
…
وقع المعتق عن المالك، ولا شيء على المستدعي.
وقيل: لا يلزمه العوض، حكاه في (البسيط) في (كتاب المعتق).
فلو زاد: عني فقال: أعتقها عنك .. نفذ ولغا قوله: عنك؛ لأنها لا تقبل النقل، ولا تستحق العوض على الصحيح.
قال: (وكذا لو قال: أعتق عبدك على كذا) أي: ولم يقل عنك لا عني (فأعتق في الأصح) فيكون ابتداء كأم الولد.
والثاني: لا يستحق، بخلاف استدعاء إعتاق المستولدة أو الطلاق؛ فإن ذلك افتداء؛ لأنه لا يمكن انتقال الملك فيهما.
وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ .. عَتَقَ عَنِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ،
ــ
قال: (وإن قال: اعتقه عني على كذا ففعل .. عتق عن الطالب وعليه العوض) عملًا بالتزامه، فإن قال: مجانًا .. فلا شيء عليه.
وإن لم يشترط عوضًا ولا نفاه .. فهل يقتضي عوضًا؛ وجهان: أصحهما: أن قال عن كفارتي .. اقتضى، وإن قال: عني ولا عتق عليه .. أطلق السرخسي أنه لا شيء، وخرجه الإمام على أن الهبة هل تقتضي الثواب وسواء نفي العوض أو شرطه يعتق عن الطالب.
وصورة جميع ما ذكره المصنف إذا لم يكن الطالب ممن يعتق عليه العبد، فإن كان .. لم يعتق عن الطالب: لأنه لو كان أجنبيًا منه .. احتاج إلى تقدم الملك على الإعتاق، وهنا الملك يوجب العتق، فالتمليك بعده بالإعتاق لا يصح فيصير دورًا، قاله القاضي حسين في (فتاويه).
قال: (والأصح: أن يملكه عقب لفظ الإعتاق ثم يعتق عليه) فيكون العتق مرتبًا على الملك في لحظة لطيفة، ثم قال الأكثرون: يملكه عقب الفراغ من لفظ الإعتاق على الاتصال، وعن الجويني: يملكه مع آخر جزء من آخر اللفظ، ويقابل الأصح أوجه:
أحدها: يملكه بالاستدعاء ويعتق بالإعتاق.
والثاني: بالشروع في الإعتاق ويعتق بتمامه.
والثالث: يملكه ويعتق معًا عند تمام اللفظ بناء على أن الشرط مع المشروط، وهذا الخلاف راجع إلي وقت الملك لا إلى أصله؛ فإنه يدخل في ملكه بلا خلاف، فلا عتق فيما لا يملكه ابن آدم، وإنما الخلاف متى يحصل الملك.
فرعان:
أحدهما: قال: أعتق عبدك عني على كذا ففعل، ثم ظهر بالعبد عيب .. لم يبطل العتق، بل يرجع المستدعي بأرش العيب، ثم إن كان عيبًا يصح الإجزاء عن الكفارة .. لم تسقط به الكفارة.
وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْه .. لَزِمَهُ الْعِتْقُ. وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَاسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِه،
ــ
الثاني: قال الخوارزمي: لو قال لغيره: أطعم ستين مسكينًا مدًا مدًا من الحنطة عن كفارتي، إن نوى الكفارة عنه وفعل .. أجزأه على الأصح، ولا يختص بالمجلس، وكذا الكسوة.
قال: (ومن ملك عبدًا أو ثمنه فاضلًا عن كفاية نفسه وعياله نفقة وكسوة وسكنى وأثاثًا لا بد منه .. لزمه العتق)؛ لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} .
وهذا واجد، ثم هل تتقدر النفقة والكسوة بمدة؟ قال الرافعي: لم يذكروه، فيجوز اعتبار مدة العمر الغالب، ويجوز اعتبار سنة، ويؤيده قول البغوي: يترك له ثوب الشتاء وثوب الصيف، قال في (الروضة): الصواب الثاني والله أعلم.
والذي نص عليه الشافعي والجمهور: أن من حل له أخذ الزكاة والكفارات .. فقير، يكفر بالصوم، ومن لا يحل له الأخذ .. غني.
قال: (ولا يجب بيع ضيعة ورأس مال لا يخضل دخلهما عن كفايته)؛ لأن المصير إلى المسكنة أشد من مفارقة الدار والعبد المألوفين.
وقيل: يلزمه؛ لأنه واجد، حكاه الرافعي وغيره، وأسقط في (الروضة).
و (الضيعة) بفتح الضاد المعجمة: العقار، وفي الحديث:(لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا).
والظاهر أن مراد الفقهاء: ما يستغله الإنسان ولا يسكنه.
ولو كان له ماشية تحلب .. فهي كالضيعة.
وسبق في (الحج) و (قسم الصدقات) أن كتب الفقيه لا تباع في الحج، ولا تمنع أخذ الزكاة فيجب استثناؤها هنا.
وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الأَصَحِّ، وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ. وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الأَدَاءِ
ــ
وسبق في (الفلس) أن خيل الجندي والمرتزق تبقى له، وقياسه هنا كذلك.
قال: (ولا مسكن وعبد نفيسين ألفهما في الأصح)؛ لأن المألوف شهي.
والثاني: يلزمه البيع والإعتاق كالثوب النفيس يجد بثمنه ثوبًا يليق به وعبدًا يعتقه، أما إذا لم يكونا مألوفين .. فإنهما يباعان قطعًا، لكن يرد عليه ما لو كان المسكن المألوف واسعًا يكفيه بعضه وتحصل رقبة بباقيه .. فإنه يلزمه العتق.
وكان ينبغي التعبير بالخادم؛ لأن الأمة كذلك، لا سيما إن احتاج إليها للوطء.
ولو كان ماله غائبًا أو حاضرًا ولم يجد رقبة .. لم يجز الصوم في كفارة القتل وجماع رمضان، بل يصبر؛ لأنهما على المتراخي، وكذا كفارة اليمين كما سيأتي في بابها، وفي الظهار وجهان: أصحهما: وجوب الصبر.
قال: (ولا شراء بغبن) أي: وإن قل كالماء للطهارة، واختار البغوي لنفسه الوجوب إذا وجد ثمن الغالي، وفرق بينه وبين التيمم بتكرره بخلاف الكفارة.
وليس المراد أنه يجوز العدول إلى الصوم، بل عليه الصبر إلى وجود ها بثمن المثل، صرح به الماوردي في (باب التيمم).
قال: (وأظهر الأقوال: اعتبار اليسار بوقت الأداء) كالوضوء والتيمم والقيام وا لقعود في الصلاة.
والثاني: الاعتبار بوقت الوجوب كالحد، فإنه لو زنى وهو حر فرق أو عكسه .. أقيم عليه الحد اعتبارًا بحالة الزنا.
قال القاضي: وهذا ينبني على أن المغلب عليها شائبة العقوبة، والأول على أن المغلب فيها العبادة.
والثالث: الأغلظ من الوجوب إلى الأداء.
وقيل: أغلظ الحالين لا ما بينهما، وعلى الأظهر قال الإمام: إذا اعتبرنا الوجوب حال الأداء .. ففي التعبير عن الواجب قبل الأداء غموض، فلا يتجه إلا أن يقال:
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ .. صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ تَتَابُعٍ فِي الأَصَحِّ،
ــ
الواجب أصل الكفارة ولا يعين خصلة، أو يقال: يجب ما يقتضيه حال الوجوب، فإن تبدل الحال .. تبدل الواجب.
قال: (فإن عجز عن عتق .. صام شهرين متتابعين)؛ للآية فلو تكلف الإعتاق بالاستقراض وغيره .. أجزأه على الأصح؛ لأنه ترقى إلى الرتبة العليا.
ولو شرع المعسر في الصوم ثم أيسر .. لم يلزمه الإعتاق، خلافا لأبي حنيفة والمزني وبعض الأصحاب.
ولو صام ثم بان أنه ورث رقبة ولم يعلم بها .. اعتد بصيامه اعتبارًا بظنه لا بما في نفس الأمر، ولو نسيها في ملكه ثم صام .. لم تجزئه للفرق بين الجاهل والناسي.
قال: (بالهلال)؛ لأنها الأشهر الشرعية.
قال: (بنية كفارة) أي: كل ليلة من الليل؛ لما تقدم في (كتاب الصيام) في ذلك.
وشرطها التبييت؛ لأنه صوم واجب، ولا يجب تعيين جهة الكفارة عن ظهار أو قتل أو غيرهما كما تقدم، وعن مالك: تكفي نية صوم الشهرين في الليلة الأولى كما يقول في شهر رمضان، فلو كان عليه كفارتان فصام أربعة أشهر عما عليه من الكفارة .. أجزأه.
قال: (ولا تشترط نية تتابع في الأصح) اكتفاء بالتتابع الفعلي، ولأن التتابع شرط في العبادة فلا يجب بنية فيها كستر العورة في الصلاة.
والثاني: تشترط في كل ليلة كنية الجمة بين الصلاتين.
والثالث: تشترط في الليلة الأولى؛ لأن التمييز يحصل به.
تنبيهان:
أحدهما: يشترط وقوع النية بعد فقد الرقبة، فلو نوى قبل طلبها ثم طللبها فلم يجدها .. وجب تجديدها، قاله الروياني.
فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ .. حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الأَوَّلَ مِنَ الثَالِثِ ثَلَاثِينَ. وَيَزُولُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا بِمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ
ــ
الثاني: إنما يصح صوم الشهرين إذا ابتدأ بهما في وقت يعلم دوامهما، فلو ابتدأ الصوم في وقت يعلم دخول ما يقطعه في أثنائه كشهر رمضان أو يوم النحر .. لم يجزئه، وبهذا صرح في (المحرر) وأهمله المصنف.
قال: (فإن بدأ في أثناء شهر .. حسب الشهر بعده بالهلال وأتم الأول من الثالث ثلاثين)؛ لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال، وفي وجه: يحسب الشهران بالعدد، فإن ابتدأ به في أول الهلال .. صام شهرين هلاليين نَقَصَا أو تَمَّا.
قال: (ويزول التتابع بفوات يوم بلا عذر) ولو كان اليوم الأخير كما إذا أفسد صومه أو نسي النية في بعض الليالي، وهل يفسد ما مضى أو ينقلب نفلًا؛ فيه القولان في التحريم بالظهر قبل الزوال ونظائره.
ولو وطئ المظاهر ليلًا في الشهرين .. عصى ولم ينقطع التتابع، وقال أبو حنيفة: ينقطع، وقال المتولي: ولو وطئها ناسيًا .. لم يبطل تتابعه.
ولو أفطر ظانًا غروب الشمس فأخطأ أو على أن الفجر لم يطلع فأخطأ .. انقطع المتتابع؛ لتفريطه، وفي وجه حكاه والد الروياني: لا ينقطع للعذر.
قال: (وكذا بمرض في الجديد)؛ لأنه أفطر باختياره والمرض لا ينافي الصوم فأشبه ما إذا أجهده الصوم فأفطر.
والمراد: مرض يجوز له الفطر في الصوم الواجب.
والقديم: لا يقطع المتتابع كالحيض، وعلم منه أن خوف المرض قاطع من باب أولى.
قال: (لا بحيض)؛ لأنه ليس باختيارها ولا يخلو منه شهران غالبًا والتأخير إلى اليأس خطر، وهذا إذا لم تعتد الانقطاع شهرين فأكثر، فإن اعتادت ذلك .. لزمها الصوم في زمن لا يتخلله حيض، ويقطع تتابعها الحيض حينئذ.
والنفاس كالحيض لا يقطع التتابع على الصحيح، وقيل: يقطعه لندرته، وهو ظاهر نصوص الشافعي.
وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَوْم ِبَهَرمٍ، أَوْ مَرَضٍ .. قَالَ الأَكَثُرونَ: لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضِ .. كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتينَ مِسْكِينًا
ــ
وفي (تعليقة البغوي): إذا أفطرت بعذر النفاس ينظر، إن شرعت في الصوم في وقت تكمل لها تسعة أشهر في حالة الصوم .. وجب الاستئناف، وإن شرعت في الشهر السادس فولدت قبل تمام التسع .. لم يجب؛ لأنها معذورة، لأن الغالب أن الوضع يكون في تسعة أشهر. أه وهذا يتعين القول به.
فإن قيل: طروء الحيض إنما يتصور في كفارة القتل وفي الجماع في نهار رمضان إذا أوجبناها على المرأة، أما كفارة الظهار .. فلا؛ لأنها لا تجب على النساء، فلم ذكره المصنف؟ فالجواب: أنه يتكلم في مطلق الكفارة، وأيضًا فقد يتصور من المرأة بأن تصوم عن قريبها الميت أو العاجز عن كفارة الظهار بناء على القديم المختار.
قال: (وكذا جنون على المذهب)؛ لعدم الاختيار، ولمنافاته الصوم كالحيض.
والثاني: أنه كطروء المرض.
والإغماء ملحق بالجنون، وقيل كالمرض، وبهذا صرح جمهور الأصحاب.
والفطر بالسفر وفطر الحامل والمرضع خوفًا على الولد .. قيل: كالمرض، وقيل: يقطع قطعًا، وفي (البحر) وجه: أنه يبطل في حق المرضع دون الحامل، فإن أفطرتا خوفًا على أنفسهما .. فهو كالمرض، وفي (الروضة) عن (تجريد المحاملي) أنه: لا يقطع قطعًا، والذي فيه الجزم بأنه كالمرض.
قال: (فإن عجز عن صوم بهرم، أو مرض .. قال الأكثرون: لا يرجى زواله، أو لحقه بالصوم مشقة شديدة، أو خاف زيادة مرض .. كفر بإطعام ستين مسكينًا)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ، ومن ذكر غر مستطيع.
ودخل في المشقة الشديدة شدة الشبق، وقد صرح بها المصنف في كفارة الوقاع. ولا فرق في المسكين بين الكبير والصغير والرضيع والفطيم.
أَوْ فَقِيرًا،
ــ
ويقابل قول الأكثرين رأي الإمام والغزالي؛ فإنهما قالا: لا يجوز بمرض بدون شهرين في غالب الظن، قال في زوائد (الروضة): والأصح ما قاله الإمام، وقد وافقه عليه آخرون، فلو كان لا يرجى زواله فأطعم ثم برئ .. قال الرافعي: يشبه أن يلحق بما إذا أعتق عبدًا لا يرجئ زوال مرضه ثم برئ، قال ابن الرفعة: وتشبيهه بالمعضوب إذا استناب في الحج ثم بري أقرب.
وقوله: (بإطعام) راعى فيه لفظ القرآن، والمراد: تمليكهم، وفي الحديث:(أطعم النبي صلى الله عليه وسلم الجدة السدس) أي: ملكها، فلو غداهم وعشاهم بذلك .. لم يجزئ كما في الزكاة، ويظهر ذلك في التمر وفي الخبز على القول بإجزائه.
كل هذا إذا كان واجدًا للطعام، فإن لم يجد .. استقرت الكفارة في ذمته كما ذكره المصنف في الوقاع.
وعطف المصنف المرض على الهرم من عطف العام على الخاص، وقد استحسنوا قول جالينوس: المرض هرم عارض، والهرم مرض طبيعي، وفي الحديث:(إن الله لم يضع داء .. إلا وضع له دواء إلا الهرم).
قال: (أو فقيرًا): لأنه أشد حاجة من المسكين، فلو كان بعضهم فقيرًا وبعضهم مسكينًا .. جاز إجماعًا، ولا فرق في ذلك بين السائل والمتعفف، فلو دفعها إلى مسكين واحد في ستين يومًا .. لم يجزئ، خلافًا لأبي حنيفة.
فرع:
دفع الطعام إلى الإمام فتلف في يده قبل تفرقته .. لم يجزئه على ظاهر المذهب،
لَا كاَفِرًا، وَلَا هَاشِميًّا وَمُطلِبيًّا، سِتِّينَ مُدًّا
ــ
بخلاف الزكاة؛ فإن الإمام لا يد له على الكفارة بخلاف الزكاة، قاله في (البحر)، والذي قاله القاضي هنا أنه يبرأ ويجزئه.
قال: (لا كافرًا) خلافًا لأبي حنيفة أيضًا، سواء في ذلك الذمي وغيره؛ لأنها صدقة واجبة.
قال: (ولا هاشميًا ومطلبيًا)؛ لاغتنائهما بخمس الخمس، ولذلك لا يجوز الدفع لمواليهم، ولا لمن تلزمه نفقته، ولا إلى عبده ومكاتبه كزكاة المال، وصرفها إلى الأقارب الذين لا تلزم نفقتهم أولى.
قال: ولو صرف إلى عبد بإذن سيده وسيده مسكين .. جاز؛ فإنه صرف إلى سيده، ويجوز صرفها إلى المجنون والصغير، لكن يقبض لهما وليهما، ويجور للمرأة صرفها إلى زوجها المسكين، ولها في ذلك أجران.
قال: (ستين مدًا) قياسًا على كفارة وقاع رمضان؛ لأن الأعرابي الذي جامع فيه أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرقًا فيه خمسة عشر صاعًا فقال: (خذ هذا فأطعم عنك ستين مسكينًا) فيخص كل مسكين مد، وكفارة الظهار مثلها.
وأجابوا عن الحديث الذي رواه أبو داوود عن سلمة بن صخر أنه ظاهر من امرأته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع إلى ستين مسكينًا وسقًا من تمر وهو ستون صاعًا بأنه محمول على الجواز جمعًا بين الخبرين، قال ابن الرفعة: وفية نظر؛ لوروده في معرض بيان الواجب، وقد قال ابن بشكوال: الواقعة واحدة، فسلمة بن صخر هو المجامع في نهار رمضان وهو المظاهر.
وشملت عبارة المصنف ما لو فاوت بينهم فملَّك واحدًا مدين وآخر نصف مد وهو لا يجزئ جزمًا، فلو قال: مدًا مدًا .. سلم من ذلك.
ولو أعطاهم ستين صاعًا وقال: ملكتكم هذا بالسوية أو أطلق فقبلوه .. جاز، خلافًا للإصطخري.
واستشكل في (المهمات) الإجراء في هذه الحالة؛ لأن الكيل ركن في قبض المكيل، وسيأتي في (كفارة اليمين) عن الماوردي أنه لو أعطاهم ثوبًا مشتركًا بينهم
ممَّا يَكُونُ فِطْرَةً
ــ
من غير قطع .. لم يجزئ، وهو موافق لما قاله الإصطخري.
قال: (مما يكون فطرة) المراد: من الجنس المخرج فيها؛ لقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وهو غالب قوت البلد، فلا يجزئ الدقيق والسويق والخبز ولا اللحم، ويجزئ اللبن كما صححه الشيخان في (زكاة الفطر)، وصحح المصنف هنا في (التصحيح) أنه لا يجزئ، وهو خلاف المذكور في سائر كتبه.
تتمة:
اختار الروياني جواز الخبز فيعطى لكل مسكين رطلان، وبه قال الأنماطي وابن أبي هريرة والصيرفي وأبي حنيفة وأحمد، وبه أفتى الصيمري، وأبو ثور في كفارة اليمين خاصة، وقال ابن خيران: يعطى كل مسكين رطلا خبز وقليل أدم، وهذه المقالة أسقطها من (الروضة)، وهي في (الشرح).
ولو دفع مدًا إلى مسكين ثم استرده منه. ودفعه إلى آخر وهكذا حتى استوعب الستين .. كره وأجزأه.
* * *
خاتمة
إذا عجز عن الفصال الثلاث .. استقرت الكفارة في ذمته على الأصح، وإن عجز عن العتق والصوم ولم يملك إلا ثلاثين مدًا أو مدًا واحدًا .. لزمه إخراجه بلا خلاف؛ إذ لا بدل له، وإن وجد بعض مد .. ففيه احتمالان للإمام، قال المصنف: وينبغي أن يجزم بوجوب إخراجه. وإذا اجتمع عليه كفارتان ولم يقدر إلا على رقبة .. أعتقها عن إحداهما وصام عن الأخرى إن قدر، وإلا .. أطعم.
كتاب اللعان