الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الاِسْتِبْرَاءِ
يَجِبُ بِسَبَبَبَيْن: أَحَدُهُمَا: مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إِقَالَةٍ،
ــ
كتاب الاستبراء
هو عبارة عن التربص الواجب بسبب ملك اليمين حدوثًا أو زوالًا، خص بهذا الاسم لأنه مقدر بأقل ما يدل على البراءة من غير تعدد، وسميت العدة لتعدد ما يدل على البراءة فيها، وهو تابع لباب العدد، فلذلك لم يبوب له في) المحرر)، بل جعله فصلًا، والأصل فيه ما سيتي فيه من الأدلة.
قال: (يجب بسببين: أحدهما: ملك أمة بشراء أو إرث أو هبة أو سبي أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة)؛ لأن الفرج حرم عليه ثم حل له.
وقد استشكل تصور الملك المقتضي للاستبراء بمجرد السبي؛ فإن الغنيمة لا تملك قبل القسمة، فكان الأحسن أن يقول: أو قسمة عن سبي، إلا أن يحمل على المسروق من دار الحرب على رأي الإمام والغزالى، والجمهور على خلافه.
ونبه بالأمثلة المذكورة على أنه لا فرق بين الملك القهري والاختياري، وأشار بذلك إلى كل ما كان في معناه كقبول الوصية والفسخ بظن المشتري والرجوع في الهبة ونحوه، حتى لو ملك شخصان أمتين ومضت عليهما مدة الاستبراء ثم اقتسما ووقعت كل واحدة منهما في يد أحدهما، إن قلنا: القيمة بيع .. احتاج كل إلى استبراء، وإلا .. فلا، قاله القاضي حسين في (أبواب الربا).
لكن قول المصنف (يجب بسببين) يقتضي أنه لا يجب بغيرهما، وليس كذلك؛ فإننه لو وطئ أمهة غيره ظانًا أنها أمته .. وجب استبراؤها بقرء واحد، وليس هنا حدوث ملك ولا زواله.
وقوله: (ملك أمة) يقتضي اعتبار ملك جميعها، فلو ملك بعضها .. فلا استبراء؛ إذ لا استباحة.
وَسَوَاءٌ بِكْرٌ وَمَنِ اسْتبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةِ وَغَيْرِهِمَا
ــ
نعم؛ لو كان ملك بعضها ثم ملك باقيها .. لزمه الاسابراء، وهذه تشملها عبارة المصنف.
ثم إن عبارته وعبارة جماعة تقتضي وجوب الاستبراء عند تجدد الملك، وعبارة آخرين تقتضي أنه لا يطلق وجوبه بل يتوقف الحل عليه، وهي أصوب؛ فإن ذلك لا يجب إلا عند إرادة الوطء أو الاستمتاع أو التزويج، أما بغيره .. فلا يجب.
قال: (وسواء بكر ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرهما)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس:) ألا لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض حيضة) رواه أبو داوود [2150] بإسناد صحيح، وصححه الحاكم [2/ 195].
وفي) صحيح مسلم) [1441]: الهَمُّ بلعن من أراد وطء امرأة حامل من السبي.
وعن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خيبر:) لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها) رواه أحمد [4/ 108] وأبو داوود [2151] بإسناد صحيح، وحسنه الترمذي [1131 بنحوه].
وقاس الشافعي والأصحاب ما عدا المسبية عليها، وفي علة وجوبه جوابان للقاضي حسين من نصين للشافعي:
أحدهما: حدوث ملك الرقبة مع فراغ محل الاستمتاع.
والثاني: حدوث ملك حل الفرج، وتظهر ثمرة ذلك في استبراء المحبوسية والمرتدة كما سيأتي، فعلى العلة الأولى .. يكفي، وعلى الثانية .. لا؛ إذ لا حل.
وخرج ابن سريج قولًا: أنه يجب استبراء البكر، وخصه الإمام بالمسبية، ونقله البخاري عن ابن عمر نظرًا للمعني وهو البراءة.
وعن المزني: أنه إنما يجب إذا كانت الأمة موطوءة أو حاملًا، واختاره الروياني في) الحلية).
وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ، وّكّذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الأَصَحِّ، لَا مَنْ حَلَّتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامِ، وَفِي الإحْرَامِ وَجْهٌ. وَلَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ .. اسْتُحِبَّ،
ــ
قال: (ويجب في مكاتبة عجزت) خلافًا لأبي حنيفة.
لنا: انه زال ملك الاستمتاع بها، وصارت إلى حالة لو وطئها لاستحقت المهر، ثم عاد الملك فأشبه ما إذا باعها ثم اشتراها، هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة .. فإنها إذا عجزت .. حلت من غير استبراء كما قاله الرافعي في بابه.
قال: (وكذا مرتدة في الأصح) المراد: أنها ارتدت ثم اسلمت؛ لأن ملك الاستمتاع قد زال ثم عاد فأشبة التي قبلها.
والثاني: لا يجب، وصححة الإمام وابن المنذر؛ لأنها بالعود إلى الإسلام أزلت أثر ما كان بالردة، أنا لو ارتد السيد ثم اسلم، فإن أزلنا ملكه .. وجب الاستبراء، وإلا .. وجب أيضًا على الأصح.
قال: (لا من حلت من صوم واعتكاف وإحرام) وكذا من الحيض والنفاس؛ إذ لا خلل في الملك، وكذا لو حرمت عليه بالرهن ثم انفك؛ لأن ملك الاستمتاع باق، وإنما راعينا جانب المرتهن، ألا ترى أنه يجوز له القبلة والنظر بشهوة.
وصورة المسألة: ان يأذن لها في ذلك وهي في ملكه فتفعل، أما لو اشتراها محرمة أو صائمة صومًا واجبًا .. فلا بد من الاستبراء، ولكن هل يكفي ما وقع في زمن العبادات الثلاث أم يجب استبراء جديد؟ قضية كلام العراقيين: أنه لا يكفي، والاستبراء الواقع في صوم واعتكاف مصور في ذات الأشهر.
قال: (وفي الإحرام وجه) أنه يجب استبراؤها كالمرتدة؛ لأن الإحرام سبب يتأكد التحريم به، والمذهب الذي قطع به الجمهور: الأول.
قال: (ولو اشترى زوجته .. استحب)؛ ليتميز ولد الملك من ولد النكاح، وإنما لم يجب لأنها انتقلت من حل إلى حل، لكن يستثني من ذلك ما لو اشتراها بشرط الخيار .. فالمنصوص: أنه لا يجوز له وطؤها في زمن الخيار، وفيه وجه.
ثم إنما يستحب استبراء الزوجة إذا كانت غير مطلقة طلاقًا رجعيًا، أما إذا كانت
وَقِيلَ: يَجِبُ. وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةً .. لَمْ يَجِبْ، فَإِنْ زَالَا .. وَجَبَ فِي الأَظْهَرِ
ــ
رجعية .. فاستبراؤها واجب؛ لأنها كانت محرمة بالطلاق.
قال: (وقيل: يجب) لتجدد الملك وتبدل جهة الحل، وقال القاضي حسين: عن قلنا: العى حدوث ملك الرقبة .. وجب، أو حدوث الحل .. فلا.
كل هذا في الحر، أما المكاتب إذا اشترى زوجته .. فليس له وطؤها بالملك على المنصوص؛ لأنه لا يملك ملكًا تامًا.
قال: (ولو ملك مزوجة أو معتدة .. لم يجب)؛ لأنها مشغولة بحق غيره فلا فائدة له حينئذ.
قال: (فإن زالا .. وجب في الأظهر) المراد: زالت الزوجية والعدة بأن طلقها زوجها قبل الدخول، أو بعده وانقضت العدة، أو انقضت عده الشبهة .. وجب الاستبراء؛ لزوال المانع ووجود المقتضي.
والثاني: لا يجب، وله وطؤها في الحال؛ لأن موجب الاستبراء حدوث الملك، وإذا تخلف الحكم عن الموجب .. سقط أثره، والخلاف كالخلاف فيما إذا استولد الراهن المرهونة وقلنا: لا ينفذ في الحال، هل ينفذ عند الانفكاك؟ والأصح: نعم.
وإذا قلنا: لا يجب الاستبراء من المزوجة إذا طلقت .. فلمن أراد تعجيل الاستمتاع أن يتحيل به في إسقاط الاستبراء، فيسأل البائع أن يزوجها ثم يشتريها، ثم يسأل الزوج طلاقها فتحل في الحال.
لكن إنما يحصل الغرض إذا لم تكن الجارية موطوءة، أو كان سيدها قد استبرأها؛ إذ لا يجوز تزويج الجارية الموطوءة إلا بعد الاستبراء، فلو أعتقها المشتري في الحال وأراد أن يتزوجها أو يزوجها من البائع أو غيره .. جاز على الصحيح كما سيأتي، وعلى هذا: فهذه حيلة ثانية في تعجيل الاستمتاع: أن يعتقها في الحال ويتزوجها إن لم يبال بفوات ماليتها، ولا يحتاج إلى سؤال التزويج والتطليق.
الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةِ، أَوْ مُسْتَوْلَدَةِ بِعِتْقِ أَوْ مَوْتِ السَّيَّدِ
ــ
والصورة الأولي تسمى: الهارونية؛ فإن هارون الرشيد طلب حيلة في تعجيل الاستمتاع بجارية أراد شراءها، فذكر له أبو يوسف الحيلة الأولى، ويروى: أنه دله على الحيلة الثانية فنفقت سوقه عنده.
وقيل: كان هارون ورث جارية من أبيه فهم بها فقالت: إن أباك أصابني، فسأل العلماء عن ذلك، فأعياهم الجواب، فقال أبو سيف: لا يقبل قولها.
قال القاضي حسين والإمام: ونحن نقول بذلك، لكن هل لها أن تحلفه أنه لا يعلم أن أباه أصابها؟ يحتمل وجهين.
فروع:
لا يجب في شراء الأمة التي كان البائع يطؤها إلا استبراء واحد؛ لحصول البراءة، فلو اشتراها من شريكين وطئاها في طهر واحد .. وجب استبراءان في الأصح كالعدتين من شخصين، كذا صححه الرافعي في آخر) العدد)، وقيل: يكفي استبراء واحد.
وكذلك لو وطئ أجنبيان أمة كل يظنها أمته .. فوطء كل يقتضي استبراء بقرء، ولا تداخل على الأصح.
ولو وطئها المشتري قبل الاستبراء وباعها فأراد المشتري الثاني وطأها فهل يلزمه استبراؤها مرتين: مرة للأول ومرة له، أو تكفي مرة واحدة ويدخل فيها الأول؟ فيه وجهان: أصحهما – على ما قاله الماوردي -: أولهما، وقال الشيخ أبو حامد ونصر المقدسي: لا يجب إلا استبراء واحد.
قال: (الثاني: زوال فراش عن أمة موطوءة، أو مستولدة بعتق أو موت السيد)؛ لأنها كانت فراشًا للسيد، وزوال الفراش بعد الدخول يقتضي التربص كما في زوال الفراش عن الحرة.
وروى مالك [2/ 593] والبيهقي [7/ 447] عن ابن عمر أنه: (عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة، واستبراؤها بقرءٍ واحد) وبهذا قال مالك.
وقال أبو حنيفة: بثلاثة أقراء؛ لأنها حرة.
وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الاِسْتِبْرِاءِ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ .. وَجَبَ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: وَلَوِ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا .. لمْ يَجِبْ، وَيَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ؛ إَذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الاِسْتِبْرَاءِ
ــ
وعن أحمد روايتان:
أصحهما: كقولنا.
والثانية: عليها إن مات سيدها عدة الوفاة كقول الأوزاعي، وفي العتق ثلاث حيض؛ لحديث ضعيف فيه.
والقول بوجوب حيضة هو الأخ بأقل ما قيل، فهو أولى من غيره.
ويندرج في عبارة المصنف الموقوفة إذا جوزنا تزويجها؛ فإنه يجب استبراؤها، وترد على من عبر بزوال الملك؛ لأن الملك فيها لم يزل.
قال: (ولو مضت مدة الاستبراء على مستولدة ثم أعتقها أو مات .. وجب في الأصح) ولا يعتد بما مضى كما لا يعتد بما مضى قبل الطلاق من الأقراء.
والثاني لا يجب كالمسألة التي بعدها.
ولو زوج أمته ثم طلقت قبل الدخول .. فالأظهر وجوب الاستبراء على السيد؛
لأن ملك الاستمتاع زال ثم عاد.
والثاني – وبه قال أبو حنيفة -: لا؛ لأن الملك لم يزل فإن طلقت بعد الدخول فاعتدت .. فقد قيل: يدخل الاستبراء في العدة، وهو رأي ابن أبي هريرة، وقيل: لا يدخل، بل يلزمه استبراؤها، وهو الصحيح؛ لتجدد الحل.
قال: (قلت: ولو استبرأ أمه موطوءة) أي: موطوءة له (فأعتقها .. لم يجب، ويتزوج في الحال؛ إذ لا تشبه منكوحة والله أعلم) كذا حكاه الرافعي عن الأئمة، قال: ولا يأتي فيه الخلاف في المستولدة؛ إ تلك يثبت لها حق الحرية وفراشها أشبه بفراش النكاح.
قال: (ويحرم تزويج أمة موطوءة ومستولدة قبل الاستبراء) أما الموطوءة .. فلأن
وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ .. فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَهِيَ مُزوَّجةٌ .. فَلَا اسْتِبْرَاءِ. وَهُوَ: بِقَرْءٍ – وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الجْدِيدِ -
ــ
مقصود النكاح الوطء، فينبغي أن يستعقب الحل، وهذا بخلاف بيعها؛ فإنه قد يقصد للوطء وقد يقصد لغيره فلا معنى لمنع البائع من البيع، وعلى المشتري أن يحتاط إن قصد الوطء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تسق بمائك زرع غيرك) رواه أبو داوود والترمذي والحاكم وابن حبان.
وأما أم الولد .. فالأصح: صحة تزويجها، لكن يحرم ذلك قبل الاستبراء أيضًا؛ لما قلناه.
ولو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الاستبراء، فإن كان البائع وطئها .. لم يجز، لكن يستثني تزويجها ممن وجب الاستبراء بسبب وطئه كما إذا زوجها من البائع الواطئ.
قال: (ولو أعتق مستولدته .. فله نكاحها بلا استبراء في الأصح) كما يجوز أن ينكح المعتدة منه.
والثاني: لا؛ لأن الإعتاق يقتضي الاستبراء.
قال: (ولو أعتقها أو مات وهي مزوجة .. فلا استبراء)؛ لأنها ليست فراشًا له، بل للزوج، وقيل: يلزمه، ونقل عن القديم، كما لو وطئت المكنوحة بشبهة وشرعت في عدتها فطلقت .. فإن عليها العدة.
قال: (وهو: بقرء وهو حيضة كاملة في الجديد)؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:) ولا حائل حتى تحيض حيضة) وخالف الاستبراء العدة في اعتبارها بالأطهار؛ لأنها لقضاء حق الزوج فختصت بزمان حقه وهو الطهر، والاستبراء شرع لاستباحة الوطء فاختص بالحيض ليفضي إلى إباحة الوطء إذا انقضى.
والقديم – وحكي عن (الإملاء) أيضًا – انه بالطهر كالعدة.
وفي وجه: أن كلًا منهما معتبر مقصود.
وَذَاتُ أَشْهُرٍ: بِشَهْرٍ، وَفِي قَوْلٍ: بِثَلَاثَةِ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيَّدٍ: بِوَضْعِهِ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ .. فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ قُلْتُ: وَيَحْصُلُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِناُ فِي الأَصَحِّ، وَالّلهُ أَعْلَمُ
ــ
وشرط الحيضة: أن تكون كاملة بعد انتقال الملك كما ذكره المصنف، فلا تكفي بقية الحيضة التي وجد السبب في أثنائها، بخلاف ما إذا قلنا: إنه الطهر.
قال: (وذات أشهر: بشهر)؛ لأنه كقرء في الحرة.
قال: (وفي قول: بثلاثة)؛ لأنها أقل مدة تعرف بها براءة الرحم، فلو لم تحص لعارض .. فكنظيرة من العدة.
قال: (وحامل مسبية أو زال عنها فراش عنها فراش سيد: بوضعه)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا حامل حتى تضع) وفيها نزل قوله تعالى) {وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ النِّسَآء إِّلَّا مَأ مَلَكَتْ أَيْمَنكُمْ} أي: بالسبي، رواه مسلم.
و (زوال الفراش) بأن يعتقها السيد أو يموت عنها، ولا فرق بين مستولدته وموطوءته.
قال: (وإن ملكت بشراء .. فقد سبق أن لا استبراء في الحال) وذلك عند قوله: (ولو ملك مزوجه أو معتدة
…
لم يجب) وحينئذ إذا ملكها وهي حامل من زوج أو شبهة وهي في العدة أو في عصمة الزوج .. فلا استبراء في الحال، فإذا زال النكاح أو العدة .. ففي وجوبه حينئذ قولان تقدما، فالاستبراء إما غير واجب، وإما مؤخر عن الوضع فلا يحصل بالوضع، وحكي البغوي في حصوله بالوضع قولين.
قال: (قلت: ويحصل بوضع حمل زنا في الأصح والله أعلم)؛ لإطلاق الحديث، ولحصول البراءة، بخلاف العدة؛ فإنها مخصوصة بالتأكيد، ولذلك اشترط فيها التكرار.
والثاني: لا يحصل كما لا تنقضي به العدة، فّا قلنا بهذا ورأت دمًا على الحمل وقلنا: إنه حيض .. كفى في الأصح.
وَلَوْ مَضَي زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ .. حُسِبَ إِنْ مَلَكَ بإِرْثٍ، وَكَذَا شِرَاءٌ فِي الأَصَحِّ، لَا هِبَةٍ. وَلَوِ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَخَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ .. لَمْ يَكْفِ
ــ
قال: (ولو مضى زمن استبراء بعد الملك قبل القبض .. حسب إن ملك بإرث)؛ لأن الملك به مقبوض حكمًا وإن لم يحصل به القبض حسًا، ولهذا يصح بيعه هذا إذا كانت مقبوضة للميت، فلو ابتاعها ثم مات قبل قبضها .. لم يعتد باستبرائها إلا بعد ان يقبضها الوارث كما ف بيع الموروث قبل قبضه، نبه عليه في) المطلب)، وحكم الانتقال بالوصية بعد القبول حكم الانتقال بالإرث.
قال: (وكذا شراء في الأصح)؛ لتمام الملك ولزومه.
والثاني: لا يعتد به؛ لعدم استقرار الملك، ولا يكتفي بالحيض الواقع في زمن الخيار على الأصح؛ لضعف الملك، وقيل بالفرق بين الحيض ووضع الحمل.
قال: (لا هبة)؛ لعدم استقرار الملك، والمردا: إذا جرى الاستبراء بعد جريان عقد الهبة وقبل القبض .. فإنه لا يعتد به، وكذلك حكم الغنيمة قبل القبض؛ إذ لا يتمان إلا به.
قال: (لو اشترى مجوسية فحاضت ثم أسلمت .. لم يكف)؛ لأن لاستبراء لاستباحة الاستمتاع، وإنما يعتد بما يستعقب الحل.
والثاني: يكتفى بذلك؛ لوقوعه في الملك المستقر، وكذلك الحكم فيما لو اشترى مرتدة أو وثنية.
وقوله: (فحاضت) مثال، والمراد: ما يحصل به الاستبراء من حيضة كاملة أو شهر أو وضع.
فرع:
اشترى العيد المأذون جارية .. فللسيد وطؤها بعد الاستبراء إن لم يكن هناك دين، فإن كان .. فليس له ذلك، فإذا زال الدين بقضاء أو إبراء .. لم يكف ما حصل من الاستبراء قبله في الأصح كالمجوسية، وقد تقدم هذا قبيل (باب ما يحرم من النكاح).
وَيَحْرُمُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ إِلَاّ مَسْبِيَّةً .. فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ،
ــ
قال: (ويحرم الاستمتاع بالمستبرأة)؛ لاحتمال حملها من سيدها فتكون أم ولد له، أو من وطء شبهة فتكون حاملًا بحر، فلا يصح بيعها على التقديرين، ولأن الاستمتاع يؤدي إلى الوطء المحرم.
وأما الخلوة بها .. فنص على جوازها الجرجاني في (الشافي)، ويجوز استخدامها وإن كانت جميلة؛ لأن الشرع ائتمنه عليها، وخالف المرهونة؛ لأن الحق فيها للمرتهن فمنع سيدها من استخدامها، وإذا طهرت من الحيض .. حل الاستمتاع بها فيما عدا الوطء، وبقي تحريم الوطء إلى الاغتسال.
قال (إلا مسبية .. فيحل غير وطء)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم منها
وَقِيلَ: لَا. وَإِذَا قَالَتْ: حِضْتُ .. صُدِّقَتْ. وَلَوْ مَنَعتِ السَّيِّدَ فَقَالَ: أَخْبَرَتْنِي بِتَمَامِ الاِسْتِبْرَاءِ .. صُدِّقَ
ــ
إلا الوطء ، والفرق بينها وبين غيرها: أن المسبية مملوكة بكل حال حائلًا كانت أو حاملًا؛ فانولد الحربي لا يمنع جريان الرق ، وإنما منع الوطء خوفًا من اختلاط مائه بماء حربي.
وروى البيهقي والخرائطي في كتاب (علل القلوب) عن ابن عمر أنه قال: (وقعت في سهمي جارية من سبي جلولاء ، فنظرت إليها فإذا عنقها مثل إبريق الفضة ، فلم أتمالك أن قبلتها والناس ينظرون) فلو كان حرامًا .. لامتنع منه ذلك.
و (جلولاء) بفتح الجيم والمد: قرية من نواحي فارس ، والنسبه إليها جلولي على غير قياس ، فتحت يوم اليرموك سنة سبع عشرة من الهجرة فبلغت غنائمها ثمانية عشر ألف ألف.
قال: (وقيل: لا) كغيرها من الإماء ، وهذا الذي جعله وجهًا ضعيفًا هو نص) الأم) ، وهو المعتمد المعتبر لا في) الرافعي) و (الروضة) كما قاله في (المهمات) ، والخلاف جار في التلذذ بالحامل من الزنا ، قاله الماوردي ، وإذا قلنا بإباحته فيهما .. فذلك فيما فوق السرة ودون الركبة فأما فيما بين ذالك .. فهي فيه كالحائض غير المستبرأة ، كذا قاله الإمام وهو حسن.
قال: (وإذا قالت: حضت .. صدقت)؛ لأن ذلك لا يعرف إلا من جهتها ، ولا تحلف؛ لأنها لو نكلت .. لما استطاع السيد أن يحلف.
قال: (ولو منعت السيد فقال: أخبرتني بتمام الإستبراء .. صدق)؛ لأن الإستبراء باب من التقوى مفوض إلى أمانته ، ولهذا لا يحال بينه وبينها بخلاف الزوجة المعتدة عن وطء الشبهة.
والثانى: أنها المصدقه للأصل ، والأصح فى (الروضة):أن لها تحليفه على ذلك ، وعليها الإمتناع من التمكين إذا تحققت بقاء شيء في زمن الإستبراء وإن أبحناها له في الظاهر.
وَلَا تصَيرُ أَمَةٌ فِرَاشَا إِلَّا بِوَطْءِ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ .. لَحِقَهٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْراءً .. لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ،
ــ
قال: (ولا تصبر أمة فراشًا إلا بوطء* بالإجماع، وبدل له حديث عبد الله بن زمعة الثابت في (الصحيحين)[خ2053 - م1457] فلا تصير فراشًا بالملك ولا بالخلوة ولا يلحقه الولد بذلك، بخلاف النكاح؛ فإن الولد فيه يلحق بمجد الإمكان؛ لأن مقصود النكاح الولد والاستمتاع فاكتفى فيه بالإمكان، وملك اليمين مقصودة التجارة والاستخدام، فلا ينصرف للاستمتاع ما لم يتحقق الوطء، ولهذا: يصح أن يملك من لا تحل له كأخته.
ومجرد عقد النكاح يثبت المصاهرة، بخلاف مجرد الملك؛ فإنه لا يثبتها.
وشمل لإطلاقه الوطء في الدبر، وقد اضطرب فيه تصحيح المصنف كما تقدم، فصحح هنا أنه لا يلحقه، وفي (باب النكاح) اللحوق، وقال الإمام: القول باللحوق ضعيف لا أصل له.
وعند أبي حنيفة لا تصير الأمة فراشًا بالوطء وإن داوم عليه سنين، ولا يلحقه إلا إذا استلحقه ولو ادعت الأمة الوطء وأنها صارت أم ولد، فإن كان السيد قد عرضها على البيع .. سمعت، وإلا .. فلا على الأصح كما سيأتي.
قال:) فإذا ولدت للإمكان من وطئه .. لحقه) أشار بذلك إلى أن معنى كون الأمة فراشًا لأنها إذا أتت بولد من السيد .. لحقه، سواء استلحقه أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بزمعة من غير إقرار منه ولا من وارثه بالاستيلاد وقال:(الولد للفراش)
وروى مالك [2/ 742] عن عمر أنه قال: (لا تأتيني أم ولد يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت نبه ولدها، فأمسكوهن بعد أو أرسلوهن) فاعتبر الاعتراف بالإلمام لا بالولد، ولم يخالفه أحد من الصحابة.
قال: (ولو أق بوطء ونفى الولد وادعى استبراء .. لم يلحقه على المذهب)؛ لأن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم نفوا أولاد جوار لهم بذلك، هذا إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من الاستبراء إلى أربع سنين، فلو ولدته لدون ستة أشهر
وَإِنْ أَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ .. حُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَّرًضُهُ للِاسْتِبْرَاءِ، وَلَوِ ادَّعَتِ اسْتِلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ .. لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتُ وَعَزَلْتُ .. لَحِقَهُ فِي الأَصَحِّ
ــ
من الاستبراء .. لحقه الولد؛ للعلم بأنها كانت حاملًا يومئذٍ.
قال في (الروضة) هنا: وله نفيه باللعان على الصحيح كما سبق هناك، وهو سهو؛ فالسابق هناك تصحيح المنع.
قال: (وإن أنكرت الاستبراء .. حلف أن الولد ليس منه) كما في نفي ولد الحرة، ولا يحتاج إلى التعرض للاستبراء، وفي وجه: أنه يصدق بلا يمين.
قال: (وقيل: يجب تعرضه للاستبراء)؛ لتثبت بذلك دعواه، وقيل: يكفي التعرض للاستبراء فقط، ويكتفى به في نفي النسب.
قال: (ولو ادعت استيلادًا فأنكر أصل الوطء ولد .. لم يحلف على الصحيح) والولد منتف عنه، وإنما حلف في الصورة السابقة؛ لأنه سبق منه الإقرار بما يقتضي ثبوت النسب وهو الوطء.
والثاني: يحلف؛ لأنه لو اعترف .. ثبت النسب، فإذا أنكر .. حلف.
واحترز بقوله: (وهماك ولد) عما إذا لم يكن .. فلا يحلف بلا خلاف، قاله الرافعي.
قال ابن الرفعة: بل يحلف بلا خلاف إذا عرض على البيع؛ لأن دعواه حينئذٍ تنصرف إلى حريتها لا إلى ولدها.
قال: (ولو قال: وطئت وعزلت .. لحقه في الأصح)؛ لأن الماء سباق لا يدخل تحت الاختيار، ولأن أحكام الوطء لا يشترط فيها الإنزال كالتحليل والتحصين.
والثاني: ينتفي عنه كدعوى الاستبراء، فإن قال: كنت أطـ فيما دون الفرج
…
فالصحيح: لا يلحقه؛ لإنتفاء الإيلاج الذي تتعلق به أحكام الوطء.
وقيل: يلحقه؛ لإمكان سبق الماء، والجواب: أنه بعيد عادة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة:
اختلف العلماء في النطقة قبل تمام الأربعين هل لها حرمة على قولين حكاهما المحب الطبري في أوائل كتاب (الأحكام)؛ فقيل: لا يثبت لها حكم السقط والوأد، وثيل: لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخاجخا بعد الاستقرار في الحم، بخلاف العزل؛ فإنه قبل حصولها.
وقال الكرابيسي: سألت أبا بك الفراتي عن رجل سقى جاريته شرابًا لتسقط ولدها فقال: ما دامت نطفة أو علقة .. فواسع له ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذه المسألة تعن بها البلوى، ولا يخفى أن المرأة قد تفعل ذلك لحمل زنًا أو غير ونا، ثم هي إما أمة فعلت ذلك بإذن مولاها الواطئ لها وهي مسألة الفراتي، أو بإذنه وليس هو الواطئ وهي صورة لا تخفى، والنفل فيها عندنا عزيز، وفي مذهب أبي حنيفة شهير؛ ففي (فتاوى قاضي خان) وغيره: أن ذلك يجوز، وقد تكلم الغزالي عليها في (الإحياء) بكلام متين، غير أنه لم يصرح بتحريم، إلا أنه ذكر مسألة العزل ثم قال: يبعد الحكم بعدم تحريمه.
وأفتى الشيخ عماد الدين بن يونس والشيخ عز الدين: بأن المرأة لا يحل لها أن تستعمل دواء لقطع الحبل ولو رضي به الزوج، وينبغي أن يكون ذلك كالعزل، إلا أن يقال: هذا يحصل به اليأس بخلاف العزل.
تتمة:
للسيد بيع أمته من الأجذم والأبرص ح لأن الشراء لا يتعين للاستمتاع، ثم هل لها الامتناع من تمكينه؟ فيه وجهان:
قال في (المهمات) أصحهما: أنه لا يلزمها التمكين، وفي (الشرح) و (الروضة) في هذا الباب ما يؤخذ منه ذلك، وذك الرافعي وجهين في (كتاب النكاح) من غير ترجيح.
قال المصنف: قلت: قال المتولي: أصحهما: يلزمها التمكين، وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما صححه الروياني في (البحر) أيضًا، والصواب المعتمد: أن لها الامتناع كما أفتى به الشيخ عماد الدين بن يونس وغيره.
خاتمة
قال الشيخ أبو محمد الجويني في (التبصرة) والقفال في (الفتاوى) وغيرهما أصول الكتاب والسنة والإجماع متظافرة على تحريم وطء السراري اللاتي يجلبن اليوم من الروم والهند والترك، إلا أن ينصب الإمام من يقسم الغنائم من غير حيف وظلم، وعارضهم الشيخ تاج الدين الفزاري فأفتى بأن الإمام لا تجب عليه قسمة الغنائم بحال، ولا تخميسها، وله أن يفضل، وأن يحرم بعض الغانمين، وزعم أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتضي ذلك، ورد عليه المصنف قوله وقال: إنه خارق للإجماع في ذلك.
هذا إذا أخذوه بالقهر، فأما المسروق والمختلس .. فالمشهور أيضًا: أنه يخمس، خلافًا للغزالي، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في خاتمة (فسم الفيء والغنيمة).
كتاب الرضاع